مجتمع جديد [إشتراكي ٍ] بعمق ثوري و تحرّري : اللبّ الصلب مع الكثير من المرونة

شادي الشماوي
sonson2121@gmail.com

2013 / 4 / 13

مجتمع جديد [إشتراكي ٍ] بعمق ثوري و تحرّري : اللبّ الصلب مع الكثير من المرونة

مقتطف من :

الخلاصة الجديدة للشيوعية و بقايا الماضي .


تعمّق النقاش حول الخلاصة الجديدة لبوب آفاكيان (2): ردّ من المكسيك.

الفصل الخامس من كتاب : " الماوية تنقسم إلى إثنين "

==============================================

مقدّمة " الماوية تنقسم إلى إثنين"
" الماوية : نظرية و ممارسة "عدد -13-
شادي الشماوي
صراع خطين جديد صلب الحركة الأممية الثورية ! نعم ! عقب صراع الخطين الذى عرفته هذه الحركة الماوية و كان محوره مسار الثورة فى النيبال ( و الذى أفردنا له كتابا عنوانه " صراع الخطين صلب الحركة الأممية الثورية " و تجدونه على موقع الحوار المتمدّن )، تشهد اليوم ذات الحركة صراع خطين محتدم صار فى المدّة الأخيرة علنيّا ، منشورا على صفحات الجرائد و على الإنترنت.
منذ سنوات تعطّل النشاط العادي للحركة الأممية الثورية و لم يفهم الكثير من الثوريين و من الماويين عبر العالم الأسباب الحقيقية الكامنة وراء ذلك و ظلّت أسئلة عدّة مثارة قد يعثر على أجوبة لها جزئية فى وثائق متناثرة هنا و هناك وقد تتّخذ حجم الجبال عندما يقرأ المرء نصوصا تهاجم هذا الحزب و ذاك من نفس الحركة و تنعته بنعوت أقلّها التحريفية دون الخوض بعمق فى النقاط الخلافية الحقيقية. و فى ماي 2012 ، أعلنت ثلاثة أحزاب هي الحزب الشيوعي الإيطالي (الماوي ) و الحزب الشيوعي (الماوي) الأفغاني و الحزب الشيوعي الهندي (الماركسي-اللينيني)(نكسلباري) عن موت تلك الحركة و إقترحت بناء منظّمة ماوية عالمية جديدة على أساس قراءة قدّمتها لكن لم تمض مدّة طويلة حتى نشر علنا الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية رسالة توجّه بها إلى كافة الأحزاب و المنظّمات المنتمية إلى الحركة الأممية الثورية و بيّن محتواها بوضوح بلوغ صراع الخطين الذى له جذوره التاريخية فى الحركة مرحلة متقدّمة جدّا.
لا ينبغى على الشيوعيين كماديين جدليين تعمّقوا فى دراسة تطويرات ماو تسى تونغ للمادية الجدلية أبدا أن يستغربوا صراع الخطين فالأمر طبيعي و عادي للغاية ذلك أنّ فى كلّ وحدة أضداد الصراع هو المطلق و الوحدة عرضية و مؤقتة و نسبية و سواء تعلّق الأمر بالأحزاب أو المنظّمات أو الحركات السياسية ، الصراع هو الحياة ، الصراع هو النموّ حسب إنجلز و إنعدامه يعنى الموت ، أمّا الوحدة الثورية فتبنى على الأرقى و يعاد بناؤها على أسس أمتن وأرسخ علميّا و شيوعيّا . ببساطة ما يجدّ اليوم ليس سوى الماوية تنقسم إلى إثنين ، الماوية تخضع هي الأخرى إلى القانون الجوهري للجدلية ، قانون التناقض/ وحدة الأضداد او بصيغة جعلها ماو شعبية فى الصين الإشتراكية " إزدواج الواحد".
لقد أكّد ماو تسى تونغ على هذه الحقيقة الموضوعية و المادية الجدلية فى " حول المعالجة الصحيحة للتناقضات بين صفوف الشعب " قائلا :
" تعتبر الفلسفة الماركسية أن قانون وحدة الأضداد هو القانون الأساسي للكون. وهو قانون مطلق الوجود سواء فى الطبيعة أو فى المجتمع البشري أو فى تفكير الإنسان. فبين الضدين فى تناقض ما توجد وحدة و صراع فى آن واحد، و هذا ما يبعث الحركة و التغير فى الأشياء . إنّ التناقضات موجودة فى كلّ شيء ، إلاّ أن طبيعتها تختلف بإختلاف طبيعة الأشياء . فالوحدة بين الضدين فى التناقض الكائن فى كلّ شيء محدد هي ظاهرة مقيدة ، و مؤقتة ، و إنتقالية، وهي لذلك نسبية ، أمّا الصراع بينهما فإنّه يبقى مطلقا دون تقييد." ( "مقتطفات من أقوال الرئيس ماو تسى تونغ"، صفحة 226).
و قبل ذلك فى " فى التناقض " ، أعرب عن أنّ :
" الصراع يكمن بالضبط فى الوحدة ، و لا وحدة بدون صراع ".
و من الواجب أن يعمل الشيوعيون الثوريون أينما كانوا من أجل المسك بأرقي حلقات تطوّر علم الثورة البروليتارية العالمية و يتخلّصوا من النواقص و الأخطاء و يحاصروا التيارات التحريفية و يلحقوا بها الهزيمة ليبقى لون المنظّمة و لون الحزب او الحركة أحمرا وليتمكّنوا من النهوض بمهامهم الثورية فى قيادة البروليتاريا و شعوب العالم و أممه المضطهدة فى تغيير العالم تغييرا ثوريّا بإتجاه الشيوعية عالميّا. و إن فشلوا فى ذلك تغيّر لون المنظمة أو الحزب او الحركة و باتوا تحريفيين برجوازيين و بئس المصير! ومن واجب الشيوعيين الثوريين أن يتحلّوا باليقظة الدائمة كيما يشيّدوا فى كلّ مرحلة وحدة ثورية حقّا ، لا وحدة إنتهازية تمزج فيها الماركسية و التحريفية معا فتؤول الغلبة فى النهاية إلى التحريفية و بئس المصير !
و مع علمنا بوجود منظّمات و احزاب ماوية أخرى خارج الحركة الأممية الثورية ، فإنّنا نعنى فى المصاف الأوّل بهذا الصراع بالذات و أساسا لإعتبارنا أوّلا أنّ هذه الحركة هي محور ومركز الماوية تاريخيّا ، سياسياّ و إيديولوجيا فمثلا هي التى رفعت راية الماركسية - اللينينة –الماوية و تبنّتها أحزاب و منظمات أخرى من خارجها ؛ و ثانيا أنّ مستقبل الماوية مرتهن إلى درجة كبيرة بهذا الصراع الدائر الآن لمدى أهمية و القضايا المطروحة و دلالتها.
لفهم خطّ الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية ، وهو أحد الخطين المتصارعين ، كنّا قد نشرنا كتابا كاملا يشمل أهمّ وثائقه الجديدة ،" المعرفة الأساسية لخطّ الحزب الشيوعي الثوري ..." المنشور على موقع الحوار المتمدّن. ومن هنا تأتى أهمّية العودة إليه. و قصد توفير جملة من الوثائق الأخرى باللغة العربية للذين يتطلعون لفهم صراع الخطين الحيوي فهما شاملا و عميقا ، موضوعيّا ،لا ذاتيّا ، سعينا قدر الطاقة إلى الإطلاع على مادة كثيفة إنتخبنا منها ما نعدّه الأكثر تعبيرا عن وجهات نظر الخطّين المتواجهين فجاءت فصول الكتاب الحالي حاملة نصين متعارضين فى كلّ فصل منها على النحو التالي :
يتضمّن الفصل الأوّل المعنون "خطّان متعارضان حول المنظمة الماوية العالمية " :
أ- الشعوب تريد الثورة ، البروليتاريون يريدون الحزب الثوري ، الشيوعيون يريدون الأممية و منظمة عالمية جديدة .( بيان مشترك لغرّة ماي 2011)
و القرار 2 الصادر عن الإجتماع الخاص بالأحزاب والمنظمات الماركسية – اللينينية – الماوية المنتمية إلى الحركة الأممية الثورية من أجل ندوة عالمية للأحزاب و المنظمات الماركسية – اللينينية – الماوية فى العالم . ( غرّة ماي 2012. )
و ب- رسالة إلى الأحزاب و المنظمات المنتمية إلى الحركة الأممية الثورية،
الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية – غرّة ماي 2012.
و مضمون الفصل الثاني ،" نظرتان متعارضتان لنظام الدولة الإشتراكية " ، هو :
أ-" نظام الدولة الإشتراكية "، لآجيث ، الحزب الشيوعي الهندي (الماركسي- اللينيني) ( نكسلباري).
و ب- " النقاش الراهن حول نظام الدولة الإشتراكية "، ردّ من الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية / 2006.
و ينطوي الفصل الثالث الوارد تحت عنوان " موقفان متعارضان من " الخلاصة الجديدة " لبوب آفاكيان " على :
أ- " موقفنا من الخطّ الجديدة للحزب الشيوعي الثوري و بيانه و قانونه الأساسي"، الحزب الشيوعي (الماوي ) الأفغاني ، أكتوبر 2010.
و ب - " ردّ أولي على مقال" دراد نوت" بشأن " الخلاصة الجديدة لبوب آفاكيان"، سوزندا آجيت روبا سنغى ، رئيس الحزب الشيوعي السيلاني (الماوي) ، 18 أفريل 2012.
و هذه النصوص جميعها متوفّرة باللغة الأنجليزية على الأنترنت و تحديدا على موقع :
www.bannedthought.org
و نظرا لكون صراع الخطين بالكاد إنطلق علنيّا فمن الأكيد أنّ عدّة وثائق أخرى ستصدر و من أطراف مختلفة . و كلّما عثرنا على وثائق قيمة ، غير إنطباعية و لا تتوخى الشتم و التشويه المجاني أسلوبا بل تبحث عن الحقيقة ، سنبذل قصارى الجهد لوضعها بين أيدى القراء باللغة العربية كفصل أو فصول إضافية لهذا الكتاب. و مقترحات الرفيقات و الرفاق مرحّب بها بالطبع.
و لا يفوتنا هنا أن ندعو رفاقيّا كافة الماويين و الماويات إلى أن يضعوا نصب أعينهم دائما و أبدا تعاليم لينين عن الحقيقة الثورية و تعاليم ماو عن صحة الخطّ الإيديولوجي و السياسي هي المحدّدة فى كلّ شيء و أن يتفاعلوا تفاعلا علميّا رصينا مع هذا الصراع المصيري ، فلن تنفع لا سياسة النعامة و تجاهل الصراع و لا سياسة إصدار الأحكام العشوائية قبل الدراسة المتأنية و المتمعنة على أسس الشيوعية الثورية. و فى تحويل هذا الصراع إلى مدرسة لرفع الوعي الطبقي و تعميق المسك بالخطّ الإيديولوجي و السياسي الشيوعي الثوري بهدف تغيير الواقع ثوريّا بإتجاه الشيوعية عالميا، سيتحمّل لا سيما الماويون و الماويات المتقدّمون فى إستيعاب علم الثورة البروليتارية العالمية، مسؤولية تاريخية ذلك أنّ الماوية فى منعرج تاريخي و الرهان ليس أقلّ من مستقبل الشيوعية و مثلما قال لينين:
" ينبغى للمرء أن يكون قصير النظر حتى يعتبر الجدال بين الفرق و التحديد الدقيق للفروق الصغيرة أمرا فى غير أوانه أو لا لزوم له. فعلى توطد هذا " الفرق الصغير" أو ذاك قد يتوقف مستقبل الإشتراكية – الديمقراطية الروسية [ الشيوعية ] لسنوات طويلة ، طويلة جدا." ( لينين ؛ " ما العمل؟ " ).





مجتمع جديد بعمق ثوري و تحرّري : اللبّ الصلب مع الكثير من المرونة:
على عكس الذين يحاججون بأنّ " الإطار النظري الموجود" للقرن الماضي يكفى ، و الذين يرغبون فى التخلّص من التجربة الماضية على أنّها رئيسيّا سلبية ، فإنّ الخلاصة الجديدة توفّر لنا فهما أعمق لتناقضات سيرورة الإنتقال التاريخي - العالمي من النظام الرأسمالي- الإمبريالي العالمي إلى النظام الشيوعي العالمي ، و تلخيص للأخطاء الثانوية لكن الهامة للماضي ، و إطار نظري جديد و توجه و منهج كيفية التقدّم أكثر و بشكل أفضل فى هذه المرحلة الجديدة من الثورة الشيوعية. ( 26) ( 26- ليس بوسعنا حتى أن نحيط بتلخيص العناصر الرئيسية لهذا هنا ، لذلك نحيلكم إلى " بيان الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية " ، المذكور أعلاه و إلى " المفهوم الجديد للثورة الشيوعية : ما هي الخلاصة الجديدة لبوب آفاكيان ؟ على الأنترنت موقع:
).revcom.us
مساهمة مركزية للرفيق آفاكيان فى كيفية الخوض بشكل أفضل فى موضوع الإنتقال إلى الإشتراكية هي " اللبّ الصلب مع الكثير من المرونة " : هناك حاجة إلى لبّ صلب يستوعب بصلابة الغايات الإستراتيجية لسيرورة النضال من أجل الشيوعية و أهدافه و يلتزم بها . إن فقدنا هذا ، سننتهى إلى إعادة كلّ شيء إلى الرأسماليين بصورة أو أخرى ، مع كلّ الفظائع التى يعنيها ذلك ... هذا من جهة و لكن من جهة أخرى ، إن لم نفتح مجالا لتنوّع كبير و ليكتشف الناس الكثير من الطرق فإنّ ذلك سيتسبّب فى ضغينة كبرى ، و إضافة إلى ذلك ، لن تكون لدينا سيرورة ديناميكية و متعدّدة الجوانب تسمح إلى أكبر درجة ممكنة بظهور الحقيقة و تمنحنا القدرة على تغيير الواقع " (27)( 27- "الأساسي من خطابات بوب أفاكيان و كتاباته " ، الصفحة 59).
هذا شيء عميق و جديد و هام . و فى علاقة جدلية بلبّ صلب يناضل من أجل الشيوعية ، نحتاج ليس فقط إلى السماح بل إلى تشجيع صراع الآراء المتباينة و النقاش و التنوّع و " المرونة ". لماذا ؟ لأنّ هذا التنوّع يوجد فى المجتمع الإشتراكي و عدم الإعتراف بهذا و التعاطي معه على نحو مناسب يؤدّى إلى " ضغينة كبرى" و تبعات سيّئة جدّا ذلك أنّه و إن كانت قيادة الحزب الشيوعي ضرورية ، كذلك من الأساسي أن نشرك فى كلّ مرّة أكثر جماهيرا عريضة فى حكم المجتمع الجديد و الخوض فى مشاكل الإنتقال إلى الشيوعية و لن يتحقّق هذا بالأوامر و إنّما يتطلّب النقاش و صراع الآراء المتباينة . ولأنّه لا توجد خريطة محدّدة سلفا لبلوغ الشيوعية ، فإنّ هذه السيرورة تشتمل على عديد المشاكل المعقّدة و الصعبة التى يجب معالجتها ، و هناك حاجة إلى علاقة جدلية بين اللبّ الصلب الشيوعي و " المرونة " إزاء الكثير من التنوّع و النقاش و التجريب الإجتماعي لإيجاد الأجوبة المناسبة .
سيكون من العسير جدّا أن نعانق بمعنى واسع كلّ هذا و أن نقوده نحو الشيوعية - بالفعل ، يشدّد آفاكيان على أنّه عند نقاط قصوى سنشعر بانّنا نذهب إلى حدود التفكّك - لكن مثل هذه السيرورة الثرية و المتعدّدة الأوجه أساسية بالنسبة لخلق نوع جديد من المجتمع الإشتراكي فيه ترغب أن تعيش الغالبية العظمى و كذلك بالنسبة لجعل المجتمع يتقدّم ، إضافة إلى التقدّم فى الثورة العالمية نحو الشيوعية و ليس العودة إلى الرأسمالية (28) ( 28- لقد إكتشف آفاكيان مظاهرا متنوّعة من تطبيق هذا النوع من الفهم للإنتقال الإشتراكي ( و هذا ينطبق كذلك على النضال فى ظلّ الرأسمالية ) الذى يمكن فقط الإشارة إليه بإقتضاب هنا ، كيفية التشجيع على النقد و صراع الآراء المتباينة ، بما فى ذلك نقد الحزب الشيوعي و قادته ، و السماح بنشر حتى بعض الكتب الرجعية كهدف للنقد و النقاش ، و نقد مفهوم " الإيديولوجيا الرسمية " فى الإشتراكية و من ذلك تكريس القيادة الشيوعية الجوهرية من خلال الصراع الإيديولوجي و السياسي و ليس من خلال الإستحواذ على المواقع القيادية فى المجتمع الجديد ، و دور أكبر للإنتخابات ودولة حقّ إشتراكي. من أجل رؤية فى آن ملموسة و ملهمة لهذا المجتمع الجديد الحيوي و التحرّري ، ننصح بدراسة " دستور الجمهورية الإشتراكية الجديدة من أمريكا الشمالية ( مشروع مسودّة)" للحزب الشيوعي الثوري ، شيكاغو 2010). و مع أنّه يعرض دستورا خاصا بجمهورية إشتراكية لما هو الآن الولايات المتحدة ، فهو ينطوي أيضا على الكثير من العناصر ذات البعد العالمي .)
و يندّد الحزب الشيوعي (الماوي) الأفغاني ، فى الوثيقة التى مرّ بنا ذكرها ، بالخلاصة الجديدة عامة على أنّها " إنسانوية فجّة " و يعارضها " حتى فى ظلّ الإشتراكية " ب" الصراع الطبقي الثوري " و" مواصلة الصراع الطبقي ".( 29) (29-" الطريق الماوي "، الصفحة 41).
و فى الواقع ، مثلما شاهدنا ، تنطلق الخلاصة الجديدة تحديدا من الإقرار بمواصلة الصراع الطبقي العدائي فى ظلّ الإشتراكية و من كيفية التعاطي بصورة أفضل مع هذا و مع تناقضات أخرى للإنتقال من الإشتراكية إلى الشيوعية . إنّهم لا يتفضّلون علينا و لا بمثال عن ما يدّعون من " إنسانوية فجّة " . أيعزى ذلك لأنّ آفاكيان يطرح النضال من أجل " تحرير الإنسانية " و ليس فحسب الطبقات المضطهَدة ؟ لا يقولون لنا إن كان ذلك كذلك . ما يمكن أن نفترضه ، على الأقلّ ، بدفاعهم عن " الإطار النظري الموجود " منذ 40 سنة و بتشديدهم على " الصراع الطبقي" فى معارضة ما يدعون من " إنسانوية فجّة " هو أنّ الحزب الشيوعي (الماوي) الأفغاني ليس موافقا على نقد نزعة نحو" تجسيد" البروليتاريا فى صفوف الحركة الشيوعية فى القرن الماضي .
" تجسيد " البروليتاريا و مجموعات مضطهَدة أخرى " نزعة تعتبر أنّ أشخاصا معينين من هذه المجموعات ، كأفراد ، يمثّلون المصالح العامة للبروليتاريا كطبقة و بمعنى أوسع ، النضال الثوري الذى يتناسب مع المصالح الجوهرية للبروليتاريا " (30) ( 30- بيان الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية ، الفصل الرابع ) .
و قد عبّرت هذه النزعة عن نفسها ، مثلا ، فى فكرة أنّ الأشخاص المنحدرين من الطبقات المستغِلّة سيكون لهم بالضرورة موقف أكثر ثورية و " بروليتارية " من أشخاص من شرائح أخرى . و لئن كان من الأكيد أنّ البروليتاريا هي القاعدة الإجتماعية الأصلب بالنسبة للثورة الشيوعية ، فإنّ هذا لا يمكن أن ينطبق آليّا على الإيديولوجيا و على دور الأفراد : ماركس كما لاحظ لينين " ينحدر من البرجوازية المثقّفة و مع ذلك كان موقفه موقفا ثوريّا أكثر صراحة و تناسبا مع الواقع من ثوريي زمنه. و إنعكاس آخر لذات النزعة الخاطئة يتجلّى فى الفكرة فى الإتحاد السوفياتي أنّه بتدريب تقنيين و آخرين من صفوف العمّال و الفلاحين ، سيعالجون مشكلة تغيير هذه الفئات. و لو أنّ ذلك مثّل تقدّما ضروريّا و هاما ، فإنّه لم يقع إدراك كافي لضرورة المضي فى تقليص الإختلافات بين العمل اليدوي و العمل الفكري ( التى لم تتغيّر و إن كان الأصل الطبقي للتقنيين الجدد بروليتاريّا ) ، و لن يلعب هؤلاء الناس المنحدرين من الطبقة العاملة بالضرورة دورا يتماشى مع التقدّم بالثورة الشيوعية .
و يترجم هذا أيضا فى فهم هدف النضال : هل هو فقط القضاء على إضطهاد و إستغلال الطبقات المضطهَدة و المستغَلّة سابقا ( وهو أمر ضروري بيد أنّه غير كافي ) أم يتطلّب القضاء على " الكلّ الأربعة " التى تعنى تحرير الإنسانية جمعاء من كافة العلاقات و الأفكار المميّزة للمجتمعات الطبقية ؟ خلافا لكافة الطبقات الثورية السابقة ، لا تبحث البروليتاريا عن تحرّرها و عن تركيز هيمنتها على المجتمع و إنّما تبحث عن إضمحلالها مع إضمحلال الطبقات عموما بما أنّه ليس بوسعها أن تتحرّر " دون أن تحرّر فى نفس الوقت ، و إلى الأبد ، كلّ المجتمع من كلّ أنواع الإستغلال و الإضطهاد و الإنقسام إلى طبقات و صراع الطبقات " (31) ( 31- فديريك إنجلز" مقدّمة الطبعة الأنجليزية لسنة 1888" ضمن ماركس و إنجلز " بيان الحزب الشيوعي"، منشورات باللغات الأجنبية ، بيكين 1970، الصفحة 13) أو مثلما صاغ ذلك آفاكيان بطريقة جدّ مختصرة و عميقة ": الشيوعية : عالم جديد تماما و تحرير الإنسانية جمعاء- و ليس " الأخيرين سيصبحون الأوّلين و الأوّلين الأخيرين" (32) ( 32- " الأساسي من خطابات بوب آفاكيان و كتاباته " ، منشورات الحزب الشيوعي الثوري ، الصفحة 33 ، شيكاغو 2011) .
و رغم أنّ الحزب الشيوعي ( الماوي) الأفغاني لا يوفّر لنا لا أمثلة و لا حججا حول إختلافه مع مضمون الخلاصة الجديدة ، فإنّه يعرض علينا النزعة الدغمائية العامة فى صفوف الحركة الشيوعية العالمية و التى كان لها تأثير كبير صلب منظّمتنا ذاتها ، المنظمة الشيوعية الثورية ، المكسيك . و هكذا نظرا لكون الحزب الشيوعي (الماوي) الأفغاني لا يقدّم لنا حججا ملموسة أكثر، نتقاسم مع القراء بعض الحجج من صفوفنا ذاتها و مع آخرين ، على الأرجح لهم ما يوازيها فى شكل أو آخر من المفاهيم الدغمائية التى عبّر عنها الحزب الشيوعي ( الماوي) الأفغاني و آخرون فى الحركة العالمية .
من الحجج المقدّمة أنّ الحديث عن أخطاء الماضي لا يفعل سوى تعزيز هجوم البرجوازية المعادي للشيوعية . و هذا الهجوم واقعي و مثلما علّق آفاكيان ، توجد " قروش حقيقية " (33) تبحث عن إستغلال أخطاء الشيوعيين ، بيد أنّ مقاربة علمية قادرة على فهم المشاكل كما هي حقّا من أجل تقديم حلول واقعية تتطلّب تشخيصا بلا مداورة لما كان صحيحا ( رئيسيّا و كذلك لما كان خاطئا ( ثانويّا ) فى النظرية و الممارسة السابقتين . ( 33- حوار بوب آفاكيان مع بعض الرفاق حول الأبستيمولوجيا:عن معرفة العالم و تغييره" ، " ملاحظات حول الفنّ و الثقافة ،و العلم و الفلسفة " أنسايت براس ، الولايات المتحدة الأمريكية 2005 ، الصفحة 58 . و الحوار بالذات متوفّر على الأنترنت فى موقع
)revcom.us
عند الخوض فى التجربة بطريقة علمية يمكن التمييز بين الأكاذيب و التشويهات من جهة ، و الأخطاء الحقيقية ، من جهة أخرى ، و كذلك يمكن فهم الظروف التى وقعت فيها ، و الأخطاء المعنية فى المنهج و إستخلاص الدروس الهامة . و يعزّز كلّ هذا فى الواقع قدرة الشيوعية على الردّ على الهجوم المناهض للشيوعية و يساهم أيضا فى تطوير فهم ينسجم أكثر مع الواقع لقيادة النضال من أجل الشيوعية . يجسّد منهج عدم النقد المفتوح لمفاهيم الماضي و قول شيء آخر كما لو أنّه مواصلة للماضي بينما هو ليس كذلك ( أو أتعس حتى ، مجرّد تكرار لما هو خاطئ ) تعاطيا تقريبا دينيّا مع الماركسية تسبّب فى قدر كافي من الأذى للحركة .
و حجّة أخرى هي أنّه بتشجيع صراع الآراء المتباينة ستتمّ إعادة تركيز الرأسمالية بسرعة أكبر و قد جرت المحاججة بأنّ ماو حاول شيئا مشابها مع سياسة لتتفتّح مائة زهرة و لتتباري مائة مدرسة فكرية فى خمسينات القرن العشرين و لم ينجح الأمر، إذ إستغلّ اليمين ذلك فوضع إضطرارا حدّا لهذه السياسة. و من الأكيد أنّ البرجوازية القديمة و الجديدة ستحاول إستغلال الفجوات المتاحة للمعارضة لتعيد تركيز الرأسمالية ، و من الأكيد أن مثل هذه المقاربة تتطلّب الكثير و الكثير من الشيوعيين ليقنعوا الناس بحججهم . و مع ذلك ، بيّنت التجربة أن النزعات الغالطة تجاه معالجة التناقضات المعقّدة للإشتراكية بواسطة الأوامر تبقى الجماهير غير واعية و فاقدة للسلاح و تفضى إلى التعامل عدائيّا مع التناقضات فى صلب الشعب و " تصبّ ماء باردا" على الجوّ العام بقمع التلاقح الضروري للأفكار المتنوّعة و العمل العلمي و الفنّي و الثقافي و تخلق تصلّبا فى التفكير غير قادر على المعالجة الصحيحة لتناقضات الإنتقال الإشتراكي المعقّدة و حلّها فى غالبية الأحوال غير " بديهي" .
ثمّة حاجة إلى دراسة أعمق لتجربة " المائة زهرة " بيد أنّه تجدر الملاحظة بأنّه رغم أنّ الرجعيين داخل الحزب و خارجه قد إستغلّوا الإنفتاح ، فإنّ هذا بالفعل قد ساعد على توضيح مختلف المواقف المناقشة التى إستطاع ماو و الثوريون لاحقا نقدها بصورة أعمق وقتالها بصورة أشمل . و هذا لم يكن " نهاية " صراع الآراء المتباينة فى ظلّ الإشتراكية الماوية و لا شيء من هذا القبيل فالثورة الثقافية ، من بين أشياء أخرى ، عنت النقاش و صراع الآراء المتباينة على نطاق واسع .
تمثّل الخلاصة الجديدة و اللبّ الصلب مع الكثير من المرونة تقدّما نوعيّا أبعد بكثير حتى من أفضل ما فى التجربة الماضية ، و تلخيصا علميّا لهذه التجربة يشير إلى أنّ " المرونة " و صراع الآراء المتباينة و النقاش و تنوّع التجريب الإجتماعي الذين يقترحهم أساسيين لتوضيح المشاكل المعقّدة للإنتقال الإشتراكي و لتربية الجماهير و الشيوعيين نفسهم على المواجهة بين وجهات نظر مختلفة فى الصراع بين التقدّم نحو الشيوعية والتراجع نحو الرأسمالية ، و ذلك حتى تساهم الجماهير كلّ مرّة أكثر فى حكم المجتمع الجديد مستفيدة من المساهمات الممكنة لجميع الفئات الإجتماعية الأكثر تنوّعا طالما أنّ لبّا صلبا فى إتساع يبذل قصاري جهده ل"إستيعاب" كلّ هذا بالمعنى الأشمل و يناضل من أجل التقدّم صوب الهدف الشيوعي .
و كذلك جرت المحاججة بأنّ هذا سيعطى دورا أكبر للمثقّفين و الفنّانين ( و بالفعل تقترح الخلاصة الجديدة دورا أكبر للمثقفين والفنانين فى الإشتراكية ) الذين لم يعانوا و بالتالى سيناضلون من أجل إعادة تركيز الرأسمالية ، على عكس العمال و الفلاحين الذين عانوا و بالتالى سيكونون من أنصار الإشتراكة و سيمسكون أكثر بالحقيقة ( يعنى ، تعبير عن " تجسيد " البروليتاريا و مضطهَدين آخرين الذى سبق و أن علقنا عليه ، و كذلك موقف " الحقيقة الطبقية " الذى نقده آفاكيان ) . و لو أنّ الشيوعية تتناسب مع المصالح العامة للبروليتاريا كطبقة ، فإنّ الأشخاص البروليتاريين أو من الفئات المضطهَدة الأخرى ليس موقفهم بالضرورة أفضل و أصحّ و لو أنّ وجهة النظر و المنهج العلمي للشيوعية يقدّمان لنا طريقة أشمل و أكثر منهجية و صراحة لبلوغ الحقيقة ، فإنّ الأشخاص الذين لا يتبنّونها أو حتى يقفون ضدّها يكتشفون كذلك حقائقا. و حال ليزنكو ، فى الإتحاد السوفياتي مثال للضرر الذى تتسبّب فيه هذه الفكرة عن " الحقيقة الطبقية " و أهمّية الإستناد إلى الحقيقة الموضوعية ، بقطع النظر عن من يكتشفها .
وجد جدال فى الإتحاد السوفياتي عندما كان بلدا إشتراكيّا بين مختصّ فى علم الزراعة ، ليزنكو، الذى كان يدافع عن نظرية " وراثة الصفات المكتسبة " التى بيّن العلم خطأها من جهة و علماء آخرين من جهة ثانية كانوا يحاججون بأنّ هذه النظرية لا أساس لها من الصحّة . و تدخّل ستالين و قادة آخرون من الحزب مساندين ليزنكو الذى كان مناصرا للإشتراكية و الشيوعية ، ضد العلماء الآخرين الذين كانت مواقفهم السياسية متخلّفة مقارنة به ، و فى جزء منه لأسباب نفعية - براغماتية ذلك أنّه كان يعد بمعالجة أسرع للمشاكل الحادة فى الفلاحة . وفى الواقع ، فى هذه المسألة كان الحقّ مع العلماء الأكثر معارضة للإشتراكية و إنجرّ عن عدم الإعتراف بذلك ضرر كبير ، ليس فقط لأنّه لم ينجح بل كذلك للمنهج الخاطئ الذى كان يطبّق أيضا فى حالات أخرى ( 34) و الذى صار جزءا من توجه مرشد للعلوم و منهج للحزب . (34- أنظروا مثلا ، آفاكيان : " الدكتاتورية و الديمقراطية ، و الإنتقال الإشتراكي إلى الشيوعية "، متوفّر على الأنترنت :
) .revcom.us
هذا من جهة ومن جهة أخرى ، كجزء من قتال إعادة تركيز الرأسمالية و التقدّم نحو الشيوعية ، من الجوهري التعايش مع الفئات الوسطى و تغييرها. و مثلما يشير آفاكيان " هذه وحدة أضداد : التعايش مع الفئات الوسطى و تغييرها . إذا إقترح المرء التعايش معها فحسب ، سينتهى بتسليم السلطة ليس إلى البرجوازية الصغيرة ، بل إلى البرجوازية التى ستتحكم كلّ مرّة أكثر فى الوضع. و من ناحية أخرى ، إذا إقترح المرء تغيير البرجوازية الصغيرة ( متحدّثين بصفة عامة عن الفئات الوسطى) ، سينتهى إلى التعامل معها كما لو كانت البرجوازية و يدفعها إلى معسكر البرجوازية ما سيقوّض جدّيا دكتاتورية البروليتاريا ، و على هذا النحو كذلك ستخسر السلطة " . (35)( 35- بوب آفاكيان "أسس الثورة الشيوعية و أهدافها ومناهجها"الجزء الأوّل ، متوفّرعلى
).revcom.us
و يتداخل توجّه اللبّ الصلب مع الكثير من المرونة و القطيعة الإبستيمولوجية مع النزعات الخاطئة داخل الحركة الشيوعية العالمية نحو " الحقيقة السياسية " و تحديد " الحقيقة " بالفوائد الظاهرية المباشرة للقوى الثورية ، بالتشديد بالعكس ، على المنهج العلمي للمادية الجدلية و على ضرورة الإعتماد على الحقيقة الموضوعية ، بما فى ذلك " الحقائق المخجلة " لأخطاء إقترفتها الحركة الشيوعية العالمية و بتأكيده على" الحقيقة جيدة بالنسبة للبروليتاريا ، كلّ الحقائق تساعدنا على بلوغ الشيوعية." (36) ( 36- " حوار بوب آفاكيان مع بعض الرفاق حول الإبستيمولوجيا : عن معرفة العالم و تغييره " ، مصدر سابق ، متوفّر على
).revcom.us
والإعتراف الأعمق بأنّ الإنتقال الإشتراكي نحو الشيوعية يستدعي معالجة عديد التناقضات التى لم تحلّ بعدُ ، و بأنّه لهذا ثمّة حاجة إلى التفاعل الجدلي بين اللبّ الصلب الشيوعي و الكثير من " المرونة " و صراع الآراء المتباينة و التجريب الإجتماعي للتمكّن من إيجاد الأجوبة المناسبة مرتبط بالقطيعة الفلسفية مع نزعة " الحتمية "التى نعثر عليها حتى فى " بيان الحزب الشيوعي " كمظهر ثانوي مناقض للمنهج الرئيسي العلمي لماركس و إنجلز و التى بلغت تعبيراتها الأكثر تطرّفا المادية الميكانيكية و الأفكار الماقبلية التحديد الدينية تقريبا ، مثل الأفكار التى يعبّر عنها آبيمائيل غوزمان ، المشهور أكثر ب " الرئيس غنزالو" من الحزب الشيوعي البيروفي من مثل " محكوم علينا أن ننتصر" أو " خمسة عشرة مليون سنة أدّت بالأرض إلى ولادة الشيوعية " (37) ( 37- " من أجل راية جديدة " ، " حرب الشعب فى البيرو، فكر غنزالو" تجميع و نشر لويس آرخى بورخا ، بروكسال ، 1989، الصفحة 144. إضافة إلى فكرة الماقبلية التحديد المتضمّنة فى صيغة تطوّر الأرض يؤدّى بالضرورة إلى الشيوعية ، و فى الواقع يشير العلم إلى انّ الأرض توجد منذ فقط 4 إلى 5 مليون سنة ).

7- لبّ صلب دون مرونة " يفرض " الشيوعية : " التقدّم " بأخطاء القرن العشرين:
إنّ هذا المنهج الميكانيكي و الحتمي مرتبط بمفهوم آخر عن كيفية معالجة مشاكل الإنتقال الإشتراكي نحو الشيوعية : خطّ " حرب الشعب إلى الشيوعية " المعبّر عنه دون الكثير من التطوير النظري من قبل الحزب الشيوعي البيروفي و المكرّر من قبل بعض نقّاد الخلاصة الجديدة .
عند نقد هذا الفهم الخاطئ ، نودّ أن نشير إلى أنّ حرب الشعب فى البيرو بقيادة الحزب الشيوعي البيروفي ورئيسه غنزالو قد مثلت تقدّما هاما فى الثورة الشيوعية العالمية ولّد آمالا جديدة لدى المضطهَدين عبر العالم بأسره . و قد إستحقّت و نالت دعم الشيوعيين و الثوريين و التقدّميين فى كافة أنحاءالعالم . و مع ذلك، هناك حاجة لتحليل أعمق لإستخلاص دروس هذه التجربة الثورية . و لا ندّعي هنا القيام بتقييم أعمّ لخطّ الحزب الشيوعي البيروفي فى ظلّ قيادة غنزالو قبل إقتراحه وهو فى السجن للخطّ الإنتهازي اليميني للتفاوض من أجل إنهاء حرب الشعب. ( 38) ( 38- بعدُ هناك أدلّة كافية عن أنّ أبيماييل غزمان / الرئيس غنزالو هو بالفعل صانع هذا الخطّ . إنظروا " تحليل جدّي لوضع الثورة فى البيرو و حاجياتها " ، " عالم نربحه " عدد 32 .)
أمّا فى ما يتصل بخطّ " حرب الشعب إلى الشيوعية " ، فمن البداية ، نقول إنّ فهم المشكل فهم يجانب الحقيقة : " حين تفقد البرجوازية السلطة تتسلّل إلى الحزب و تستعمل الجيش و تبحث عن الإستيلاء على السلطة وعن تحطيم دكتاتورية البروليتاريا قصد إعادة تركيز الرأسمالية ..."(39) ( 39- " أسس للنقاش" ، ضمن " حرب الشعب فى البيرو ، فكر غنزالو"، الصفحة 370). و هكذا لا يتمّ التمييز بين مشكل ممثلي البرجوازية القديمة المطاح بها الذين يتسلّلون إلى الحزب ، و مشكل البرجوازية الجديدة الذى يظهر فى ظلّ الإشتراكية و بصورة خاصة فى صفوف بعض قادة الحزب الشيوعي بفعل إستمرار " الحقّ البرجوازي" - اللامساوة و العلاقات الموروثة عن المجتمع القديم فى علاقات الإنتاج والعلاقات الإجتماعية- و كذلك الأفكار المناسبة لها و بالفعل ، يلاحظ شيء من هذا الفهم ذاته فى عديد الوثائق فى بداية الثورة الثقافية ، لكن فهم ماو و رفاقه كان يتطوّر أكثر مع تحليل كيف أنّ تناقضات المجتمع الإشتراكي تولّد عناصرا برجوازية جديدة.
و مثلما أشار تشانغ تشن- تشياو، رفيق ماو فى القتال ضد التحريفيين الذين إستولوا فى النهاية على السلطة إثر وفاة ماو ، عندما كانت الصين بعدُ إشتراكية : " يجب أن يكون لدينا وعي بأنّه لا يزال خطر التحوّل إلى التحريفية يهدّد الصين . و يفسر هذا ليس فقط بان الإمبريالية و الإمبريالية الإشتراكية لا تنسيان و لو للحظة الإعتداء عليها و بثّ الإضطراب فيها و بإستمرار عناصر قديمة من طبقتي الإقطاع و البرجوازية اللتان لم تقبلا بالهزيمة ، بل كذلك بولادة عناصر برجوازية جديدة مثلما قال لينين فى كلّ يوم و فى كلّ ساعة " (40) ( 40- تشانغ تشن- تشياو، " حول الدكتاتورية الشاملة على البرجوازية " ، " عالم نربحه " ، عدد 14 ، الصفحة 47). و يجرى تشانغ تحليلا دقيقا لكيفية إستمرار الحق البرجوازي فى علاقات الإنتاج فى ظلّ الإشتراكية و إفرازه برجوازية جديدة و كذلك للصراع حول مواصلة محاصرة الحقّ البرجوازي أم تعزيزه وتوسيعه . عند الحديث عن ضرورة القضاء على " الكل الأربعة " المذكورة أعلاه ، يقول :" كلّ المظاهر الأربعة ! لا يتعلّق الأمر بجزء ، و لا بغالبية ، و لا بغالبية ساحقة ، بل بكلّها !" و يقارن هذه الضرورة بأعضاء الحزب الذين " يوافقون على دكتاتورية البروليتاريا التى تمارسها البروليتاريا فى مرحلة معيّنة و فى حقل معيّن و يفرحون ببعض الإنتصارات التى تحققها " لكن عند بلوغ نقطة محدّدة ، يعارضون مواصلة تقليص الحقّ البرجوازي : دعونا من الدكتاتورية الشاملة على البرجوازية ! عفوا فليقم آخرون بذلك بما انّنى وصلت إلى نهاية رحلتي يجب أن أنزل من الحافلة . ننصح هؤلاء الرفاق : من الخطر أن تقفوا فى منتصف الطريق!" و فى ما يتصل بالقادة أتباع الطريق الرأسمالي يشير :" هل يقترحون تقليص الحقّ البرجوازي ؟ إنهم يقولون إنّه شيء ممتاز يجب توسيعه . إنهم مجموعة من المختصين فى الدفاع عن الأشياء القديمة و هم مثل حشد من الذباب المجتمع طوال اليوم حول " ندوب " و " فضلات " المجتمع القديم التى أشار إليها ماركس . و هم يتحمّسون بصورة خاصة إلى إستغلال فقدان الشباب للتجربة لينشروا فى صفوفه فكرة أنّ الدوافع المادية بمثابة قطعة جبن لها رائحة سيئة ، لكنّها لذيذة " (41) ( 41- المصدر السابق ، الصفحة 53).
و هذا الفهم الماوي المطوّر فى خضمّ الصراع الطبقي فى ظلّ الإشتراكية هو الذى أنقذه بوب آفاكيان و دافع عنه و منهجه فى إثر الإنقلاب فى الصين : " على وجه التحديد قادة الحزب أتباع الطريق الرأسمالي هم الذين يشكلون أكبر خطر على الإشتراكية و يجب أن يكونوا الهدف الرئيسي للنضال الثوري ... تفرز تناقضات المجتمع الإشتراكي- تقسيمات العمل و الإختلافات فى الأجور الباقية ، و إستمرار العلاقات السلعية إلخ ، و إستمرار تأثير الإيديولوجيا البرجوازية - أساس ولادة مستمرّة لعناصر برجوازية فى المجتمع عامة وخاصة فى المستويات العليا للحزب و أساس إستنهاض قاعدة إجتماعية للثورة المضادة . و هذا لا يعنى أنّ كلّ الموظّفين القياديين ببساطة نظرا لموقعهم ، سيتحوّلون بالضرورة إلى برجوازيين خونة للثورة . لكن فعلا يعنى أنّ هذا سيحدث مع البعض ( لا سيما مع الذين ينخرطون فى نمط حياة برجوازي و يتبنّون خطّا سياسيّا و إيديولوجيّا تحريفيّا ) ، و الذين سيشعرون بالضرورة و تتوفّر لديهم فرص تجميع أتباع لإفتكاك السلطة و إعادة تركيز الرأسمالية . و هذا المشكل ، مثلما إستنتج ماو ، سيتواصل طوال مرحلة الإشتراكية إلى أن تعالج هذه التناقضات عبر التقدّم الثوري نحو الشيوعية " ( 42) ( 42- بوب آفاكيان " المساهمات الخالدة لماو تسى تونغ" ، منشورات الحزب الشيوعي الثوري ، 1979 ، ناشرو التحرير 1991 ، شيكاغو ، صفحة 299-300 ).
و يبيّن ذات الإنقلاب فى الصين صحّة هذا التحليل فالذين إستولوا على السلطة لم يكونوا ممثلين للبرجوازية القديمة المطاح بها التى لا زالت موجودة فى تيوان ، بل رئيسيّا ممثلين للبرجوازية الجديدة التى ولّدتها الإشتراكية . و صيغة الحزب الشيوعي البيروفي المشار إليها تتناسى كلّ هذا التطوير للنظرية الماوية و بصراحة ، تعبّر عن تراجع نحو أخطاء ستالين الذى كان يرى خطر إعادة تركيز الرأسمالية مأتاه الممثلون المباشرون للبرجوازية القديمة و للبلدان الإمبريالية . و الحزب الشيوعي البيروفي ، خلافا لستالين ، نعم يعترف بإستمرار الطبقات العدائية فى ظلّ الإشتراكية بيد أنّه يتناسى كيف أنّ العلاقات فى المجتمع الإشتراكي عينه ( العلاقات الموروثة عن الرأسمالية التى يجب تغييرها نحو الشيوعية ) تمثّل القاعدة المادية لظهور برجوازية جديدة و لإعادة تركيز الرأسمالية . و هذا ليس موضوعا هيّنا. إن رأى المرء أنّ المشكل هو ببساطة ممثلو البرجوازية القديمة المطاح بها و البرجوازية العالمية ، سيبدو له أنّ الحلّ المباشر و الفعّال سيكون بشكل أو آخر مجرّد القضاء على هؤلاء الممثلين للبرجوازية القديمة : بقتل الكلب يوضع حدّ لداء الكلب . لكن إن أدركنا أنّ ذات تناقضات الإشتراكية تولّد بإستمرار خطر إعادة تركيز الرأسمالية و بأنّه ليس ممكنا " التوقّف فى منتصف الطريق " دون العودة إلى الراسمالية ، عندئذ يلاحظ أنّ المشكل أعقد.

على ضوء هذا ، ليس غريبا أن يؤكّد الحزب الشيوعي البيروفي أنّه " من الخطإ أن يعالج [ستالين] الأمور بشكل إداري" (43) ( 43-" أسس للنقاش" ، صفحة 313). ويقدّم ذلك كما لو أنّه منسجم مع موقف ماو فى حين أنّه فى الواقع يتنافى مع تقييم ماو الذى لاحظ أنّ " فى حقبة ستالين [ السنوات العشرين من القرن العشرين] ، لم يكن يوجد شيء يعوّلون عليه عدا الجماهير. لهذا كان يُطلب من الحزب و من الجماهير العمالية والفلاحين أن يبذلوا قصاري الجهد للتعبئة. و بعد ذلك ، عندما إمتلك الإتحاد السوفياتي شيئا ، لم يعد قادته يعوّلون على الجماهير " (44) ( 44- ماو ، ذكر فى " المساهمات الخالدة لماو تسى تونغ " ، الصفحة 147).
و بناء على هذا الفهم الخاطئ للمشكل ، يقترح " فكر غنزالو" للحزب الشيوعي البيروفي ، من جهة " التنظيم المسلّح للجماهير و المليشيا الشعبية التى تبتلع الجيش " . ضرورة الإبقاء على جيش محترف فى ظلّ الإشتراكية نظرا فى جانب هام إلى الحصار و العدوان الإمبرياليين ، تناقض هام جدّا فى ظلّ الإشتراكية لكن ، مثلما رأينا ، ليس التناقض الوحيد . و أيضا من الصحيح التشديد على تطوير المليشيات ، غير انّ هذا ليس بوسعه أن يكون حلاّ كاملا لهذا المشكل . و بالفعل ، الثوريون فى الصين نعم قد شجّعوا المليشيات و قد قاوم البعض منها الجيش النظامي زمن الإنقلاب لكنّها لم تستطع مواصلة المقاومة أمام القوات النظامية الأقوى و الأكثر تسلّحا و تدريبا و إنضباطا. و بصورة أعمق ، مجرّد تسليح الجماهير لا يضمن أي خطّ ستتبعه هذه الجماهير : و فعلا عديد المجموعات من الجماهير المسلّحة من المليشيات قد إتبعت تيّار الخطّ التحريفي الجديد فى السلطة .
و من هذا المقترح الجزئي ، يمرّون إلى مقترحات خاطئة و ضارّة بعمق : " عسكرة المجتمع " (45)( 45- " أسس للنقاش" ، الصفحة 370) . وفكرة أنّ تناقضات الإشتراكية تعالج ب" العنف الثوري " : " سنحافظ على مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا بالعنف الثوري عبر الثورات الثقافية ، و لن نمضي إلى الشيوعية إلاّ بالعنف الثوري و طالما هناك مكان على الأرض يُوجد فيه إستغلال سنقضى على هذا الإستغلال بالعنف الثوري" ( 46) ( 46- المصدر السابق ، الصفحة 310). و فى المصاف الأوّل ، تقدّم الثورة الثقافية على أنّها أساسا " عنف ثوري" و هذا تشويه أرعن لنظرية و ممارسة الثورة الثقافية التى أكّد خلالها ماو مرّة تلو المرّة على عدم معالجة التناقضات بواسطة العنف ، وهو ما حصل لأنّ البروليتاريا كانت لا تزال تمسك بالسلطة ، و العنف الذى أطلق كان معاديا لخطّ ماو و أضرّ بتطوّر الثورة الثقافية . وعوض طرح صريح للإختلاف مع ماو ، يعكس تقديم فكرة مناقضة كما لو أنّها كانت فى توافق مع موقف ماو منهج خاطئ ، مثلما أشرنا ، إرثا من النزعات الخاطئة السابقة داخل الحركة الشيوعية العالمية نحو موقف دغمائي و ديني تجاه الماركسية.
بلا شكّ ، العنف الثوري ضروري لقبر الرأسمالية و تركيز الإشتراكية ، للدفاع عن البلدان الإشتراكية ضد العدوان الرأسمالي – الإمبريالي ، و لإعادة تركيز الإشتراكية بعد إعادة تركيز الرأسمالية و إحباط محاولات مسلّحة للإطاحة بالدولة الإشتراكية. و مع ذلك ، لا يمكن أن يكون الوسيلة الرئيسية لمعالجة مشاكل الإنتقال الإشتراكي ، ببساطة " قطع الرؤوس". و من ناحية أخرى ، ليست البرجوازية هدفا ثابتا لا يتحوّل و ليست قابلة للتمييز بسهولة . فالقوى التى تشكّلها لا تتحدّث بصفة مفتوحة عن الرأسمالية : إنّهم قادة من الحزب الشيوعي ذاته يستمرّون فى الدفاع عن خطّ يؤدّى فى الواقع إلى إعادة تركيز الرأسمالية ، و فى لحظات معيّنة يمكن كسب البعض منهم على الأقلّ جزئيّا إلى الخطّ الثوري و آخرون لا يمكن كسبهم و بالفعل القوّة النسبية لمثل هذا الخطّ و إذا كانت له قدرة أم لا على الإستيلاء على السلطة تتغيّران فى علاقة بالوضع الموضوعي فى العالم و فى البلاد. إلى ذلك ، المشكل الجوهري مثلما رأينا ، لا يكمن فى هؤلاء الناس كأفراد بل فى خطّ له أسسه المادية فى المجتمع الإشتراكي . و التجربة قد بيّنت بعد أكثر من اللازم أنّه بإبعاد بعض القادة التحريفيين ، يظهر آخرون و هكذا ، علاوة على إستنهاض الجماهير لقبر القادة التحريفيين ، من الأساسي العمل على أساس المشكل برفع قدرة الناس على التمييز بين الخطّ التحريفي و الخطّ الشيوعي و كذلك كيفية فهم الحاجة العميقة و إيجاد الأشكال المناسبة لمواصلة تغيير " الكلّ الأربعة " نحو الشيوعية .
إنّ إستعمال العنف كوسيلة رئيسية لمعالجة مشاكل الخطّ هذه ، مشاكل الوعي و تغيير الكلّ الأربعة ، فعليّا ضار مثلما تجسّده التجربة السلبية فى الإتحاد السوفياتي . فبالضرورة يؤدّى إلى الخلط بين التناقضات مع العدوّ و التناقضات صلب الشعب بما أنّه يمكن أن يوجد و سيوجد أناس يعارضون التغييرات الإشتراكية الضرورية دون العمل بنشاط من أجل قبر الإشتراكية ، وكذلك الكثير من الناس الذين يتبعون خطّا خاطئا فى لحظة ما يمكن و يجب كسبهم إلى الخطّ الثوري : و فى الحالتين ، هي تناقضات صلب الشعب وجبت معالجتها بصراع إيديولوجي و سياسي و ليس ب " العنف الثوري" . و بالعكس ، فإنّ المحاولات المسلّحة لقبر الإشتراكية نعم يجب تهشيمها . و من ناحية أخرى ، إستعمال العنف كوسيلة رئيسية لمعالجة التناقضات فى ظلّ الإشتراكية " يصبّ ماء باردا على الجو العام" ، واضعا نهاية للنقاشات الكبرى و صراع الآراء المتباينة و صراع الخطين و التى هي جوهرية سواء لإيجاد الحلول المناسبة للمشاكل المعقّدة للإنتقال الإشتراكي أو ليُطوّر فى كلّ مرّة عدد أكبر من الناس القدرة على التمييز بين الشيوعية و التحريفية : بين الخطّ الذى يدافع عن موقف بلغة ماركسية يؤدّى موضوعيّا إلى العودة إلى الرأسمالية و الخطّ الذى يناضل من أجل الخطوات المناسبة للإنتقال إلى الشيوعية فى لحظة معطاة وهو أمر ليس بالهيّن .
الحزب الشيوعي البيروفي و رئيسه إمّا تجاهلا او نبذا تحليل ماو و أنصاره لتعقّد هذه المرحلة الإنتقالية و ضرورة القضاء على " الكلّ الأربعة " . و فى الإستشهاد السابق ، يتمّ الحديث كما لو أنّ الشيوعية هي مجرّد إلغاء الإستغلال . و رغم أنّ هذا جوهري ، فإنّ الثورة الإشتراكية مع مصادرة البرجوازية وتحويل وسائل الإنتاج إلى ملكية الشعب بأسره وملكية جماعية تلغى فى الأساس الإستغلال، لكن فى حال توسيع الخطّ التحريفي اللامساواة فى المجتمع الإشتراكي عوض تقليصها " سيوجد إستغلال " كما كان يقول مؤيدو ماو . إلاّ أنه على حدّ ما رأينا ، هناك مسافة كبرى ( و مرحلة تاريخية بأسرها ) ينبغى قطعها للقضاء على " الكلّ الأربعة " فى العالم قاطبة لأجل بلوغ الشيوعية ، لا تأخذ بعين الإعتبار قول أشياء سخيفة صراحة مثل " الرئيس غنزالو...سيوصلنا إلى الشيوعية " (47) ( 47 المصدر السابق ، الصفحة 369).
و بطريقة مشابهة لما يقترح لحلّ التناقضات المعقّدة للإشتراكية بوسيلة على ما يبدو أبسط لكنّها جوهريّا خاطئة ، بوسيلة فرض الأشياء بواسطة العنف ، جرى كذلك البحث عن معالجة مشاكل صراع الخطين داخل الحزب الشيوعي البيروفي عبر ربط كافة الحزب برئيسه غنزالو، فى إنحراف عميق عن المركزية الديمقراطية و مبدأ أنّ الفرد ( بما فى ذلك الرئيس) يرتبط بالعمل الجماعي و بالحزب . يمكن لقائد ثوري أن يلعب دورا فى غاية الأهمّية فى رفع رؤية الآخرين عندما يناضل من أجل فهم يتناسب مع الواقع المادي و تطوّر الثورة الشيوعية . فلولا نضال لينين ما كان يمكن إستغلال الأزمة الثورية التى ولّدت ثورة أكتوبر و قد علّق ماو أنّ " خلال الثورة الثقافية وجدت لحظات ، لا سيما فى البداية ، حيث كنت الشخص الوحيد الذى يشاطر وجهة نظري". و مع ذلك ، لا يعزى هذا الدور جوهريّا لأيّة ميزة خاصة للقائد الثوري بل للخطّ الذى يدافع عنه : فهمه للمشاكل التى تواجهها الثورة الشيوعية و كيف ستحلّ بطريقة صحيحة. و يتبع الأشخاص و يطبّقون خطّا أو آخر ، لكن الأشخاص فى حدّ ذاتهم لا يملكون خطوطا هي فى الواقع نتاج سيرورة جماعية لحزب أو لحركة عالمية . فى بعض الأحوال ، يمكن للأفراد أن يتوصّلوا إلى تلخيص و تركيز عناصر مفاتيح فى علم الشيوعية ، و فى هذه الحال المعينة يجب الإعتراف بهذا ، لكن لا وجود لأحد لا يمكن أن يخطأ أمام مشاكل الثورة الشيوعية أو حتى تبنّى " حلول" تذهب بالفعل ضد تقدّم هذه الثورة . لذا ، ضمن أسباب أخرى ، أساسية هي القيادة الجماعية ، وربط الفرد ، بما فى ذلك رئيس الحزب ، بالمجموعة و بالنقاش الأكثر حيوية و نقدا صلب هذه القيادة الجماعية .
يبدو أنّ الممارسة الخاطئة بعمق التى كان وفقها مناضلو الحزب الشيوعي البيروفي يقسمون بالولاء للرئيس غنزالو كانت جزءا هاما من منطق أنّه كشخص كان ضامنا على حدّ ما يقال فى العديد من الحالات ، للخطّ الصحيح و للإنتصار. لكن لا أحد فى حدّ ذاته يمكن أن يكون ضامنا لخطّ صحيح فالخطّ الصحيح نتاج لسيرورة تطبيق صحيح للمنهج العلمي للمادية الجدلية لتطوير مفاهيم تعكس أو تعكس جوهريّا الواقع المادي و كيفية تغييره. و الخطّ الصحيح أو الصحيح فى الأساس أساسي لكسب الإنتصار غير أنّه لا يمكن كذلك أن يوجد " ضامن" للإنتصار بما أنّ القوى الثورية يمكن أن تهزم ، ليس رئيسيّا من جراء أخطائها بل من جراء ميزان قوى غير مناسب و أيضا يمكن أن تتدخّل عوامل أخرى فى المسألة .
ما الذى حدث مع سجن غنزالو؟ نفس المنطق الخاطئ بأنّه ضامن الخطّ الصحيح و الإنتصار أدّى إلى التفكير فى أنّ حرب الشعب لا يمكن أن تتواصل بحكم أنّه هو ، الضامن ، غير حاضر و غنزالو نفسه دعا إلى التفاوض حول نهاية حرب الشعب ، و طرح تحليلا غير صائب - خطّا تحريفيّا- فى مواجهة صعوبات حقيقية نجمت عن إيقافه هو وقادة آخرين للحزب ، إلى جانب الصعوبات فى الوضع العالمي .
هذا الخطّ بعدُ قد أحدث ضررا كافيا فى البيرو و فى العالم لكن هذه الطرق الميتافيزيقية و الميكانيكية فى التعاطي مع التناقضات تؤدّى إلى أشياء حتى أتعس فى معالجة مشكل تشييد مجتمع جديد . و مثلما يشير آفاكيان بشأن حالة مغايرة من اللبّ الصلب دون مرونة : " مثال سيئ ، سيئ فى عمومه ، فى فهم هذا [ تنوّع المجتمع الإشتراكي و كيفية التعايش مع الفئات الوسطي و تغييرها ] بصورة جيدة يتجسّد فى تجربة بول بوت فى كمبوديا ( التى سأتناولها هنا بإختصار) حيث عوض إتباع هذه الرؤية ، جرى إتباع رؤية سخرية و كارثية : كانت الجماهير متكوّنة من فلاحين لم يمرّوا بتغيير راديكالي فى طريقة تفكيرهم بالرغم من بعض التغيرات فى الأوضاع المادية ، جماهير من الفلاحين ، لا سيما فى قواعد الإرتكاز التى ركزوها أثناء الحرب ضد حكومة لون نول و الولايات المتحدة الأمريكية ( التى أنشأتها و ساندتها ) ، كان يقودهم مثقفون لهم مشكل جدّي للغاية أشرت إليه فى خطابات و كتابات أخرى : ظاهرة التربية الضيقة ( و سأتحدث عن هذا بعد قليل لأنّه فى الواقع أمر فى منتهى الأهمّية ) ؛ والخمير الحمر، فى ظلّ قيادة بول بوت أمسكوا ببقيّة المجتمع الكمبودي و حاولوا سحقه إلى مستوى الفلاحين ، مستوى ما كان عليه الفلاحون حينها، إفتراضيّا لبلوغ الشيوعية . لنقول ذلك بألطف طريقة فى العالم ، لم يدركوا مطلقا مفهوم اللبّ الصلب مع الكثير من المرونة و لا مفهوم " مظلّة الطيّار" [ أي تنوّع المجتمع الإشتراكي - منظمة الشيوعيين الثوريين] و عن هذا نجمت كوارث و نعم فظائع" (48) ( 48- بوب آفاكيان " مظلّة الطيّار" ضمن " أسس الثورة الشيوعية و أهدافها و مناهجها " ، " الثورة " عدد 48 ، متوفّر على
).revcom.us
لم يكن خطّ غنزالو مساويا لخطّ بول بوت ، بيد أنّ توجه " حرب الشعب إلى الشيوعية " تعبير هو الآخر عن تجاهل التناقضات المعقّدة للإنتقال الإشتراكي إلى الشيوعية و التفكير فى أنّ لبّا صلبا دون أية مرونة لا يمكنه إلاّ أن يفرض حلوله على تنوّع المجتمع الإشتراكي . هذا تمسّك بتكرار أخطاء القرن العشرين و تعميقها والتخلّص من جوهر أكبر مساهمة لماو فى علم الشيوعية ، نظرية مواصلة الثورة فى ظلّ الإشتراكية و رميها فى المزبلة ( و هذا ، فوق ذلك ، بإسم المدّعى " فرض الماركسية - اللينينية - الماوية رئيسيّا الماوية " ) . إنّ تطبيق هذا الخطّ ليس بوسعه سوى أن يؤدّي إلى مصيبة و ليس إلى تحرير.
8- المرونة دون لبّ صلب : " التقدّم " نحو القرن 18 أو لا وجود لشيوعية أفضل من الديمقراطية البرجوازية :
فى حين يدافع البعض عن لبّ صلب دون مرونة ، يتحمّس آخرون إلى " المرونة " مع إعادة إكتشاف الديمقراطية الإنتخابية البرجوازية و التخلّص من ضرورة لبّ صلب يناضل من أجل الشيوعية و خاصة ضرورة القيادة المؤسساتية للحزب الشيوعي فى ظلّ الإشتراكية . هذا هو حال الرئيس براشندا و بابوران باتاراي ، قياديين من الحزب الشيوعي النيبالي ( الماوي) - الآن الحزب الشيوعي النيبالي الموحّد ( الماوي) - و الخطّ التحريفي الذى تبنّاه هذا الحزب فى إجتماع اللجنة المركزية فى أكتوبر 2005 .
يلغى الخطّ التحريفي الجديد للحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) تمام الإلغاء التناقضات الحقيقية للإنتقال الإشتراكي إلى الشيوعية و القضاء على " الكلّ الأربعة " التى قد خضنا فيها و يقلّص المشكل الأساسي فى الإشتراكية إلى " البيروقراطية ". بهذا يعوّض التحليل الجدّي للتناقضات الحقيقية للمجتمع الإشتراكي بالموقع الشائع للتحليل البرجوازي النموذجي ، الإشتراكي -الديمقراطي و التحريفي الذى لا يجد مشكلا آخر سوى " البيروقراطية ". مثلا : " عندما لا ترى الديمقراطية جذورها ضمن كافة الطبقات المضطهَدة ، تظهر نزعات بيروقراطية فى الحزب و فى الدولة و فى المجتمع" ( 49) ( 49- " رسالة من الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) إلى الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية " لغرّة جوان سنة 2006، متوفّرة على
).revcom.us
و قد غيّر الحزب الشيوعي النيبالي ( الماوي) لاحقا إسمه إلى الحزب الشيوعي النيبالي الموحّد ( الماوي) عند توحّده مع ماشال وهي مجموعة قد وصفها سابقا و بصورة صائبة بأنّها تحريفية). و رغم أنّه قد وجدت و ستوجد فعلا مشاكل طرق عمل بيروقراطية ، مثلما رأينا ، فإنّ مشكل صراع الطبقات فى ظلّ الإشتراكية أعمق بكثير من ذلك .
و ينسجم هذا مع تشويه عميق للتجربة الإشتراكية ، بإلغاء نضال الجماهير فى ظلّ قيادة الشيوعيين الثوريين لمواصلة التقدّم نحو الشيوعية ، لا سيما خلال الثورة الثقافية فى الصين ، ضد أتباع الطريق الرأسمالي ضمن قادة آخرين للحزب توصّلوا فى النهاية إلى تنفيذ إنقلاب و سجن الثوريين و قتلهم و إعادة تركيز الرأسمالية . عوض هذا الواقع ، يخرجون علينا بحكاية مخترعة عن الفساد البطيئ و التدريجي البيروقراطي للحزب و الدولة البروليتاريين برمتهما ، دون أية تمييز بين الشيوعيين و التحريفيين و لا بين الإشتراكية و الرأسمالية : " فى الماضي ، الدول البروليتارية عوض أن تخدم الجماهير و تتصرّف كأدوات للثورة المستمرّة ، تحوّلت إلى أسياد على الشعب وأدوات للثورة المضادة ، و عوض المضي بإتجاه الإضمحلال تحوّلت إلى بيروقراطيات كليانية ضخمة و أدوات قمع" (50) ( 50- بابوران باتاراي ، " مسألة بناء نوع جديد من الدولة " ؛ مجلّة " العامل" عدد 9 ، فيفري 2004 ، الصفحة 34 . و هذا المقال الذى نشر فى مجلة اللجنة المركزية للحزب طوّر عدّة أطروحات تحريفية تبنّاها الحزب فى 2005).
و مثل هذا " التحليل " ل " البيروقراطيات الكليانية " مجرّد نقد برجوازي للإشتراكية بثّته آلاف وسائل الإعلام و نقل إلى الأدب المدّعى بأنّه شيوعي . لذا ، مثلما علق لينين على النقد التحريفي للأفكار الجوهرية للماركسية فى أيامه " فلا غرو أن ينبثق الإتجاه "...الجديد " فى الإشتراكية- الديمقراطية تام التكوين دفعة واحدة كما إنبثقت مينيرفا من رأس جوبيتر . لم يكن من الضروري ان يتطوّر هذا الإتجاه و يتطوّر من حيث مضمونه : فقد نقل نقلا من المطبوعات البرجوازية إلى المطبوعات الإشتراكية " أو كما نقول فى عهد الحواسيب هذا " إنسخ و ألصق" (51) ( (51) لينين " ما العمل؟ "، منشورات باللغات الأجنبية ، بيكين 1975، الصفحة 8 [ بالعربية ، " ما العمل ؟" 1- الجمود العقائدي و" حرّية الإنتقاد" أ- ما معنى "حرية الإنتقاد"؟] ).
بإعادة تحديد مشكل الإنتقال الإشتراكي إلى الشيوعية على أنّه " بيروقراطية " عوض القضاء على " الكلّ الأربعة " فى العالم بأسره ، و بتشويه الصراع الطبقي الحقيقي فى البلدان الإشتراكية الأولى ، توصّل الحزب الشيوعي النيبالي ( الماوي) إلى إستنتاج ليس جديدا أبدا ألا وهو أنّ " الحلّ" هو " الديمقراطية " و بصورة خاصّة " التنافس المتعدّد الأحزاب " . " إذا لم يستطع أن ينتصر فى تنافس في صفوف الجماهير للبقاء فى قيادة السلطة ، ستظلّ هناك قاعدة مادية لتحوّل العلاقة بين الحزب و الجماهير إلى علاقة شكلية و ميكانيكية و بالتالي نعتبر أنّ التنافس المتعدّد الأحزاب " من أجل الحكومة الشعبية و إضافة إلى ذلك حق الشعب فى مراقبة التدخّل و حتى إقالة ممثليه من السلطة ، يمثّل نوعا من العقال بأيدى الجماهير يمكن أن يقيلوا الرفاق الذين يخطئون فى الميدان " (52) ( 52- "رسالة... ") .
يقولون إنّ هذا التنافس الإنتخابوي " يظلّ قاعدة مادية " لفساد بيروقراطي ، بتبعات أنّه بمثل هذا التنافس لن توجد بعدُ مثل هذه القاعدة ، غاضين النظر عن القاعدة المادية لإعادة تركيز الرأسمالية فى ذات العلاقات و ذات اللامساواة و الأفكار فى المجتمع الإشتراكي ، الموروثة من الرأسمالية ، و كذلك الصراع الشديد خلال كامل المرحلة الإشتراكية بين النضال فى سبيل التقدّم نحو الشيوعية أو العودة إلى الرأسمالية . و على أساس إلغاء المشكل الأساسي يجدون " الحلّ " فى " التنافس المتعدّد الأحزاب " الذى ليس شيئا آخر سوى الديمقراطية الإنتخابية البرجوازية التى لم تخدم و لا فى حال من الأحوال فى التاريخ إقالة أحد فى السلطة أضرّ ب" مصلحة " الجماهير و نعم خدمت كثيرا إلحاق الضرر بالجماهير و بالشيوعيين الذين يفسدون و يتحوّلون إلى تحريفيين نحو " المصلحة " البرجوازية . و هذا قد بيّنته لنا مرّة أخرى التطوّرات التى شهدها الحزب الشيوعي النيبالي ( الماوي) بوضعه حدّا لحرب الشعب التى قادها طوال عشر سنوات و تسليمه أسلحته و تفكيكه لقواعد الإرتكاز و مشاركته فى الإنتخابات و مشاركته فى حكومة مع عديد أحزاب البرجوازية الكبرى المتحالفة مع الإمبريالية و ترأّسها . هنا يوفّرون لنا مشهد مدّعي الشيوعية يرسلون جنودا نيباليين إلى القتال إلى جانب الإمبريالية الأمريكية فى حربها العدوانية فى أفغانستان فى نفس الوقت الذى يتخلّصون من الثورة الزراعية التى دفع إليها الحزب فى السابق و يعيدون الأرض فى عدّة أماكن إلى الملاكين العقاريين . هذه هي الثمرة المريرة ل " التنافس المتعدّد الأحزاب " .
و مثلما يشدّد على ذلك آفاكيان فى فهمه العميق لجوهريّا ذات الخطّ الذى قدّمه فى زمنه ك. فينو، " نموذجه " حيث " حق حكم " الحزب الشيوعي " يجب أن يقوم تحديدا على المساندة الإنتخابية التى يكسبها بفضل أرضيته الإنتخابية / مثل أيّة أرضية أخرى " ، فى أفضل الأحوال ، سيقود إلى وضع فيه مراكز متنافسة على السلطة ، بأرضياتها الخاصة ، ستتنافس من أجل اصوات الجماهير . نتيجة هذا ( مرّة أخرى ، فى أفضل الأحوال ) ستكون حكومة " تحالف" حيث " الإشتراكيون" و " الشيوعيون من كلّ الأنواع سيتّحدون مع ممثّلي التيارات " الديمقراطية " البرجوازية و البرجوازية الصغيرة الأقل وضوحا ، و حيث بين الإتفاقيات و التسويات يتمّ التلاعب بالمصالح الجوهرية للجماهير و لن يتمّ أي تغيير جذري للمجتمع ( و كلّ محاولة للقيام بذلك سيقع قمعها بسرعة و بفعالية من قبل حكومة " التحالف" ( ألم توجد تجارب كافية حتى لا نقول أكثر من اللازم فى العالم دليل على هذا ؟ " (53) ( 53 - بوب آفاكيان " الديمقراطية : أكثر من أي زمن مضى بوسعنا و من واجبنا أن ننجز ما أفضل!" " عالم نربحه " عدد 17 ، ص 66) و يشير آفاكيان مثلا إلى التجربة الأندونيسية أين أدّى هذا النوع من الطريق البرلماني البرجوازي إلى مجزرة فى حقّ مئات آلاف الشيوعيين و غيرهم . و التجربة الحديثة للنيبال قد بيّنت بدورها بوضوح صحّة تحليله حيث تمخّضت التسويات و الإتفاقيات مع الأحزاب البرجوازية فى النيبال عن التضحية بالمصالح الجوهرية للجماهير و بالثورة من أجل صحن عدس مواقع فى الدولة البرجوازية .
و حاليّا جزء كبير من سكّان الكوكب يعيش فى ظلّ " الديمقراطيّات " مع تنافس إنتخابي بين مختلف الأحزاب حيث يتبيّن سنة بعد سنة أنّه غير ناضج . أين فى العالم و فى التاريخ أفضت الإنتخابات المنظّمة وفق النموذج البرجوازي إلى تكريس المصالح الحقيقية للجماهير ، لا إلى كافة أنواع المغالطات و الأوهام الخاطئة و القمع ؟ و لا فى مكان فى هذا العالم . أين تمّ الحصول على أكثر ديمقراطية بالنسبة للجماهير، و أوسع إمكانيات لتغيير المجتمع بإتجاه القضاء على كلّ أصناف اللامساواة الإجتماعية ، و أوسع إمكانيات للمشاركة فى تسيير الدولة ، و أوسع إمكانيات للتعبير عن آراء الجماهير ، بإستثناء فى التجارب الإشتراكية التى قادها حزب شيوعي و خاصة التجربة الأكثر تقدّما إلى اليوم ، الثورة الثقافية ؟ فى لا مكان .
إفتكاك السلطة من قبل البروليتاريا بالكاد هو الخطوة الأولى فى صراع مديد و مرير يواجه حصار البلدان الإمبريالية المصمّمة على سحقها ، و يواجه مغالطات برجوازية جديدة تتحدّث بإسم " شيوعية " مدعاة ، و يواجه الصراع المعقّد للتقدّم بالثورة العالمية فى نفس الوقت الذى يتجاوز فيه الكلّ الأربعة ، مشركا و ممكّنا فى كلّ مرّة أكثر قطاعات أوسع من الجماهير فعليّا من حكم المجتمع الجديد و تغييره عوض رمي وريقات فى صندوق إنتخاب ل " تقرّر" من هي مجموعة المحتالين التى ستسحقهم و تقمعهم إنطلاقا من الحكومة خلال الأربعة أو الستّ سنوات التالية . فى مواجهة هذه التحدّيات ، لا بدّ من قيادة الحزب الشيوعي فى ظلّ الإشتراكية ، لا بدّ من لبّ صلب يناضل من أجل الشيوعية و لو أنّه على هذا اللبّ مثلما يحاجج آفاكيان أن يشجّع و يقود بالمعنى الأوسع للكلمة مرونة أفضل حتى من أفضل واحدة فى الماضي . و يتضمّن هذا دورا أكبر للإنتخابات التى يتقدّم إليها مرشّحون متنوّعون يمثّلون قوى ومواقفا متباينة و توجه ممارسة القيادة الشيوعية جوهريّا عبر الصراع الإيديولوجي و السياسي و ليس رئيسيّا عبر الإستحواذ على مواقع السلطة. و مع ذلك ، لن يوضع للإنتخاب " إختيار " العودة إلى كابوس الرأسمالية الذى لا يزال يهيمن على العالم و بفعل كلّ ما فى مستطاعه لتقويض الإشتراكية و إلحاق الهزيمة بها ، بعد هذا القدر من تضحيات الناس للتحرّر من هذا الكابوس . و إقتراحات من هذا القبيل بصراحة إجرامية .
" ديمقراطية القرن 21 " للحزب الشيوعي النيبالي ( الماوي) ليست سوى إصدار جديد لخدعة الديمقراطية " الخالصة " " فوق الطبقات " ، يعنى نظرية الديمقراطية البرجوازية المعاد صقلها للمنظّرين البرجوازيين من القرن 18. و مثلما يشدّد آفاكيان : " فى عالم يتميّز بإنقسامات طبقية و لامساواة إجتماعية عميقين ، الحديث عن " الديمقراطية " دون الحديث عن الطبيعة الطبقية لهذه الديمقراطية ، بلا معنى و أسوأ. طالما أنّ المجتمع منقسم إلى طبقات ، لن توجد " ديمقراطية للجميع " : ستحكم طبقة أو اخرى و ستدافع عن و تروّج لهذا النوع من الديمقراطية الذى يخدم مصالحها وأهدافها . المسألة هي : ما هي الطبقة التى ستحكم و إذا ما كان حكمها و نظام ديمقراطيتها سيخدمان تواصل أو فى النهاية القضاء على الإنقسامات الطبقية و علاقات الإستغلال و الإضطهاد و اللامساواة المتناسبة معه "(54) ( 54- ذكره " بيان الحزب الشيوعي، الولايات المتحدة الأمريكية " ، الهامش 15).
ومثلما يشير " بيان الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية " :
" هذان التوجهان الخاطئان" المتناقضان تناقض إنعكاس المرآة " يشتركان فى كونهما تحوّلا إلى أو إنسحبا إلى نماذج من الماضي ، من هذا النوع أو ذاك ( مع أنّ النماذج الخاصة يمكن أن تختلف) : إمّا متعلّقين بالتجربة الماضية للمرحلة الأولى من الثورة الشيوعية ( أو بالأحرى لفهم ناقص إحادي الجانب و فى النهاية خاطئ ) أو الإنسحاب إلى مجمل العصر الماضي و الثورة البرجوازية و مبادئها: عائدين إلى ما هو فى الجوهر نظريات القرن 18 للديمقراطية ( البرجوازية ) بقناع أو بإسم " شيوعية القرن 21" و فى الواقع مساوين " شيوعية القرن 21" هذه بديمقراطية مفترضة " نقيّة " أو " لاطبقية " ، ديمقراطية فى الواقع، طالما وجدت الطبقات لا يمكنها إلاّ أن تعني ديمقراطية برجوازية و دكتاتورية برجوازية " ( 55) ( 55- المصدر السابق ، الفصل الخامس ).
لا نحتاج إلى لبّ صلب دون مرونة " يفرض" فهما مشوّها و فى آخر المطاف تحريفيّا للشيوعية و لا نحتاج كذلك إلى مرونة دون لبّ صلب تعانق الديمقراطية البرجوازية و تؤدّى إلى تعزيز دكتاتورية البرجوازية . و الدغمائيون الكسلة من شاكلة الحزب الشيوعي ( الماوي) الأفغاني لا يقدّمون لنا شيئا ، و هم ليسوا فقط فرحين بعدم تقديم أي شيء جديد بعد ما يناهز الأربعين سنة و إنّما أيضا يحذّروننا من أخطار التجرأ على تطوير شيء جديد . نحتاج إلى لبّ صلب مع الكثير من المرونة ، نحتاج إلى خلاصة جديدة تفتح لنا مجالات رؤية جديدة معا لمجتمع جديد و تحرّري ترغب الغالبية الغالبة العيش فيه ؛ و تفتح طريق التقدّم أكثر و بصورة أفضل فى الإنتقال التاريخي العالمي نحو الشيوعية . هذه هي النظرية الشيوعية التى يمكن و يجب أن تقود الموجة الجديدة من الثورات الشيوعية و إلاّ لن توجد مثل هذه الموجة.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن