نعم ..لتحرير العـراق

منير الماوري

2002 / 10 / 4

 

تناقلت بعض الصحف ووسائل الإعلام العربية خبرا مفاده أن وزير الخارجية القطري حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني نقل نصيحة إلى الرئيس العراقي صدام حسين أثناء لقائه إياه مؤخراً في بغداد بأن يتخلى عن السلطة للحفاظ على بلده وعلى سلامته الشخصية وسلامة أسرته.

وبعيدا عن مناقشة صحة مثل هذا الخبر من عدمه فإنه بلا أدنى شك القرار الصائب الوحيد الذي يمكن أن يتخذه صدام حسين في حياته السياسية بعد سلسلة طويلة من القرارات الخاطئة. وبغض النظر عن إمكانية قبول صدام لنصح الناصحين من عدمه حيث أن تضحيته بمنصبه في سبيل شعبه أمر يتناقض مع طبيعة الرجل ونفسيته حيث أنه يمكن أن يضحي بشعبه في سبيل منصبه وليس العكس ومع ذلك فإن بقائه في السلطة لم يعد في صالح الشعب العراقي بأي حال من الأحوال وليس في استمرار نظامه ما يفيد الشعوب العربية الأخرى في شئ. وأكاد أجزم أن نسبة بسيطة جدا من العراقيين يمكن أن تأسف على رحيل صدام حسين من السلطة ونسبة كبيرة من المواطنين العرب ستبتهج بزوال نظامه.

إذاً لماذا هذه المعارضة المحمومة وغير المسبوقة عربيا للدفاع عن وجود النظام العراقي وبقائه مسيطرا على العراق. أولا على المستوى العراقي المنتفعون من النظام هم فقط من يمكن أن يستبسل في الدفاع عنه، دفاعا عن وجودهم هم لا عن رأس النظام، أما الغالبية العظمى من العراقيين فبعد أكثر من ربع قرن من المغامرات والورطات المتتالية التي أدخلهم نظام الحكم فيها لابد أنهم قد توصلوا إلى قناعة أن أي وضع قادم لن يكون بأي حال من الأحوال أسوأ مما هم عليه الآن.

النظام العراقي الحالي أثبت فشله في استغلال قوته وثروته الهائلة لرفاه شعبه ونجح نجاحا مبهرا في تحويل شعب من أغنى شعوب العالم الثالث إلى شعب فقير مطارد داخل وطنه وخارج وطنه لدرجة أن من العراقيين من قذف بأبنائه في البحر على شواطئ أستراليا بعد سدت في وجهه سبل الدخول إليها، ولما ذا يفكر العراقي في الهجرة أصلا أليس بسبب قهر النظام؟ هذا النظام الذي نحن في أمس الحاجة إلى من يقهره من الخارج لتخليص من في الداخل وتحريرهم من جبروته.

أدولف هتلر دكتاتور ألمانيا كانت له طموحات لها أول وليس لها آخر ولكن شرفه العسكري لم يسمح له بمواجهة شعبه مهزوما فآثر الانتحار. وغيره كثيرون من القادة في التاريخ انتحروا بعد تجرعهم هزائم أخف بكثير. أما صاحبنا في العراق فقد تورط في مغامرات متتالية بدءا من سبتمبر عام 1980 حين هاجم إيران قبل أن يستدير ليهاجم جيرانه العرب, وكنا نتوقع أن ينتحر أو يستقيل بعد أم الهزائم لكنه تشبث بالسلطة ولن ينزاح منها إلى أن يزاح، ولن يكون الاحتلال الخارجي بأسوأ من الاحتلال الداخلي الجاثم على صدور العراقيين والذي لا مثيل له في التأريخ أبدا. ثانيا على المستوى القومي هناك معارضة عربية شعبية قوية ضد ضرب العراق وهناك معارضة رسمية تبديها بعض الأنظمة العربية لا تقل قوة عن المعارضة الشعبية.

وهناك معارضة إعلامية صاخبة تخلط الصدق بالكذب ولا يعول عليها سوى أنها تعمل على تصعيد التحريض ضد كل ما هو قادم من أميركا سواء كان في صالح شعوبنا أو ضد مصالح هذه الشعوب. المعارضة العربية الصادقة لا شك أنها نابعة من المخاوف أن تؤدي ضربة أميركية قادمة للنظام العراقي في سقوط المزيد من المدنيين الأبرياء وربما تؤدي إلى تمزيق العراق وإشعال الثارات والفتن الداخلية التي لا يحمد عقباها.

والرد على أصحاب هذا القول هو أن الأميركيين هذه المرة أعلنوها صراحة أن الضربة سوف تستهدف ركائز النظام ولن تسلم منها قصور صدام الثمانية ولا حرسه الجمهوري وسيتم الابتعاد قدر الإمكان عن ارتكاب أخطاء حرب الخليج الثانية التي استهدفت الجسور والمنشآت الاقتصادية أو بمعنى أشمل استهدفت تدمير العراق وأبقت على النظام. سيكون الهدف هذه المرة بلا أدنى شك تدمير النظام والإبقاء على العراق سيتم دك القصور وإبقاء الجسور.

والعراقيون من جانبهم يبدو أنهم سئموا الصراعات بعد أن أثخنتهم جراحها ويبحثون الآن عن خلاص، فلن يتورط أحد منهم في تفجير صراعات جديدة بعد اجتثاث سبب ومنبع الصراع المتمثل في الحكم الحالي ولا داعي لأن نخشى على مستقبل العراق لأنه مستقبل مبشر بالديمقراطية والحرية والرخاء بعد رحيل صدام.

المخلصون من العرب يخشون من أن تغيير النظام من الخارج سيكون سابقة لتغيير أنظمة عربية أخرى في حين يفترض أن يتم التغيير من الداخل وهذا الرأي راجح لو أنه بالإمكان التغيير من الداخل ولكن أنظمتنا العربية لم تترك مجالا أبدا لأي تغيير سلمي أو حتى غير سلمي لصالح هذه الشعوب المقهورة. ولن أبالغ إن قلت إن أي مواطن عربي من ملايين اليائسين البؤساء لن يلام أبدا عندما ينتفض فرحا لو تمكنت الولايات المتحدة من تغيير كل الأنظمة العربية بلا استثناء وليس النظام العراقي فقط.

الأنظمة العربية مارست الإرهاب ضد شعوبها وبدأت هذه الأنظمة الآن تعاني من الإرهاب الذي يمارس عليها من قبل أنظمة دولية أكثر قوة وأشد صلابة ترفع عصاها ضد هذه الأنظمة باعتراف صريح من رئيس عربي مصنف في خانة الموالين لأميركا قالها علنا في حوار تلفزيوني " إن أميركا ترهبنا". نقول لهذا الرئيس هذه هي سنة الله في خلقه يسلط على الإرهابي إرهابي أشد منه، والقاتل يقتل ولو بعد حين.

الأنظمة العربية الأخرى تدافع عن صدام حسين ليس من باب الخوف عليه أو الوله في بقائه ولكن خشية أن يؤدي النجاح في إزاحته إلى التفكير في إزاحة الأنظمة الدكتاتورية الأخرى. والتصرف السليم الذي يفترض في هذه الأنظمة إذا أرادت البقاء هو أن تبادر بتغيير سياساتها هي نفسها لا أن تعارض تغيير النظام العراقي. يجب على هذه الأنظمة أن تتوقف عن ممارسة الإرهاب ضد شعوبها وأن تقبل بتداول سلمي للسلطة وأن تحترم حقوق الإنسان وتعمل على معالجة أسباب التطرف بين شعوبها وسترى كيف ستدافع عنها هذه الشعوب ببسالة لا نظير لها.

أما الأنظمة كما هي عليه الآن فعلى لشعوب العربية ألا يركبها العناد وتدافع عنها ضد القادم الخارجي لأن هذه الأنظمة لم تدافع عن مصالح هذه الشعوب. هذه الأنظمة سهلت للأجنبي امتصاص دمائنا ولم تدافع عن مصالحنا فلماذا ندافع عنها أمام الأجنبي. لنقف في أفضل الأحوال موقف الحياد وندع هذه الأنظمة تدافع عن نفسها معتمدة على عناصرها المستفيدة وبعيدا عنا فنحن لا ناقة لنا ولا جمل في كل ما يجري وإن كنا الضحايا الأبرياء.

وتبقى أمامنا وسائل الإعلام العربية الحكومية وغير الحكومية صحف وفضائيات وغير ذلك من الوسائل التي يديرها أناس يعانون من انفصام حاد في الشخصية كلهم يشتم أميركا وكلهم يقف على أبواب سفاراتها بحثا عن تأشيرة. إنهم يهيجون مشاعرنا ضد أميركا بسبب وبلا سبب. كنا نسمعهم ليلا ونهارا يطالبون بتغيير مناهجنا الدراسية، بتجفيف منابع الإرهاب، بترسيخ قيم العدالة، وعندما سمعوا المطالب نفسها تأتي من أميركا هاجوا وماجوا وكأن أميركا لا تريد بنا إلا كل شر.

أميركا سادة تريد لنا الخير ليس حبا فينا ولا هياما بنا، ولكن لأن تخلفنا وتسلط أنظمتنا خلق الإرهاب بيننا إلى أن وصل إليها فأسقط برجيها وفض عذريتها وبدأ يهددها في عقر دارها. لذلك تسعى كونداليزا مستشارة الأمن القومي الأميركي لإصلاحنا حماية لبلادها ولمواطنيها من شرنا، فتعالوا نتحالف معها لما فيه صالح الأمتين. وأولى الخطوات هي إبعاد صدام من البقاء جاثما على صدور العرب وممسكا برقاب مواطنيه. وفقها الله كونداليزا في مسعاها وسدد على طريق الخير خطاها.

* كاتب المقال صحفي  يمني مقيم في قطر.

إيلاف: الخميس 03 أكتوبر 2002



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن