نحو عولمة اسلامية

جورج حزبون
g.hazboun@gmail.com

2012 / 5 / 7



كانت الرأسمالية عقيدة مستمرة ، منذ نشوء العلاقات التجارية بين البشر من التبادلية الى نظام ( المانيفاكتورة ) حتى الشركات الفوق قومية ، واحتاج هذا المسار التاريخي حتى يستطيع مواصلة وجوده ، قوة ضاربة وايدلوجيا تقنع ، حتى وهو يقوم بنهب الشعوب واستعبادها ، كان يتم تحت ذريعة تحضرها ونقلها من حالة التخلف، الى عالم الاستعمار وترتيب وضعها ليكون استغلالها افضل وسوقها قادرة على استهلاك منتج المستعمر ،ولم تتغير الفكرة بل تبدلت الاشياء .
وانطلقت العقيدة الماركسية ( الشيوعية ) ، لنكون بديلاً وقوة مواجهة لهذه النظرية ومنع استمرارها في الاستعباد والاستقلال وطرحة المساواة والعدل وتساوي الفرص ، ولتكون آلية ونموذجا لمنع الرأسمالية من التمادي، وطرح النموذج البديل ، كحل لازمة العبودية المتواصلة والتي اتخذت مسميات واشكال مختلفة منذ ما بعد المشاعية الاولى .
قادة اميركا حلفائها في الصراع ، وقاد الاتحاد السوفياتي حلفائه وحركات التحرر الوطني في هذا الصراع المحتدم ، واصبحت البشرية على شفا حرب كونية ذرية ، منعها التوازن العسكري ليطلق عليها بالحرب الباردة ، حين لم يكن ممكناً العودة حروب عالمية جديدة اطلقها غلاة المتعصبين والامبريالين، ساعين لتقاسم العالم ونهب ثرواته، وليس هتلر الا نتاج الفكر الامبريالي ، وكان هملر مساعده الاقرب قد قال ذلك في محاكمة نورنبرج .
كانت المواجهة عنيفة وحادة ، واستنزف فيها الاتحاد السوفياتي ، عبر عدة اشكال من سباقات تسلح الى دعم لحركات التحرر ، واحيانا لتقديم مساعدات وصلت ارقاما فلكية ، مثل تسليح مصر يعد 67 ، وتحمل تكاليف اسلحة 73 ، ناهيك عن اليمن والكونغو وغيرها ،ورغم هذا تعاونت الانظمة الرجعية العربية بذريعة الدين مع الولايات المتحدة ، وهذا الشيخ الشعراوي يسجد ركعة شكر لهزيمة 67 لانها كانت تقاتل بالسلاح الشيوعي ، وبالتالي لم يكن حرج من دعم الامبريالية والرأسمالية بتمويل مالي وايدلوجي بسبب الدين في تلك المواجهة المفصلية، فكان الاهم غطائهم الديني ليستمر قمع شعوبهم !!! وادى خروج الاتحاد السوفياتي لتعلن اميركا ، سياسة القطب الواحد واطلاق مفهوم العولمة ،وهي سياسة اردرت منها اميركا اعادة صياغة العالم كجهة منتصرة انتصارا نهائيا وعالميا ، ولم تقر لها الشعوب بذلك، حيث في خلال عقد واحد فقط نهضت امامه بلدان كثيرة ، دعيت بعضها بالصاعدة ، وبعضها بالنمور ، الى جانب نهوض روسيا كقوة قومية ذات مرجعية دينية مسيحية ارثوذكسية ، وكذلك اصحاب العولمة ، والمحافظين الجديد ، اقاموا لهم مرجعية دينية خليطة، متعدد التقاسيم والمناهج انجيلية، مما سمح لهم بالتحرك تحت ذرائع تبتدعها لقهر الشعوب ومواصلة الطريق الذي سلكه اجدادهم منذ سبارتاكوس .
وفي هذا المناخ لم تستفد الانظمة العربية المتنفذة من التجربة التي كانت امامها واضحة جلية ، فبدل اعتناق التجربة الاسيوية، في الانتاج والتحديث والاستقلال السياسي والاقتصدي بذلك النموذج الناجح ، ظل هواهم الدين من حيث انه حسب التجربة ضمانا لهم في ولاية الامر ، علما ان الاسيوين اصحاب مذاهب / بوذية / وكنفوشية /، قفزت تلك الشعوب لبناء بلدانها ، دون ان تحاول فرض فكرها وعقيدتها على الاخرين ، بل فرضت احترامها على العالم ، بالصناعة والتجارة والديمقراطية وحسن الخلق والنظام الذي لا مثيل له ، ولا يتسع هناك المجال لبحثه ، فقط فلننظر كيف تعاملت اليابان مع احدى اكبر الكوارث العالمية سواء النووية او الفيضان ( تسونامي ) الاخير ، واجهت الازمة بثبات وحزم ، ساعدها ذلك الفكر العقيدي ، الذي لا يطلبون فرضه على احد وان كان مفيدا الافادة منه ولو تربويا .
وامامنا ذلك العملاق الناهض ( الصين الشعبية ) ذات النظام الشيوعي حسب التجربة الصينية ، والعقيدة الكنفوشية والبوذية والتي تهتم ابتدأ بتذهيب الاخلاق والمساواة بين البشر وتحقيق المواطنة ، حتى اصبحت اكبر دولة او جهة في العالم ترفد اميركا مالياً ، بل والقادرة على افلاسها ، ذلك دون ان تطلب من اي شعب في العالم اعتناق دينها او عدم المساواة معه ، او النظر اليه نظرة ادنى ، ولا تستعلي على فكر او مذهب بطريقة شوفينيه يستدعيها الاسلام .
عرفت البشرية ثلاثة اديان دعيت سماوية / وهي من مصدر واحد اشتقت منه وهو ( الابراهيمية ) ، وكانت هناك عقائد في العالم ابرزها البوذية ، لم تلتفت الا للارض ، واستوعبت ضرورات الحياة ، فاقامت مثالا ونظاما لم تستطع ان تحققه اي من الاديان السماوية ، تلك الاديان الثلاثة التي تبارت بافضليتها وقبولها عند السماء ، فقالت اليهود انهم ، شعب الله المختار ، وقالت المسيحية انها عقيدة الله نفسه وحصتها روحه ، وادعى الاسلام ، انه الافضل حيث ان الاخرين وقعوا بالتجربة في اخطاء وان الاسلام خير امة اخرجت للناس ، وهكذا دخلت ثلاثتها في صراع طويل وعبث ارهق شعوبها ومنتسبيها ، وادخلهم حروبا ومذابح وصراعا على السماء ودفاعا عنها ، وعلاقتها بالسماء ، وتخلت عن الاهتمام بالارض ، فسادتها الغوص في الصراع والحروب والظلم ، جميعها باسم السماء التي لا تحمل مسؤولية عن ما هو جار ولم تفوض احداً ، خاصة المتنطبعين للافتاء باسم السماء بما هو مخجل !!! ولم تحسم السماء الصراع ربما لعدم الاكتراث او لعدم الوجود ،!!
وبلا شك فان ويلات البشرية الكثيرة تحملها تلك السماويات ، ومحتواها كافة لخدمة العقيدة الرأسمالية ، والتي وجت نفسها دائما جزء منها ، فملوك اسرائيل من داود وسليمان يدعون انبياء الله ، والمسيح روح الله وكلمته ، ومحمد رسول قد خلت من قبله الرسل ، فاليهودية اقامة دولة عبر ملوكها ، والمسيحية اقامت سلطانها امبراطوريات ، والاسلام / بالخلافة / اقام امبراطوريات وقهر حضارات ، واستعبداهم ، وهو لم يلغي العبودية ، بل ابقاها واحتفظ بها ، وظلت الى اليوم في موريتانيا ، والغيت في السعودية عام 1964 تحت ضغط العالم المتحضر ، دون ان تنتهي واقعياً .
ومع انطلاق الشعوب العربية لرفض الاستعباد ونيل الحرية ، اعاد الاسلام السياسي ( والارهاب الفكري الديني ) لجمها وتطويعها ليفرض عليها نظاما كان يتحفر لفرضه منذ انهيار الخلافة عام 1923 في تركيا بقرار اتاتورك ، ليعيد عجلة التاريخ الى الخلف ، ويطرح عقيدة الولاء والبراءة ، ودرء المفاسد ،بما يعيق التطور وحرية الرأي والتعبير الحر ، وتعود بالشعوب العربية لانظمة لم تستطع ان تصمد للزمن ، بل وانكفئت على ذاتها حين داهمها الاستعمار ، وتحالفت اخيراً معه، بل ان الاتراك وجدوا في ذلك الاسلام عقبة امام تطور بلدهم ، وحين عادوا اليه كانوا متنبهين الى ضرورة ان يكون الدين عقيدة وليس عقدة .
ان الاسلام بما هو معروض من اولياء شؤونه ، عقيدة ترفض الاخر وتنتهج اسلوباً امبريالياً ، من حيث ان مهمة الاسلام التاريخية غزو العالم حتى يرفع على الارض شعار ( لا اله الا الله ) ، وان المواطنين ليسوا متساوين لديه، منهم اما الاسلام او اهل ذمة ، وتطبيق الشريعة الذي يهتمون به اصحاب الاسلام السياسي ، سيجعل تطبيق انظمة شريعة متزمتة، فالمرأة نصف الرجل ، والغير المسلم لا حقوق متساوية له ، وان قتل نصف دية ،ولا وجود لمفهوم المواطنة ، وهكذا دون ادراك ان العالم تغير واننا نعيش سوق اقتصادية ومالية واحدة تفرض شروطها يالضرورة ولا انفكاك عنها ، ولا يستقيم مع قواعد خارجة عن قوانينه ، وتجربة السوادن واضحة ، بما يؤهل الوطن العربي للانقسامات التي تسهل احتوائها وابقائها مناطق نفوذ لقرون قادمة .
في سنوات الخمسينات من القرن الماضي طرح عبد الناصر اشتراكية سماها بالعربية ، وسوريا طرحت مفهوم بعثي لتلك الاشتراكية ، وفشل الجميع لان الاشتراكية نظام حياة له اسس علمية وليست قومية او دينية ، كما يفعل اليوم الاسلام السياسي ، بان له اقتصاد اسلامي وطب اسلامي والقائمة طويلة ، وكان الاسلام يعيش على كوكب غير الارض ، لا يؤثر ولا يتأثر محيطه ، وكأنه لا يبيع النفط بالدولار الذي يدعمه ويعزز دوره به بل ويشتري به !!
فان كانت الشيوعية فهمت ان نهاية عقيدتها ان يرفع العالم من كل حسب طاقته ولكل حسب حاجته ، اراد الاسلام ان يدخل اليه طائعاً او صاغراً كل العالم، ودون ذلك السيف ، وعدم المساواة ، وان جاء بالقرأن لا اكره في الدين ، لكنه يقول لك اليوم ان ذلك كان ايام الدعوة ، ويوم كان الاسلام ضعيفاً ، واليوم حيث ان للاسلام عز ، فلا بد من ان يترك الجميع عقائده المختلفة ويتوحد مع الاسلام لانه وحده الصحيح وان به علماء ، قد تكون ثقافة بعضها لا تتعدى قرأة القرأن ، اوليس هذا تسلط وارهاب .
ان فشل الثورات العربية ليس مستبعدا الان ، فالحرية التي انطلق بها الثوار ، استولى عليها الاسلاميون ليجعلوها حرية المسلم حسب فتاواهم ، ولتصويب الوضع لا يجوز الخضوع لارهابهم الفكري وحتى الجسدي ، وليستمر الثوار ثابتين فالمعركة على الحرية وليست على المقدس ، فالخطر على الاوطان وليس الاديان.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن