الصراع على سوريا

نضال الابراهيم
lawyer77777@yahoo.com

2013 / 3 / 21

الصراع في سوريا وعلى سوريا ، قديم قدم سوريا ذاتها ، فلا يكاد يخلو تاريخ سوريا الطبيعية في اي مرحله من مراحله ، من الصراع الذي يبدو انه قدر سوريا ، ان تكون محل لصراعات بين شعوب غزت سوريا في غابر التاريخ ، ودول و امبراطوريات مختلفة تشابكت ، واختلفت مصالحها ، الى صراعات داخلية ارتبطت ملفاتها بالصراع الخارجي ، على مدى التاريخ القديم والحديث لسوريا الطبيعية ، والذي نتج عنه بعد انهيار الخلافة العثمانية ، تقسم وتقاسم ولاية سوريا من خلال الوعود والاتفاقات والمؤتمرات ، الاستعمارية للمستعمر القديم الجديد ابتداء بوعد بلفور ، الذي اقتطع جزء من (سوريا الجنوبية) لاقامة دولة الكيان الصهيوني عليه ، وهم ما تم فعلا بتقسيم باقي اجزاء سوريا ، على اسس اثنية وطائفية ومذهبية وجيو- سياسية ما بين فرنسا وبريطانيا ، بعد تنفيذ بنود اتفاقية سايكس- بيكو المشهورة .
ويعود ليبرز الملف السوري الان ، في عصر او عهد ما يطلق عليه ( الربيع العربي ) وانتفاضاته او ثوراته ، كما يطلق عليها ، ليكون الملف الابرز ، بعد ان انجزت الانتفاضات الشعبية ( الثورات) العربية في تونس ومصر وليبيا المرحلة الاولى ، من قيامها بتغير الانظمة او على الاقل رؤوس الانظمة ، التي كانت ولعقود جاثمة على تاريخ ومستقبل شعوب هذه الدول والبدء في صرعات من نوع جديد ، داخل هذه الدول ما بين ما يسمى قوى الثورة والثورة المضادة النموذج المصري ، وبناء الدولة والصراع على شكل ومضمون الدولة ، في النموذج الليبي وتغير جزء من بنية ، الدولة علماني او اسلامي ، والصراع حوله في النموذج التونسي . والنماذج الثلاث المذكورة للدول العربية الواقعة جغرفيا في منطقة وادي النيل وشمال افريقيا او المغرب العربي وهذا الامر له معطيات خاصة به ليس مجال بحثها الان .
مقابل ذلك اعتقد جازما ، ان الصراع على سوريا هو الاهم في سلسلة هذه الانتفاضات الشعبية ( الثورات) بالنسبة للدول العربية ، والقوى الاقليمية والدولية الكبرى .

نقمة الجغرافيا السياسية والاجتماعية على سوريا .

ان وجود ( سوريا الدولة ) ، ونستخدم هذا التعبير ، للتميز بينها وبين سوريا الطبيعية بكياناتها الخمسة ، العراق وسوريا ولبنان وفلسطين والأردن في موقعها الجغرافي المميز ، كان ولا زال اقرب للنقمة عليها من كونه نعمة، وذلك بسبب تشابك مصالح قوى اقليمية على مدى التاريخ القديم ، ومعرفة هذه القوى اهمية السيطرة على سوريا، من خلال منع توحدها وهي القاعدة التي كانت ولا زالت ثابتة ، لكل هذه القوى التاريخية والمعاصر منها ، لان وحدة سوريا تعني بروز عملاق جغرافي وسياسي وثقافي واقتصادي ، لن تستطيع اية قوى اخرى مجابهته ، مما يقلم مخالب اية قوى تطمح بان تكون لها السيادة والنفوذ في كامل منطقة ما يطلق عليه الشرق الاوسط ، ويدمر حلم الكيان الصهيوني بان يكون القوى الاقليمية الاولى في الشرق الاوسط ، ويشكل خطر وجودي على هذا الكيان ، لكونه محتل لجزء من اراضي سوريا التاريخية ،وهي فلسطين والنتيجة ان شعوب هذه المنطقة ، هي صاحبة المصلحة الوحيدة بوجود وعودة سوريا الطبيعية ، لان تصبح كيان سياسي واحد ، وهو ما تفعل كل القوى الاقليمية وحلفائها ، من الفئات الاجتماعية والسياسية في المنطقة ، كل ما بوسعها لبقاء الحال على ما هو عليه ، لا بل لا مانع من تفتيتها اكثر ، ما دام ان ذلك يحقق مصالح هذه القوى الخارجية والداخلية معا ، وهذه الموضوعة كانت دائما على مدى تاريخ سوريا المدخل الرئيس لشن كافة اشكال الحروب السياسية والاقتصادية والثقافية ضد كل كياناتها ، او دولها بشكل يخلق هويات متناقضة بينها ، وصل الى حد شن الحروب الداخلية او الاهلية داخل هذه الكيانات لتثبيت " لحظة تاريخية " ، لا يمكن لأي مشروع توحد او اتحاد ان يكتب له النجاح ، بين دولها بسبب هذه الرواسب والنتئوات التاريخية ، التي اصبحت عماد هوية بعض كيانات هذه المنطقة ، والسؤال الان هل ما يجري في سوريا الدولة هو فعلا فقط ثورة شعب ضد نظام قمعي بوليسي ، من حق الشعب الثورة عليه واستبداله بنظام اخر ، يحقق حلم السوريين بالحرية والكرامة والعدالة والمساواة ، المؤكد ان اي مؤمن بالحرية لا يمكن لها ان يقف على الضد من طموح الشعب السوري ، لو كان الامر هكذا فعلا هو الخلاص من نظام ديكتاتوري ، مثله مثل كل انظمة العالم العربي ، ولكن اعتقد ان من السذاجة الاعتقاد انه يمكن تلخيص ما يجري في سوريا على انه كذلك .
والذي لا شك به وجود ثلاث مسلمات في الشأن السوري ، الاولى عفوية قيام الانتفاضة الشعبية في سوريا بعيدا عن نظريات المؤامرة ، والتي بدأها مجموعة تلاميذ مدرسة في مدينة درعا بترديد العبارة السحرية ، للثورات العربية ( الشعب يريد اسقاط النظام) وهم لا يعرفون معناها .
المسلمة الثانية هي بوليسية وقمعية النظام السوري والتي هي جزء من ايدلوجيا كل الانظمة الشمولية في ثنائيتهما التاريخية ( الحزب الواحد – القائد الواحد الابدي الملهم ) والثالة استهداف الدولة السورية بهدف تغير بنيتها وشكلها من جديد بما يؤائم مشاريع مختلفة قد تقاطعت اهدافها او تناقضت تحت مسيمات مختلفة (حرية للشعب السوري – الشرق الاوسط الجديد – الفوضى الخلاقة ) . قد لا يهم كثيرا المسميات بقدر اهمية الاحداث والوقائع على الارض .
وقد يكون ابرز الملفات المطلوب انجازها او صناعات المقدمات لانجازها ، بالنسبة للغرب وإسرائيل من جانب والقوى الاقليمة الرئيسية ايران وتركيا من جانب اخر هي الاتي :
- الملف الايراني وحزب الله .
- اتفاقية السلام بين سوريا الجديدة ولبنان والكيان الصهيوني .
- ملف المقاومة الفلسطينية .
حرب
النقاط او الضربة القاضية .
في الملاكة احد الخصوم اما ان يفوز بعدد النقاط او الضربة القاضية
وقد تم تجريب النظام الاول مع سوريا بمراحل مختلفة ، قبل وبعد اخراجها من لبنان بموجب قررات دولية على اثر اغتيال رئيس الوزارء اللبناني رفيق الحريري وما تلاه من ضربات صغيره ومؤثرة ، لم تصل الى حد اسقاط سوريه وجعلها ترضج لمتطلبات الاندماج في التشكيلة الجديدة المزمع بنائها في الشرق الاوسط ، وقد كان ما يسمى الربيع العربي وبديات ومقدمات الانتفاضة السوريه فرصه للغرب لاعادة انتاج مشروعه على اساس الضربة القاضية ، وهنا تقاطعت مصلحة الجزء الثأئر من الشعب السوري ، ومعارضة الخارج مع مصالح الغرب وإسرائيل ، لتحقيق الغاية من كل هذه الملفات مره واحده ، ويتبدو الصورة الان اكثر وضوحا من خلال المعطيات الاتية .
المطلب القديم الجديد للغرب " وتحالف الاعتدال العربي " من سوريا فك الارتباط من ايران وحزب الله ، يقابله تطبيع العلاقات الامريكية مع سوريا والضغط على اسرائيل للدخول بمفاوضات سلام مع سوريا ، على مبدءا الارض مقابل السلام والتطبيع الكامل ، ولكن الموقف السوري كان متعنت بالنسبة لهم ، وذلك بسبب عدم قبوله لتفاقية سلام تقتطع جزء من الجولان ، ولا تلتزم بقرارات الامم المتحدة .
الملف النووي الايراني وهذا الملف ، اسرائيلي وخليجي بامتياز فقد اجتمعت مصلحة اسرائيل ، ودول الخليج للانتهاء من هذا الملف ، الذي يسبب ارق سياسي لهم ، ايران النووية خطر يتهدد اسرائيل ودول الخليج والنفوذ الاميركي ، من سنوات عدة والمحاولات من الطرفين او لنقل الطرف الواحد كون دول الخليج وامريكا واسرئيل تتبنى استراتجية واحدة اتجاه هذا الملف لذلك اجمعت مصالحهم على منع ايران بأي وسيلة ، من المضي قدما في مشروعها النووي رغم كل التأكيدات الايرانية بان مشروعها هو سلمي ، لغايات انتاج الطاقة وليس اسلحة نووية ، ولكن ذلك لم يقنع هذه الاطراف ولا المجتمع الدولي بذلك ، ويبدو ان ايران قد خطت خطوات كبيرة في مشروعها النووي مما استفز هذه الاطراف وجعلها في تحالف مستمر بخصوص هذا الملف ولا ادل على ذلك من حالة الاصطفاف ، الذي مارستها دول ما كان يسمى محور الاعتدال في حرب 2006 بين المقاومة اللبنانية ، وإسرائيل والدعم والتحريض للقضاء على حزب الله الذي يعتبر بالنسبة لها ، احد اذرع ايران العسكرية والعقائدية في المنطقة، والقضاء عليه يفك عقدة ثلاثية بالنسبة لجميع الاطراف ، والمدخل الرئيس للقضاء على حزب الله هو اسقاط النظام السوري الداعم والمتحالف معه ، والنتيجة اسرائيل تتخلص من عدو ادمى اطرافها ويقض مضجعها ويهدد امنها ، من سنوات وانتصر عليها وانتزع الجنوب اللبناني المحتل منها ويقلم اظافر ايران في بلاد الشام ودول الخليج ، مما يضعف الموقف التفاوضي لإيران في ملفها النووي والاعتراف بها كقوى اقليمية رئيسة في المنطقة .
والتخلص من وجود المقاومة الفلسطينية في دمشق او ما كان يطلق عليه الفصائل العشر التي تعارض اتفاقية اوسلو وعلى رئسها القوة الضاربة حماس ، لغايات حصار هذه الفصائل للقبول بالامر الواقع او تصفيتها وتفسيخها ، خصوصا لو قامت سوريا بطردها من دمشق فاي دولة في العالم تجروء على استقبالهم دون مباركة امريكية اسرائيلية .
اما قضية السلام بين سوريا وإسرائيل ، فقد وقفت سوريا حجرة عثره في وجه الاشتراطات الاسرائيلية والأمريكية ، بإتمام صفقة السلام حسب شروطهم ، وهو ملف شائك للغرب وإسرائيل ، لا بد من الانتهاء منه ، ويبدو ان الانتهاء منه اصبح يتطلب وجود نظام في سوريا اكثر مرونة بالنسبة لهم طبعا ، يمكن ان يوقع اتفاقية سلام حسب المقاس الغربي – الاسرائيلي للسلام ، وخصوصا ان هناك اشارات مشجعة من معارضة الخارج السورية التي بيدو ان بعض فصائلها بدأت مبكرا بمغازلة اسرائيل ، من خلال القنوات الاعلامية ، بانه لا مانع لديها من الاعتراف بإسرائيل ، او عقد اتفاقات سلام معها دون بيان من هذه المعارضة الوطنية جدا اذا كانت سوف تفعل ذلك حبا للسلام وبشرط تحرير الجولان ، ام ان هناك الكثير ما وراء الائكمة واكبر من قضية الجولان والسلام المنتظر؟ ، وهو ما سوف يتضح في مقبل الايام .
ولا يخفى على احد ان ملف السلام البناني – الاسرائيلي مرتبط ارتباط عضوي بملف السلام السوري - الاسرائيلي ، فالنظام السوري الحالي ليس بدعا على من سبقه من الانظمة ، التي حكمت سوريا بعد الاستقلال ، والتي كانت جميعها تعتبر دولة لبنان خاصرة سوريا الاستراتيجية ، في الحرب والسلام ، اضافة الى تململ كل هذه الانظمة ، بالاعتراف بالدولة اللبنانية ، على انها كيان مستقل عن سوريا ، ليس لأسباب تاريخية فقط ، باعتبار ان لبنان كان ولا زال جغرافيا وحضاريا وحتى سياسيا ، جزء من سوريا التاريخية قبل تقسيم سايكس – بيكو ، بل لما يمكن ان يشكله من خطر على سوريا ، وجود نظام سياسي لبناني معادي لدمشق او تابع ، لأي قوة اقليمية او دولية ، غير حليفة لسوريا ، ولا تتقاطع مصالحها مع مصالح دمشق .
متى تكتمل الصورة

ان تطورات الاحداث في سوريا على مدى السنتين الماضيتين ، وما وصل اليه الامر من دمار وتدمير على الارض ، وارتفاع عدد القتلى من طرفي الصراع ، الدولة السورية ومقابلها ما يطلق عليه الجيش الحر ، وحليفه المؤقت من التنظيمات السلفية ، التي اصبحت لا تقاتل فقط بل تمارس دور الدولة في المناطق التي تسيطر عليها ، والتجاذبات الاقليمية والدولية التي وصلت حد التخبط او المؤامرة ، بترك الاحداث على الارض تقرر موقفها ، في تقديم تصوراتها لإنهاء هذا الصراع ، الذي اصبح اقرب الى الحرب الاهلية .
كل هذه المعطيات يمكن ان ينتج عنها الان ، او بوقت قريب في حالة بقاء النظام السوري وخروجه منتصرا ، وهو فرض اصبح بعيد الاحتمال ، او في حالة انتصار المعارضة المسلحة وجيشها الحر ، مع حلفائهم من التنظيمات السلفية ، هو دمار الدولة السورية كما هي قبل هذه الازمة او الثورة او الحرب الاهلية ، وكل هذه المسميات تصلح للتوصيف احداث سوريا والدمار ، هنا قد لا يكون في ما يذهب اليه كثير من المحللين ، وهو تفتت وتقسيم الدولة السورية ، فهذا احد اشكال الدمار ، ولا اظن ان مصالح القوى الاقليمية الفاعلة ، في الصراع تسمح بمثل هذه النتيجة ، ليس حبا بسوريا دولة وشعبا وخوفا ، ولكن بسبب تأثير التقسيم ان تم على مصالح هذه الدول ، بشكل قد ينقل الصراع الى داخلها بسبب التداخلات ، الاثنية والطائفية التي تربط الشعب السوري بدول المحيط الجغرافي والذي سوف يهدد استقرارها .
وعليه يبدو ان الصورة الاكثر ملائمة ، هي بقاء الاقليم السوري موحدا ، بشرط تغير النظام ولا نقصد هنا فقط النظام السياسي اي حزب البعث ونظام الاسد ، فهذا وحده لا يكفي بل تغير شكل ومضمون النظام والدولة ، فلا بد من تغير تركيبة القوى الاجتماعية والسياسية ، الحاكمة في المرحلة اللاحقة لسقوط النظام في سوريا ، ولا يبدو ان هناك نموذج مشابه ، ويمكن استحضاره اكثر من النموذج العراقي ، مما يعني اعادة بناء الدولة السورية ، على اساس التقسيم الطائفي ، حتى لو كان تحت غطاء قوى سياسية علمانية وليبرالية جميعها يرفع شعار دولة مدنية لكل السوريين ، حتى فصيل الاخوان المسلمين السورين ، ولكن تجارب المنطقة اثبتت ان الشعارات والوعود شيء والممارسة والمخطط له على الارض شيء اخر .




https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن