أخلاقية الهزيمة والجهاد المشرف

طاهر مسلم البكاء

2013 / 5 / 10

ما الذي حصل لنا اليوم نهمل طريق الحق سائرين بطرق الباطل والظلالة ، فقد كنا ننادي بوحدة البلاد الأسلامية وقلبها النابض امة العرب ، لمواجهة التحديات المصيرية المشتركة التي تواجه كل منهما والتي ازدادت خطورتها بعد ان تمكن الصهاينة من ربط مصالحهم الأستراتيجية بمصالح اكبر دولة تتسيد العالم اليوم ،اذ بأستخدام أدوات بسيطة وافكار رجعية تمكن الأعداء ان يتلاعبوا بأفكارنا ويوجدون جماعات مسلحة تصول وتجول في طول بلداننا وعرضها لقتلنا وتخريب بلداننا وتشويه مبادئ ديننا العظيم ،خاتم الأديان السماوية ، لقد غيروا افكارنا وبدأنا نعمل بما يخالف ديننا ، ففي وقت كان علي بن ابي طالب وعمر بن الخطاب يدفنان الخلافات المصنفة على انهاخلافات داخل الأمة الأ سلامية وينصرفان لأعلاء كلمة الله وشد اواصر الوحدة الأسلامية ، وبالتالي يتمكن المسلمون الأوائل رغم قلة عددهم وقلة امكانياتهم من مقارعة أعتى امبراطوريات ذلك الزمان ونشر الدين الأسلامي الحنيف بمادئه السمحاء ، فاننا اليوم مع الأسف ننصرف عن هذا كله ونتنكر لتعاليم ديننا السمحاء ، قال الله تعالى :
- {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105)} [آل عمران] ،
ونبحث عن افكار ومسميات نغرسها في عقول شبابنا لاتنتج سوى الفتنة والتفرقة وتفرقة ليس البلاد الأسلامية وامة العرب فقط بل بلداننا ذاتها سوف تتجزء الى مسميات وطوائف ودويلات ضعيفة ، تظهر قوتها وجبروتها على ما جاورها من دويلات مثلها من ابناء جلدتها ولكنها ستكون وديعة مستكينة امام الصهاينة ، وستصبح ثرواتنا وقراراتنا بأيديهم ، أنها افكار معلنة منذ عشرات السنين وكان رائدها برنارد لويس اليهودي البريطاني الذي عمل اواخر حياته مع الحكومة الأمريكية .
يقول الشهيد الأول محمد باقر الصدر ( ان الأمة في حال تعرضها للهزيمة ،وفي حال فقدانها لأرادتها وعدم شعورها بوجودها كأمة تنشأ لديها بالتدريج أخلاقية معينة هي أخلاقية الهزيمة ،وهذه الأخلاقية تصبح قوة كبيرة جدا" بيد اعداءها ، صانعي هذه الهزيمة ، لأبقاء هذه الهزيمة وتعميقها وتوسيعها ويصبح العمل الشجاع تهورا" ، والتفكير في أمور المسلمين أستعجالا" ،والأهتمام بما يقع على الأسلام والمسلمين من مصائب وكوارث ،نوعا" من الخفة واللاتعقل .
اخلاقية الهزيمة تصطنعها الأمة لكي تبررالهزيمة عندما تنهزم وتشعر بانها قد انتهت مقاومتها ، فتنسج بالتدريج مفاهيم غير مفاهيمها الأولى ،وقيما" واهدافا" ومثلا" غير القيم والمثل والأهداف التي كانت تتبناها في الأول ، لكي تبرر أخلاقيا" ومنطقيا" وفكريا" الموقف الذي تقفه ) .
واليوم وطيلة عصرنا الحالي الذي أحتلت فيه فلسطين عاشت الأمة أخلاقية الهزيمة بكل معانيها ،على الرغم من ثقلها الديموغرافي والعسكري والأقتصادي ،وقد عمّت هذه الأخلاقية حكامها المسيرين والذين هم بيادق تديرها الصهيونية العالمية من وراء الستار ،وفي حقيقة الأمر أن اكبر منجز حققه الصهاينة بعد احتلالهم فلسطين هو ليس أمتلاكهم أسلحة حديثة أو ربط مصالحهم الأستراتيجية بمصالح اكبر دولة في العالم اليوم ،على الرغم من أهميتهما ، ولكن في أمريين مهمين :
الأول : تعميق اخلاقية الهزيمة في نفوس العرب والمسلمون على أمتداد العالم الأسلامي واشاعة ان جيش العدو أسطورة لاتقهر وان على العرب والمسلمون ان يقبلوا بقسمتهم وينتظروا بين زمن وأخر أبتداء قضم اراضي عربية واسلامية جديدة تضاف الى الكيان الصهيوني ،حيث أن قادته يصرحون علنا" أنهم لايحتلون شئ من الأراضي العربية بل انهم قاموا بواجبهم بتحرير اراضيهم المنصوص عليها في خرافات التاريخ التي ابتدعوها هم ، وليس هذا فحسب بل ان العرب والمسلمون لايزالون يحتلون اراضيهم دلالة على الفكر التوسعي الا ّ نهائي الذي لن يقف عند حد !
والأمر الثاني المهم جدا" : الذي يتوجب علينا ان ننتبه اليه كعرب ومسلمون هو تحويلهم الصراع من صراع أسلامي صهيوني لتحرير فلسطين والمقدسات الأسلامية الى صراع مذهبي وطائفي داخل العالم الأسلامي لا شان للصهاينة به ،حيث بدأنا نستأسد على بعضنا وهم علينا يتفرجون ،وليس هذا فقط بل ان الصهاينة أصبحوا اصدقاء لفئات منا ،يمدونهم بالعون المعلوماتي واللوجستي ويبيعونهم السلع والأسلحة الصهيونية ويتبادلون المصالح والسفارات !
وأذا عدنا الى التاريخ الأسلامي نجد ان أخلاقية الهزيمة قد نشأت أبان تسلط الأمويين بالقوة واغتصابهم الخلاف واذلالهم لطوائف عديدة من المسلمين لالذنب سوى لحبهم آل رسول الله ولم ينشأ رد فعل قوي على الساحة الأسلامية إلاّ بعد ثورة الحسين (ع ) في كربلاء ، حيث ادت الدماء الزكية التي سالت على ثرى كربلاء الى ايقاظ الأمة من سباتها وبروز سلسلة من الثورات أدت الى انهاك الدولة الأموية وسقوطها وبروز العباسيين .
واليوم لانجد في سمائنا على امتداد العالمين العربي والأسلامي ما يسجل حالة فخر تشرح قلوب المسلمين وتهدأ من آلام الهزائم المتلاحقة في الصراع العربي الصهيوني سوى مواقف المجاهدين في لبنان ، ومجاهدي غزة الذين يخوضون نضالا" قل نظيره رغم التباين في الأمكانيات المتاحة بينهم وبين العدو .
ان مجاهدي حزب الله وقفوا وقفة عز وشرف وحموا لبنان وحدود العرب فيه ،واثبتوا للأمة الأسلامية أن ما تعيشه هو أخلاقية الهزيمة ،وان جيش الصهاينة الذي صوره قادة العرب المنهزمون انه لايقهر ، هم قادرون لوحدهم على تلقينه الهزيمة تلو الهزيمة في منازلات خالدة لن ينساها التاريخ ، حيث طرزت بدماء الشرفاء من مجاهدي لبنان على ثرى حدود المنازلة ،ستبقى ماثلة ابد الدهر ،ان ماقام به اللبنانيون بقيادتهم البطلة الشريفة ،عجزت عنه جموع العرب والمسلمون بقياداتهم المتواطئة والمهزومة .
أذن ما الذي يدفعنا الى ان نقلل من شأنهم وننعتهم بالنعوت التي لاتليق بأبطال من أمثالهم ، او ليس من الأفضل أن ننظر الى أنفسنا وما عمل الصهاينة بأرضنا وبلادنا تحت مسميات شتى ولايزالون يحيكون الدسائس لفك وحدة بلداننا وتصنيفها على أسس طائفية ومذهبية ووجدنا ممن يحسبون على رجال الدين يطلقون فتاوى ما انزل الله بها من سلطان تحظ على قتل المسلمون لبعضهم البعض وتخريب بلاد الأسلام ، ويقوم الغرب الذي يدعي التمدن بدعم جماعات القتل والتخريب هذه باسم المقاومة ،مستهدفا ً مصالحه لا غير ومتخذا ً من اولئك المغرر بهم جسرا ً لتحقيق اهدافه في المنطقة .
فلنعمل على درء الفتنة و معالجة ما يمكن معالجته ورأب ما يمكن أن يكون قابل للتصدع ونلجم ما يحيكون من مخططات شيطانية يهدفون من وراءها الى تفكيك وحدة العرب والمسلمين ...
ورحم الله أمرؤ عرف قدر نفسه .

taherbakaa@yahoo.com



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن