المذهبيون السياسيون إلى الوراءِ دائماً

عبدالله خليفة
abdullakalifa@hotmail.com

2012 / 12 / 21

الانشقاقاتُ المتعددةُ التي رافقتْ حكومات أسر الأشراف بعد الخلافة الراشدة التوحيدية توجهت للحروب الطائفية والتفتت وسيرورةِ العالم الإسلامي مستعمرات متعددة.
حين قام بعضُ الخلفاء بتصعيد سياسة نهضوية محدودة كانت الامبراطورية موحّدة.
وقد ورثت المذاهبُ الإسلامية هذا التمزق وعبرت عن المحافظة الاجتماعية وعن تخلف العامة من دون أن تتوجه هذه المذاهب الاجتماعية لحرق النسيج العام السلمي، وفي لحظات تاريخية كان مثقفو المذاهب يلتقون ويقبلون بعضهم بعضاً.
لكن التسييسَ المحافظ المتطرف أدى لعواقب وخيمة وهو الذي كان أساسَهُ في شمال إفريقيا الصراع بين العرب والبربر على السلطات، وفي المشرق الإسلامي الصراع القومي بين العرب والفرس والذي تمظهرَ مذهبياً بالصراع بين الحنابلة والسلفيين من جهةٍ والشيعة من جهةٍ أخرى وهو الذي مزق صفوفَ المسلمين وراحت قوى الغزاة تتوغل في فلسطين عبر الصليبيين ومن آسيا عبر المغول، ومثّل العثمانيون ودولة الصفويين ذروةَ الانقسام فتفجرتْ الحروبُ بين الطرفين ووسعا التخلف وقدما المسلمين أرضاً مستباحة للغزو الغربي الحديث.
فمن أفكارٍ بسيطة ومن اختلافات شكلانية عن الفترة المؤسّسة التوحيدية للمسلمين انتزعوا قضايا خلافيةً فرديةً وصعّدوا صراعاتٍ جانبية خادعين العامةَ بالتفاهات، وراح سياسيو المذاهبِ يقسمون العربَ والمسلمين بناءً عليها، حتى غدا ذلك أبنيةً مشقوقة منهارةً تحت مدافع الغزاة.
لم يستطيعوا القيام بقراءاتٍ ديمقراطية عقلانية للإسلام لكونهم تمترسوا في قواقعهم بين الأميين يسيطرون عليهم لأغراضهم النفعية وزعاماتهم الأنانية.
وقد ورث اللاحقون هذه (المنجزات) وحين قام نهضويو التحرر الوطني العربي الإسلامي الإنساني في القرنين التاسع عشر والعشرين بتوحيدِ الشعوب وإنجاز مهام التحرر وبدء تشكل أنظمة ديمقراطية جنينية اشتغلتْ قوى المذهبيين السياسيين في تفكيك الشعوب والأمم الإسلامية مرة أخرى، في لقاءٍ مع قوى الاستعمار التي عادتْ تطورَ وتوحدَ العربِ والمسلمين ورأت فيه خطراً على مشروعاتها.
عملوا على إعادةِ الفصل المذهبي بقوة بين المسلمين، وعلى الفصل الديني بين المواطنين. إن قوى رجالِ الدين والمؤسسات الدينية المحافظة التي رأت أن بساط المصالح يُسحبُ من تحت أرجلِها عملتْ بقوة على تقوية هذه المصالح وتصعيد شبكات المنظمات الدينية المذهبية السياسية.
وفي المعركة الدائرة بين هذه المنظمات والقوى الاستعمارية من جهة وقوى النهضة والتوحيد من جهة أخرى شارك المذهبيون السياسيون في إضعاف التطور الوطني الاستقلالي، ووجد البريطانيون في الإخوان إداةً قوية لضربِ حزب الوفد الوطني، مثلما وجد الإسرائيليون في حماس قوةً انشقاقية مفيدةً ضد منظمة التحرير والتحديث الديمقراطي العقلاني بين الفلسطينيين ولجرهم للتخلف والفاشية الدينية كمبررٍ مفيدٍ للعسكرية الصهيونية، ومثلما رأى الأمريكيون في فدائيي الإسلام الإيرانيين خنجراً في ظهر الحركة الوطنية بقيادة مصدق وكما رأوا في المذهبيين السياسيين العراقيين والإيرانيين قوى انشقاقٍ مفيدةٍ لتمزيق المسلمين والعرب والإيرانيين في المشرق وتقوية إسرائيل واستمرار الهيمنة على النفط السلعي الرخيص.
وفي هذه الأيام نرى المذهبيين السياسيين وهم يتكتلون لتحويل كياناتهم لحكوماتٍ شمولية قاهرة للعرب والمسلمين والمسيحيين والمواطنين عامة، لإبقاءِ علاقاتٍ اجتماعية متخلفة يصورونها زيفاً بأنها الدين.
المذهبيات تعبيرٌ عن عناصر تفكيكية تقسيمية، تقرأُ الدينَ قراءةً شكليةً محافظة، وتعجزُ عن قراءتهِ كثورةٍ نضالية توحيدية ديمقراطية، وبالتالي فإنها تجرلا الدولَ لصراعاتٍ داخلية ضارية، ثم تفجر هذه الصراعات في المنطقة، أي تقوم باستعادة صراع العثمانيين والإيرانيين، والسنة والشيعة، والملل القديمة في مواجهة الدول الحديثة العربية والعالمية، وبدلاً من برامج العدل والتقدم تنفتح أبواب الحروب.
القوى المذهبية السياسية المتعصبة وغير المفتحة وغير المقاربة للإسلام التوحيدي، عاشتْ على روح الفِرق والقضايا الفقهية الجزئية الشكلانية والتقوقع القروي ومعاداة التطور البشري أسوة بالفِرق العتيقة العنيفة.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن