الفرح..!!

حماده زيدان
hamadazedane@gmail.com

2012 / 9 / 2

نتذكر جميعاً فيلم "الفرح"، ومؤكداً من يتذكر الفيلم سيتذكر بالتأكيد أن الفيلم للمخرج "سامح عبدالعزيز" ومن تأليف "أحمد عبدالله" ولهؤلاء الذين يتذكرون نصيحة مني لا يقرؤون السطور القادمة، لأني وببساطة سأحكي قصة الفيلم، لمن لا يتذكر..
يتحدث الفيلم عن "الأفراح الجمعية" وهي التي ينصبها أهلها فقط لجمع (النقطة) والتي هي أموال قد سددوها من قبل، ولا يهمهم في تلك الليلة إلا أموال (النقطة) التي يحصلون عليها ويقسمونها على بعضهم البعض، والجمعية في هذا الفيلم لم تكن أبداً جمعية ما بين (شخصان) ولكنها كانت ما بين قوتان، قوة منهم كانت في الماضي قوية وعفية وكان صاحبها (سيداً) للشارع بأكمله، ولكنه لظروف لم يحصرها الفيلم تعب وأصبح لا يقدر على شيء إلا الرضوخ بأية شروط يمليها عليه الطرف الآخر حتى تتم (الجمعية) هذا عن قوة مثلها وببراعة الفنان "خالد الصاوي". أما عن القوة الثانية، وهي البطل الثاني في الفيلم وفي القصة، هي المنفذة لهذا (الفرح) والمؤسسة لتلك الجمعية بكل من فيها وما فيها، من وجود "العروسة والعريس" وتواجد الفرقة، والأنوار، ومصور الفرح، والنبطشي، ويصبح الجميع لعبة في يد هذا (الطرف) المعلوم جيداً للطرف الآخر وهو في الفيلم "الصاوي" ومن هم أقرب الناس إليه، وليس معلوم لمن سيأتي من المعازيم وربما من الفنين أيضاً، وقد أدى هذا الدور الفنان الكبير أيضاً "محمود الجندي".
هؤلاء هم طرفي اللعبة في (لفرح) وفي إتمام (الجمعية) على خير، وبينهم يقف الكثير من الشخصيات التي لا تقل أبداً أهمية لإتمام (الفرح الجمعية) كما يريدون، هناك مثلاً (العريس وعروسه) واللذان رغم أهميتهما أمام الناس والمعازيم، لا يمثلان أدنى أهمية لأحد الطرفان، هم أتيا لإتمام شيئاً لا ناقة لهما فيه سوى إتمام إشهار زواجهما أمام الناس بعد أن حدث بينهما (جماع)، وهناك مصور تلك (الأحداث) أعتذر أقصد هذا الفرح، والذي لا يهتم إلا بتصوير النقطة كما أراد سيده، وهناك من قام بعمل الإضاءة ومهمته تنتهي فقط عند اشتعال (الأحداث) عذراً أقصد (إضاءة الفرح)، وهناك (النابطشي) وهو الأهم في هذا الحدث أعتذر مجدداً في هذا الفرح، والنابطشي لمن لا يعلم دوره هو شخصية تقف أمام (المطرب) على المسرح لا يهتم إلا بالنقطة، يصرخ دائماً، ويهلل لمن يقدم على المسرح ليقدم نقطته، كان "ماجد الكدواني" عبقري وأبهرني في تلك الشخصية وهذا العمل، وهناك أهل الشارع المغصوبين على تلك الأحداث مممم ويرفضونها بشدة، وكانوا يختلفون ما بين زوجان أحدهما منهك والزوجة شابة عفية وقوية، وما بين أم طيبة ومؤمنة وترفض بشدة الابن، وزوجة طيبة هي الأخرى ترفض ما يفعله الزوج، وراقصة قد تابت وترفض الرقص في تلك الجمعية وهذا الفرح المزيف، وهؤلاء كانوا الشعب.
والآن وبعد تلك الرحلة السريعة عبر (الشاشة الكبيرة) أعود سالماً إلى (الشاشة الأكبر) لأضع معكم يدي على عدة متقاربات ما بين الفيلم والواقع السياسي الذي نحياه، ولنبدأ بالشخصيات، لو اعتبرنا أن تلك الجمعية وهذا الفرح كان للـ(الثورة) وهنا لا تفهم عزيزي القارئ وقوفي في جانب ما ضد (الثورة) فقد كنت من المشاركين فيها، ولا أحب المزايدة على ذلك، ولكن (الثورة) لو اعتبرنا أن بدايتها كانت بالفعل (ثورة) فنهايتها لم تصبح كذلك وأصبحت بالفعل (جمعية) ما بين طرفان أحدهما (ضعيف) وكان قبلها أيل للسقوط، بل وسقط بالفعل عند أول اهتزاز لعرشه، والطرف الآخر ربما يكون (قوة خارجية) كانت تتحدث دائماً عن (شرق أوسط جديد)، وربما قوة داخلية تحركها (قوة خارجية)، وربما قوة داخلية فقط لها من القوة والنفوذ والسيطرة على الأرض التي جعلتها من بعد ضعفها هي الطرف الأقوى والأكبر من الجمعية، وبين هؤلاء الطرفان كانت عدّة (الفرح) تجهز، (العريس وعروسه) كانا الثورة نفسها، بكل ما فيها من معاناة، وفرحة، وحتى متطلباتهم هي في حد ذاتها شعارات الثورة، فلم يكن العروسان يبحثان إلا عن (الستر) بعدما شاخ بهم الزمان، وأصبحا مهددان بالفضيحة، رضيا أن يمثلا دور (الثورة) وهما في الأصل غير ثائران، رضيا أن يمثلا دور الثورة وهما في الأصل ليس لهما علاقة بالسياسة ولا يعرفونها، فقط ما يبحثان عنه هو (الستر) لذلك رضيا ووافقا وأصبحا للنهاية مهمشان رغم أن الليلة كلها مقامة لأجلهم، وأمامهم تماماً يقف المصور بكاميراته، لا يتوقف أبداً عن تصوير ما يحدث من انتهاكات هنا أو هناك، يزيد من تصوير كل شيء يحدث أمامه، يهتم كثيراً بالمعازيم الذين دورهم لا يتوقف إلا على (النقطة) التي سيدفعونها، وهم لا يعرفون شيئاً عن عرسان الفرح، وربما عن صاحب الدعوة نفسها، هم شخصيات لا تهتم إلا بالظهور أمام شاشات الكاميرات يتحدثون كثيراً عن (الثورة) المتمثلة في العروسان، وهم لا يعرفونها، يتحدثون ثم يتحدثون عن ذكرياتهم عن الثورة، وعن المفروض أن يفعل، والمفروض ألا يفعل، يتحدثون عن أزمات (عرسان) الفرح أو (الثورة) نفسها وهم في الأصل لأول مرة يروهم، هكذا هم (نشطاء الميديا) وما اختلف ولكن اختلف دورهم قليلاً فهم لا يدفعون أبداً (نقطة) ولكنهم يأخذوها.
وعلى جانب آخر من الكاميرا وصاحبها، يقف المطرب الذي يغني أي (كلام) فالناس على كثرتها لا تنتبه إليه كثيراً في تلك الليلة، ولكن ما يهتم به المعازيم في (الفرح) والناس في الواقع هو (النابطشي) وهو كما ذكرنا سابقاً من يقوم بجمع (النقطة) ومن يزين الفرح بكلماته المعسولة، وبصوته المرتفع دائماً يطغى على كل الحاضرين، النابطشي دوره هام جداً فهو يتغير مع كل (فرح) يحضره، وهو الذي بسبب مقالاً له، أو حديث صحفي، أو تأييد، أو حتى معارضة لطرف آخر، يجعل دائماً الكفة متوازنة ما بين الطرف الأضعف والأقوى، والنابطشية في عالم السياسة (كثّر) ومختلفين باختلاف العصر فكل عصر وله نابطشيته، ولكل عصر كتّابه، وسياسيه الذين يصبحون كتيبة من المؤيدين، والمهللين، والمطبلاتية، لكل نظام وليد أو للطرف الذي دائماً يصبح الأضعف في الجمعية حتى يبعثوا فيه روح التكبر والامتلاك ليتموا (الفرح) إلى النهاية، ليصبح الوضع دائماً كما هو عليه.
وفي الجانب الخفي من الكادر السينمائي، دائماً هم الموجودون، حاضرون بفقرهم، وضعفهم، وجبنهم في بعض الأحيان، وقد كانوا في (الفرح) جانبان، جانب منهم قريب جداً للجانب الأضعف من (الجمعية) وهم عائلته، التي ساندته مجبرة على إتمام هذا العمل، وجانب آخر وهم الجيران الغير راضين عن تلك الجمعية ولكنهم أضعف من أن يوقفوها، والجانبان تماماً كالشعب المصري، فمنهم جانب وافق وشارك في إتمام تلك الزيجة الملفقة، وهم يعلمون بتلفيقها وبزورها ولكنهم رغم هذا كانوا يتمنون الخير والإصلاح. ومنهم من لم يعلم، ولكنه رفض لعدم قدرته على التغيير، ولرفضه أية شيئاً يمكن أن يزعجه على قضاء بعض السويعات السعيدة حتى ولو كانت بالفياجرا..!!، ومنهم تلك الراقصة التي لم تعلم شيئاً عن حقيقة ما يدور، ولدور ما فعلته (الأم) الطيبة، رفضت المرأة الرقص، رغم عدم علمها بحقيقة الأمر، ورقصة في النهاية بالقوة، بعد أن تورمت عينها من أثر (لوكماية) من الطرف (الأضعف) والمغلوب على أمره في الفرح، أو في الجمعية، أو (أم الدنيا).
ولم يبقى لي في هذا المقال، إلا التأكيد على قصوري الذهني في تخيل (الطرفان) منذ بداية أحداث الثورة إلى الآن، دائماً يتحرك الطرفان ما بين صعوداً وهبوط، وما بين شد وجذب، وما بين قوة وضعف، ليبقى الطرفان في النهاية طرف هو في أصله (النظام) وهو الطرف الأضعف مهما اختلفت الأنظمة، وطرف (خارجي) أو (داخلي) هو الأقوى وهو المحرك، والمنظم، والمبارك للطرف الآخر، وهو الذي يقسم تلك (النقطة) كما يريد ويتقاسمها معه الطرف الأضعف على استحياء.
بالمناسبة تم سرقة (النقطة) في نهاية (الفيلم) فهل تلك دلالة على فشل خطتهما للاستحواذ على البلد؟!!.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن