صديقي الراحل والجّنة

امين يونس

2013 / 2 / 7

كُل عصر من أيام الخميس ، يرن جرس الباب .. وإذا بهِ أحد أبناء طيب الذكر ، جيراني وصديقي الراحل "ن" ، وهو يوزع الخبز الحار ، او الحلوى .. من أجل ذكرى والده .. وكذلك في معظم أيام الاثنين والأعياد .. وبمثابرةٍ عجيبة ومواصلة لا تكل ولا تمُل .. تقوم عقيلة الراحل ، بتوزيع الخبز والحلوى ، على جميع الجيران .. في سبيل إستذكاره والترحُم عليهِ .
قبل دقائق .. وكالعادة .. رّن الجرس .. وإستلمتُ بعض الصمون الحار اللذيذ ، وقبل دخولي الى المطبخ إقتطعتُ جزءاً وأكلته .. قلتُ لزوجتي حين ناولتُها الصمون ، مُمازِحاً ومُناكِداً : .. اُنظري الى جارتِنا ، فحتى بعد سنوات من رحيلهِ .. تقوم بتوزيع الخيرات ، لكي يزداد ثواب زوجها في السماء .. ترى هل ستفعلين ذلك من أجلي ؟ قالتْ على الفور : مُتْ .. وسترى ماذا سأفعل ! ... في الحقيقة .. لا أدري هل كانتْ تمازحني ، ام كانتْ تستعجلني !!.
رغم ان بعض الأصدقاء ، يقولون عني بأنني " دينسز " .. ولكن كُلما أفتح الباب ، أيام الأثنين والخميس ، وأستلم ما تجود به عائلة جيراني من " الخَير " .. أضطرُ للتفكير بالمرحوم الذي كانتْ تربطني بهِ ، صداقة قوية . وأستغربُ في دخيلتي ، من ( الإصرار والإستمرارية ) لدى عائلته ، لإستذكارهِ وتوزيع الخبز والحلوى ترحماً عليه . لأنني لم يسبق لي ، على الإطلاق " رغم أنني أكنُ الحب الكبير لوالدي ووالدتي الراحلَين " .. لم يسبق لي ان وزعتُ شيئاً في ايام الأثنين او الخميس ، من اجلهما أو لزيادة أجرهما في الآخرة ! . على أية حال .. بدأتُ اُفّكِر : لو انهُ فعلاً .. هنالك سجلٌ في السماء ، تُسّجَل فيهِ ، كُل صمونة او قطعة حلوى ، وُزِعَتْ من أجل صديقي " ن " ، طيلة هذه السنين ، ومرتَين في الاسبوع ، إضافة الى اللحم في الأعياد .. فانه بالتأكيد .. يكون قد جمعَ كميةً كبيرة من الحسنات ، وبالتالي هنالك إحتمالٌ قوي ، ان يحوز على مكانٍ مُحتَرم في الجنة ! .
وهُنا شعرتُ ببعض الغيرة منه ، أي من صديقي الراحل المحظوظ .. وكذلك ببعض الذنب تجاه والديّ .. وبعض الشفقة على نفسي ، إذ أنني لا أتوقع على الإطلاق .. أن يقوم أحد من عائلتي ، بالمواظبة على توزيع الصمون او الحلوى ، من أجلي بعد رحيلي ! . ولهذا فأنني أتوقع ، حتى لو حصلتُ على مقعدٍ شاغرٍ في الفردوس الاعلى ، بأية طريقةٍ من الطُرُق .. فأنه بالتأكيد لن يكون في المواقع الامامية ، او الاماكن المُهمة المُطلة على الباحات والحدائق ..
بينما ، من المُحتَمَل ان يحصل صديقي " ن " على جناحٍ سياحي وخدمات إضافية ورُبما مساجٍ صيني .. وبيني وبينكُم .. فأنه يستحق ذلك : فليسَ من المعقول ، ان يذهب كُل الصمون الحار والجكليت سُدىً !.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن