المياه للاغنياء فقط

منال جبور

2002 / 9 / 30

هل من الشرعية تحويل احد مصادر الحياة الى مصدر للربح المادي؟ وهل من المعقول منع الحياة عن كل من هو محدود الدخل لمجرد انه لا يملك ثمن المياه؟

منال جبور

 

ازمة المياه العالمية في تفاقم مستمر، فمصادر المياه الصالحة آخذة بالتقلص، وبالمقابل يزيد الطلب على استهلاكها. في ظل هذه الازمة تحاول بعض الشركات الخاصة السيطرة على هذه المصادر.

لم يعد لكلمة خصخصة ذلك التأثير الكبير في عصر العولمة هذا، لكن عندما تصل محاولات الخصخصة الى مجال المياه علينا التوقف قليلا لاعادة حساباتنا من جديد. هل من الشرعية تحويل احد مصادر الحياة الى مصدر للربح المادي؟ وهل من المعقول منع الحياة عن كل من هو محدود الدخل لمجرد انه لا يملك ثمن المياه؟

ان عائد مجمل الشركات العالمية التي تدير او تملك موارد المياه في اماكن مختلفة من العالم، يصل الى ما يقارب ال200 مليار دولار في السنة الواحدة، وتقدم هذه الشركات خدماتها فقط ل7% من سكان العالم. (نيويورك تايمز، 26 آب)

 

العالم الثالث وخصخصة المياه

الشركة العالمية الكبرى التي استولت على الكثير من مصادر المياه، هي الشركة الفرنسية "فيفيندي انفيرونمنت" ((Vivendi Environment. حدود سيطرة هذه الشركة واسعة جدا، وتتعدى اوروبا لتصل الى آسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية. وتخضع دول العالم الثالث هذه لرحمة هذه الشركة في كل ما يتعلق بتزويدها بالمياه.

الخصخصة في العالم الثالث ناتجة عن ديونها الكبيرة للدول العظمى. فقد اضطرت الدول الفقيرة ان تبيع مصادر ثرواتها الطبيعية، بما فيها المياه، نتيجة الضغوطات التي تفرضها الدول المُدينة. انتقال السلطة على الموارد الطبيعية الى الشركات الكبرى، سبّب ارتفاع اسعار المواد التي تمت خصخصتها.

الارجنتين هي احدى الدول التي تعاني من هذه المشكلة. سعر المياه في الارجنتين ارتفع الى اكثر من الضعف خلال سنوات قليلة. خورخيه عبد الله كان يدفع 24 بيزو في الشهر مقابل الماء، اما اليوم فانه يدفع 59 بيزو. وقد قام الكثيرون بالتظاهر في الاكوادور، بنما، جنوب افريقيا واماكن اخرى ضد ارتفاع اسعار المياه. المتظاهرون مصممون على وضع حد لهذا التوجه. يقول مواطن ارجنتيني: "لا تقوم الشركة باي استثمار، انها لا تفعل شيئا سوى رفع اسعار المياه." (نيويورك تايمز 26 آب).

المشاكل التي سببتها هذه الشركات لا تقتصر على احتكار مصادر المياه فقط. فبينما تقوم شركة السويس (شركة فرنسية اخرى تحتكر المياه) بضخ كميات كبيرة من المياه في الارجنتين، فهي لا تقوم بمد انابيب كافية للتصريف. وقد سبب الامر اغراق بعض المصالح التجارية في الاماكن القريبة من مصادر الضخ. ولتفادي المشكلة يضطر السكان للتزود بمضخات للتخلص من المياه على نفقتهم الخاصة.

ادارة الشركة تتهم الازمة الاقتصادية في الارجنتين بهذا الوضع. ويقول جاك بتري، المدير التنفيذي لتوزيع المياه في الشركة، ان المخطط الاصلي للمشروع تضمن مد انابيب الصرف الا ان انهيار العملة جمّد العمل.

 

عطاشى على الفرات

المنافسة على موارد المياه لا تقتصر على الشركات، بل تشمل الدول ايضا. في هذا السباق لا تأبه الدول بتأثير محاولتها احتكار المياه على الدول المجاورة.

ما زال المواطن السوري عبد الرازق عوين الذي يقطن على مقربة من نهر الفرات بانتظار ايصال المياه الى ارضه كما وعدته الحكومة. لكن الوعد لم ينفذ بسبب المشاريع التركية. وقد قطعت حكومات الدول الثلاث الواقعة على الفرات، تركيا وسورية والعراق، وعودا مماثلة لمواطنيها. لكن مياه الفرات لا تكفي لتنفيذ الوعود.

ويرى بعض الخبراء، كما تقول "نيويورك تايمز" (25 آب)، ان الازدياد في درجات الحرارة التي يعاني منها العالم ستزيد من حدة المشكلة. ومن المتوقع ان يزيد القحط في المناطق الجافة، بما فيها مناطق في الولايات المتحدة، بينما ستزداد الفيضانات في مناطق اخرى. وحذرت الامم المتحدة من ان التنافس على مصادر المياه سيزداد سوءا مع الوقت. وتقول ساندرا بوستل، مديرة مشروع سياسة المياه العالمية: "اذا اردنا توفير حاجات البشر من الطعام والماء في السنوات القادمة، علينا اجراء تغييرات جذرية في ادارتنا للمياه".

في كل سنة يستهلك سكان العالم اكثر من نصف المياه الصالحة. ويتوقع ان ترتفع هذه النسبة بسبب الازدياد السكاني، لتصل عام 2025 الى نحو 74%. وقد ترتفع الى 90% اذا كان معدل استهلاك الفرد في العالم مساو لمعدل استهلاك الفرد في الولايات المتحدة.

 

الدولة العظمى في ازمة مياه

رغم انها تقع فوق اكبر مجمعات المياه الجوفية في العالم (الاوغالالا)، بدأت الولايات الجنوبية في الولايات المتحدة تعاني من نقصان المياه. المياه التي كان من السهل ضخها في الماضي لقربها من السطح، اصبحت مكلفة جدا نتيجة العمق الكبير الذي وصلته اليوم.

لنوضح ضخامة المشكلة علينا ان نذكر بعض الحقائق العلمية: اولا ان مجمعات المياه الجوفية في العالم تقسّم الى بحيرات، بحار ومحيطات حسب الحجم. الاوغالالا حسب هذا التعريف تعتبر محيطا، فهي تمتد تحت ثماني ولايات امريكية. وقد اعطت هذه الولايات الحق لمزارعيها بالتصرف في المياه الواقعة تحت اراضيهم بحرية وحسب حاجاتهم الخاصة.

وكان هذا ممكنا طالما كانت المياه متوفرة، لكنها اليوم في تراجع مستمر. المياه التي يضخها اليوم روني هوبر، مزارع من تكساس، تكلفه خمسة اضعاف ما كانت تكلفه في الماضي. عمق الاوغالالا في ارضه كان 95 قدما تحت سطح الارض، ووصلت اليوم الى 335 قدما مع 65 قدما باقية للوصول الى القاع. (نيويورك تايمز، 28 آب)

رغم ان المزارعين في الولايات المتحدة بدؤوا يعون خطورة المشكلة، ويحاولون استعمال اساليب ري اكثر توفيرا للمياه، الا ان هذه المحاولات جاءت متأخرة. صحيح ان معدل استهلاك الفرد للمياه داخل الولايات المتحدة قد انخفض بشكل نسبي، الا انه ما زال مرتفعا. من جهة اخرى، فان الازدياد السكاني والضرر الكبير الذي حدث لمنسوب المياه يحولان دون ايجاد حل قريب للمشكلة.  

 



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن