ليس من الإنصاف ان نرفض اليد المقدمة لمساعدتنا على إسقاط الدكتاتورية

عادل عوض

2002 / 10 / 17

 

في استفتاء أجرته (شبكة العراق) www.iraq.net على الإنترنت في نهاية شهر آب من هذا العام مستطلعة آراء العراقيين في المهجر، ظهر بأن 1762 من اصل 2709 مشارك يؤيد قيام المعارضة العراقية بالتنسيق مع الولايات المتحدة من اجل إسقاط سلطة صدام و إقامة نظام ديمقراطي في العراق. إلا ان استفتاء ثانٍ كشف عن ان أغلبية المستفتين لا يؤمنون بمصداقية الولايات المتحدة الأمريكية بتشجيع الديمقراطية و الدفاع عنها بعد إسقاط سلطة صدام.
نتيجة الاستفتاء الثاني، خلاف الأول، يقترب من المنحى العام لتوجه الشارع العربي. فما السر في هذا التباين؟ أو بمعنى آخر لماذا يقبل العراقيون (على الأقل غالبية الملايين الأربعة في المهجر)، ناهيك عن عراقيي الداخل، التدخل الأمريكي من اجل إسقاط سلطة صدام، على الرغم من أنهم لا يثقون بما تدّعيه أميركا من أنها مصممة على دعم الديمقراطية في العراق و الشرق الأوسط عموما؟
من النظر الى الاستفتاءين يتبين ان شعب العراق مهتم بمسألة إعلان أميركا نيتها إسقاط سلطة صدام. فهذا التغيير بالتعاطي للشأن العراقي هو بحد ذاته يُعتبر تلاقي مباشر مع هدف الشعب العراقي في صراعه مع السلطة. فهذا التحول سيضمن حسم الصراع بين شعب العراق و سلطة صدام لصالح الشعب.
و بهذا فأن سلطة صدام تكون قد فقدت نصيرا و معينا كان سببا في إبقاءها على قيد الحياة بعدما سمحت له ان يسحق الشعب العراقي المنتفض أمام ناظريها في انتفاضة عام 1991.  فأميركا هي المسؤولة عن مجيء سلطة صدام الى الحكم من البداية، كما انها لم تتخلى عنه الا بعد ان دخل الكويت محتلا. نقلت صحيفة تشرين السورية عن وزير الدفاع السوري مصطفى طلاس  قوله: كنت في القاهرة ضيفاً على الرئيس جمال عبد الناصر وذكر عبد الناصر أمام ضيوفه - وكان السيد طلاس أحدهم - أن شخصاً  (صدام حسين) من العراق وهو من حزب البعث فر لاجئاً إلى القاهرة، والغريب أنه دخل السفارة الأمريكية وصور من قبل المخابرات المصرية آنذاك ولم يظهر في مصر إلا بعد ثلاثة أشهر ، و أكد هذه الحقيقة العميد عبد الرزاق النايف أحد المشاركين في انقلاب 17 تموز 1968 الذي جاء بالحزب الحاكم إلى السلطة في أحد مؤتمراته الصحفية.
و عندما بدأت أميركا باعتبار سلطة صدام من الأنظمة المعادية في بداية التسعينات لم تفصل بين شعب العراق و السلطة، و كان هذا الموقف واضحا في إعلان وزيرة الخارجية السابقة مادلين اولبرايت عن قبولها لآثار الحصار المدمر على الشعب العراقي و خصوصا الأطفال. ولكن بعد الأعمال الإرهابية في الحادي عشر من سبتمبر تطورت نظرة أميركا تجاه العراق، ففصلت بين الشعب وبين سلطة صدام الدكتاتوري. و ألان هي تريد ان تعين الشعب العراقي على إزالة سلطة الموت من على صدره، فهل يُعقل ان يرفض الضحية (شعب العراق) هذه المعونة؟
من المستحيل ان يتمكن شعب العراق لوحده من إسقاط سلطة صدام. لنتذكر ان إيران قد رفعت شعار تغيير السلطة في العراق إثر حرب سلطة صدام العدوانية عليها، و فشلت في مسعاها. و إن ننسى فلن ننسى ان دولة عظمى بحجم الولايات المتحدة الأمريكية تمارس أقصى درجات الحذر من مخاطر منازلة سلطة صدام عسكريا خوفا من استخدامه لأسلحة الدمار الشامل التي برع باستخدامها ضد شعب العراق و الجيش الإيراني.
لن يكون من الإنصاف ان يُطلب من شعب العراق ان يرد اليد التي تمتد لانتشاله من الموت. حيث رحب شعب الكويت قبله بالتدخل الأمريكي ( مع دول أخرى) لتحرير أرضه من احتلال سلطة صدام له. و يطالب الشعب الفلسطيني اليوم  بالحماية من التعسف و الإجرام الإسرائيلي.
الشارع العربي الذي يعيش حالة من التنويم المغناطيسي جرّاء سماعه لموسيقى شعارات سلطة صدام النارية الكاذبة ضد أميركا، جعلته يغفل عن سماع صراخ العراقيين عندما تنحرهم سكاكين سلطة صدام و عندما تُقطع آذانهم.
اذكر أنني سمعت، أثناء خدمتي كطبيب في أحد المستشفيات العسكرية، ضابطا برتبة لواء، يتفاخر اثر إصابته بطلق ناري في إحدى مدن العراق الجنوبية ،ان الذين أصابوه (و يعني شباب المعارضة العراقية) بذراعه اليسرى لم ينالوا ثأرهم منه، لان نفس هذه الذراع قد حملت السلاح الذي اعدم مائتين و واحد منهم في انتفاضة شعب العراق عام 1991. هذه القصة تعبر عن المدى البعيد الذي وصل إليه إجرام سلطة صدام بحق شعب العراق. ان سلطة تتباهى بسحق مئات الآلاف من شعب العراق لن تستطيع ان تعلن توبتها، و ليس أمامها الا ان توغل في القتل و التمثيل بالشعب المظلوم.
و سلطة صدام تحترف فن تنشيط النزاعات المذهبية بين المسلمين لكي يوهم الشارع العربي ان هناك طابعا طائفيا لصراع شعب العراق مع السلطة. و على هذا الأساس فقد قامت جريدة "بابل" التي تصدر في بغداد و يديرها ابن صدام حسين شخصيا بشن هجوم شرس على الشيعة يتهمهم بأنهم أصلا يهود (العدد 3317 في 10 نيسان 2002)، و يزعم المقال أيضا ان الشيعة على ضلال و يبيحون اللواط (نفس العدد)، و تستهزئ الجريدة من مصطلح "عج" كناية عن المهدي المنتظر (عجل الله فرجه) و تدعي بوقاحة ان "عج" تعني: عجين السنبوسة (العدد 3312 في 4 نيسان 2002). كما تكررت هذه الهجمات من على قناة العراق الفضائية في يوم 10 سبتمبر من هذا العام.
و من يعرف تفاصيل انتفاضة شعب العراق عام 1991 سيُدرك ان بطش سلطة صدام الذي استخدم الصواريخ، و الطائرات المروحية، و المدافع، و السلاح الكيماوي، لن يتردد في استعمالها مرة أخرى متى ما قرر الشعب تصعيد المقاومة الى درجة الانتفاضة العارمة.
لذا فإنه ليس أمام شعب العراق غير خيار الاستعانة بقوة عسكرية خارجية لتعينه على مقاتلة سلطة صدام. و بما أن الشارع العربي و الحكومات العربية قد عجزت عن مساعدة شعب العراق في صراعه مع السلطة الدكتاتورية، ففي هذه الحالة لم يبق لدى العراقيين غير التنسيق مع الأمريكان عسكريا و استغلال الإمكانيات الإعلامية الهائلة التي يوفرها الجانب الأمريكي لتحقيق غرض ثني الجيش العراقي عن استخدام أسلحة دمار شامل ضد العراقيين في ثورتهم القادمة، و حثهم على الوقوف مع الشعب و مقارعة سلطة صدام سوية لتقليل الخسائر و تخفيض التضحيات. و لنتذكر ان جيش صدام قد استسلم أمام الجيش الأمريكي لإدراكه بان لا طاقة له بمقاتلته، و لكن نفس الجيش قاتل الشعب المنتفض بكل شراسة لإدراكه بأنه هو الأقوى. لذا فان التدخل العسكري الأمريكي سيكون سببا لحقن دماء العراقيين من الجيش و الشعب، لان الجيش العراقي سيحجم عن مقاتلة الشعب، عكس ما فعل سابقا، متى ما أدرك انه يقاتل شعبا مصمما على الانتصار على جلاده و جيشا أمريكيا هدفه إسقاط سلطة صدام.
ان ابعد ما يصبو إليه شعب العراق في الوقت الحاضر هو التخلص من سلطة الموت في بغداد لكي يبدأ بالتمتع بنفس القدر من الأمن و الاستقرار الذي يعشيه المواطن السعودي و المصري و المغربي، و ما سيأتي بعد ذلك ستقرره استفتاءات و صناديق اقتراع على ارض العراق العزيز، لا على شبكات الإنترنت في المنافي.
عادل عوض
 كاتب عراقي في المنفى – أميركا



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن