سلام عادل ودوره السياسي في العراق 1922 - 1963 / الجزء الثاني

علي عبد الكريم حسون
alinasrya46@yahoo.com

2012 / 8 / 13

سلام عادل ودوره السياسي في العراق 1922 – 1963 ( الجزء الثاني )
=======================================
العنوان أعلاه هو رسالة ماجستير غير منشورة حصلت بها الطالبة شيماء ياس خضير خلف العامري على درجة الماجستير من كلية التربية للعلوم الأنسانية – جامعة ذي قار – في 2012 .
------------------------------------------------------------------------
علي عبد الكريم حسون
جالت الباحثة وتمحصت بيئة مدينة النجف مسقط رأس حسين أحمد الرضي , من منطلق أن لبيئة النجف السياسية تأثير كبير في نشوء الوعي السياسي لديه مشكلّة البدايات الأولى لتوجهّه الشيوعي . وتوقفت كثيرا عند الأجراءات التنظيمية التي قام بها سلام عادل لتعزيز الوحدة الداخلية للحزب بالقضاء على الأنشقاقات في بنيته , وإيجاد مرتكزات قوية للحزب في أوساط الشبيبة والطبقة العاملة والجيش ... حتى تكللت جهوده في عقد المؤتمر الثاني للحزب عام 1956 ( وهي تقصد الكونفرنس الثاني للحزب , فالمؤتمر الثاني عقد عام 1970 ).
ثم توقفت الباحثة للحديث وبالتفصيل عن الفترة التي تلت قيام ثورة الرابع عشر من تموز 1958 , ودور سلام عادل في تحقيق أهداف الحزب السياسية والشعبية , حيث تم عقد إجتماع أيلول 1958 , الذي وضع دراسة مستفيضة للواقع السياسي للحزب , والأحداث المستجدة على الساحة العراقية . ليتبع ذلك عقد موسع تموز 1959 والذي برزت فيه آراء مختلفة , قادت بعد ذلك لعقد الأجتماع الموسع عام 1962 , والذي أرسى سياسة الحزب في تخطي العقبات السياسية الداخلية التي واجهته . أما الفصل الرابع والأخير , فتتبع الباحثة فيه مجريات وأحداث ثورة 14 تموز 1958 وتأثيرها على قيادة سلام عادل في ظل المستجدات السياسية .
كقاريء إستمتعت بالعرض العلمي الشيق لسيرة شاب , وجد طريقه للتنظيم على يد صديق من أهالي الديوانية هو محمد حسين فرج الله , والذي رشحه لعضوية الحزب لدى لجنة مدينة الديوانية عام 1944 , والتي أرسلته شخصيا لبغداد , ليلتقي بزكي بسيم الذي هيأ له اللقاء بفهد , حيث لم يكتفي سلام عادل بالأجابة على أسئلة فهد , بل تقدم له بمجموعة أسئلة عن كيفية الأنتماء وطبيعة العمل الحزبي . وكانت نتيجة إعجاب فهد به , أن رفع عضويته للحزب دون أن يكمل فترة الترشيح , وأوكلت إليه مسؤولية التنظيم العسكري في الديوانية , بحكم إتصاله بالفرقة الأولى كمدرب للفريق الرياضي فيها .
عاد سلام عادل للديوانية ليعمل عضوا في لجنة المدينة الحزبية ومسؤولا عن التنظيم العسكري . ولكن سرعان مانجحت مراقبة السلطات الأمنية في الديوانية , من كشف تحركاته . فتم فصله من قبل مدير الجهاز الأمني في المدينة ( بهجت العطية ) عن التعليم . ليترك المدينة مرتحلا لبغداد , فيعرض عليه فهد , التفرغ للعمل الحزبي وإستلام ستة دنانير شهريا لقاء هذا التفرغ .. فيرفضها سلام , كتحدي لفصله على يد بهجت العطية . يفتح دكانا بعدها لبيع وجبات الأفطار ( الفشافيش ) في ساحة الوثبة ببغداد , متخذا إياه وكرا ومركزا لأستلام وتسليم البريد الحزبي , مكملا في نفس الوقت دراسته الأعدادية , ليعمل بعدها معلما في مدرسة الأكراد الفيلية الأهلية ( المدرسة الجعفرية ) ولم يمضي وقت طويل ولنشاطه بمظاهرات وثبة كانون 1948 , ألا وأن يفصل ثانية من وظيفته , فيجدها فرصة ذهبية للتفرغ الحزبي , وليفتتح في منتصف 1948 حانوتا لبيع القرطاسية والصحف في نفس الساحة ( ساحة الوثبة ) ببغداد .
يعتقل بعدها بعد أن تعرف عليه أحد عناصر الأمن , من أبناء مدينته النجف , أثناء مشاركته بمظاهرات شباط 1949 بعد إعدام قادة الحزب فهد وصارم وحازم ويهودا صديق وساسون شلومو دلال ( 1 ) . ليقضي بعدها مدة عقوبة بالسجن ثلاث سنوات في سجن بغداد المركزي وبالأقامة الجبرية لسنتين . وفي السجن أعيدت محاكمته لخطه كتبا ماركسية فمددت لخمس سنوات مع مائة جلدة . وسفّر بعدها إلى سجن نقرة السلمان , حيث نفذت فيه عقوبة السجن والجلد . وبعد رفضه شتم وفهد , وهتافه بسقوط حكومة نوري السعيد , أضيفت له خمسين جلدة أخرى .
في 1953 يخرج من سجن النقرة لتفرض عليه الأقامة الجبرية في الرمادي , الا أنه يهرب ويصل بغداد ليختبيء في بيت الشهيد طالب عبد الجبار مسؤول لجنة بغداد للحزب , وليستلم لاحقا مسؤولية المنطقة الجنوبية ( البصرة والناصرية والعمارة ) فيذهب للبصرة صحبة زوجته الشابة ثمينة إبنة المربي الفاضل ناجي يوسف مدير تربية الديوانية . وهناك في البصرة قاد الأضرابات المشهورة بين صفوف العمال , والتي بدأت في تشرين الأول 1953 بين عمال مصلحة نقل الركاب , وإمتدت لتشمل عمال اللاسلكي في الميناء , وإلى عمال البناء في الفاو , ومن ثم إلى عمال النفط وعمال مدينة الفاو وشركة نفط البصرة . وكان حضوره بارزا وفاعلا ومتواجدا فيها عبر تشكيله لجنة الأضرابات ولجنة المفاوضة .
كل هذا دفع بوزير الداخلية سعيد قزاز , للذهاب للبصرة مواجها العمال بقوات الشرطة التي قتلت متظاهرا وجرحت ستة ... فكان رد الحزب ممثلا بسلام عادل , توجيه نداء للعمال يشد من إزرهم , حيث إنظّم ما يقرب من الألف عامل من عمال محلة الجمهورية للمضربين . فتصدت لهم شرطة سعيد قزاز لتقتل منهم ستة , وأعلنت الأحكام العرفية وعين العقيد أحمد محمد يحيى قائدا عسكريا للبصرة ( 2 ) . ولنجاح سلام ولجدارته وتوجيهه للجماهير , قررت قيادة الحزب عام 1954 ضمه للجنة المركزية , حيق قدم لها تقريره الموسوم ( جبهة الكفاح الوطني ضد الأستعمار والحرب ) . والذي قسمه إلى قسمين : الأول يخص الوضع السياسي ومهام إقامة جبهة موحدة , والثاني تنظيمي حول بناء التنظيمات وتوعية الكادر وكيفية إختياره وتنمية الجانب الفكري , منتقدا الطريقة السابقة في الأختيار , حسب الأعتبارات الشخصية التي تؤدي إلى خسارة كوادر ثورية مجربة مخلصة . وموجها في الوقت نفسه عدة إنتقادات للقيادات التي تعاقبت على قيادة الحزب بعد إعتقال فهد في كانون الثاني 1947 , وبالأخص سياسة بهاء الدين نوري , متهما إياه بالفردية والبيروقراطية , وبأنها متخبطة بين الأهداف الآنية والمستقبلية , مربكة سياسة الحزب العامة , وإتهمه بالتفريط ببعض العناصر الثورية .
وكانت أهم محطة خارجية للشهيد هي تمثيله للحزب الشيوعي العراقي في مؤتمر الأحزاب الشيوعية والعمالية لدول الكومنولث البريطاني المنعقد في 21 نيسان 1954 بلندن . والذي عرض فيه تقريرا عن كفاح الحزب الشيوعي العراقي والعقبات التي إعترضته وكيف شق طريقه وسط الأعتقالات والنفي ومداهمات قوات الأمن , وكيف إستطاع من تكوين كادر حزبي مؤمن بمباديء الحزب ويناضل من أجلها .
بعد عودته من لندن , تسلم مسؤولية منظمة بغداد , حيث بادر فورا بتشكيل الخلايا الداخلية للحزب , وعقد إجتماعات دورية مع الأعضاء الجدد حرصا على توعيتهم بالنظرية الثورية وكان لهواياته في الرسم والخط والرياضة مدخلا للأختلاط بالشباب والفئات الشعبية ( 3 ) . ويبدو أن للشهيد ماثرة في تنفيذ فكرة ومن ثم إصدار النشرة الداخلية مناضل الحزب عام 1954 بالتشاور مع أعضاء منظمة لجنة بغداد , والتي لاتزال تصدر لغاية اليوم وهي المختصة بحياة الحزب الداخلية .
وفي أثناء قيادته للجنة بغداد بعد 1954 , نجح الحزب بتنشيط الواجهات العلنية لنشاطه وهي المنظمات الديمقراطية والمهنية ( الأتحاد العام لنقابات العمال ولجنة العدالة والأتحاد العام لطلبة العراق وإتحاد الشبيبة الديمقراطي ورابطة المرأة العراقية ) . ولم يكن العهد الملكي بغافل عن نشاط الشيوعيين , فأصدر نصا يقضي ب: ( تجريم كل من حبذّ أو روجّ أيا من المذاهب الأشتراكية البلشفية الشيوعية والأباحية وما يماثلها ........ مثل أنصار السلام أو الشبيبة الديمقراطي .. الخ ) .
وإستطاع الشهيد سلام أن يعقد إجتماعا للجنة المركزية في حزيران 1955 , والذي قررت فيه وبالأجماع تنحية حميد عثمان , ومنتخبة بالأجماع أيضا سلام عادل سكرتيرا لها . ويشير حسن علي كاظم الموسوي أخ سلام عادل إلى أن تمتع سلاما بالنشاط السياسي ولجماهيريته الواسعة وما له من رصانة حزبية وقدرة عالية في حل المشكلات الحزبية بإعطاء الحلول الناجحة , كانت السبب في إنتخاب رفاقه له ( 4 ) .
في تموز 1955 , عقد أول إجتماع للجنة المركزية بقيادة سلام عادل , وكان نقلة نوعية في الخط البياني لحياة الحزب الداخلية , وخاصة النظام الداخلي . وكان الأهتمام ملحوظا للعمل بين النساء , وذلك بتشكيل تشكيلات نسوية ترتبط باللجنة المحلية , لتوضيح الفكر الماركسي . كما بث الشهيد النشاط في التنظيم العمالي والفلاحي مستفيدا من تجربتين تنظيميتين خاضهما : الآولى في قيادته إضرابات العمال في البصرة عندما كان مسؤولا للمنطقة الجنوبية . والثانية أثناء عمله مسؤولا لمنظمة الفرات الأوسط ذات التكوين الفلاحي .
وفي أثناء ذلك قاد الشهيد مفاوضات وحوارات مع الجماعات المنشقة عن الحزب , عادت على أثرها كل من : راية الشغيلة / وحدة النضال / وحدة الشيوعيين العراقيين . كما جرى تغيير إسم جريدة الحزب ( القاعدة ) إلى جريدة ( إتحاد الشعب ) في أواسط حزيران 1956 . وبعد ذلك وفي أيلول 1956 عقد الكونفرنس الثاني للحزب بأحد دور منطقة تل محمد ببغداد الجديدة وبحضور أكثر من 25 مندوبا . ولم تكن الباحثة شيماء موفقة برأيها ((( بنيت مقررات الكونفرنس على توجيهات وسياسات المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفييتي ))) فجاء تحليلا عائما غائما , دون أن تسنده بدليل أو عرض نقاط انقياد للمركز الأم ... ناسية أو متناسية بأن الكومنترن قد سبق حله . لا بل تذهب برأيها بعيدا جدا بقولها : (( وبهذا أثبت سلام عادل تبعية الحزب الشيوعي العراقي للحزب الشيوعي السوفييتي وليس حزبا مستقلا وهذا ما إنعكس سلبا على سياسة الحزب وفق التطورات الدولية . )) غافلة أنها تستشهد بآراء من كتبوا , معبرين عن وجهة نظر الخندق الآخر المعادي ( سمير عبد الكريم وهو الأسم الوهمي لعميل التحقيقات الجنائية الملكية ولاحقا الأجهزة الأمنية العراقية زمن الجمهوريات المتلاحقة بإصدارها عام 78 كتاب أضواء على الحركة الشيوعية العراقية ) . دون أن تكلف الباحثة نفسها بعرض وجهة النظر المضادة لهذا الرأي . ومستندة لفقرة إتباع سياسة التعايش السلمي التي وردت في مقررات المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفييتي في شباط 1956 , وتبني الحزب الشيوعي العراقي لها .
كان أهم ماخرج به الكونفرنس الثاني للحزب هو : الجبهة الوطنية الموحدة والسياسة التحررية والمسألة الكردية . كما إنتخب الكونفرنس الثاني لجنة مركزية جديدة من خمسة أعضاء هم : عطشان ضيئول الأزيرجاوي / ناصر عبود / محمد صالح العبلي / جورج حنا تلو / فرحان طعمة . ومكتب سياسي من ثلاثة أعضاء : سلام عادل سكرتيرا أول للجنة المركزية / عامر عبد الله / جمال الحيدري . وثلاثة مرشحين للجنة المركزية هم : عزيز محمد الشيخ ( هكذا أوردت إسمه الباحثة ) وصالح الحيدري وعبد الرحيم شريف ( 5 ) .
كان أبرز ماتصدى له الشهيد هو المفاهيم البرجوازية القومية والتصفوية التي سادت بين أعضاء لجنة الفرع في كردستان للحزب الشيوعي العراقي , والتي صاغها في كراس معنون بذلك , إستطاعت ثمينة ونزار أن يضمناه كتابهما عن سلام عادل سيرة مناضل . وقد حصلا عليه من أرشيف الحزب الشيوعي العراقي في براغ . وقد رسم فيه الطريق الصحيح والأمثل لحل القضية الكردية , وذلك بإعطاء الحكم الذاتي حتى يتسنى لهم حق تقرير المصير في إختيار شكل الدولة التي يرغبون فيها ( 6 ) .
------------------------------------------------------------------------------------
# الأضافات والهوامش مني
( 1 ) إعتادت أدبيات الحزب الشيوعي العراقي على ذكر القادة الثلاثة دون ذكر الأثنين الآخرين فالرابع يهودا أعدم شنقا معهم والخامس ساسون بعدهما بأشهر . وحتى يوم 14 شباط يوم الشهيد الشيوعي والذي يستذكر فيه وبإجلال أعضاء الحزب الشيوعي العراقي الذكرى العطرة للقادة المعدومين , لايذكر الأثنان الآخران .
( 2 ) هو نفسه العقيد ولاحقا العميد الذي عينه الزعيم عبد الكريم قاسم وزيرا للداخلية بعد ثورة الرابع عشر من تموز 1958 . ويبدو أن الزعيم , إستعان بوجوه أمنية خدمت العهد الملكي بإخلاص منهم العقيد عبد الجليل مجيد الذي عينه مديرا للأمن العامة بعد الثورة , وكان يشغل سابقا منصب ضابط إستخبارات عسكرية في الفرقة الثالثة بديالى وكان متتبعا لتحركات الشيوعيين , بل يقوم بنفسه بمداهمة بيوتهم . ولم تنفع توسلاته لأنقلابيي شباط 1963 بأنه كان يحميهم ويرسل لهم تحذيرات كلما داهمهم خطر زمن قاسم , فاعدموه .
( 3 ) يذكر الراحل عامر عبد الله في مقالة له منشوة في طريق الشعب عام 1978 بأن الشهيد سلام كان فنانا في عمل ونسخ جوازات السفر ليخرج بها الرفاق لمهام خارج العراق . وأنه أي عامر , أتلف أحدها يوما ما , مما جعل الشهيد يوصيه برفع يده عنها عندا يتركه في الوكر الحزبي لمهام أخرى خارجه .
( 4 ) تتعدد الأسباب وراء قرار المسؤول الأول للحزب آنذاك كريم أحمد الداود , والذي كان متحمسا مع رفيقه ناصر عبود لتسليم سلام عادل مهام حزبية غير قليلة وإختياره للذهاب الى لندن كما أسلفنا . وبين إتصاله بحميد عثمان الهارب من السجن ليسلمه قيادة الحزب بوصفه الأجدر بها , وذلك حسب مايورده في مذكراته المنشورة أخيرا .
( 5 ) جميع الأسماء هم من غير الأحياء سواء من إستشهدوا أو توفوا وفاة طبيعية . بإستثناء فرحان طعمة هو الحي الوحيد الباقي , وقد زرته في بيته بالكاظمية قبل فترة قصيرة وهو يتمتع بصحة جيدة وذاكرة قوية . كما أنه صاحب ضيافة ببيته لزواره , لكنه يصمت عن تأريخه الشخصي وتأريخ الحزب الشيوعي العراقي , وربما يعود هذا إلى إنقطاع صلته بالحزب بعد إعتقاله عام 1957 زمن العهد الملكي .
( 6 ) الذي لفت نظري في الكراس أن الشهيد ذو ملكة كتابية وفكرية وبعد نظر مستقبلي , فلقد علق قائلا ومخاطبا قادة الفرع الكردي المطالبين بحل المنظمة والذهاب للحزب الديمقراطي الكردستاني : تتحدثون عن النفط الكردي وسراقه من الحكام العرب . ألا تنتظرون لغاية يوم آخر للحديث عن نفط عربي ونفط كرد



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن