مشاهد من جمهورية (مصربيا) المسيحية.

حماده زيدان
hamadazedane@gmail.com

2012 / 5 / 30

جمهورية (مصربيا) جمهورية تقع في مكان ما على الخريطة، كانت في يومٍ من الأيام من البلدان المسلمة، وبعد عدة قرون من ضعف دولة (الإسلام) فيها، جائها المسيحيون رافعين فيها راية (الصليب) داعين تحريرها من غياهب الدولة (الإسلامية) التي كانت تضهد كل يوم في سكانها، حدثت المعجزة، ونزل فيها "عمروف" كقائد كبير، وتم الفتح العظيم كما تطلق عليه كتب التاريخ، وأصبحت (مصربيا) دولة مسيحية وتلك مشاهد من تاريخها المعاصر.
* عاش المسلمون في تلك (الجمهورية) كأقلية مسلمة، وحرمت عليهم ومنذ فتح تلك الجمهورية بناء مساجدهم، وعلى الرغم من أعيادهم الكثيرة والتي نذكر منها، العيدين الكبير والصغير كما يقولون، وأعياد مولد النبي الشريف، والاحتفال بعاشوراء، وغيرها من الأعياد إلا أن الحكومات والأنظمة المتتالية لتلك الجمهورية لم تكن تعترف أبداً بتلك الأعياد، وكان العامل (المسلم) يعمل في أيام عيده، ولا يحصل على أجازة سوى أول أيام العيدين الأكبر والأصغر فقط، حتى أن مشايخ المسجد الكبير في تلك الجمهورية قد طالبوا عبر الكثير من الأجيال بحصول العامل (المسلم) على أجازة في عيدي (الضحية) وعيد (رمضان) ولكن كانت جميع مطالبهم تقابل بالرفض القاطع من تلك الأنظمة وبسعادة كبرى من مواطنين الجمهورية المسيحيين.
* منذ عدة أعوام قلائل، ومع بزوغ يوم جديد من أيام الجمهورية، وبعد صلاة (العيد) عند المسلمين، قام انتحاري باستهداف مسجدهم (الكبير) وقتل خلال تلك المذبحة الكثير والكثير من المسلمين، وخرجت الكثير من (المظاهرات) المنددة بهذا العمل المشين، وللحق أظهر الشعب المسيحي لهذا البلد مظاهر الطيبة والمحبة لإخوانهم من المسلمين، وخرجت المظاهرات تلف ربوع جمهورية (مصربيا) المسيحية ما بين مسيحيها ومسلميها، وخرج الإعلام النظام ليؤكد وحدة الشعب وتم التقاط عدة صور لقساوسة ومعهم مشايخ، في صور ملأت الصحف لعدة أيام بعدها، وانتهت الضجة الإعلامية لتلك المذبحة، ولكن أثرها لم ينتهي، وهذا ما سنتابعه في السطور القادمة.
* النظام (المصريبي) هو نظام ديكتاتوري، يعتمد اعتماداً كلياً على قضايا الفتنة بين أبناء شعبه، والنظام (المصريبي) يسعى تدريجياً لتوريث الإبن الحكم، معتمداً في ذلك على عدة عوامل نذكر منها:
1- الأقليات الدينية وعلى رأسها (المسلمة) ويحاول جاهداً إرعابهم من التيارات المسيحية المتشددة.
2- ازدياد التعصب (المسيحي) عن طريق عدة فرق قدمت من أوروبا المظلمة، كانت تزيد التعصب لدى المسيحيين الأغلبية، فتم تكفير المسلمين، وظهرت عدة أعمال طائفية كثيرة وكانت المسلمين هم الضحايا دائماً.
3- (الإخوان المسيحين) تلك الجماعة التي كان يطلق عليها النظام (جماعة محظورة) وكانت ترفع (الصليب) أمام الجميع، وكان دور هذه الجماعة بحق مرعب للجميع، للشرق المسلم الذي يخشى على الأقلية المسلمة، وللمسلمين أنفسهم الذين يخشوا هذه التيارات المتعصبة، وكان استغلال النظام لتلك الجماعة التي في ظاهرها معارضة وفي باطنها هي أكثر المسامير التي كانت تثبت ذلك الحكم الديكتاتوري.
* الفقر هو أكثر معالم هذا النظام، ووصل الفقر بين المواطنين مما جعل المواطنين جميعهم يصرخون من شدة الجوع، وأيام وظهرت على الإنترنت الكثير من الفيدوهات التي كانت تظهر التعامل الأمني على المواطنين، مما جعل العديد من الصفحات الرافضة للنظام تظهر لتدعو الناس للثورة، وكانت تلك الصفحات هي الظاهرة لفضائح ذلك النظام، وأمام تفاقم المشاكل والأزمات، وقفت الجماعات المسيحية المتعصبة ترفض الخروج على الرئيس، ووقفت مع تلك الدعوات أيضاً جماعة (الإخوان المسيحيين) والتي كانت تقف بالمرصاد لأي تظاهرة رافضة لذلك النظام، ولكن ووسط هذا الكم الهائل من الحوادث، ولإنفجار عدة دول مجاورة، حدثت المعجزة ونزل الشارع في تظاهرات كبرى، ضد هذا النظام، ونجحت تلك الدعوات بالفعل في إسقاطه ولو مؤقتاً.
* المسلمين في (مصربيا) كان لهم دوراً في تلك التظاهرات، والتي قيل عنها في كل الصحف بعدها (ثورة) نزل المسلمين رغم رفض (شيخهم) هذا النزول، وحاربوا جوار إخوانهم المسيحيين، وأعلن أنتهاء ذلك النظام المتكبر والمتعجرف للنهاية، وفرح (المسلمون) كما فرح إخوانهم المسيحيين بذلك النصر، وامتلأت ميادين الجمهورية بالشعب ترقص، وتغني، لهذا النصر العظيم، الذي تحدثت عنه جميع الصحف العالمية، وفرح العالم كله برحيل ذلك الطاغية، واعتقد المسلمون الذين لم يحدث لمساجدهم أي اعتداءات خلال أيام التظاهرات، وتخيلوا أن الأيام القادمة ستكون أجمل.
* في أيامهم القادمة، ومنذ رحيل الطاغية، خرج الآلف من المتشددين المسيحيين الذين كانوا يرفضون الخروج على الرئيس، وطالبوا بأن تكون الدولة (مسيحية) ورفعوا الصليب وبجواره السيف، وطالبوا بتطبيق (الشريعة المسيحية) وأخذ (ضريبة إقامة) من مسلمي تلك الدولة، كما طالبت عدة أقلام متعصبة بعدم رفع (الآذان) في ميكرفونات، وطالبت بعض الأقلام الأخرى بخلع الحجاب عن المسلمات، وهكذا توالت الدعوات المتعصبة ضد مسلمي تلك الدولة، ولم يترك الوضع على ما هو عليه، بل قام المجلس العسكري في تلك الدولة بإطلاق التيارات المسيحية المتشددة وجعلها تقيم أحزاب، وأصبح من كانوا يدعون ضد السياسة بالأمس يملأون مجلس الشعب اليوم، واستمرت حالات التعصب ضد (المسلمين) هنا مسجد يتم الهجوم عليه، وهناك مسجد، وهنا مسلم يضع على (الصليب) ليعذب وهناك آخر.
* تعب المسلمون كثيراً من ظلم الأغلبية، ولنكن منصفين ليست الأغلبية جميعها ولكن تلك الجماعات الدينية المتعصبة، ونزل المسلمين في مظاهرات معارضة لما يحدث، وكانت للمرة الأولى خارج مسجدهم الكبير، وانتظر المسلمون تلك الحرية التي خرجوا لإجلها في الثورة، وانتظروا الرد من مؤسسات الدولة التي حكمت في تلك الفترة العصيبة، انتظروا كل هذا ولم يجدوا إلا دبابات العسكر التي جعلت من أجسادهم (أشلاء) وانتظروا أن يجدوا الدعم من الشعب (المسيحي) وانتظروا أن تخرج الملايين لتدافع عن الحرية وحريتهم هم جزء من حرية المجتمع، انتظروا كل هذا ولكنهم لم يجدوا دعماً إلا من أعداد قليلة من (أحرار الوطن) وانتهت تلك المجزرة كمثيلاتها من المجازر العسكرية في تلك الفترة.
* اقتربت الإنتخابات (الرئاسية) بعد انتهاء الحكم الديكتاتوري، وظهر جلياً في مجلس الشعب الفكر (المسيحي) المتعصب، والذي حرم على المسلمين وضع (فوانيس رمضان) في شرفاتهم، كما حرم عليهم الاحتفال الرسمي بالأعياد، وظهرت أصوات عالية تطالب المسلمين بالهجرة من وطنهم، المسلمين تعبوا من هذا التعصب الذي لم يروه من قبل، هو وطنهم، وهم مواطنون مصربيون تماماً كإخوانهم من المسيحيين، الخوف تفاقم لديهم، ولم يجدوا أمامهم خاصة بعد موت شيخهم الأكبر سوى من يتقرب لديهم، لقد تقرب إليهم بكلماته المعسولة، خاصة عندما أكد لهم أن المواطنون سواء، وبأنهم جزء من هذا الوطن، وبأنهم في عصره سيكونوا قادرين على بناء المساجد، وسيكونوا قادرين على تحجيب زوجاتهم، وسيكونوا قادرين على الاحتفال بشهر رمضان المعظم، نعم سيعودوا لمسجدهم الكبير مرة أخرى، ولكن على الأقل داخل الوطن، ورغم أن هذا الرجل هو ضلع في نظام شاركوا في إسقاطه، ورغم هذا الرجل يعلمون ضعفه وخنوعه أمام العسكر الذي دهسهم تحت مدراعته إلا إنه على الأقل سيجعل أوضاعهم كما هي عليها، ولم يتدنى بهم الوضع من مواطنون من الدرجة الثانية، إلى عبيد لدى هؤلاء المسيحيين المتعصبين.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن