إنخفاض متوسط أعمار العراقيين..الأسباب والعوامل المؤثرة ( 13 )

كاظم المقدادي
kalmukdadi@hotmail.com

2012 / 9 / 9

مؤشرات مخيفة عن وفيات ضحايا التفجيرات

مما يضاعف من تدني نوعية الخدمات الصحية هو نوعية المستشفيات الحكومية التي يتم إنشاؤها خلاف المواصفات العلمية المتطورة، سواء من حيث البناء،أو من حيث تجهيزها بالمعدات والأجهزة الطبية، ومعظمها لا يتناسب مع التقدم الحاصل في الطب، وكل المستشفيات الحكومية لم يجر تحديثها، وبقيت على ما هي عليه، وحتى من تم ترميمها لم تعد تساير الأحتياجات الصحية للمواطنين، ناهيكم عن مسايرة التطور العلمي والتكنولوجي(المفارقة انه في الوقت الذي يحتاج البلد الى المستشفيات والمدارس،وتخصيصات الميزانية العامة للصحة والتعليم بائسة ، يدعو وزير التعليم العالي والبحث العلمي الى تشييد جامع كبير في كل كلية في الجامعات العراقية).والى جانب محدودية الطاقة الإستيعابية للمستشفيات الحكومية، تبرز على نحو كبير شحة الكوادر الطبية، حيث تعترف وزارة الصحة بالحاجة الماسة الى نحو 40 ألف طبيب، في حين لا يتوفر أكثر من 22 ألف طبيب.والطبيب الواحد يخدم نحو 40 ألف نسمة من السكان- بحسب لجنة الصحة والبيئة في مجلس النواب-كما أسلفنا في الحلقة السابقة..

إرتباطاً بذلك،وغيره، فان واقع الخدمات الطبية الراهن،عموماً، وًالخدمات الطبية المقدمة لأنقاذ حياة المرضى، خصوصاً، ما تزال دون المستوى المطلوب، بل وسيئة.والأمثلة في هذا المضمار كثيرة وصارخة. في هذا الحلقة نتناول مهمة إنقاذ حياة ضحايا التفجيرات الأرهابية،التي يستمر ضعفها، في وقت تتصاعد التفجيرات الإجرامية، حيث قتل، خلال شهر رمضان وحده، 409 أشخاص، على الأقل، وأصيب 975 اَخرون في عمليات تفجير واطلاق نار شهدتها مناطق مختلفة من العراق [1]..

ويذكر أنه قبل 5 سنوات كتب الطبيب والأعلامي سلام يوسف منبهاً الى إن الزيادة السكانية والظروف الأمنية المنفلتة التي يعاني منها البلد قد أضافت هماً أخراً لهموم ومهام المستشفيات وكوادرها (على الأخص مستشفيات بغداد ) ألا وهو مهمة أنقاذ المصابين والجرحى من ضحايا العمليات الأرهابية،مقروناً ببقاء واقع عموم المستشفيات والمؤسسات الصحية الأخرى على حالها دون تطور أو تطوير[2].وفي الواقع، لحد اليوم لم يحصل تطور يذكر طرأعلى مهمة إنقاذ حياة الجرحى والمصابين،حتى ان العديد من المواطنين إشتكوا،عبر شاشات الفضائيات، عقب التفجيرات الأرهابية التي حصلت في الأسابيع القليلة الماضية، من تأخر،وحتى عدم وصول، سيارات الأسعاف، ورفض بعض أفراد القوات الأمنية من المساعدة، فأضطر المواطنون لوحدهم إنقاذ الجرحى وجمع الجثث والأشلاء المتطايرة.وهذا الواقع المؤلم يتواصل للأسف منذ عدة سنوات.وكان الدكتور يوسف قد لفت الأنتباه الى ان ما يقدم في ظروف الأرهاب الذي نعيشه محدود جداً ، فسيارات الأسعاف قليلة وقديمة ، والمسعفون قليلون وخبرتهم قديمة ومحدودة ، وواقع المستشفيات بعيد تماماً عمّا نحتاجه بمثل هذه الظروف، فالكادر قليل وأغلبه، بما فيه أطباء ومخدرين ومساعدي أطباء ومضمدين وممرضات، وغيرهم، غير متدرب على هكذا أصابات. والمشكلة الأساسية هي قلّة المستشفيات ومراكز الأسعاف الفوري والمراكز الجراحية المتخصصة، بالأضافة الى محدودية عدد وأمكانات مصارف الدم . إن الجريح العراقي يعاني مرتين ، مرّة من قبل الأرهابيين ومرّة من الأمكانات الطبية المحلية المحدودة غير القادرة على أنقاذه أو تقديم الخدمات العاجلة، والمعروف إن المصابين بمثل هكذا أصابات يدخلون ضمن قائمة الكوارث التي تلزم الدولة بالإستعداد لها وأتخاذ كافة الأجراءات الضرورية اللازمة [3].وتناول الموضوع أيضاً الدكتور مزاحم مبارك مال الله، منبهاً الى ان مثل هذه الظروف تحتاج الى وسائط لنقل الشهداء والجرحى، وسوائل وريدية،وأدوية ضد الالتهابات، ومواد تنظيف وتعقيم، وأدوات جراحية،ومواد خاصة بالكسور،ومواد منقذة للحياة،ومصارف دم، وكذلك ثلاجات للشهداء.بينما الحال يقول هناك نقص في كل هذه العناوين والمسميات وخصوصاً مصارف الدم، رغم حرص العاملين في مصارف الدم من أجل توفير دماء مفحوصة (للتأكد من خلوها من التهاب الكبد الفيروسي نمط B والأيدز وغيرها)،إلاً أن الواقع وبسبب الزخم الكبير هذا، مضاف إليها الدماء التي يتم طلبها في الحالات الجراحية الاعتيادية (أي ليست جراء الأعمال الإرهابية والعسكرية)، يعكس النقص الحاد في توفير الدماء إضافة الى الآلية المعقدة في الحصول عليه.واللافت إن العديد من المسترزقين اتخذوا من بيع الدم وسيلة لتوفير بعض المبالغ والتي يستخدمونها لأغراض شتى، منها المعيشة. حالة الفوضى والهلع والتجاوزات على الطاقم الطبي والصحي من قبل بعض الجهات الأمنية حينما يتعرضون الى حادث إجرامي ويبدأون هم بالاعتداء على المنتسبين بدافع من العصبية والتهور [4].

هذا الواقع المؤسف ما يزال سائداً حتى هذه اللحظة، ولا يمكن إنكاره.والمختصون يعرفون أنه نتيجة لسوء تنظيم الخدمات الطبية النمقدمة في الحالات الطارئة فقد المئات من المواطنين الجرحى- ضحايا العمليات الإجرامية- حياتهم،ولليوم لم يطرأ عليها تغير يذكر. ولو توفرت خدمة طبية متطورة،تشممل توفير مراكز إسعاف فوري قريبة ومجهزة، وكوادر متدربة على مثل هذه الحالات المرضية الطارئة، لتم بالتأكيد إنقاذ حياة الكثير من المواطنين، ولما حصل موت العديد من الجرحى في المستشفيات نتيجة لتأخر إسعافهم أو لعدم كفاءة المسعفين في مكان الحادث.

فعلى من يرغب حقاً وفعلآ بإيقاف تدهور متوسط أعمار العراقيين ان يولي هذه المهمة أهمية خاصة ويقرنها بأفعال عملية تحقق المطلوب بأسرع وقت ممكن..

الهوامش:
1- "فرانس برس"(أ.ف.ب)،20/8/2012
2- د. سلام يوسف، أنجاز فحوصات المرضى حق يجب أن تكفله الدولـــة، موقع "الناس"، 3/10/2007
3- د. سلام يوسف، المستشفيات وضحايا الأعمال الأرهابية، موقع "الناس"، 21/10/2007
4- د. مزاحم مبارك مال الله ، واقع الوضع الصحي في العراق(3)، "إيلاف"،15/3/2008

* أ.د. كاظم المقدادي-أكاديمي عراقي مقيم في السويد



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن