عودة الجيش المصري إلى الحكم

عبد المجيد إسماعيل الشهاوي
abdelmagid_ismail@yahoo.com

2013 / 3 / 5

بداية، أعتقد أن ثورة 25 يناير 2011 قد وضعت نهاية قطعية لعودة الجيش إلى الحكم في مصر، سواء بشكل مباشر من خلال ضباط بالبذلة العسكرية كما في الفترة التي أعقبت الإنقلاب العسكري بقيادة الضباط الأحرار في 23 يوليو 1952، أو غير مباشر من خلال عسكريين أيضاً لكن في بذلة مدنية كما ترسخ في عهد وريثي جمال عبد الناصر، أنور السادات وحسني مبارك. لكن خروج العسكريين، سواء بالبذلة العسكرية أو المدنية، من الحكم لا يساوي أبداً أن دور الجيش المصري قد انتهى تماماً في السياسة والحكم ودخل أخيراً في طوع المؤسسات الدستورية المدنية المنتخبة الحاكمة أسوة بالديمقراطيات الراسخة. على سبيل المثال على استمرار قوة ونفوذ الجيش في العملية السياسية منذ 1952، ما كان يمكن أبداً أن يسلم مبارك ونخبته بهذه السرعة والسهولة من دون إشارة من الجيش؛ كذلك، ما كان يستطيع الأخوان أبداً تسلم الحكم أو الاستمرار فيه من دون رضاء من الجيش.

في هذه الأيام، بسبب أخطاء كارثية لتيار الإسلام السياسي بزعامة الإخوان المسلمين في الحكم، أخذت تتزايد الدعوات والتوكيلات في مختلف المحافظات المصرية لعودة الجيش إلى الحكم وتولي إدارة البلاد بنفسه من جديد في ضوء فشل الإخوان في المهمة حتى الآن. وقد وصل الأمر إلى درجة أن حتى أغلب التيارات العلمانية والليبرالية المعادية بطبيعتها لحكم العسكر والمسقطة له في الأساس بدأت تنحاز لفكرة عودة العسكريين كملاذ أخير حتى لو كلفها أن تضحي بمسألة الديمقراطية والحريات في هذه المرحلة أملاً في إنقاذ الدولة أولاً، أو "تضحي بالجنين لإنقاذ حياة الأم"، وهي الدولة المصرية التي ترى أن استمرار نخر الساسة الإسلاميين في عظامها سيقضي عليها لا محالة في نهاية المطاف. في هذا الموقف الصعب، وبسبب التدخل الإسلامي الغشيم وغير حسن النية في السياسة، يتصور البعض أن آفاق التحول الديمقراطي في مصر قد أصبحت مهددة بالضياع مرة أخرى، كما حدث مع الموجة الأولى المرافقة لحقبة التحرر من الاستعمار وذيوع أفكار القومية العربية والتحديث والتنمية والدمقرطة طوال النصف الثاني من القرن العشرين.

مما لا شك فيه أن دولة شريرة ومستبدة خير بليون مرة من حالة الفوضى وانعدام الدولة، حيث تستطيع كل جماعة وميليشيا أن تعيش وتفعل كما يحلو لها مثل الوضع في أفغانستان والصومال وأماكن أخرى. لو حدث في أي وقت تخيير المصريين غير المسيسين، أو حتى العلمانيين والليبراليين الأكثر تطرفاً، بين الدولة والديمقراطية لاختاروا الدولة فوراً دون تردد، بالنظر إلى قدم الدولة التي منذ آلاف السنين تجري في دمائهم وعروقهم مقارنة بالديمقراطية التي لا يزالون لم يتذوقوا لها ثمرة واحدة ولو ليوم وحد فقط. لا جدال إذاً أن القضية محسومة مسبقاً في حال الاختيار بين الأمرين لصالح الدولة التي تمثل الأم، بينما التضحية ستكون حتماً بالديمقراطية الجنينية التي لا تزال لم ترى النور ليوم واحد مكتملة النمو. المشكلة في الوقت الحاضر، تحديداً منذ أطاح الإخوان المسلمون بالمجلس العسكري وانفردوا بالحكم، أن الجيش المصري أصبح هو المتحدث الرسمي باسم الدولة، بينما الإخوان يتحدثون باسم الديمقراطية الشعبية.

لا شك أن 25 يناير 2011 كان بمثابة تاريخ الافتتاح الرسمي للحراك الشعبي كتطور جديد وعامل وموازن مهم في لعبة المصالح والسلطة وتوازن القوى والحكم، وكان ولا يزال بإمكان هذا المتغير الجديد أن يوصل إلى الديمقراطية الشعبية تدريجياً في الوقت المناسب. لكن، للأسف وسوء الطالع، أساء ولا يزال الساسة الإسلاميون استغلال هذا الحراك واختزلوه في صندوق اقتراع فاسد واستبداد أغلبية مقيتة لدرجة أوصلت شرائح واسعة من المجتمع إلى الخوف على وجودها ذاته ومن عواقب انهيار الدولة. وبسبب ازدياد الاستبداد والقمع وتردي الأوضاع أكثر يوماً بعد الآخر، لم يكن مفاجئاً لأحد أن يختار هؤلاء المستبعدون المهددون في أرزاقهم وحياتهم وحرياتهم صف أمان الدولة، التي يمثلها الجيش وهي الوحيدة القادرة على أن تحميهم وتحفظ لهم مالهم وأرواحهم، حتى لو لم توفر لهم بيئة الحرية والديمقراطية السياسية.

حتى لو كانت ثورة 25 يناير 2011 قد قضت نهائياً على فرص العسكريين للعودة إلى الحكم بأنفسهم من جديد، من المؤكد أن لا يزال بمقدورهم أن يحكموا من وراء ستار- من خلال وكيل مدني منتخب في انتخابات أكثر حرية ونزاهة من التي يديرها الإسلاميون. قد يكون هذا هو التطور الأهم بعد الربيع العربي: انزواء العسكر من الواجهة إلى خلفية الصورة، لكن الصورة في جميع الأحوال لا يمكن أن تكتمل أبداً من دونهم. ولا يزال ينتظر معرفة ما إذا كان الساسة الإسلاميون بأخطائهم وحماقاتهم المتسمرة سوف يهدون الجيش فعلاً هذا الوكيل المدني المناسب في الوقت المناسب.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن