التشابك وثورة المعلوماتية الجديدة

نضال فاضل كاني
nidhal.albaghdadi@gmail.com

2012 / 6 / 14

تخيل ان لديك زوج من احجار النرد، وان احدها على الطاولة في غرفة مغلقة والاخر بيدك وانت تقف امام طاولة في غرفة اخرى مغلقة ايضا. وافترض ان هناك تشابكا كموميا بين النردين، فما سيحصل هو انك حين تقلب النرد الذي بيدك، فان النرد في الغرفة الاخرى يتقلب ايضا، ومهما رميته على الطاولة فان النتيجة ستكون متطابقة بين النردين، أي ما سيظهر لك عن طريق الرمي، سيؤدي الى ان يتحرك النرد الاخر في الغرفة المغلقة ليتخذ الوضعية ذاتها التي لديك.
في مجلة "ساينتفك امريكان" العلمية يذكر الفيزيائي "انطون زايلنغر" مثالا مشابها يقول فيه: لننظر في حالة فوتونين استقطاباهما متشابكان.. لنفترض أن لدى الآنسة سمر أحد الفوتونين المتشابكين وأن لدى السيد أحمد شريكه الآخر. حين تقيس سمر فوتونها لترى إذا كان مستقطبا بصورة شاقولية أو أفقية. فإن التشابك يؤمّن له الحصول على نتائج "سمر" نفسها بالضبط. فحالما تحصل سمر على النتيجة "أفقي" مثل تعرف أن فوتون أحمد سيكون مستقطبا استقطابا أفقيّا ايضا. أما قبل أن تجري سمر القياس فلم يكن لأي من الفوتونين استقطاب خاص؛ والحالة المتشابكة تحدد فقط أن قياسا ما سيجد أن الاستقطابين متساويان.
والسمة المدهشة لهذه السيرورة – كما يؤكد زايلنغر- هي أنه ليست هناك أية أهمية لكون سمر وأحمد بعيدا أحدهما عن الآخر، فالعملية تسير مادام تشابك فوتونيهما قائما. وحتى لو كانت سمر على نجم ألفا قنطورس وكان أحمد على كوكب الأرض فإن نتائجهما ستتفق حين يقارنان فيما بينها. ففي كل مرة تجري الأمور كما لو أن فوتون أحمد يتأثر بصورة سحرية بالقياس الذي تجريه سمر من مسافة بعيدة، والعكس بالعكس.
ولقد فسر الفيزيائيين هذا الامر بطريقتين مختلفتين، اذ ذهب اينشتاين و بودلسكي و روزن الى رأي يقول ان هناك "متغيرات خفية" بين الجسيمات الذرية وفي حال تمكنا من معرفتها فسنستطيع نعرف حقيقة ما يجري. بينما ذهب "نيلز بوهر" الى الرأي القائل بأن ذلك يحدث لأن طبيعة الظواهر الكمية توجب ذلك، وعنده أن تشابك الفوتونات عندما يحصل فأن ما يحدث من تغيير على حالة تراكب الكم في الجسم الأول سيتغيّر الجسم الثاني تماماً مع الجسم الأول كما لو أن الجسمين متصلين ببعضهم البعض.

ان التمكن من السيطرة على هذه التشابكات، وامكانية توظيفها في مجال نقل المعلومات، سيؤدي الى توفير وسائل اتصال فورية (آنية) لا تحتاج الى أي بث لأي اشارة لاسلكية، فهي لا تتفوق على سرعة الضوء فحسب بل انها لا تفقد زمنا اصلا، اذ الامر سيكون عبارة عن حدثين في مكانين مختلفين بزمان واحد. وبهذا سيكون البث التلفزيون والاتصالات الهاتفية والانترنت والفاكس والاقمار الاصطناعية.. جميعا بلا زمن.. اذ لحظة التغيير في الفوتونات الموجودة في مكان الأرسال، تساوي لحظة الاستقبال في أي مكان من العالم.. وما يحدث فعلاً على صعيد تخاطر الكم هو نقل وإرسال المعطيات الموجودة أصلاً في تركيبات الكم للجسيمين المتشابكين.
والمذهل بالفعل هو الاخبار التي نشرها موقع (www.physorg.com) عن نجاح علماء في الصين مؤخرا بنقل المعلومات على مسافة 16 كيلومتراً، حيث تخطت بطبيعة الحال المحاولة السابقة التي لم تتجاوز بضع مئات من الأمتار في نقل المعلومات، بطريقة اصطلح على تسميتها بـ " تخاطر الكم Quantum teleportation". وهذا يعني الاقتراب من طريقة جديدة لنقل المعلومات على مسافات بعيدة دون الحاجة الى الوسائل التقليدية لتلقي الإشارات والمتبعة حالياً في مجالي نظم المعلومات والاتصالات.
ولقد أكد الباحثون من جامعة الصين للعلوم والتكنلوجيا وجامعة "تسينغهوا" في بكين أنه على هذه المسافة بقيت الفوتونات على كلتي الطرفين تستجيب للتغيرات التي تحصل على التراكب الكمي وكانت نسبة الاستجابة حوالي 89 بالمئة.
* * *
من وجهة نظر فلسفة التضامر هذا الاكتشاف او هذا النجاح ولو كان بسيطا في هذه التجربة فهو امر منطقي، لأنه يعطي طريقة لنقل المعلومات لا تماثل الطريقة المألوفة. اذ لما كانت الطريقة المألوفة تعتمد في نقل المعلومات عبر الترددات الموجية، وهي تستغرق زمنا وان كان بالثواني او اجزائها، فان ما يفترض باللامثيل وفق منظور التضامر ان يكون نقل المعلومات باللاموجة واللازمن. ويبدو ان التشابك الكمومي او التخاطر الكمومي تنطبق عليه هذه المواصفات، ولهذا فهو أمر منطقي تضامريا.
ولكن، وبحسب التضامر نفسه، فان التخاطر الكمومي (التشابك) هو احد الاحتمالات الممكنة لنقل المعلومات بطريقة اللاموجة واللازمن، ما يعني ان هناك احتمالات ممكنة أخرى. أي يمكن ان تكون هناك طرق اخرى غير التشابك لنقل المعلومات، وقد يكون منها الاعتماد على نظريات أخرى كالنظريات الوترية التي تذهب الى ان الكون يتكون من أكثر من الابعاد الاربعة المألوفة لدى الانسان الاعتيادي والمتمثلة في ابعاد المكان الثلاثة (الطول والعرض والعمق) وفي بعد الزمان، بل الكون وفق تلك النظريات يتكون من احد عشر بعدا، وربما اكثر بحسب بعض النظريات. واذا ما سرنا مع معطيات تلك النظريات، فانه بالامكان تصور نقل المعلومات بالطريقة التقليدية عن طريق الموجة، ولكنها لن تستغرق زمنا في الوصول من المرسل الى المُستقبِل، بمعنى انها موجة تسير بلا زمن، وذلك لأن تلك الموجة الحاملة للمعلومات لن تنطلق في المكان الثلاثي بل في بُعد آخر لا مكاني، لتظهر بنفس الطريقة في محل الاستقبال، فلا تستغرق زمنا. وفي هذا الحالة يمكن وصف عملية النقل بأنها (موجية لا زمنية)، وهي تختلف عن (اللاموجية اللازمنية) في حالة التشابك. والى ذلك يمكن توقع احتمالات اخرى من قبيل نقل المعلومات بطريقة (زمنية لا موجية) أي النقل الذي يستغرق زمنا ولكنه ليس موجيا. كما يمكن توقع غير ذلك بناء على معطيات علمية اكثر تفصيلا في هذا الشأن.
ان هذه التوقعات ليست خيالية، بل هي نظرية، والفرق ان الخيالي لا يستند الى معطيات النظرية العلمية المتوفرة بل الى الاحلام والاماني، وأما التوقعات هنا تستند الى امكانيات النظريات العلمية المطروحة ولو كانت تلك النظريات غير مثبتة او غير مؤكدة..



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن