.. اذا فالدستور كما هو لم يتغير

احمد البهائي
f.mrahi@kpnplanet.nl

2012 / 10 / 21

.. اذا فالدستور كما هو لم يتغير


قال رئيس الجمعية التأسيسية للدستور المستشار حسام الغرياني( إن هيئة مكتب الجمعية قررت أن تواصل الجمعية أعمالها بعد إجازة عيد الأضحى وانتهاء فترة الحج في 4 نوفمبر المقبل ولمدة أربعة أيام وستخصص هذه الأيام لمناقشة مسودة الدستور، قبل طرح مشروع الدستور للاستفتاء الشعبي، حيث سيصوت أعضاء الجمعية على المسودة النهائية للدستور قبل طرحه للاستفتاء) , مع العلم بان مسودة الدستور قد طرحت على موقعها الالكترونى من اجل نقاش مجتمعي قبل الاستفتاء على الدستور المصري الجديد الشهر المقبل.
كذلك قال الدكتور البلتاجي رجل الاخوان ومقرر لجنة المقترحات والتواصل المجتمعي بالجمعية التأسيسية لصياغة الدستور ( ان المسودة الاولى ليست ضد مدنية الدولة ولم تتعارض مع الهوية المصرية وان المجتمع المصري لن يقبل إلا باحكام الشريعة الاسلامية , واضاف لا يمكن لمدنية الدولة ان تفرض شيئا لا يريده المجتمع .)
اذا من هنا نقول الدولة البوليسيه والدولة الدينيه هما وجهان لعملة واحده ،حيث خرجوا علينا بمفاهيم جديدة لم نعهدها من قبل حول مفهوم الدولة المدنية آلا وهي" قيام دولة مدنية ذات مرجعية دينية إسلامية يقوم النظام الديمقراطي على مبادئ الشورى " !! ولكن عندما يتحدثون عنها تجدهم يتحدثون عن مفهوم اخروبعيد.. يريدونها دولة تقوم على إيديولوجية واحدة وهذا على العكس تماما من مفهوم الدولة المدنية الديمقراطية التى تقوم في أساسهاعلي ايديولوجيات متعددة ثم تليها مرحلةالتفاهم النسبي بين(اليمين واليمين الوسط.،واليسار واليسارالوسط) لتكوين النظام الهرمي للحياة السياسية بها .
فخلاصة حديثهم تجدهم ينظرون الى الديمقراطية على انها عقيدة تنافس العقيدة الاسلامية,فهذا ينم على ضيق الافق والانغلاقية والتقوقع داخل القديم والبعد عن روح النص فالديمقراطية باختصار فكر وفن وتطبيق يمكن تطويعها حسب الامكان والمتاح ولا تتعارض مع الاسلام ، ما يحدث الان في مصرهو استقطاب وتخندق سياسي بكل ادواته فهؤلاء لاتهمهم مصرالثورة بل تهمهم مصالحهم الشخصية والحزبية ، والحقيقة لقد سئمنا واعيانا هذا العبث السياسى من فئات تريد الاستحواذ على مقدرات ومكتسبات الثورة بكل مفاصلها من خلال تكريس الوضع تحت شعار هذا هو المتاح لاننا الافضل!! .
كذلك خرجوا علينا بمصطلحات جديده ليجعلوا الحالة اكثر التباسا على المواطن العادي ليزيدوا الامر متاهتة وتعقيدا بين مفاهيم بنود الدستور المصري المزمع الاستفتاء عليه قريبا,وخاصة القنبلة الموقوته المادة المتعلقة بأن""الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدرالرئيسى للتشريع"" ،فالكل يعلم قصتها بداية بدستور 1923م في مصر حينما تردد اعضاء اللجنة المكلفة بوضعه وقتها على هذه المادة وهل هي ضرورية أم يمكن الاستغناء عنها ,والغريب أن أعضاء اللجنة من الأقباط عبروا بوضوح عن رأيهم بأنه لا ضرر من النص على ذلك في الدستور وقد كان ,ولتأكيد ثقتهم وفخرهم بالانتماء للعالم والثقافة الاسلامية تحت الشعار السائد وقتها "الدين لله والوطن للجميع"ومن بعدها اصبحت مادة سائدة ومحكمة في كل الدساتير المصرية وتستخدم كورقة لتحقيق المصالح وخاصة في دستور 1970 عندما كانت تنص المادة الثانية منه على( الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية للتشريع),وعدلت هذه المادة عام 1980 لكي تقول … ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع،والجميع كان يعلم الهدف الحقيقي من هذا التعديل كان للتغطية علي سوءات تعديل المادة 77 من الدستور، التي أطلقت مدد الرئاسة إلي أبد الآبدين، وقد وصفت تعديل المادة الثانية بأنه نوع من النفاق السياسي ودغدغة مشاعر الجماهير أكثر منه توجهًا نحو فكرة الدولة الإسلامية,وأن مبادئ الشريعة الإسلامية التي تعتبر كذلك المصدر الرئيسي هي المبادئ قطعية الثبوت قطعية الدلالة وهذه بطبيعتها محدودة للغاية، ذلك أن الغالبية الكبري من الأحكام الشرعية فيها اجتهادات واختلافات كثيرة بين الفقهاء المسلمين والمذاهب المختلفة، بل إنه بين فقهاء المذهب الواحد تتعدد الآراء ومن ثم فإن حكم المحكمة الدستورية الذي اقتضي شرطي قطعية الثبوت وقطعية الدلالة جعل تطبيق هذه المادة شديد المحدودية والضيق ,وهذا هو ما يحدث الان في دستور الثورة .


فعبارة دين الدولة الاسلام خاطئة ,فالدولة بمفهومها هي نظام سياسي وليست نظام ديني تحافظ وتحمي كل أعضاء المجتمع بغض النظر عن القومية والدين والفكر ولا تتحقّق صفة الدولة إلا مبدأ المواطنة والذي يعني أن الفرد لا يُعرف بمهنته أو بدينه أو بإقليمه أو بماله أو بسلطته، وإنما يُعرف تعريفا قانونيا اجتماعيا بأنه مواطن.

فالصحيح ان نقول دين المجتمع الاسلام او اغلب المجتمع دينه الاسلام لان المجتمع هو من يذهب الى المسجد او الكنيسة ويصلى ويقدم الذكاة ويقوم بكافة العبادات لا الدولة ,فالدولة لا يصح ان يكون لها دين ,لانها هى التى تقوم على رعاياها جميعا باختلاف معتقداتهم ومذاهبهم .ففي مصرإذا قلنا ان دين الدولة الاسلام فهذا يعني عمليا الغاء حقوق المواطنين الاخرين الذين لا ينتمون لهذا الدين , وقد يعاني الاضطهاد ابناء نفس الدين الذين يفهمون الدين بطريقة تختلف عن فهم الدولة له , بمعنى اكثر شمولية ان مفهوم "المواطنة-والمساواة-والقانون" تسقط وتصبح خاوية جوفاء تحت هذا التدرج. فمن العبث القول في الدستور أن المواطنة هي أساس الانتماء، ويقال في نفس الدستورالشريعة أو مبادئ الشريعة هي المصدر الرئيسي للتشريع، هذا تناقض حدي جدا بين مادتين في الدستور تلغي إحداهما الأخرى فالمجتمع المصري نسيجه مكون من ديانتين الاسلام والمسيحية كديانتين اساسيتين ثم تأتي بقية الاديان ,يزداد الأمر تناقضا حين يحرم نفس الدستور في مادة أخرى قيام أحزاب على أساس ديني !! حيث الإسلام دين الدولة والشريعة هي مصدر التشريع ..عجبي .

فالحل الامثل ان يترك الدين للمجتمع لا للدولة ,وان تتخلي الدولة عن امتلاك الدين, فالدين لا يُمتلك ولا يُؤجر وهنا يستحضرني مقولة الاديب طه حسين عندما علق على ان دين الدولة الاسلام بقولته المشهورة (قد وجدنا فيها الضرر كل الضرر) اذا فالدستور كما هو لم يتغير.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن