مسار التحول الديمقراطي في المغرب و ليبيا على ضوء التجارب الدولية

رشيد لزرق
rachid.diplomatie@gmail.com

2012 / 3 / 15

تقديم عام
ظهر اختلاف بين الدارسين و الباحثين حول تسمية الحراك السياسي التي تمر به المنطقة العربية ، فهناك من نعته بالربيع العربي و هناك من نعته بالربيع الديمقراطي ، لكن الشيء الذي لا يمكن الاختلاف حوله أو حتي المجادلة فيه كون المنطقة العربية تمر بمرحلة من التغيرات والتحولات الديمقراطية والذي تمثلت في نجاح كل من الثورة الشبابية التونسية و المصرية والليبية و اليمنية ، ويبدو أن الأوضاع في سوريا تتجه إلى مثل ما انتهت إليه الثورات الشبابية العربية سالفة الذكر .
و الملاحظ أن الظاهرة عرفت انتشارا بشكل سريع إلى درجة سماها البعض نظرية العدوى ، فنجاح الشباب في تونس في ثورة الإصلاح و الديمقراطية حفز الشباب في مصر وبقية الدول العربية للتحرك وفق نفس الاتجاه في دولهم حيث أعطتهم الثقة في الذات بإمكانية قيادة الحراك .و الحال أن انتشار الحراك مرده إلى تشابه الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية بين مختلف البلدان العربية بما يوفر مناخاً ملائماً لانتشار ظاهرة الحراك الشبابي.
1- الأوضاع الاقتصادية: المتسمة بارتفاع مهول لنسبة البطالة في صفوف الشباب نسبة 40% من القادرين على العمل ، و ارتفاع معدل الفقر أكثر من 50% في جل هذه الدول.
2- توزيع غير عادل للثروة أقل ، حيث يسيطر 5 % من السكان على أكثر من 80% من الناتج القومي الإجمالي. طغيان ظاهرة الريع الاقتصادي و الاعتماد على المساعدات الخارجية أكثر من اعتمادها على الفائض في الميزان التجاري .
3- قمع الحريات الأساسية و مقايضتها بالريع والمساعدات مقابل استقرار أنظمتها السلطوية .حيث أن الحريات الأساسية مرهونة بشخصية الحاكم، و السلطة متركزة في يد هذا الفرد الواحد.
4- انتشار الفساد في جل بنى الدولة ، حيث تتصدر الدول العربية الفساد في العالم .

إن الشعوب العربية مدعوة للتحرك من اجل تدشين مسار نحو التحول الديمقراطي و إحداث التغيير، عبر إعطاء انطلاقة لعملية التحوّل كي لا تكون ضحيّتها. من خلال ضمان قسط من الأمن والاستقرار خلال عملية الانتقال، إلا أنه قد يعرِّض عملية الدمقرطة نفسها إلى الخطر.
هنا سأحاول عرض النماذج الدولية و المداخل التي أخذتها عملية التحول مع التركيز على المسار الذي عرفته المملكة المغربية في التحول ، على أن أتطرق للمداخل التي يمكن أن تعتمدها ليبيا الجديدة في تدشين عملية التحول الديمقراطي.

المبحث الأول: مداخل التحول الديمقراطي في التجارب الدولية.
إن مصطلح التحول الديمقراطي في العلوم السياسية هو توصيف للدول التي تعرف تحولا في أنظمة حكمها من السلطوية إلى الانفتاح على الديمقراطية. أثناء هذا التحول يتم التأسيس لبعض الإجراءات و التي تشمل البنى القانونية و المؤسساتية التي تتجه إلى تغيير العلاقات بين الحاكمين بالمحكومين من خلال توسيع مشاركة الأفراد في العمل السياسي على أٌسس المساءلة و المحاسبة و تكريس الحقوق الأساسية للمواطنين دون تمييز.في منتصف السبعينيات ظهر مطلب الديمقراطية في دول كاليونان واسبانيا والبرتغال و لاحقا بعد انهيار جدار برلين و انتهاء الحرب الباردة ، فسح المجال لدول أمريكا اللاتينية لبداية التحول الديمقراطي. الأمر الذي مكن علم السياسة من توفير تراكمات كمية حول تجارب التحول الديمقراطي إلى درجة بات الحديث عن علم قائم الذات يطلق عليه علم الانتقال، و الذي يعتمد على مؤشرات وبراديغمات تستعمل للقياس في سياقات مختلفة .
لمواكبة التحولات بدأت الدراسات السياسية في ربطها بين التنظير والبراديغم. حيث ظهر تعدد المداخل لتحقيق التغيير السياسي و الاجتماعي و الديمقراطي من خلال مسار ديمقراطي على أمد متوسط. و تكيفا عند الباحثين و الدارسين للتحول الديمقراطي تعدد في المقاربات و فق زاوية الدراسة فهنا من بدراسة الأنظمة السياسية من مقترب سوسيولوجية ، عبر دراسة البنيات الاجتماعية و الاقتصادية وموقع الدولة في الاقتصاد الدولي، بحيث يتم التركيز على الجانب السوسيو- مؤسساتي لدراسة الأشكال السياسة الداخلية واستراتيجيات الفاعلين، و هناك مقترب النسقي الذي يعمل على رصد و دراسة التفاعلات و الحركات و دراسة الحركات الاجتماعية ودورها في مسار الديمقراطية ، و الحال أن براديغمات التحول الديمقراطي هي عن نماذج إرشادية توصيفية نستخلصها من خلال التجارب الدولية كجنوب إفريقيا، البرازيل، اليونان، البرتغال، إسبانيا التي تبقى تجارب مختلفة من حيث الشكل و التعدد.
رغم اختلاف المقاربات فان الجميع يتفق على أن التحول هو مرحلة مفصلية يعرفها النظام السياسي، لكون التغيير طريقة تعتمد على أدوات تدبير ديمقراطية و مأسسة الحكم و المجتمع .
و هذا ما يجعل موضوع التحول الديمقراطي حقلا خصبا يلقى اهتماما واسعا من لدن الباحثين و الفاعلين السياسيين ، على اعتبار أن مرحلة التحول تؤدي إلى المرور من نظام تسلطي إلى نظام ديمقراطي لا يتم بمعزل عن المؤثرات الداخلية و الخارجية.و هذا ما يجعل من الصعب إعطاء و صفة جاهزة لعملية التحول نظرا للاختلاف بين الدول من الناحية الاجتماعية و الثقافية و السياسية. الأمر الذي يمكن أن يوظف في اختيار المدخل الذي يبتدأ منه مسلسل التحول.
و بالرجوع دائما لتجارب الدولية يتبين لنا أن هناك دول اعتمدت المدخل الانتخابي كبداية لعملية التحول عبر تنظيم انتخابات حرة ونزيهة و دورية تحقق التداول حول السلطة بين النخب الفاعلة. و من خلال الانتخابات استطاعت وضع حد لصراع و المواجهة بين النخب الماسكة بالسلطة و المعارضة فيما هناك دول اعتمدت المدخل التفاوضي بين الأنظمة التسلطية و المعارضة عبر الاتفاق على تدشين التحول الديمقراطي . كما أن هناك مدخل التحول من خلال تغيير ممارسة السياسات العامة كالسياسات المالية، و التعليمية، الإدارية، القضاء...) و الذي يقوم على أساس التحول الميكروسياسي، عكس الانتقال الماكروسياسي المتمركز حول فكرة الإصلاح الدستوري هناك .








المطلب الأول: المدخل المؤسساتي :
هنا نستحضر تجربة البرازيل حيث توصلت القوى الديمقراطية إلى ضرورة تأسيس توافق مع المؤسسة العسكرية على انطلاق عملية التحول الديمقراطي ، عبر إصدار العفو على المعتقلين السياسيين و تنظيم انتخابات نزيهة ، حيث تمكنت من سن قوانين العفو عن المعارضة، و تم تغيير نظام الاقتراع من اجل تكريس التعددية الحزبية بدل الثنائية .
إن تجربة البرازيل في التحول الديمقراطي أشرفت عليها المؤسسة العسكرية و ضمنت انفتاح النظام السياسي و تنظيم الانتخابات. و احترام نتائج صناديق الاقتراع.
إن مميزات التجربة البرازيلية تتجلى في العناصر التالية :
• نهج أسلوب يعتمد على دمقرطة النظام بتنظيم انتخابات.
• احترام المؤسسة العسكرية لنتائج الانتخابات .
• تمكن الحزب المعارض من الفوز في الانتخابات .
• إيمان المؤسسة العسكرية بضرورة التحول الديمقراطي. و نهجها المقاربة التشاركية رغم غياب تعاقد مكتوب. فقد سهلت الأحزاب السياسية عملية التحول خاصة حزب IDB.












المطلب الثاني: المدخل الاقتصادي:
إن المدخل الاقتصادي من المداخل التي يمكن أن تؤسس لعملية التحول من أنظمة تسلطية إلى أنظمة أكثر ديمقراطية. وهنا نشير لتجربة " بولونيا " إذ عرفت تحولا في طبيعة نظام الحكم ، من النظام الشيوعي إلى النظام الديمقراطي التعددي ذي الاقتصاد الليبرالي .
فصعوبة الانتقال الاقتصادي من الاقتصاد الاشتراكي الذي يقوم على أساس التخطيط إلى نظام اقتصادي ليبرالي يعتمد السوق الحرة و التنافسية. يخلق صعوبات داخلية متمثلة في ضرورة تكييف مؤسسات الإنتاج مع النظام الرأسمالي، و الذي يخلق صعوبات على المستوى الخارجي في العلاقة مع الاقتصاديات الدولية.
اعترضت التجربة البولونية العديد من الصعوبات ،و المتمثلة بالأساس في مسلسل الإصلاحات التي نهجتها قصد الاندماج في الاتحاد الأوربي الشيء الذي دفعها لنهج مجموعة من الإصلاحات التي يفرضها النظام الأوربي على تلك التي تريد الاندماج في الاتحاد ، و التي جعلت بولونيا تعرف تحولا ديمقراطيا عبر تأهيل الرأسمال البشري و إصلاح التعليم و التعاطي مع الأوضاع الداخلية والخارجية .

المطلب الثالث: مدخل المصالحة الوطنية:
إن المصالحة الوطنية تقوم على أساس معالجة تجاوزات حقوق الإنسان قصد القطع معها و ضمان عدم تكرارها في المستقبل . و القطيعة هنا لا تعني الانطلاق من الصفر بل تعني التغيير و التجديد و بناء خطوات تواصل المراحل المأساوية في ماضي الشعوب و تاريخها .
هناك تجارب دولية للمصالحة الوطنية كتجربة جنوب إفريقيا و الشيلي حيث فتح حوار وطني حول حقوق الإنسان بين مختلف الأطياف المجتمعية لمعالجة قضية الانتهاكات و مصير المعتقلين و لهذه الغاية أنشأت لجان للبحث و التحقيق بهدف الوصول إلى المصالحة الوطنية.




المبحث الثاني: مسار التحول الديمقراطي في المغرب على ضوء الربيع الديمقراطي.
لقد دشن المغرب مرحلة بداية التحول الديمقراطي في بداية التسعينيات .
سأحاول هنا رصد النقط التي أعطت انطلاق مرحلة بداية التحول الديمقراطي في المغرب، من خلال تتبع تفاعل الأحزاب السياسية المعارضة على التوافق الدستوري و بناء المحددات السياسية.، ثم سأنتقل إلى تسليط الضوء على الصعوبات التي يعرفها المغرب في مجال التحول الديمقراطي من خلال دراسة الهندسة الدستورية و تعاطي المجتمع المغربي مع الحراك العربي و ما يعرفه المغرب حاليا من تحول بوصول حزب العدالة و التنمية إلى الحكومة و خروج الاتحاد الاشتراكي للمعارضة.

المطلب الأول: المحددات العامة لمسار التحول الديمقراطي من المدخل السياسي والدستوري.

لقد شكل تصريح الملك الحسن الثاني عند افتتاحه لدورة الخريفية للبرلمان المغرب سنة 1995 " بأن البلاد مهددة بالسكتة القلبية" بعدما تجاوزت المعدلات و مستويات تنمية الاقتصادية الخطوط السوداء، كما شلت الإدارة و تراجع مستوى التعليم. فكانت بداية مرحلة جديدة في علاقة الملك بالمعارضة و التي أسفرت عن تصويتها بنعم على دستور 1996، فبدأت تفاصيل التناوب الذي دعا له الملك الحسن الثاني.
اذ جاء حزب الاتحاد الاشتراكي في المرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية لسنة 1996 ، و عين الملك عبد الرحمان اليوسفي وزيرا أولا ليشكل الحكومة و التي عرفت التناوب التوافقي :
و يمكن تلخيص أهم الأحداث التي سبقت و تخللت حكومة التناوب التوافقي في ما يلي:
• تأسيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان سنة 1990.
• إحداث وزارة حقوق الإنسان سنة 1993
• العفو على المعتقلين السياسيين و عودة بعض رموز المعارضة المتواجد في الخارج في غشت 1991 ـ يوليوز 1993 ـ ماي 1994.
• انطلاق للنقاش يهم مراجعات الدستور و الإصلاح السياسي، فظهر دستوران : دستور 1992 و دستور 1996 .
• الانتخابات التشريعية سنة 1997.

• ميلاد تجربة التناوب سنة 1998.

• الولاية البرلمانية السادسة.

• انتقال الملكية سنة 1999.





o الانتخابات التشريعية لشتنبر 2002.

كانت أول مرة يحصل فيها تفاعل بين الشارع المغربي ، و النخب السياسية بحيث لم تتجاوز نسبة المشاركة 52 % ؛ الأمر الذي خلف نوعا من الاهتزاز في مسار التحول الديمقراطي ، وقاد إلى جو عدم الوضوح في التحالفات الحزبية المشكلة للحكومة و الساحة السياسية ، انقسام داخل أهم حزبين في أحزاب المعارضة السابقة و هما الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية و حزب الاستقلال .

تصدر حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية نتائج الانتخابات و برز صراع بينه و بن حزب الاستقلال فيمن يترأس الحكومة ، حيث شدد الاتحاد على ضرورة احترام نتائج صناديق الاقتراع فيما حرص حزب الاستقلال على ضرورة احترام التناوب تحت مقولة " مول النوبة".
وأمام هذا الصراع عين الملك السيد "ادريس جطو" كوزير أول خارج الأحزاب ذات الأغلبية.
في ظل انشغال أبرز قوى الأغلبية - الاتحاد الاشتراكي و حزب الاستقلال - بالتنافس حول من يقود الحكومة، صعد حزب العدالة و التنمية الإسلامي و أضحى القوة المعارضة بالبرلمان، ممارسا الاحتجاج في البرلمان و نقله بشكل تدريجي من البرلمان إلى المجتمع بمعية التيارات الإسلامية (كجماعة العدل والإحسان). الأمر الذي جعل الدولة تتردد في مسار التحول الديمقراطي و التعاطي مع الإسلاميين بين إدماج المعتدلين منهم في اللعبة السياسية ، وفكرة التراجع عن مسار التحول الديمقراطي. فبرزت مخاوف حقيقية داخل الدولة في المسير قدما في مسار التحول ، حيث حاولت خلق الإجماع بهدف إعادة التوازن و برسم الخطوط الحمراء.
غير أن المنظومة الحزبية خاصة في الاتحاد و الاستقلال أظهرت ازدواجا بين الخطاب و الممارسة؛ فخطابها يرتكز على الديمقراطية و الحداثة، إلا بنيتها التي بقيت رهينة للمرجعية التقليدية التاريخية في زعاماتها ولم تواكب التطور الذي عرفه المجتمع المغربي دو القاعدة الشابة حيث أن 70 % أقل من 35 سنة.



o الانتخابات التشريعية ل 2007 .

كانت أول مرة يحصل فيها تفاعل بين الشارع الغربي و النخب السياسية ، وحصل حزب الاستقلال على المرتبة الأولى و ترأس الاستاذ عباس الفاسي الحكومة ، غير أن الانتخابات تبعتها العديد من الأحداث حيث كشفت عن تدني المشاركة مما يؤشر و اتساع الهوة أكثر بين المجتمع و الأحزاب السياسية، و ترافق ذلك باستقالة الوزير المنتدب في الداخلية و صديق الملك ،و ترشحه في مسقط رأسه، ثم تأسيسه لحركة لكل الديمقراطيين التي ستكون اللبنة الأولى لحزب الأصالة و المعاصرة معلنا أن سبب النزول للساحة السياسية هو مواجهة الحركات الإسلامية . و إعادة ترتيب المشهد الحزبي عبر تشجيع الأقطاب السياسية .
و تبقى أهم مبادرة قام بها الحزب، تلك المذكرة الخاصة بالجهوية الموسعة ، تضمنت المقترحات بالنسبة لمنطقة الصحراء : اقتراح تسمية جهة الصحراء ( المطابقة لمجال النزاع) باسم الساقية الحمراء وواد الذهب أو باسم الصحراء الغربية ، تمكين الصحراء من تمثيل وطني استثنائي بغرفتي البرلمان ، يراعي الحجم الجغرافي الذي يشكل قرابة 37 % من مجموع مساحة المغرب ، تعديل صيغة الكوركاس كي يكون إلى جانب المجالس المنتخبة ، الممثل الطبيعي للساكنة في انتظار أن يكون للصحراء برلمانا محليا في إطار الحكم الذاتي ، إمكانية تأسيس أحزاب جهوية بجهة الصحراء ، بحيث لا يستبعد أن يسمح للبوليساريو بالاشتغال كحزب سياسي داخل الصحراء ؛
تأثر المغرب بالربيع الديمقراطي العربي الذي أفضى إلى انهيار حكم بن علي بتونس وحسني مبارك في مصر حيث قارنت حركة 20 فبراير بين حزب الأصالة والمعاصرة بالحزب الدستوري الديمقراطي في تونس والحزب الوطني الديمقراطي في مصر، وارتفعت أصوات من داخل الحركة مطالبة بحل حزب الأصالة و المعاصرة على اعتباره حزب الدولة، تراجع حزب الأصالة والمعاصرة إلى الخلف، حيث تم تضييق الخناق عليه؛ وبات يعرف نزيفا تنظيميا.
o حزب العدالة و التنمية و الالتباس في تعاطيه مع الحراك الديمقراطي.
تعاطى حزب العدالة و التنمية مع حركة شباب 20 فبراير بنوع من الالتباس، و ظهر التسيير الفرداني بحيث أعلن السيد الأمين العام للحزب عدم المشاركة في الحراك ، الأمر الذي احتج عليه قياديو الحزب عبر تقديم للأجهزة استقالتهم من الأمانة العامة ؛ كما نزل الأمين العام للحزب ليُرجع شبيبة الحزب عن قرار المشاركة في الحركة ، و اكتفى بعض قياديي الحزب بالنزول بصفتهم الشخصية و ليس بصفاتهم الحزبية. فيما صرح السيد الحمداوي رئيس "حركة التوحيد والإصلاح" إلى أن حركة لم تٌستدع للمشاركة، ولا يعرف الجهة التي تقف وراء تنظيم التظاهرات، وهو ما شدّد عليه محمد يتيم عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية ومسئول نقابة "الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب" .وقد برر الأمين العام لحزب العدالة والتنمية موقفه هذا بكون حركة 20 فبراير لم تذكر الأسماء و الجهات التي أعدتها. و في الوقت نفسه دعا الحركة الى تأسيس حزب سياسي أو جمعية ، و في رفضها ذلك تعبير عن اختيار ثوري ، مؤكدا أن الثورة ليست عيبا، ويقول إنه يعتبر نفسه إصلاحيا وليس ثوريا، ويعتقد أن الثورة لن تأتي بالاستقواء، وستحطم المغرب الذي يعرفه . كما علق على مطالب الحركة قائلا: " بأنه طالعها ولم يقف ضد أية نقطة من النقاط الواردة فيها بشكل مطلق، وإن كانت هناك بعض القضايا التي ينبغي أن تُناقش، وأكّد أنه منذ انطلاق مسيرة الحزب رفقة الدكتور عبد الكريم الخطيب قبل 20 سنة، كانت هذه المطالب الواردة في وثيقة حركة شباب 20 فبراير ، مندرجة في عمق انشغالاته ونقاشاته، ويمكن القول: إنه طالب منذ ذلك التاريخ بنفس المطالب، ويضيف قائلا: إن هذه المطالب تشبه إلى حد كبير مطالب السياسيين الجادين." حزب العدالة و التنمية سيعرف تحولا في تعاطيه مع حركة 20 فبراير بعد خطاب 9 مارس 2011 الذي فتح ورش الإصلاحات المؤسساتية والسياسية عبر وضع مشروع دستور جديد تم التصديق عليه في استفتاء شعبي في الأول من يوليو 2011 و تنظيم انتخابات تشريعية سابقة لأوانها في شهر أكتوبر. حيث شارك الحزب في النقاش الدستوري، و لم يبدأ حزب العدالة و التنمية بنقاش طبيعة النظام إلى أن خطب الملك في 9 مارس ي 2011 ؛حصل تضارب بين قياديين و الأمين العام السيد بنكيران الذي رفض مطلب الملكية البرلمانية حيث يسود الملك ولا يحكم، و أصر على رفض استخدام هذه التسمية، مفضلا استخدام تسمية الملكية الديمقراطية بدل الملكية البرلمانية، و بالمقارنة بين مذكرة الحزب و تصريحات السيد عبد الإله بنكيران بكونه مناهضا للملكية البرلمانية ومؤيدا لنظام الإمامة؛
و قبل فترة وجيزة من إعلان مشروع الدستور ، خرج بنكيران مصعدا في لهجة عندما راجت أخبار على تبني الدولة المدنية القائمة على أساس حرية المعتقد؛ معتبرا إقرار الدولة المدنية مساسا خطيرا بعناصر هوية الدولة، هذا المنحى التصاعدي فسره الكثيرون انه بإيعاز من التيار المحافظ داخلا في دائرة صانعي القرار، و الذي استخدم حزب العدالة والتنمية قصد الالتفاف على ضغوط قوى خارجية كانت تطالب المغرب بتضمين دستوره الجديد.
شهدت مرحلة التهيئ للانتخابات اتجاه الأغلبية الحكومية لتوافق في سن القوانين الانتخابية التشريعية السابقة لأوانها والمتعقلة بمجلس النواب (الغرفة الأولى) يوم 7 أكتوبر211، حيث بدل الحزب لهجته مهددا بالخروج للتظاهر مع حركة 20 فبراير ، متهما الأغلبية بكونها تريد الالتفاف على روح الدستور الجديد، وتشكيل غرفة (برلمان) جديدة بنفس الأعطاب القديمة.
من السابق لأوانه التعرف على مسار التحول الديمقراطي سلبا أو إيجابا ، في انتظار الوقوف على كيفية تدبير حزب العدالة و التنمية للعديد من التناقضات، و التي تتعلق بمكونات التحالف الحكومي و علاقته بباقي الفاعلين السياسيين. .
لقد استطاع حزب العدالة و التنمية تحقيق مكاسب هامة بحصوله على المرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية المبكرة لتكوين مجلس النواب (الغرفة الأولى) في 25 نونبر 2011 ب 107 مقعدا ، أي 27% من نسبة الأصوات و لذلك تم تعين الأمين العام للحزب عبد الإله و الكيران رئيسا للحكومة، التي تضم حزب الاستقلال و الحركة الشعبية و التقدم و الاشتراكية و التي حصلت على ثقة البرلمان في 26 يناير 2011. فيما خرج حزب الاتحاد الاشتراكي للمعارضة و بدأ الحديث عن تناوب ثاني.









المطلب الثاني: الهندسة الدستورية المغربية.

• من الصراع إلى التوافق

خلافا للدساتير الممتدة من دستور 1962 مرورا بدساتير 1970 و1972 و1992، و مرورا بدستور 13 شتنبر 1996، و التي كانت تعبيرا عن انتصار المؤسسة الملكية في مواجهة خيار أحزاب الحركة الوطنية المطالبة بإقامة ملكية برلمانية مقيدة؛ فان دستور 2011 هو تعبير عن مرحلة التوافق الذي يغلب الحوار على الصراع حيث خطى خطوة هامة نحو الملكية البرلمانية ضمن قالب مغربي " بقي وفيا لمبدأ التغيير في ظل الاستمرارية كخيار استراتيجي للحكم؛ و تجلى ذلك في الإبقاء على الصلاحيات التنفيذية للملك، ملكية مستمدة من طبيعة تعدد مشروعيات الملكية في المغرب و المتمثلة بالمشروعيات الدينية والتاريخية والدستورية الديمقراطية للمؤسسة الملكية.

• المقاربة التشاركية.

إن الأسلوب الذي نهجه المغرب في الدساتير السابقة التي جاءت نتيجة لآلية المذكرات الحزبية المرفوعة للمؤسسة الملكية، جعل فان دستور 2011 ينفتح على كل المجتمع ، فعلى الرغم من عدم الاستجابة لمطلب البعض الداعي إلى انتخاب جمعية تأسيسية فرعية، فقد تم الحرص على توسيع قاعدة التشاور مع جميع الهيئات السياسية وهيئات المجتمع المدني، وهو الحرص الذي أفضى إلى إعداد دستور يستجيب في صلبه لمزيج من المطالب المجتمعية، جاعلا منه دستورا جديدا في جوهره، ومراجعة دستورية في مظهرها، بدليل الارتفاع المسجل في عدد فصوله البالغة مائة وثمانين فصلا بدل الثمانية فصول بعد المائة الواردة في دستور 13 شتنبر 1996، أي بزيادة 72 فصلا، تشكل ثلثي فصول الدستور الحالي.
وقبل الخوض في ملامح التغيير والاستمرارية في دستور 2011 في الجانب المتعلق بعلاقات السلط.
إن الهندسة الدستورية لدستور 2011 تثير عدة ملاحظات :

الملاحظة الأولى: لقد تصدرت المؤسسة الملكية الوثيقة الدستورية بينما تراجع القضاء إلى الباب السابع مع التنصيص عليه كسلطة ، و تم التنصيص على المحكمة الدستورية في الباب الثامن .

الملاحظة الثانية: لقد تصدرت المؤسسة الملكية الوثيقة الدستورية بينما تراجع القضاء إلى الباب السابع مع التنصيص عليه كسلطة و تم التنصيص على المحكمة الدستورية في الباب الثامن .

الملاحظة الثالثة: خصصت الهندسة الدستورية أغلبية الأبواب للسلطة التشريعية فمن مجموع 180 فصلا و 14 باب حضيت السلطة التشريعية بأغلبها ، من حيث عدد فصوله: يتصدرها الباب الرابع المتعلق بالسلطة التشريعية ب27 فصلا متبوعا بما
يلي:
- الباب الثاني الخاص بالحريات والحقوق الأساسية ب22 فصلا.
- الباب السابع المتعلق بالسلطة القضائية ب22 فصلا.
- الباب الثالث الخاص بالملكية ب19 فصلا.
- الباب الأول المتعلق بالأحكام العامة ب18 فصلا.
- الباب الثاني عشر المتعلق بالحكامة الجيدة ب18 فصلا.
- الباب السادس الخاص بالعلاقات بين السلط ب12 فصلا.
- الباب التاسع المتعلق بالجهات والجماعات الترابية الأخرى ب12 فصلا.
- الباب الخامس المتعلق بالسلطة التنفيذية ب8 فصول.
- الباب الثامن الخاص بالمحكمة الدستورية ب6 فصول.
- الباب الرابع عشر المتعلق بالأحكام الانتقالية والختامية ب5 فصول.
- الباب العاشر الخاص بالمجلس الأعلى للحسابات ب4 فصول.
- الباب الثالث عشر المتعلق بمراجعة الدستور ب4 فصول.
- الباب الحادي عشر المتعلق بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ب3 فصول.

الملاحظة الرابعة: إن لمسات اللجنة بدت واضحة اعتبارا لتركيبتها المشكلة من كبار فقهاء القانون الدستوري المغربي: الأستاذ عبد اللطيف المانوني و الاستاذ محمد معتصم الذين تتبعوا مقاربة تشاركية من خلال فتح النقاش الدستوري على جميع الفعاليات. و التي أفرزت حضورا مكثفا للمصطلحات الفقهية المستمدة من الفكر الليبرالي و التي كانت شبه مغيبة في التجارب الدستورية السابقة "كالمبادئ الكونية"، على سبيل المثال: "دولة الحق والقانون"، "فصل السلط وتوازنها وتعاونها" ، "المعارضة البرلمانية" ، "الشطط في استعمال السلطة" ، "الدفع بعدم دستورية قانون"، "دستورية القواعد القانونية وتراتبيتها"، "التناوب الديمقراطي"...

الملاحظة الخامسة: حسم الإشكال المتعلق بتصدير الدستور، حيث تم التنصيص صراحة في بارتباطه، بجميع فصول الدستور، وتمتعه بنفس السمو الدستوري الذي تتمتع به جميع فصوله. ويتعلق ثانيهما بمكانة الاتفاقيات الدولية المصادق عليها من قبل المغرب، ضمن هرمية القواعد، حيث نص مشروع الدستور صراحة على أولوية وسمو هذه الاتفاقيات الدولية على التشريعات الوطنية. وتكريسا لهذا السمو، من الفصل 55 (فقد نصت الفقرة الرابعة والأخيرة)من دستور فاتح يوليوز 2011 على إلزامية مراجعة الدستور قبل المصادقة على أية اتفاقية دولية، إذا صرحت المحكمة الدستورية بعدم مطابقة بند من بنود الاتفاقية الدولية لأحكام الدستور.


المطلب الثالث: المقارنة بين التجربة المغربية و التونسية و المصرية

يدفع الفضول العلمي لإجراء مقارنة بين التجارب الثلاث في العالم العربي و ما سمي بالربيع الديمقراطي أو الربيع العربي، وطرح التساؤل حول مرحلة ما بعد الربيع العربي؟
هناك فروق في مستوى السياق وطبيعة التجارب الإصلاحية التي نفدها كل بلد، الأمر الذي يميز كل تجربة على الأخرى:

 الانتفاضة التونسية.
فالانتفاضة التونسية التي شكلت منبع الحراك الشعبي و التي انطلقت في 17 دجنبر 2010، عقب إضرام قيام الشاب "محمد البوعزيزي" النار في جسده بمدينة "سيدي بوزيد " واندلاع الانتفاضات الشعبية ، التي أرغمت الرئيس زين العبدين بن علي على الهروب ، و تم تنظيم أول انتخابات ما بعد حكم زين العبدين بن علي ، تصدرها حزب النهضة الإسلامي، الذي حصل على 89 مقعدا في المجلس التأسيسي، الذي كلف بانتخاب رئيس للبلاد، وصياغة دستور جديد، لتونس بعد بن علي .

 مصر ما بعد الرئيس حسني مبارك.
انطلقت انتفاضة الحراك الشعبي المصري في 25 يناير 2011، و استطاع إرغام الرئيس المصري حسني مبارك وفي يوم 11 فبراير من نفس السنة على التنحي، و نظم أول استفتاء في 19 مارس 2011، تبعته انتخابات مجلس الشعب المصري، في 28 نونبر 2011، تصدرها فوز كبير لحزب الحرية الإخوان المسلمين، متبوعين بحزب النور بالتيار السلفي بمصر.



 المغرب، التغيير في إطار الاستمرارية.

انطلقت ، تظاهرات 20 فبراير بعدد من المدن المغربية، تجاوب معها ملك البلاد ليعلن في خطاب ألقاه يوم 9 مارس 2011، عن بدأ أشغال اللجنة الملكية الاستشارية لمراجعة شاملة للدستور، برئاسة الأستاذ عبد اللطيف المانوني و المستشار الملكي محمد المعتصم، وبمشاركة رؤساء الأحزاب السياسية ومسؤولي النقابات، فأفرزت دستورا جديدا صوت عليه المغاربة بالأغلبية يوم فاتح يوليوز، لتجري الانتخابات التشريعية السابقة لأوانها يوم 25 نونبر، ومنحت فوزا كبيرا لحزب العدالة والتنمية، مكنه من رئاسة الحكومة الثلاثين في تاريخ المغرب.مكونة، من الأحزاب التالية و هي حزب الاستقلال و الحركة الشعبية و حزب التقدم و الاشتراكية .
على ضوء هذه المعطيات اعتبرت الانتخابات التي شهدتها الدول الثلاث، حرة ونزيهة وديمقراطية، وهي الانتخابات التي تميزت أيضا بمشاركة مهمة، حيث بلغت في المغرب 45 بالمائة، وفي تونس 70 بالمائة، وبمصر 62 بالمائة. وإذا كانت معالم المشهد السياسي المصري قد اتضحت بسيطرة مطلقة للإسلاميين، فإنها لا تزال تعيش في مصر مخاض التأسيس لمؤسسات الدولة الدستورية، في الوقت الذي لا يزال المجلس العسكري متحكما في زمام السلطة، و القاسم المشترك بين المغرب وتونس، هو «وضوح معالم الإصلاح الذي شهده كل بلد»، فبخصوص نتائج الانتخابات التي شهدتها الدولتين المغاربيتين، والتحالفات التي تلتها، يلاحظ تحالف التيار الإسلامي الفائز في الانتخابات الأولى من نوعها في الربيع العربي، مع قوى سياسية أخرى، يسارية كانت أو قومية أو محافظة، ففي تونس كان التحالف مع قوى سياسية معارضة للنظام السابق، وفي المغرب، كان التحالف مع قوى سياسية حضرت بقوة في المشهد السياسي خلال عقد ونصف من الزمن، ليؤسس بذلك هذا التحالف نوعا من الاستمرارية، فيما سمى البعض هذه المرحلة، "بالتناوب الديمقراطي الثاني"، إلا أن التجربة المغربية تميزت بإجراء إصلاح دستوري أولا، بمبادرة من ملك المغرب، لتجرى بعد ذلك انتخابات تشريعية، أفرزت أغلبية حكومية من أربع أحزاب سياسية، سيعهد إليها تنزيل مضامين الوثيقة الدستورية، أما بتونس، فمسار البناء انطلق أولا بانتخاب مجلس تأسيسي، أولى مهامه انتخاب رئيس للبلاد، لينكب بعد ذلك على مناقشة وإعداد دستور جديد للبلاد. يخلص المحللون، وبغض النظر عن سياق وتقييم كل التجربة، التي ستبقى مرهونة بما ستفرزه النخب السياسية التي حظيت بتدبير السلطة التنفيذية والتشريعية، إلا أن «التجربة المغربية تعتبر الأسرع على مستوى استجابة السلطة الحاكمة، ومسار بناء المؤسسات وسن القوانين»، حيث استغرق مسار التغيير منذ تظاهرات 20 فبراير وإلى حدود تشكيل الحكومة المغربية الجديد بعد الانتخابات التشريعية، عشرة أشهر ونصف، بينما مسار بناء المؤسسات في دول عربية أخرى لا يزال قائما، ثم هناك ملاحظة أخرى متعلقة بمسار بناء الثقة في المغرب، الذي انطلق بعد 20 فبراير، من خلال الانفراج الذي حصل في ملف معتقلي ملف بلعيرج، وملف معتقلي ما يسمى بالسلفية الجهادية، وهو المسار الذي تعثر خصوصا بعد تفجيرات "أركانة الإرهابية"،
ملاحظة أخيرة مرتبطة بالآمال التي علقها الشعب المغربي على التجربة الإصلاحية، أو ما سمي بالتناوب السياسي الثاني، والاهتمام المتزايد بمسار الإصلاح، وخصوصا مرحلة المشاورات التي باشرها عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة المعين، لتشكيل الحكومة الجديدة.









المبحث الثاني التأسيس لمرحلة بداية التحول الديمقراطي في ليبيا على ضوء التجار الدولية

المطلب الأول: التحديات الداخلية ومسار التحول الديمقراطي.

 المدخل المؤسساتي.
إن النظام السابق عمل على إدارة ليبيا وفق منطلق الحكم الفردي، و ضيع على ليبيا فرصة تحقيق بناء مؤسساتي يسهل عملية التحول الديمقراطي ، لهذا فليبيا بعد ثورة 17 فبراير مدعوة لتدشين مرحلة انتقالية محددة الأجل من اجل بناء آليات التواصل على أساس تلبية مطالب الشعب الليبي . عبر صياغة دستور ليبي و تطوير مؤسسات المجتمع المدني و احترام حقوق و الإنسان و إطلاق الحريات العامة و محاربة الفساد في مؤسسات الدولة و تحقيق الاستقرار .
و هنا يمكن الاستئناس بالتجربة الروسية إبان حكم "فلاديمير بوتين "، عبر توضيح الصلاحيات في إطار فصل السلطات بين المجلس الوطني الانتقالي و الحكومة المؤقتة و تحديد فترة انتقالية محددة المدة و بناء حوار مع الثوار بغية إدماجهم في جيش نظامي و تحييدهم عن المجال السياسي و التأسيس لمرحلة تنظيم انتخابات حرة ونزيهة .


 المدخل الانتخابي
إن المتربصين بليبيا ما بعد الثورة قصد الوصول للسلطة من اجل مصالح شخصية أو فئوية أو قبلية أو إيديولوجية ، ليس باستطاعتهم الفوز في انتخابات حرة و نزيهة ، و لكن قد يقدرون على استعمال العنف لبسط نفوذهم على مؤسسات و إمكانيات الشعب الليبي في أجواء مشحونة بالتوتر .عبر تبني نظام انتخابي يقوم على أساس القضاء على المركزية ،عبر اعتماد نظام لامركزية تتفادى الاحتقان الذي قد يتولد لدى مناطق طالما تضررت من التهميش و الإقصاء و التي قد تتطور إلى المطالبة بالفيدرالية أو الانقسام و هنا أعود لأذكر بان ليبيا إبان عهد العثمانيين قسمت لثلاث مناطق و هي طرابلس،برقة، و فزان وحدود هذه المناطق لم يتم تحديدها بشكل واضح من قبل الملكية السنوسية و التي عرفت العديد من التغيرات ابتدءا من سنة 1951 كما عمل نظام القدافي على تقسيم ليبيا إلى 22 منطقة و ليس إلى ثلاث مناطق ، الأمر الذي يعقد الأمر. والدخول في نظام الجهوية لتقوية المناطق اقتصاديا واجتماعيا وتأهيلها للديمقراطية بشكل نهائي.

 المدخل الاقتصادي:
مقارنة بتونس و مصر و اليمن ، فان ليبيا الجديدة ورثت أوضاعا اقتصادية ليست سيئة ، و التي وجب أن توظف في إطار تقوية شرعية الجهة الحاكمة عبر حشد دعم الشعب الليبي باستجابة لمطالب المتظاهرين في الميادين في العديد من المناطق الليبية من خلال ممارسة الشفافية و نهج سياسة إستباقية، فقوة المجلس الانتقالي و الحكومة المؤقتة تكمن في الدعم الشعبي لهذا وجب المحافظة على هذا الدعم باستمرار و الحيلولة دون أن تقوم شخصيات عسكرية باتخاذ قرار الانقلاب على مؤسسات الحكم .
فالتحول الديمقراطي يقتضي ضمان الاستقرار و هذا الأمر يقتضي بناء اقتصاد وطني مستقر و عدم تركه عرضة للتقلبات الدولية من خلال الاعتماد على نهج يوازن بين التصدير إلى الخارج و الاستهلاك الداخلي . فنهج سياسة شراء سندات الحكومة الأمريكية و الأوروبية يؤدي إلى الانغماس في المالية المحفوفة بالمخاطر .هدا النهج يقتضي اتخاذ خطوات ضرورية تقوم على أساس:
- تصحيح في المناهج التعليمية و تدريب اليد العاملة.
- الاعتماد على اليد العاملة الوطنية و تقليص العمالة الأجنبية الغير عربية.
- رفع الأجور قصد تحقيق العدالة الاجتماعية.
إن هذه الخطوات تستدعي إحياء المغرب الكبير عبر إنهاء نقط الخلاف بين المغرب و الجزائر، ووضع مثل للاتحاد الذي يمكن أن يلعب قنطرة هامة من اجل ضمان التحول الديمقراطي في كل من تونس و ليبيا و هنا استحضر تجربة الدول التي كانت منضوية تحت المنظومة الشيوعية التي اندمجت في الاتحاد الأوربي و حققت تحولا نحو الديمقراطية ، عبر إقرار التعددية ذي الطبيعة الليبرالية .
التجربة الليبية تعترضها صعوبة في الانتقال من اقتصاد التخطيط إلى اقتصاد يعتمد السوق الحرة و التنافسية. يخلق صعوبات داخلية متمثلة في ضرورة تكييف مؤسسات الإنتاج مع النظام الرأسمالي، و الذي يخلق صعوبات على المستوى الخارجي في العلاقة مع الاقتصاديات الدولية. و هنا ينبغي الإسراع بإدخال مسلسل الإصلاحات قصد توحيد الاقتصاد المغاربي، الأمر الذي سيدفع دول المنطقة مجتمعة إلى تحول ديمقراطي يقوم على أساس تأهيل الرأسمال البشري و إصلاح التعليم و التعاطي مع الأوضاع الداخلية والخارجية.

 قياديين ذوي الشرعية المزدوجة وتعبيد الطريق للديمقراطية .

هناك أعضاء من حركة الضباط الوحدويون الأحرار ممن هم أعضاء في المجلس الانتقالي أو لديهم نفوذ على ارض الواقع و على التعاون مع المجلس ، حيث شاركوا في انقلاب 1969 ولهم شرعية ثورة 17 فبراير من الممكن أن تلعب دورا في التحول الديمقراطي، و هنا نشير للمسار الذي اتجهت له التجربة البرتغالية و الذي استدعى تضافر جهود المسؤولين العسكريين والفاعلين السياسيين والمدنيين، بخلقهم لثقافة سياسية ودستور ملائم وتكوين مجتمع مدني قوي و طبقة سياسية لها مصداقية ونهج اقتصادي حر. من خلال بناء سياسة جديدة لم تواكب الضغط الداخلي ولم تساير التطور بأوربا، الأمر الذي عجل ببروز مشاريع مجتمعية تتصارع داخل المجتمع البرتغالي وانفجار الحركة الرئيسية في انهيار النظام الديكتاتوري (حركة الضباط) لعدم وجود مشروع متماسك لديها.
إن مسار التحول الديمقراطي معقد وشاق. و هنا فان ليبيا في حاجة لتضافر جهود المسؤولين العسكريين ذو الشرعية المزدوجة والفاعلين السياسيين والمدنيين بخلقهم لثقافة سياسية ودستور ملائم وتكوين مجتمع مدني قوي طبقة سياسية لها مصداقية ونهج اقتصادي حر.
هاته الشخصيات من الممكن أن تلعب دورا ايجابيا، لكون مسار التحول يتطلب آليات وتعاقدات حقيقية بين جميع الأطراف عبر توفير ضمانات من خلال ميثاق تعاقدي ، يشجع على المشاركة لجميع الأطراف كمدخل أساسي يؤسس لتوافق وطني وبداية لمسار التحول نحو الديمقراطية ..
تنتهي بمناظرة تضع حد للصراعات بين الأطراف السياسية من خلال بلورة مشروع يقوم على التوافق بين الحركات الإسلامية و العلمانية على أسس تقوية الحريات ومن ضمنها حرية الصحافة. وضمان سياسة الاعتدال و نبذ التطرف و التداول على السلطة.




 المصالحة الوطنية .
العمل في الوقت نفسه على تصفية الماضي السياسي والاقتصادي والاجتماعي، هذا الوضع نتج عنه وجود حالة من الانتظارية ترتب عنها ظاهرة الاحتجاجات الاجتماعية (المجالس المحلية و تجمعات الثوار، احتجاجات الحقوقيين...).داخل هذا المناخ سوف يتم الإعلان عن انتخابات 27 شتنبر 2002 وهي الانتخابات المباشرة الأولى بعد انتقال الملكية، وقد قدمها الفاعلون السياسيون بكونها انتخابات إنقاذ سياسي، إذ اختزلت فيها جل انتظارات المواطنين، بالموازاة مع ذلك باشرت الأحزاب السياسية بنقد الانتخابات السابقة وقدمت نفسها كضحية لعمليات التزوير، وكأنها تود بذلك أن تبين أن الإشكالية الأساسية التي تعوق التطور في النظام السياسي المغربي هي عدم مصداقية الانتخابات.




المطلب الثاني: التحديات الخارجية للتأسيس لانطلاق مرحلة التحول الديمقراطي
• التحديات الإقليمية ( المحيط العربي).
إن التطور العربي خاصة في الدول التي عرفت انتفاضات نحو تدشين تحول ديمقراطي كامل و سليم خاصة في مصر و تونس سيؤثر ايجابيا على التحول الديمقراطي في ليبيا و سيحول دون انزلاق التحول نحو حرب أهلية. و هنا فالمجلس الوطني الانتقالي مدعو لمواجهة هذه التحديات قصد الخروج بليبيا الجديدة من مفترق الطرق و تدشين عملية للسيطرة على كل ليبيا و كسب مصداقية الشعب الليبي للمحافظة على الدعم الشعبي لقيادة مرحلة التحول و تقوية مشروعيته ، و بدون هذا الأساس لن تكون هناك أي مشروعية للمجلس الانتقالي و ستدخل ليبيا نفقا مظلما .

• تحديات المحيط الدولي.
لقد نجح المحيط الدولي خاصة الولايات المتحدة في ألمانيا واليابان في تحويل مجتمعات الدولتين إلى مجتمعات مستقرة ومعتدلة تتمتع شعوبها بالديمقراطية. لكن في المقابل فشلت في إحداث تحول في كل من الصومال وفي هاييتي وبنسبة اقل في البوسنة والهرسك. إن التجربة الليبية هي تجربة مختلفة عن النماذج السابقة ، فالثقافة الليبية قد تكون المحفز الحقيقي للتغيير، والتحدي الأكبر هو إعادة البناء في ليبيا التي وجب أن تؤسس بمراعاة مصر على اعتبار أن مصر الدولة المجاورة و لها علاقات متشابكة في جميع المجالات بالإضافة لوجود نحو مليون مصري في ليبيا منذ عقود طويلة. إن المحيط الدولي يدرك ضرورة التحول الديمقراطي في ليبيا من اجل مواجهة الإرهاب و تجاوز نظرته الاقتصادية الضيقة المتمثلة في مصالحه النفطية. فهل ستقود المصالح النفطية ليبيا إلى التقسيم وإقامة قواعد عسكرية لمواجهة النفوذ الصيني والهندي في إفريقيا؟ إن إقامة نظام ديمقراطي في ليبيا يتطلب ، إضافة إلى توفير الأمن والاستقرار، عددا من المقومات الضرورية التي ستحتاج إلى الكثير من الجهد والوقت مثل إقامة مؤسسات للإعلام الحر، وتوفير عناصر نشطة في نطاق مؤسسات المجتمع المدني، وتدريب الأطر السياسية على تنظيم صفوفها وفقا للانتماءات القبلية، بالإضافة إلى جماعات المصالح الأخرى التي ترغب في المشاركة في العملية السياسية من خلال مأسسة الاختلاف بأسس ديمقراطية . إن التحول الديمقراطي في ليبيا يحتاج إلي صياغة دستور جديد للبلاد ونظام سياسي يوفر المساءلة والتوازن بين السلطات وتوفير ضمانات تحُـول دون أن تؤدي الممارسة الديمقراطية إلى ضمان حقوق الأقلية ، خاصة في مجتمع يتسم بالقبلية و من تم فهناك حاجة ملحة لإحياء تكتل مغاربي لدعم علاقات التعاون والمشاركة بجهد أكبر في بناء ليبيا الجديدة وخاصة أن هناك ترحيبا أوروبيا وأمريكيا .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن