الوطن بذمة المعارضة السورية

فلورنس غزلان
fozmon@yahoo.fr

2013 / 2 / 11


هي هاجسي المُذَّوَّب في جرعات كأسي اليومي...هي عجزي أمام صورها الهائمة في الشاشات...وأخبارها المارقة كرصاص طائش أو مقصود...يصطاد أو يتلاعب بحياتنا..تُعَّريه قبورٌ تتزاحم نحو بقعة من أرض...بلا اسم أو حدود..قبورٌ تنصب وتُحفَر على عجل كي لاتتكاثر ...يتراكض حفاروها...فيردموا بعض تراب على عجل.. يخال للمشاهد أن عيونهم الزائغة والمتجولة تبحث عن آلات أو خيالات متحركة...وكأنهم أشباح بلا مشاعر...مجمدو المحاجر والمآقي...لأن أعمالاً أخرى تقف بين الموت والحياة بانتظارهم.. ليس الانهاك الجسدي وحده من يرافق حفاري القبورفي بلادي..لأنهم يعملون بمهنة لم يتعلموها أو يتدربوا عليها إلا من خلال الواقع...لكن إنهاكهم يَعبر دماءهم المتحولة للأزرق..والناطقة بلغة تظهر على ملامحهم المصبوغة بآلامهم..يحنون الرأس كمن أضاع دربه...ويغادرون دون أن يتبادلوا الحديث إلا المقتضب والضروري لتسيير مابقي لهم من حياة....تعود دورة الذبح..وقذف اللأمعاء والأشلاء..تعود دورة القتل ..والحرق والتشريد...كلهم يموت بسيوف لها تبرير السحب من الغمد..واستخدام العنف.....إما باسم حماية البلاد ..أو لحماية راية الله...ويمكن للقتل بحد ذاته أن يصبح غاية لاتحتاج لتبرير...كلهم يموت بطلقات تُسدد إما لرئة الثورة أو لرؤوسها ..أو لبذورها ...فأصابع الأطفال تتحول لديناميت ..حين تمسك بالطبشورة وتغزو الطاغية في معاقل العلم والتربية...كما تتحول لسكاكين تَغسل منها براءتها حين تستخدمها أيدي غزاة " فاتحين" لأبواب جهنم ...على أرض جنة الله وعطره الياسميني...تنحسر لغة الوطن فوق الجدران أمام زحف لغة الرايات السوداء ، وتتحول رئة الثورة إلى ذقون وعمامات تشرب وترتوي من جراح أطفالنا، وتتغذى وتزرع عناوين واصطبلات لخيول تريد عبور التاريخ عكسياً..تكرس الماضي مستقبلاً...وتتَوُجُه أميراً أو خليفة على شام آرام وحنا المعمدان وفوق أرض جبلة بن الأيهم...فننتقل من خندقٍ يثور على الظلم لخندقٍ ينشر الظلام...ونحن كنا ولانزال نتخندق في بوابات السلام وبحجم هذا الحلم الكبير ...بحجم هذا الوطن كانت أصفادنا تنطق بما عانيناه من عبودية استبدت ولطخت جباه حاضرنا وعار حملناه على كاهلنا عقوداً أربعة...وعقدنا بعده العزم أن نركب الصبر ونفجر مخزون الظلم ..نعيد إنتاجه ليفتح بابه على الأقحوان والربيع في حقول هجرها فرح حرية لازمتنا كعاشق وأمِلنا بإعادتها لبيادرنا...لكنا سَهَونا...على تاريخ يمشي أعرجاً أو متقافزاً بين ألغام منطقة تعج بها المصالح المتصارعة والحالمة بصفقات تأمل بعقدها من خلال الدم السوري، فتعدنا تارة بحل ، وتسحبه في اليوم التالي، تعدنا بسخاء مادي ومعنوي ...ثم ترسله إلى مسؤولينا بالقطارة...وبين مساومة ومغازلة ...تضيع بوصلة السياسة...في الوقت نفسه يزداد سعير الحريق انتشاراً ويغطي مساحة الوطن، ومن يرفضه كوسيلة...يصنف في صحائف الخيانة..!...يخرج عن قانون من لاقانون لهم سوى السير بركبهم...ــ وكأن زيداً ماغزاــ....غزونا كي نتخلص من الولاءات للنظام...والآن لايكفي إلا أن تكون من أتباع محمد السُني...هو لايعرف كيف صرنا من بعده سنيين وشيعة ودروز وعلويين...لكن أحبته يُفَصِّلون الأوطان على مزاج خانة " الأكثرية"!..مع أن هذه الأكثرية...لم تٌستَشر وأكثريتها تقف بصمت أو تعلن الولاء للسلطان الديكتاتور...وكي لاتصبح كل بقعة من بقاعك ياسوريتنا الجميلة تابعة لديكتاتور أصغر....فقد قررنا قطع الطريق على الموت، واختصار مراحل الثورة...كي لاتمتد أكثر من عامين وكي لاتُدخلنا في متاهة القرن الإفريقي الضائع ...فيظل جرحنا ينزف صديداً لأعوام طويلة وبيوتنا تنزف فتوتها وقدراتها...وحقولنا تشكو من محل وقحط ....فلا تبنت إلا البنادق ، قررنا أن نتخلى عن تعنت الفلسطيني حين رفض التقسيم عام 1948..وخَوَّن كل من قَبِل بقرار 338 الأممي ...ثم صار يبكي ويتباكى على قرار 442 لعام 1967..واضطر الفدائي الأول " المرحوم أبو عمار" إلى مصافحة عدوه اللدود رابين، ونبكيه جميعنا كرجل سلام وكرجل بندقية...لاتقولوا أن فلسطين محتلة...ومن عدو غاشم...فسوريا محتلة أكثر منها ومن عدو لم يكتف بدير ياسين وكفر قاسم أو غزة الرصاص المصبوب ...فلدينا عشرات من الحولة وبانياس، ودوما وداريا وحمص بكل أحياءها ودرعا والدير وووو لدينا 60 % من البنى التحتية مُدَّمر، وأكثر من 3 ملايين منزل غير صالح للسكن ولجرف بقاياه وايجاد أماكن لهذا الدمار نحتاج لمساحات هائلة وأموال طائلة للتخلص فقط من هذا الدمار ، فمابالكم لإعادة بنائه؟!...لدينا عشرات الآلاف من المعاقين من كل الأجناس والأعمار، وعشرات الآلاف من المرضى بأمراض سارية اعتقدنا أن التطور قد قضى عليها ...لكن انعدام المياه الصالحة للشرب والتعقيم ..أعادها للظهور...لدينا آلاف الآطفال دون تلقيح ضد أمراض اندثرت من كل بقاع الأرض...لكنهم لم يحصلوا على ترف التلقيح.....لدينا مئات الألوف من الشباب المنقطع عن العلم أو عن العمل وبلا دخل، وكله يحتاج لمعونات عاجلة ..وكل ماقدمه أشقاؤنا لايفي بحاجة النازحين لشهور لاتتجاوز أصابع اليد الواحدة...فكيف ومَن سيعيننا على إعادة البناء؟...
ــ إن لم يعرف السلام طريقه لبلادنا ولم نسعَ إليه ونتوقف عن المزاودة بدماء من بقيوا على قيد الحياة.
ــ إن لم نبادر لخلق طريق وحَل يرمي الكرة بملعب النظام ويحاصر كل من يمد له يد العون ويدعمه لوجستياً وعسكريا وأممياً...
ــ إن أتقنا فن السياسة وطرحنا مشروعاً يحرج روسيا والصين ويستقطب المترددين ونبدأه بالتنكر لكل من يشوه صورة الثورة السورية .
ــ أي نبدأ بتنقية الثورة من داخلها من شوائب تعربشت عليها ..ونستقل بقرارنا السياسي ...نطرق سبل الحل السلمي...سيقول أحدكم" أن هذا أضغاث أحلام والنظام لايعترف بالمعارضة ولا يقبل بها ويريد حواراً يبقيه على رأس السلطة"...ماذا تتوقعون من ديكتاتور اعتلى الكرسي بالوراثة ..وأبوه حكمكم بالبصطار العسكري والانقلاب على رفاقه؟ هذا النوع النادر المتهالك يعرف أن أي حوار سيفضي لنهايته، ويعرف ايضا مثلكم أن عجلة الزمن لاتعود للوراء وأنه سيسقط...لكنه يتمسك حتى ينهي البلاد والعباد...ولا يرى سواه في المرآة...ويكفي لبشار الأسد أن قال : أنه مستعد لتدمير ومحو دمشق كما فعل بحمص!!!.
ــ إذن نطرق أبواب من يدعموه...من يتمكنوا من محاصرته لا من أجلنا بل من أجل ضمان مصالحهم في المنطقة.
ــ وأن نقنع المترددين عن دعم قضيتنا باعتبار أن سوريا أصبحت مصدرا للإرهاب ...هذا الأمر يقع على عاتق كل أطراف المعارضة دون استثناء وعلى الجيش الحر بشكل خاص أن يتخلص مما تم زرعه بأرضنا وهو ليس منا ولا نحن منه.
ــ ثم وهو الأهم...
أن نوحد كلمة المعارضة المختلفة والمتناحرة على لاشي ...اللهم سوى المناصب....
فكروا بالوطن ...بدم شبابه ..بوحدة أرضه وسلام أهله...تخلوا عن أيديولوجية أحزابكم المهترئة...وقفوا مع هويتكم الوطنية ..لتستعيدوا كرامتكم وكرامة وطنكم..لتستعيدوا مكانتكم التي فقدتموها بتكرار أخطاءكم ...استفيدوا من كل الكوادر الشبابية ، والطاقات والكفاءات بغض النظر عن انتماءها الأيديولوجي...لأن مرحلة البديل لنظام الأسد تبدأ الآن...إن بذلتم مايحلم به الشعب من سلام وحرية ...انقذوا ماتبقى من الوطن...لأن التاريخ لن يرحمكم...ليس عيباً التنازل القليل من أجل حرية شعب ووحدة أرض ووطن وبناء دولة الحرية والديمقراطية والتعددية المدنية التي حلم بها الشعب السوري وهي بذمتك يامعارضة.
ــ باريس 11/02/2013.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن