الفكر السياسي الليبرالي - عند مكيافلي

عامر عبد زيد
azid2014@gmail.com

2013 / 2 / 11

الحلقه الثانية
حيث كانت البدايه من ايطاليا حيث بدت البورجوازية نشاطها التجاري في مدنها حيث كانت النهضة وحركة التحول الفكرية والاقتصادية تاتي نتائجها ولعل المقولة المفصلية في التحول في الخطاب السياسي الليبرالي هي :" "الفصل بين السياسي والاخلاقي "، وهو محدد نراه ناظما للرؤية الليبرالية ، ليس فقط في طبعتها الكلاسيكية ، بل حتى في صيغتها الجديدة المتداولة اليوم . ومنه جاء مبررا ستحضارنا فكر مكيافلي ( ) ثمة تحول معرفي لهذه الحقبة ترك أثره ممتد على الفكر السياسي ، في وقت كان فكر الكنيسة في العصر الوسيط على معرفة معنى العالم والحياة وغايتها ، وبالتالي بذل كل جهد تقريبا من أجل تأويل الوحي والسلطات الكنسية ، فقد شرع رجال النهضة بالتساؤل ، ليس عن الهدف المتعالي المراد استخلاصه من التقليد المأثور ، بل عن أسباب ما يحدث في الدنيا ، وهي أسباب ينبغي البرهنة عليها بواسطة الملاحظة الحسية .وقد تم في عصر النهضة وضع أسس العلوم الطبيعية والفيزيائية المعاصرة . وهذه العلوم تنزع إلى إدخال مطرد على سير الطبيعة عبر إجراء التجربة بطريقة منهجية منسقة ؛ فانها توسع في حقل السيطرة على الطبيعة إلى أقصى حد .لا يمكن إذن فصل مبدأ انتظام مجرى الأشياء عن مشروع مكيافلي .فلو كان على المجموعات البشرية المجتمعة في دول حاضرة ومقبلة أن تتصرف بطريقة مختلفة عن تصرفها في الماضي ، ولو كان على أهواء البشر التي تتحكم في هذه التصرفات أن تتغير ، فلا شك عندئذ أن تفقد كل كتابات مكيافلي الغرض الذي توخاه منها مؤلفها ؛ وبالنسبة له لن يكون علمه سوى حلم . هذا التصور البرغماتي هو الذي يقوم الشكل الخارجي لكتابات مكيافلي .
رغم تلك المقدمة في التاصيل الى اشكالية فكر ميكيافي الا اننا نجد ان فكره قد خضع الى تاويلات مختلفة قد منحت النص معاني قد لاتكون حقيقية بقدر ماهي تصب في تاويل مفرط للنص اذ المبالغات تقيمه لا يمكن ان تجعلنا لانميز الرؤية الاسطورية التي هيمنت على نص ميكيافلي فقد كان نصه مسكون بنزوع نحو الاسطورة في نظرته الى الطبيعة والسياسة معا حيث "يرى أن ما من حدث سياسي يقع الا وثمة امكانية ماورائية للتنبؤ به بفعل الكهانة الروحية " بالاضافة الى ان نصه حافل بالتناقضات لانه نص مراوغ ففي الوقت الذي يمتدح المستبد في كتاب الامير ونراه يقدم النصائح له نراه في مكان اخر عندما يعرض الى الانظمة السياسية "انظمة وراثية يكون فيها الحكم فيها الى لشخص واحد وانظمة جمهورية حيث تسود الحرية .ثم يقف ميكيافلي ضد هذه الانظمة الاخيرة محبذاً النظام الاول " رغم انه يمتدح النظام الجمهوري ان هذا التناقض ممكن تبريره بالرجوع الى الواقع السياسي الذي عاشه ميكافيلي حيث وجد ثمة حاجه الى المستبد كمرحه اولى من اجل قيام الوحدة الا ان الامر لابد ان يصل الى قيام ظام جمهوري .وهذا يمكن ان نرصده من خلال استعراضنا اعماله الفكرية السياسية الاتية :
الكتاب الأول كان "الخطب": كتبه بين عامي 1513ـ1519. وهو الكتاب النظري الأساسي عند ميكيافلي. من يتصفحه يتأكد من ذلك.ففي غالب الأحيان يشكل نظرية عامة ، من خلال ما يقوم به من تصورات هي نتيجتاً عادة و فحص أمثلة مستخلصة من التاريخ القديم أو الحديث . حيث تصاغ هوية طبيعة البشر في الخطب ، على النحو التالي : "كل البشر يولدون ، يعيشون ويموتون دائما حسب القوانين ذاتها " إن نظرية طبيعة البشر هي التي تحدد كل عمله ."ومن يقارن بين الحاضر والماضي يجد أن كل المدن ، كل الشعوب كانت دائما ولا تزال تحركهم نفس الرغبات ونفس الأهواء . وهكذا يسهل ، بدراسة دقيقة ومتبصرة للماضي ، التنبوء بما سيحدث في جمهورية ما ، عندئذ ينبغي استخدام الوسائل التي اعتمدها الأقدمون أو ، في حال عدم اعتمادها ، ينبغي تصور وسائل أخرى جديدة انطلاقا من تشابه الأحداث ". ويقول في نفس الكتاب :"يقول الحكماء بحق أنه ينبغي استشارة الماضي للتنبوء بالمستقبل ، لان أحدث العالم الحالي تجد دائما مثيلها الصحيح في الماضي . ولان تلك الإحداث أنجزت من قبل أناس حركتهم ولا تزال تحركهم دائما نفس الأهواء ، فمن الضروري أن تكون لها نفس النتائج "( )
اما الكتاب الثاني و"الأمير": هو الأكثر شهرة، ولكنه ليس الأكثر أهمية من بين أعماله.كتبه بين عامي 1513 و 1514.يصف مكيافلي أجواء كتابته لكتاب الامير فيقول :عندما يحل المساء أعود إلى البيت، وأدخل إلى المكتبة، بعد أن أنزع عني ملابسي الريفية التي غطتها الوحول والأوساخ، ثم أرتدي ملابس البلاط والتشريعات، وأبدو في صورة أنيقة، أدخل إلى المكتبة لأكون في صحبة هؤلاء الرجال الذين يملأون كتبها، فيقابلونني بالترحاب وأتغذى بذلك الطعام الذي هو لي وحدي، حيث لا أتردد بمخاطبتهم وتوجيه الأسئلة لهم عن دوافع أعمالهم، فيتلطفون علي بالإجابة، ولأربع ساعات لا أشعر بالقلق، وأنسى همومي، فالعوز لا يخيفني والموت لا يرهبني يطرح مكيافلي في كتاب "الأمير" مسائل سياسية الواحدة تلو الأخرى وتكتسي أهمية خاصة بالنسبة لأمير. في كتابه الأمير الذي قدمه إلى أحد الحاكم من عائلة Medicis نادى بالملكية المطلقة في أقسى أشكالها كوسيلة وحيدة لتوحيد ايطاليا كان ميكافلي يرى بأنه ليس أي شكل من إشكال الدولة بإمكان أن يدوم طويلا .
ردود الفعل على كتابه الأمير : لم يتم نشر الأمير إلا بعد وفاة مكيافيلي بخمس سنين، ولذا لم يفهمه البعض وهاجموه حتى أصبح اسمه ملازماً للشر دائماً حتى في الفنون الشعبية. مما أدى لتحريم الإطلاع على كتاب الأمير ونشر أفكاره، ووضعت روما كتابه عام 1559 ضمن الكتب الممنوعة وأحرقت كل نسخة منه.اعتقد أن مرد هذا يعود إلى موقفه من الكنيسة وتصوره لمفهوم معين لدين يظهر في الأقوال التالية :
• حبي لنفسي دون حبي لبلادي.
• من الأفضل أن يخشاك الناس على أن يحبوك.
• الغاية تُبرر الوسيلة.
• أثبتت الأيام أن الأنبياء المسلحين احتلوا وانتصروا، بينما فشل الأنبياء غير المسلحين عن ذلك.
• أن الدين ضروري للحكومة لا لخدمة الفضيلة ولكن لتمكين الحكومة من السيطرة على الناس.
• من واجب الأمير أحياناً أن يساند ديناً ما ولو كان يعتقد بفساده.
• ليس أفيد للمرء من ظهوره بمظهر الفضيلة.
• لا يجدي أن يكون المرء شريفاً دائماُ.( )
ويمكن تكثيف موقف ميكافلي من مفهوم "مقومات الدولة الوضعية "بالتالي :
أولا :مقومات الدولة الوضعية القومية عند مكيافلي:
لقد تعاقبت في الماضي مختلف نماذج الحكومات وهكذا سيكون الحال في كل العصور . هناك دورة محددة تجري بانتظام طبيعي .إن شكل الحكومة الأصلي الذي نشا عن تجميع الناس المفرقين هو الملكية Monarchie أنها تولد من اختيار الأقوى ، وفيما بعد من اختيار الأذكى والاعدل ( ) جاءت هذه المقومات على شرطين أساسيين هما : الشرط الأول – أن الدولة الوضعية لا يمكن أن تقوم بدون وجود حاكم يتمتع بخصائص مميزة يأخذ على عاتقه إقامة مثل هذه الدولة .لا باس في أن يكون الأمير بعيدا عن الفضائل وقريبا من الرذائل من اجل الدولة الوضعية .على الأمير أن لا يسئ استعمال الرحمة وهو ينفذ مشروعه الملاحظ و إن الأمير في هذا النص السياسي يتحول إلى مقياس مركزي وان العنف يعد الوسيلة المثلى ، وهذا" ماكيافيلي " يقوم على معالجة التمزق السياسي الإيطالي لهذا جاء كتابه ( اعمل على تحقيق الوحدة بين الدويلات الإيطالية وفصل الدين عن الدولة )( ) وكانت غاية الأمير من تلك الوسائل تأهيله لتولي إقامة دولة وضعية يحميها شعار مكيافلي الغاية تبرر الوسيلة ، (لاشك أن ما يترتب على ممارسة الأمير للقسوة هو ترك الناس في حالة من الخوف ، ولكن هذا الخوف يبدو مقبولا إذا كان من شأنه ضمان ولاء الرعايا بالعهود والوفاء بها إذا كان ذلك يصب في مصلحة تحقيق مثل هذا المشروع .كما يصر مكيافلي على ضرورة اتسام الأمير بخاصية التكيف مع الظروف والقدرة على التظاهر ، وكل هذه الخصائص التي يجب أن يتسم بها الأمير غايتها تأهيله لتولي مهمة إقامة دولة وضعية يحكمها شعار عرف به مكيافلي واقترن باسمه هو شعار (الغاية تبرر الوسيلة ). ( )
الشرط الثاني (الجيش ): مثلما تقتضي وجود الدولة الوضعية القوية وجود أمير يتصف بخصائص مميزة ، فان تحقيق هذا المشروع يقتضي أيضا وجود جيش من نوع خاص يبدو أن التجربة العملية هي التي اوحت إلى مكيافلي بهذه الخلاصة .
فهو بهذا ينصح الايطالين ضرورة إلغاء نظام المرتزقة لصالح هذا الجيش الوطني في سبيل الدفاع عن فكر الجيش الوطني و وضع مكيافلي كتاب فن الحرب الذي اعتبر فيه أن الأمير الذي يعتمد على جيش من المرتزقة يشعر بالقلق وعدم الأمان لأنه يفتقد إلى الأساليب الصحيحة للدفاع في أوقات الأزمات ولا ما يجد ما يعتمد عليه في هذه الأوقات إلا حسن طالعه .
ثانيا : معوقات الدولة الوضعية القوية عند مكيافلي :يحدد ميكافلي الشروط الحاكمة للحياة السياسية في الدولة الوضعية القوية فيما :كان هناك معارضون لهذه الرؤية الإصلاحية و من هذه القوى :
• الكنيسة :كان مكيافلي يعزل بين الدين والكنيسة فرغم معارضته للكنيسة التي يجد فيها إضعاف لدور الدين وتدهور الروح المعنوية ؛ إلا انه يعتبر الدين يشغل دوراً ايجابياً لما يشغله من مكانة بارزة بالنسبة للدولة لا من حيث صحته بل من حيث الدور الايجابي في السياسة الدولة وبالتالي إضعاف الدين يضر بإقامة الدولة الوضعية القوية (مثل هذه الدولة لا توجد وتقف على قدميها ويصلح أمرها بالأفكار وحدها فلابد أن يكون هناك أيضا دين يضمن وحدة العنصر الإنساني في هذه الدولة )( )
• الإقطاع : كان يرى ضرورة تصفية هذه الطبقة من اجل قيام الدولة الوضعية القوية :
1- لان طالما بقى هؤلاء يمتلكون قلاعا وأتباعا فهم من جهة يشكلون عائقا صلبا يحول دون وجود مثل هذه الدولة .
2- وهم من جهة أخرى يشكلون خطرا على الأمير نفسه خصوصا إذا ما تولي الحكم عن طريقهم أو على الأقل بمساعدتهم .
وإذ يتلمس مكيافلي خطر هذه الطبقة ويخشاه ، فانه ينصح الأمير بمعاملتها بطريقتين من شانهما الحد من سلطتها وخطرها :
أ‌- فإما إن تحكم بطريقة تعتمد فيها على عطف الأمير وتأييده بشكل كامل .
ب‌- أو إن تحكم بطريقة يتم بموجبها التمييز بين النبلاء الذين يحبهم الأمير ويكرمهم لارتباطهم به دون إن تكون لهم مصالح خاصة
ثالثا :شروط الحياة السياسية في الدولة الوضعية القوية عند مكيافلي
يحدد مكيافلي الشروط الحاكمة للحياة السياسية في الدولة الوضعية القوية :
1- تعاقب أنظمة الحكم : " فهو مثال وحيد : مجموعة مذكرات ومواد صالحة يمكن أن تخدم سياسية المستقبل .ويوجد تأويلان في فهم هذه المقولة :
الرأي الأول : يذهب بانه يتابع أفلاطون وأرسطو والمؤرخ الإغريقي بوليبيوس الذي استمد فلسفته الخاصة بالتاريخ ودورة الأنظمة والدساتير من أفلاطون .
الرأي الثاني : يقول بأنه يرجع في أفكاره إلى طبيعة الأفكار العلمية التي كانت سائدة في زمانه ومن يتصفح كتابة الأساسي ، "الخطب" ، يتأكد من ذلك.ففي غالب الأحيان يشكل نظرية عامة ، من خلال ما يقوم به من تصورات هي نتيجة لأعادة و فحص أمثلة مستخلصة من التاريخ القديم أو الحديث . حيث تصاغ هوية طبيعة البشر في الخطب ، على النحو التالي : "كل البشر يولدون ، يعيشون ويموتون دائما حسب القوانين ذاتها " ويقول في نفس الكتاب :"يقول الحكماء بحق أنه ينبغي استشارة الماضي للتنبوء بالمستقبل ، لان أحدث العالم الحالي تجد دائما مثيلها الصحيح في الماضي . ولان تلك الإحداث أنجزت من قبل أناس حركتهم ولا تزال تحركهم دائما نفس الأهواء ، فمن الضروري أن تكون لها نفس النتائج "( )
وبموجب هذه الفكرة يجد مكيافلي أن كل أنموذج من الحكم ينحط بالضرورة ويتراجع ليحل محله نموذج آخر .
• اختيار الرجل الأكثر قوة وشجاعة : فعندما بدأ الناس يتقربون من بعضهم حرصا منهم على تحسين وسائل الدفاع عن أنفسهم شرعوا يتطلعون إلى رجل منهم يكون أكثرهم قوة وشجاعة لينصبوه رئيسا عليهم ويدينون له بالطاعة .
• اختيار الرجل الأكثر حكمة وعدالة :وعندما استقرت أحوالهم واخذوا يبحثون عن أمير لاختياره ، لم يعودوا يختارون أقواهم وأشجعهم ، بل أكثرهم حكمة وعدالة .
• الطغيان :وعندما بدءوا بقبول الأمراء بالوراثة اخذ هؤلاء الوراثة بالتدهور بالقياس إلى إسلافهم وشرعوا يهجرون الخير والفضيلة ، فزاد ذلك من كراهية الناس للأمراء مما دفع بهؤلاء إلى اللجوء إلى العنف لإخضاع رعاياهم الأمر الذي نتج عنه حكم الطغيان .
• حكم القلة (أوليغارشي): يأتي عندما يقوم الناس بالثورة على الطغيان بقيادة القادة الأقوياء ثم يعقب هؤلاء ورثتهم وبسبب عدم الخبر الورثة وطمعهم تتعرض الحقوق المدنية للإهمال التام فيقع للحاكم الاوليغارشي ما وقع للطاغية من قبل ليبرز عاجلا أو أجلا إنسان يستطيع بمساعدة الرعية القضاء عليه وتصفية أمره .
• حكم الشعب (حكم الديمقراطية ):تستطيع الرعية التي تخلصت من إشكال الحكم السابقة ان تقيم حكم الشعب وتنظيمه بشكل يضمن عدم تركيز السلطة لا في قلة من الرجال الأقوياء ولا في أمير من الأمراء ، ويحفاظ النظام الديمقراطي على نفسه أمدا من الزمن لكنه ليس بالأمد الطويل إذ سرعان ما تسوده الفوضى ولا يبقى فيه احترام الإمارة . وتعود من جديد الدورة التاريخية لأنظمة الحكم .
2-نظام الحكم الجمهوري : إما عن شكل الحكم فقد جاء في هذا الكتاب انه يعتبر الجمهورية أفضل شكل للدولة ويذهب حتى إلى التعبير عن تعاطف وميول ديمقراطية . ( ).
ميز مكيافلي بين النظام الملكي والنظام الجمهوري اعتمادا على معيار عدد الحائزين على السلطة ، فإذا كانت السلطة في يد شخص واحد كان نظام ملك أو إمارة ، أما إذا كانت فيه السلطة في أيدي ممثلي الشعب المنتخبين الذي يحتلون مراكزهم مدة زمنية محددة باستثناء الرئيس الذي قد ينتخب مدى الحياة فسيكون نظام حكم جمهوري . وبقدر ما يعارض مكيافلي النظام لملكي الوراثي فانه يفضل النظام الجمهوري مؤكدا ضرورة اقترانه بوجود مجلسين احدهما للشيوخ والأخر للشعب يعهد لهما بجمع الإعمال التشريعية اللازمة ، ولانه لا يستبعد وقوع الصراع بين هذين المجلسين بسبب تنازع الاختصاصات ، فانه يقر بإمكانية تعرض النظام الجمهوري في هذه الحالة حادة يتطلب تجاوزه لها أن يتشبه بالنظام الملكي ويستعير اسلحتة ليتم إعلان الدكتاتورية .غير انه يبدو حذراً كل الحذر من انتهاء هذه الدكتاتورية في النهاية إلى تصفية النظام الجمهوري وإقامة نظام الطغيان محله ، لذلك فهو يشترط اقتران استخدام الجمهوري للدكتاتورية بهدف معين بالذات كما يشترط تقييد هذا الاستخدام بمدة محددة أقصاها خمس سنوات .( )
3- نظام الحكم الشعبي :
يبدو إن الواقعية السياسية التي انتهجها مكيافلي بالإضافة إلى موقفه النقدي من دور المؤسسة الكنسية والطبقة الإقطاعية جعلت منه صاحب رؤية وان كانت مرفوضة في زمانها ؛إلا أنها رؤية حديثة تنتهج منهجا نقديا وتهدف إلى الإصلاح السياسي أعطى للشعب فيه دوراً بعد إن كان مهملا لكنه مع مكيافلي الذي ينصح الأمير فيوصيه أن يحافظ على صداقته مع الشعب ،أما الأمير الذي يصل إلى منصبه النبلاء وعلى الرغم من إرادة الشعب فعليه أن يحاول كسب عطف الشعب إذا ما شاء الاستمرار في منصبه لان محبة الشعب هي الضمانة الأكيدة ضد كل هجوم يتعرض له .( )
لكن مكيافلي كان مرتاباً بالشعب لهذا كان الشعب هو الغائب الأكبر في معالجته السياسية ومرد هذا إلى الريبة التي كان يكنها اتجاه الشعب فمكيافلي (لم يكن ينظر إليه بعين الثقة الأمر الذي قد يجد تفسيره في قلة ثقته بالناس المجبولين في رأيه على العدوانية وإتيان الأذى ونكران المعروف وسرعة التلون والشره والبخل ...الخ )( )ثم انه ينظر إلى الشعب نظره طبقية لأنه ينتمي إلى الطبقة البرجوازية التي يطرح تصور فلسفي للعمل (للعمل والبراعة في الربح يحتقر النبلاء الذين لا يقومون بأي عمل بالمعنى البرجوازي للكلمة لهذا عد النبلاء رجال خطرون في كل الجمهوريات وفي كل الدول ومن يرغب في إقامة جمهورية لا يمكنه ؛إلا إذا عمد إلى "إبادة النبلاء")( ) ومن ناحية أخرى هناك قسمان لدية الأول الشعب والثاني هم الرعاع أو الرعية حيث يقسم الشعب إلى الصناع والحرفيين والتجار والصناعيين أي الشعب هم الطبقة البرجوازية ، أما الفلاحون مثلا فأنهم يدخلون عنده في عداد الرعاع( ) .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن