خمسة عشر يوما في دمشق

سعاد خيري
suadkhairy@hotmail.com

2012 / 3 / 12

وصلنا دمشف مساء يوم 22/8/1979 ونسيت كل شيء الا التمتع بتوأم بغداد بكل ما تمتاز به من معالم تاريخية وما تتميز به من طبيعة وطباع. فاخذت تاكسي الى ساحة المرجة وهي اجمل ساحات دمشق التاريخية حيث اعدم الفرنسون ابطال الثورة ضد الاحتلال في مطلع القرن الماضي. وشاهدنا لا فتة فندق المرجة في احد اطرافها . وبتنا ليلتنا فيه. ومنذ الصباح بدأت اتصل بارقام التلفونات التي معي واولها رقم الرفيق خالد بكداش الامين العام للحزب الشيوعي السوري , وتلفون يوسف فيصل الشخصية الثانية , اخذتها من دفتر تلفونات زكي خيري. طلبت من ادارة الفندق ان اتصل بالتلفون مع معارفي . قالوا اعطنا الرقم ونحن نصلك بمن تريدين. وما ان اعطيتهم رقم خالد بكداش حتى قالوا لي , لا! ده انت طلعتي لفوق اوي !!وبقي يحيى ووداد يتندرون بهذه العبارة !!
كان كل ذلك بدون جدوى فالجميع كانوا يتمتعون باجازتهم الصيفية! واخيرا رد علي احدهم من بيت يوسف فيصل . فاخبرتهم بشخصيتي وطلبت منهم اخبار الشيوعيين العراقيين بوصولي. ولما لاحظ الاطفال انتهاء توتري انطلقوا في مرح غامر . وتجولنا في الاسواق القريبة واشترينا فواكه وبقلاوة. وما ان عدنا مساء حتى حضر احد الرفاق العراقيين , ابو نغم , وكان عضو منطقة بغداد. وقال ارسلني لاستقبالكم ابو كسرى مسؤل منطمة الحزب في سوريا لانه مشغول. هيا معي الى حيث ستقيمون . اظهر الاطفال عدم ارتياحهم من طلبه وقالوا ماما لما العجلة!! دعينا نتمتع قليلا لوحدنا لعدة ايام او حتى لليلة واحدة. كنت وما زلت لا ارتاح عندما لدي مهمة حتى انهيها. وهكذا ذهبنا مع ابي نغم الى بيته. وشغلني ذلك عن التمتع بما حولي , وتبخر امتعاض الاطفال بسرعة فقد تعودوا على تنوع الظروف والتكييف مع الواقع بسرعة.
وفي اليوم الثاني من وصولنا كتبت تقريرا مفصلا عن فترة اعتقالي نشرته طريق الشعب بعد خمسة عشر يوما. كان الشهيد سعدون كما اخبرتني والدته زكية خيري يتمزق قلقا على مصيرنا حتى قرأ ما جاء في طريق الشعب وعاتبتني, عن عدم اتصالي به تلفونيا بمرارة وضمنت عتابها عدم اخبارها هي, بسفري. وفي الحقيقة فكرت في الاتصال كثيرا ولكن خوفي عليه وعلى عائلته منعني من الاتصال لان التلفونات مراقبة ولاسيما تلفونات الخارج. ورغم كل حذري لم يمض شهر على سفرنا حتى اعتقل مرة اخرى مع ابن اخيه الشهيد نصير وغيبت كل اخبارهما حتى بلغوا باستشهادهما تحت التعذيب.
كان ابو نغم يغدق الوعود في ابهاجنا دون تحقيقها !!فقد وعدنا بالاحتفال بميلاد وداد في 27/اب في احد المصايف خارج دمشق . وخفض السقف بعد يوم الى مطعم في المنطقة واخيرا احتفلنا في البيت! فاخذ الاطفال يتندرون بوعوده , رغم انه اخذنا الى كل متاحف دمشق وجوامعها المبهرة بعماراتها التاريخية الرائعة والتي تضفي الى جانب الخشوع المتعة بزخارف جدرانها ومنائرها وجمال اعمدتها واقواسها , فضلا عن ساحاتها الواسعة واحواض الماء الرقراق في وسطها , وتحلق الجماهير من مختلف بلدان العالم حولها بمختلف ازيائهم وسحنهم . وازدحام الباعة وروائح الطعام المشهية. كما اخذنا الى سوق الحميدية , اروع سوق عربي شاهدته , بغنى وتنوع بضائعه وازدحامه, وباسلوب باعته الذين لا يمكنك الافلات من قبضتهم اذا ما دخلت محلاتهم. فهم مستعدون لاعطائك البضاعة مجانا بالقول ولكنهم يأخذون ثمنها الذي غالبا ما يكون مضاعفا , لاسيما اذا تبينوا لهجتك العراقية . فالعراقيون بالنسبة للسوريين الاخوة الاكثر غنى!! بسبب النفط . ولذلك يجب ان يشركونهم بنعمهم بغض النظر عن كون العراقي من المتنعمين بخيرات العراق ام بنقمة حكامه!!
وهكذا اخذنا ابو نغم الى جميع المتع المجانية . وبقي الاطفال يحبون دمشق ويشتاقون لزيارتها كما يشتاقون للوطن.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن