جينات فعالة على كروموسوم عاطل

بهجت عباس
rumia36@rogers.com

2005 / 4 / 2

" أولّ ُ من لاحظ أنَّ أحدَ الكروموسومات X في الخلايا الجسمية لأنثى الفأر
يختلف عن الكروموسوم Xالآخر من حيث كونه مُـكثَّـفاً كانت د. ماري ليون عام 1961، فدُعيت هذه الظاهرة بفرضية ليون (Lyonisation ). وطبقاً لهذه الفرضية تكون كلّ الكروموسومات X ، ما عدا واحداً فقط، في الخلايا الجسمية للأنثى غيرَ فعالةٍ أو خاملةً. وعملية إبطال مفعولها تقع عند نشوء الجنين. "
" إنَّ عملية إبطال المفعول عشوائية، حيث يتم هذا الإبطال بإدخال مجموعة المثيل (CH3) إلى الكروموسوم المعيَّن، سواءٌ أكان هذا الكروموسوم موروثاً من الأب أو من الأم في جميع الخلايا الجسمية للأنثى. "
" لا تكون جميع الجينات الواقعة على الكروموسوم X العاطل خاملة، إذ أنَّ بعضها يسلم من التعطيل، كتلك الجينات الواقعة على أطراف النهايات من الذراع القصير للكروموسوم X، وكذلك بعض مواقع ( loci) الجينات على الذراعين الطويلة والقصيرة."
كانت هذه مقتطفات من كتاب ( عالَم الجينات – عمان 1999 للكاتب ) التي يتبين منها أنَّ وجود جينات فعالة ( مُفصحة ) مُدوِّنة للبروتين كان معروفاً منذ سنين، ولكنَّ عددها أو تشخيصها لم يكنْ معروفاً، إلا بعضاً قليلاً منها، قبل البحثين اللذين نشرتهما مجلة نيتشر البريطانية في 17 آذار (2005 ) والذي قام به 250 باحثاً من مختلف المؤسّسات والجامعات والمعاهد العلمية في بريطانيا وألمانيا وأميركا وغيرها.
وكانت تلك الأبحاث جزءً من مشروع الجينوم البشري الذي أعلن عن الإنتهاء منه في شباط 2001 ولكن تشخيص الجينات لا زال مستمراً حتى يومنا هذا. وقد عُرف أو (قُدِّر) عدد الجينات في الخلية البشرية دون تشخيصها كلها في آذار 2003 بـ 30 ألف جين. ونتيجة استمرار العمل و( فك) الشفرات والتشخيص، عُرف أنَّ الكروموسوم الجنسي X الذي يشترك في امتلاكه الذكر بـ(نسخة واحدة ) والأنثى بـ(نسختين) يتكونَّ من 155 مليون قاعدة زوجية و1098 جيناً، منها 399 جيناً شُخِّـصت حديثاً، ولذا تصبح الجينات التي عُرف تكوينها وعملها في هذا الكروموسوم ما يقرب من 650 جيناً، وأن الأمراض التي يسببها بعض هذه الجينات، إذا تشوهت ( mutated )، هي 300 مرض ينتقل وراثياً، عُرف منها 168 مرضاً وراثياً، أهمها:
النزف ( نتيجة فقدان عامليْ التخثر 8 و9 ) Haemophilia A and B
عمى الألوان
الصمم
النقرس Gout
فقر الدم
الإنعزالية أو الإنطواء على النفس Autism
إبيضاض الدم Leukaemia
التخلف العقلي
إضمحلال العضل الدوشيني Duchenne Muscular Dystrophy (DMD)

هذه الأمراض تنتقل من الأم فقط إلى أطفالها الذكور ( سيأتي شرحها لاحقاً ). ولكن بعضاً من هذه الأمراض تسببه عوامل أخرى، فمثلاً، إن كروموسوم فيلادلفيا ( مزيج من الكروموسومين 9 و22 ) يسبب مرض اللوكيميا أيضاً. وتقع على الكروموسوم X جينات لم تُشخص بعدُ تسبب مرض التخلف العقلي، وكما يقول د. مايك ستراتون، من معهد سينغر ( أحد المساهمين في هذه الأبحاث) " يجب أن نجد بقية الجينات على الكروموسوم X المسؤولة عن التخلف العقلي – فمن المحتمل أن يكون ثمة مائة (100) جين مختلفة على الكروموسوم X تسبب هذا المرض. " مواصلاً " يجب ألا ننسى أنَّ فهمَ هذه الجينات تسمح لنا أنْ نتدخلَ لنمنعَ وقوعَها. "
وكما هو معروف، إن الإنسان، ذكراً كان أم أنثى، يملك 23 زوجاً من الكروموسومات ( 46 كروموسوم )، يرث 22 كروموسوماً من كل من الأبوين، وتسمى هذه الكروموسومات بـ ( الجسمية ) وكروموسوماً جنسياً Y من الأب وآخر X من الأم (إذا كان الطفل ذكراً)، والأنثى ترث كروموسوميْ X من أبويها. الكروموسومات ليست متشابهة أو متساوية، وهي تراكيب خيطية الشكل موجودة في نواة الخلية وتتكون من الكروماتين الذي يتكون بدوره من الحامض النووي دنا DNA وبروتينات. وكان الإعتقاد السائد قبل هذا الإكتشاف أنَّ الرجل والمرأة لا يختلفان، ولكن بعد هذا الإكتشاف تبيّن أنَّ ثمة تبايناً بينهما في الجينات الموجودة على الكروموسوم X، وأنَّ ثمة اختلافاً أيضاً بين النساء أنفسهن.

ماهية الإختلاف

لما كانت الكروموسومات موجودة في نواة الخلية بشكل زوجي، أيْ أنَّ كلَّ كروموسوم من الأب يصاحبه كروموسوم مشابه من الأم، وأنَّ أيَّ جين موجود على أحد هذين الكروموسومين يقابله جين مشابه له، أو بالأحرى نسخته، على الكروموسوم الآخر. يكون عمل النسختين متوافقاً، ذلك إنْ حدث أنْ تشوَّه أحد الجينين أو كان مشوَّهاً عند الوراثة، فإن النسخة الأخرى منه تعوِّض عنه، ولذا قد لا يحدث المرض. غير أنَّ الكروموسوم Y الذكري الموروث من الأب، لا نسخةَ له، بل يصاحبه الكروموسوم الأنثوي X الموروث من الأم، لذا تكون الجينات المحمولة على الكروموسوم Y منفردة، وكذلك الجينات المحمولة على الكروموسوم X الموجود في الذكر. لذا، إذا كان هذا الجين مشوَّهاً، فوقوع المرض محتمل جداً، سواءٌ أكان الجين متَنحيّـاً أو مُسيطِراً.
ولما كان أحد الكروموسومين X عاطلاً في المرأة، وكان هذا الكروموسوم العاطل لا يحمل جينات (فعالة)، يبقى الجين المعيَّن المحمول على الكروموسوم (الفعال) وحيداً أيضاً ( دون نسخة ) ويكون نصيب المرأة من الإصابة بالمرض ( لدى تشوُّه هذا الجين ) كنصيب الرجل أيضاً. ولكنَّ هذا لا يحدث، إذا كان على الكروموسوم العاطل نسخة (فعالة) من هذا الجين تعوِّض عن أو تُبطِل عمل الجين المشوَّه.
والبحث الذي نُشر في مجلة نيتشر برهن على وجود هذه الجينات الفعالة، بل وشخَّص كثيراً منها وعرف تركيبها وعملها. يقول د. هنتينغتن ويلارد، من جامعة ديوك، "وفي الأصل كان العلماء يعتقدون أنَّ التعطيل يسبِّب إخماداً كاملاً للجينات الموجودة على الكروموسوم X لأجل أن يكون للجنسين (المرأة والرجل- الكاتب) مستوى فعالية واحد أو جرعة للجينات المُدوِّنة بالكروموسوم X. كما أنَّ العلماء كانوا يعتقدون أنَّ الكروموسومات X متشابهة في جميع النساء." ولكن الأبحاث التي قام بها ويلارد في نهاية الثمانينات من القرن العشرين بيَّنت أنَّ بعض الجينات على الكروموسوم X الثاني (العاطل) في الأنثى بقي (فعالاً).
ففي دراساتهم عزل الباحثون د. هنت ويلارد ( جامعة ديوك ) ولوري كاريل (جامعة بنسيلفانيا الحكومية) ورفاقهما خطوط الخلايا من 40 إمرأة وقاسوا مستوى فعالية 471 جيناً من كلِّ واحدة منهن، ليعرفوا فيما إذا كانت النسخة الثانية من الجين مُطفأةً أو مُتَّقدةً. فوجدوا أنَّ 15% ( خمسة عشر ) من الجينات على الكروموسوم X الثاني فعالة إلى حدِّما، مُعتمداً على منطقة الكروموسوم X الواقع عليها الجين. ووجدوا في بعض النساء، وليس كلَّهنَّ، أنَّ عشرة في المائة أخرى من الجينات الواقعة على هذا الكروموسوم بيَّنت فعالياتٍ مُختلفةً بمستوى مُتَغـايِر في هذه الجينات (الصّامتة)، مما يدلّ على وجود (اختلاف) بين النساء أنفسهن في هذا المضمار. وقد وجدوا أيضاً أنَّ عدداً كبيراً من الجينات التي (تخلصت) من الإبطال في مناطقَ معيَّنةٍ من الكروموسوم X لها علاقة بالأمراض الوراثية في الأشخاص المولودين بشذوذ الكروموسوم X، إذ " أنَّ شدة العلامات المرضية مصحوبة بعدم وجود تلك المنطقة أو تشوّ ُهِها، مُعتمداً على عدد الجينات الفعالة الموجودة ضمن تلك المنطقة " يقول ويلارد.
ومن هنا نرى أنَّ 15% على الأقل من الجينات المرتبطة بكروموسوم X العاطل ومُنتَجاتِها من البروتين موجودة بتركيز أكثرَ في الإناث مُـقارنةً بالذكور إضافةً إلى 10% من الجينات بمستوى فعالية متفاوت عند بعض الإناث مُقارنةً بنسخة واحدة من هذه الجينات عند الذكور، فإنَّ " عملاً أكثرَ بحاجة إليه لتَبيان العواقب الهامة لهذا التغاير"، كما يقول الدكتور ويلارد الذي يستمر قائلاً: " نعرف الآن أنَّ 25% من جينات كروموسوم X – 200 إلى 300 جين – تكون مُـفصِحةً ( مُنتجة) في جنس واحد نسبة إلى الجنس الآخر."
" ففي الجوهر لا يوجد جينوم بشري واحد، بل إثنان، ذكريّ وأُنثويّ. وإذا أخذنا بنظر الإعتبار هذا العدد الإضافي من الجينات إضافة إلى التفاوت في إفصاح الجين على الكروموسوم X، تكون المرأة أكثرَ تعقيداً من الرجل في هذا المضمار."
وقد تكون أمراض القلب والأمراض النفسية التي لها ارتباط بالجينات الواقعة على هذا الكروموسوم بحاجة إلى دراسة أو تفسير أكثر وضوحاً.
أما الكروموسوم Y الذي عُرفت معظم جيناته في نيسان 2003 ، فقد وُجد بأنه أصغر الكروموسومات، حيث يحتوي على 50 مليون من القواعد الزوجية وأقل من مائة جين. ولما كان يحوي نسخة واحدة من الجينات، يكون الفرد الذكر مُعرضاً للمرض حال كون ذلك الجين مُشوَّهاً، أما المرأة التي تحمل تلك النسخة المشوهَّة، فقد تسلم من الأذى إذا كان ليها نسخة أخرى (سليمة ) تعوِّض عن تلك النسخة المشوَّهة، ولا تسلم إذا كانت النسخة الثانية مشوَّهةً أيضاً، وكمثل على ذلك جين المونوأمين أوكسيديس (جين العنف) الذي أكتشف حديثاً. ورغم أن الكروموسوم X يحتوي على 4% من مجموع الجينات في الخلية، إلاّ أنَّه يسبِّب 10% من الأمراض الوراثية.
وبيَّنت الأبحاث التي نُشرت أن تبادل الجينات أو القطع الجينية، التي تحدث عادة بين
الكروموسومين المتماثلين أثناء انقسام الخلية الجنسية الإختزالي ( الميوزي)، تكاد تكون معدومة بين الكروموسومين X and Y، إلاً في مناطق محدودة جداً، وتكون الجينات الواقعة ضمن هذه المناطق مشتركة بين هذين الكروموسومين. أما الجينات التي تقع خارج هذه المناطق فتبقى مرتبطة فقط بالكروموسوم X كنسخة وحيدة منفردة في جينوم الذكر، وإذا تشوَّهت، يكون خطر المرض. هذه الحال أدّتْ إلى اضمحلال الكروموسوم Y تدريجياً. كما وإنَّ انقسام الخلايا الجنسية ( الحيامن ) في الرجل مدى حياته يساهم في اضمحلاله أيضاً، وذلك لتعرض الدنا DNAالمستمر إلى التشوه، إذ كلما يزيد استنساخها تكثر الأخطاء فيها. لذا يكون أطفال الرجل المُسنّ أكثر عرضةً واحتمالاً للأمراض والعاهات. أما في خط الخلية الجنسية في الأنثى، فإنَّ الكروموسوم X العاطل يصبح فعالاً مرة أخرى ويتبادل الجينات مع مثيله، لذا يكون محتفظاً بحجمه وجيناته، كما وإنَّ انقسام خلايا المرأة الجنسية (البيوض) يكون ضمن فترة محدودة من حياتها، لذا تكون التشوهات وفقدان الجينات نتيجة لذلك أقلَّ مما هي عليه في الرجل.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن