مشاعر الذنب - هل هى سيئة دائما ؟

مجدى زكريا

2013 / 4 / 7

يعتبر كثيرون اليوم ان الشعور بالذنب احساس كريه. فهم يشعرون كما شعر الفيلسوف الالمانى فريدريتش نيتشه الذى قال : " الشعور بالذنب افظع مرض يتفشى فى الانسان على الاطلاق. "
لكن بعض الخبراء يتوصلون الان الى استنتاج مختلف. تقول الدكتورة سوزن فورورد , اختصاصية فى المعالجة ومؤلفة معروفة عالميا : " الشعور بالذنب جزء اساسى من الكينونة شخصا حساسا ومسؤولا. انه عمل الضمير ". لذلك قد نتساءل , هل كل مشاعر الذنب سيئة ؟ وهل هنالك حالات يمكن ان تكون فيها مشاعر الذنب مساعدة ؟
يثار الشعور بالذنب عندما ندرك اننا اذينا شخصا نهتم لأمره , او من ناحية اخرى فشلنا فى بلوغ المقاييس التى نشعر انه ينبغى ان نعيش بموجبها. وكما يذكر احد المراجع , يرتبط الذنب " باحساس المرء انه قصر وتحت التزام , وذلك ناجم عن لومه نفسه على فشل , اساءة , جريمة , او خطية ما ".
فى الاسفار العبرانية , ارتبطت الكلمة العبرانية التى تترجم ذنب " اثم " فى الترجمة البروستانتية بفشل الاسرائيلى فى العيش بانسجام مع شريعة الله - وأكثر من نصف الاشارات الى هذه الكلمة موجودة فى سفر اللاويين والعدد للكتاب المقدس. والمثير للاهتمام ان هذه الكلمة تكاد لا توجد فى الاسفار اليونانية المسيحية. ولكن فى المناسبات القليلة التى تظهر فيها , ترتبط على نحو مماثل بالاساءة الخطيرة الى الله.
ولكن من المؤسف اننا قد نشعر بالذنب دون ان نكون فعلا مذنبين. مثلا , اذا كانت لدى الشخص نزعة الى الكمال ويميل الى وضع مقاييس غير معقولة لنفسه. فكل خيبة امل يمكن ان تثير فيه شعورا بالذنب فى غير محله. او قد نسمح للندم الحقيقى على غلطة او خطأ بأن يشتد ويتحول الى شعور بالخزى. فينتهى بنا الامر الى معاقبة انفسنا دون لزوم. اذا , ما الفائدة التى ينجزها الشعور بالذنب ؟
ان الشعور بالذنب يمكن ان يكون مفيدا فى ثلاثة مجالات على الاقل. اولا , يشير الى اننا ندرك ما هى المقاييس المقبولة. ويظهر ان لدينا ضميرا حيا. وفى الواقع , يعتبر كتاب اصدرته جمعية الطب النفسى الاميركية ان انعدام مشاعر الذنب يؤدى الى سلوك يهدد المجتمع. فذوو الضمير الدنس او الميت يصعب عليهم التمييز بين الصواب والخطأ , وهذا امر خطر جدا.
ثانيا , ان الضمير الذى يشعر بالذنب يساعدنا على تجنب الاعمال غير المرغوب فيها . فكما ينبهنا الالم الجسدى الى وجود مشكلة صحية , ينبهنا الالم العاطفى المرتبط بالشعور بالذنب الى وجود مشكلة ادبية او روحية يلزم ان نوليها انتباهنا. وحالما ندرك الضعف , نميل اكثر الى تجنب ايذاء انفسنا , احبائنا , او الاخرين مرة اخرى فى المستقبل.
وأخيرا , ان الاعتراف بالذنب يساعد المذنب والضحية كليهما. فذنب الملك داود , مثلا , رافقه ألم عاطفى مبرح. كتب قائلا : " لما سكت بليت عظامى من زفيرى اليوم كله ". ولكن عندما اعترف اخيرا بخطيته لله. رنم بفرح : " بترنم النجاة تكتنفنى ". والاعتراف يجعل حتى الضحية تشعر بأنها افضل حالا لأن الاقرار بالذنب يؤكد للضحية ان المذنب يحبها الى حد يجعله يأسف على تسبب الكثير من الالم لها.
من اجل حيازة نظرة متزنة الى الذنب , لاحظوا التباين الشديد فى الطريقة التى نظر بها يسوع والفريسيون الى الخطاة والخطية. ففى لوقا 7 : 36 - 50 , نقرأ عن امرأة فاسدة ادبيا دخلت بيت فريسى كان يسوع يتغدى فيه. واقتربت من يسوع , غسلت قدميه بدموعها. ودهنتهما بزيت عطر باهظ الثمن.
نظر الفريسى المرائى باحتقار الى هذه المرأة , معتبرا اياها ادنى منه وغير جديرة ان يمنحها وقته وانتباهه. وقال فى نفسه : " لو كان هذا الانسان (يسوع) نبيا , لعرف من هى المرأة التى تلمسه وماهى , انها خاطئة ". فقوم يسوع تفكيره بسرعة. وقال : " أنت لم تدهن رأسى بزيت. اما هذه فدهنت قدمى بزيت عطر. لهذا أقول لك : مغفورة خطاياها الكثيرة , لأنها احبت كثيرا ". ودون شك , رفعت هذه الكلمات اللطيفة معنويات المرأة وابهجت قلبها.
لم يكن يسوع بأية طريقة يتغاضى عن الفساد الادبى , بل كان يعلم ذلك الفريسى المتفاخر تفوق المحبة بصفتها الدافع الى خدمة الله. طبعا , كان ملائما ان تشعر المرأة بالذنب حيال ماضيها الفاسد ادبيا. ومن الواضح انها كانت تائبة لانها بكت , لم تحاول تبرير سلوكها الماضى , واتخذت خطوات عملية لاكرام يسوع علنا. ولدى رؤية يسوع ذلك , قال لها : " ايمانك قد خلصك : اذهبى بسلام ".
من ناحية اخرى , استمر الفريسى ينظر اليها باحتقار كخاطئة. فربما أمل ان يجعلها تدرك جيدا انها مذنبة الى الله وتشعر بالخزى. لكن الاستمرار فى محاولة جعل الاخرين يشعرون بالذنب اذا كانوا لا يفعلون دائما الامور بالطريقة التى نظن انهم يجب ان يفعلوها , امرا غير حبى. وعلى المدى الطويل لا يحقق النتائج المرجوة.
ان افضل النتائج تأتى من التمثل بيسوع - برسم المثال الصائب , مدح الاخرين بصدق , والتعبير عن الثقة بهم حتى لو لزم احيانا التوبيخ وتقديم المشورة.
ان الشعور بالذنب مفيد اذا. حتى انه ضرورى , عندما نفعل امرا خاطئا. تقول الامثال , 14 : 9 : " الجهال يستهزئون بالاثم ". فالضمير الذى يجعلنا نشعر بالذنب يمكن وينبغى ان يدفعنا الى الاعتراف بذنبنا والقيام بأمور اخرى ضرورية. لكن السبب الرئيسى لنخدم الله ينبغى دائما ان يكون , لا الشعور بالذنب , بل المحبة. ويؤكد لنا الكتاب المقدس انه عندما يشجع وينعش الصالحون بهذه الفكرة , يفعلون كل ما فى وسعهم لارضاء الله. والاهم انهم يفعلون ذلك بفرح.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن