ياسر عرفات وعدالة التاريخ :

خالد عبد القادر احمد
khalidjeam@yahoo.com

2012 / 11 / 10

من عادة الشعوب, ومن حقها, ان ترمز حقبات زمنية عبرتها في تاريخها باشخاص, كان لادارتهم الشخصية لوقائع هذه الحقبات دورا اساسيا في تقرير نوع المستقبل الذي يتجه اليه المجتمع, ان افضل او اسوأ, اذ لا يقتصر الترميز الاجتماعي على الايجابي فقط بل والسيء ايضا, ويفرق بين الاثنين احتفالية المسرة والفرح الدورية السنوية التي يحيي بها الشعب ذكرى الترميز الحسنة,
في الترميز الفلسطيني للمرحوم ياسر عرفات, نقرأ وجود ما هو روحاني قدسي مباح, قوامه الاحساس الاجتماعي باستمرار مواكبته للمسار الفلسطيني في الحياة رغم غيابه, حتى بات احساسنا به يشغل حيزا ايديولوجيا في عقلانية شعبنا يرشد فيه منطقية الصراع من اجل البقاء,
ان ياسر عرفات لم يكن الايقونة الفلسطينية الوحيدة, فالايقونات التي سبقته او واكبته عديدة في تاريخنا, وكلها تايقنت جراء تمثلها عمليا المطلب القدسي المؤسس لروحانية الايديولوجيا الفلسطينية, وهو مطلب التحرر والاستقلال والسيادة وحق تقرير المصير, وكلها تحررت من منطق الصبر والاستكانة وغادرته الى منطق الثورة على السيطرة الاجنبية ومقاومة تجاوز وجودها ورفض حالة الشطب والالغاء التي تمارس ضدها, وكلها محل تقدير الشعب الفلسطيني واحترامه واحتفاله, لكن لوقائع التاريخ ارادتها الخاصة باسبابها الموضوعية الخاصة التي بسببها تنتهي شروطها للتقاطع على نقطة معينة
فالتحرر الفلسطيني:
1- هو مطلب يعالج في مضامينه القضية الفلسطينية, التي اخذت شكل تواصل الوقوع الفلسطيني تحت سيطرة الطرف الاجنبي تاريخيا, وان تجسد الان بمطلب التحرر من حالة الاحتلال الاحلالي الراهنة,
2- وهو مطلب تحرر وطني عام يتجاوز الفئوية العرقية والطائفية والطبقية
3- وهو المطلب المؤسس انجازه للاستجابة لكافة المطلب الفلسطينية الاخرى كالديموقراطية والعدالة الاجتماعية ومطالب التطلعات الحضارية.....الخ
ان هذه الملامح المطلبية لم تجتمع وتتقاطع فكريا وتنظيميا الا في حركة فتح, حيث كانت الفصائل الاخرى ولا تزال برامجها مشروطة اما بطبقية المنظورالايديولوجي او طائفيته, ولهذا العامل بالذات اتجه الالتفاف الشعبي الفلسطيني الرئيسي نحو حركة فتح, وجعل منها الفصيل الفلسطيني الرئيسي ذي الوزن السياسي الحاسم في صياغة قرار ادارة الصراع والنضال, وقد اثبتت الجدارة في ذلك حين اطلقت مبادرة الثورة والكفاح المسلح عام 1965م والتي لا تكمن اهميتها في اطلاق المشوار الكفاحي الفلسطيني من اجل التحرر على اهميته بل تكمن اهميتها في اعلان استقلال الوجود السياسي الفلسطيني طرفا وحقوقا وقرارا وعملا, وموقعا في الصراع العالمي والاقليمي, لتعيد نظم الاصطفاف السياسي الذي كان قد اصطف سابقا على وضع الغياب الفلسطيني, وتمزقه وتوزعه على صفوف الاصطفاف السياسي السابق,
ولكن من اجل ان نقيم عظمة الانطلاقة الثورية الفلسطينية وعظمة دور حركة فتح بها, ولا يقلل من ذلك اوضاعها المزرية الراهنة فلذلك اسبابه, فان علينا ان نقرأ حجم العداء الواسع الشري الذي اثارته هذه الانطلاقة الفلسطينية في اعداء التحرر الفلطسني ليس كاطراف موجودة وفاعلة في الواقع فقط وانما ايضا ما يساندهم من مخلفات التجربة التاريخية في السيطرة الاجنبية على فلسطين, وهي مخلفات فعاليتها الايديولوجية مضادة لفعل التحرر والوحدة الوطنية الفلسطينية, حيث تنفي صفة الوطن عن فلسطين وتحيلها الى ارض, وتعبويا بتفشي روح الانقسام والانشقاق الطائفي بصورة رئيسية والفصائلي بصورة عامة,
ومع ذلك استطاعت الانطلاقة الفلسطينية الثبات والاستمرار, ولا يزال انجاز استعادة الاستقلال السياسي الفلسطيني صامدا غير قابل للهدم رغم انه الان بات ظهره مكشوفا لطعنات تستهدف شرذمة وحدانية الشرعية والتمثيل والعنونة السياسية القومية الفلسطينية, وهو ما تقوم به وتقوده حركة حماس طمعا في تحقيق احلام طائفية خاصة بها على حساب المصلحة الوطنية العامة, ومؤازة اطراف اقليمية تحلم بعودة سيطرتها العرقية مرة اخرى على فلسطين, بعد اضعاف وانهاك الطاقة الكفاحية الفلسطينية بيد بروتس حماس
ان الصورة السابقة تكشف تقاطع مساقات التحرر الفلسطينية الموضوعية على انطلاقة الثورة كاطار وحركة فتح كقوام وشخص ياسر عرفات كشخصية تعكس كاريزما الاستقلال السياسي الفلسطيني, لتصنع منه رمزا ايديولوجيا فلسطينيا لا يقل في اهميته القومية بالنسبة لشعبنا عن اهمية ايقونات التاريخ عالميا, ولا يكون غريبا وهذه الحال ان روح الانشقاق والانقسام الطائفية التي تركها الاحتلال الاجنبي التاريخي في بنية مجتمعنا معادية للاحتفال بذكرى وفاته في محاولة منها لاستبدالها بصورة المشلول الفلسطيني التي عانينا منها في الفترة ما بين 1948_1965م
هكذا افهم رمزية المرحوم ياسر عرفات باعتبارها انعكاسا لرمزية موقع حركة فتح في تاريخ نضال التحرر الفلسطيني ورمزية الانطلاقة الثورية الفلسطينية عام 1965م ولرمزية بقاء وجود الاستقلال السياسي الفلسطيني ومقاومته المستمرة للشطب والالغاء والافناء,
ان ما سبق لا يلغي خلافي الايديولوجي السياسي السابق و الراهن والمستمر مع حركة فتح ومنهجيتها التي تحملها تخلفا عاليا عن ادراك قيمة ومستوى مهمتها التاريخية ودورها, والذي ندعوها لاستدراكه عن طريق اعادة قراءة تاريخ فلسطين قراءة وطنية مستقلة تستقي منه العبرة الوطنية اللازمة لمعالجة مشاكل تطوير نضال التحرر الفلسطيني, لا مشاكل تسوية الصراع.
ان منهجية الاختيار من المعروض الاجنبي لا تعكس المعنى الحقيقي للمنهجية التي يفرضها منطق الاستقلال والسيادة, اما ما يعكسه حقيقة فهو منهجية خلق الخيارات, وفي هذا الفارق تكمن عظمة لحظة اطلاق الرصاصة الاولى عام 1965م ورمزيتها ورمزية كل ما انطوت عليه من وقائع وفصائل واشخاص,
ولتكن اذن .....فلسطين حرة مستقلة......



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن