إعادة انتخاب بوتين والنظام الدولي

أحمد سالم أعمر حداد
P_programming@yahoo.com

2012 / 3 / 10

اعتاد فقهاء السياسة ودارسو العلاقات الدولية على الاتفاق إجمالا،على نحو رويني عتيق،حول التفاصيل النظرية، التي تتناول تلك العلاقة الجدلية ، بين مكونات النظام الدولي وهي الدول ومختلف الفواعل كالمنظمات الدولية وغير الحكومية، وحتى تلك الفواعل الهلامية كالتنظيمات المسلحة الإرهابية، وتأثيرها على طبيعة العلاقات الدولية ونظامها،بين الأحادية القطبية ،والثنائية القطبية والتعددية القطبية،وما تخلفه تلك العلاقة من تداعيات نوعية على إدارة الأزمات الدولية،وما تخلفه هذه الأخيرة من تداعيات على طبيعة النظام الدولي، ورغم ذلك غالبا ما يصعب التكهن بتطورات الأحداث على الساحة الدولية، أو استشراف مستقبل العلاقات الدولية.

من هنا تنبع حاجة منهجية إلى اختبار بعض المعطيات المهملة ضمن عمليات استشراف مستقبل النظام الدولي ، ضمن وضع دولي كادت طبيعته الأحادية توسم بالأبدية، نظرا لفشل كل فواعل هذا النظام ، في إيقاف الزحف السالب الذي تسحبه القيادة الأمريكية عليه، لتحيله إلى واقع فوضى وطبيعة متأزمة. لأنه أصبح عصيا على منهج الشك، معرفة أن الولايات المتحدة الأمريكية أصبحت تتعامل مع القضايا الدولية ، بسياسة نشر الفوضى الخلاقة ، بعد فشل النظام الاقتصادي الليبرالي في تقديم الأفضل للعالم،مشفوعة بسياسة الحرب ضمن محاولة يائسة لضمان استمرارية أطول لقيادتها للنظام الدولي، وللأسف تظل الرقعة الأفضل بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية لزرع الفوضى الخلاقة ، هي الحزام العربي الإسلامي أو ما يطلق أمريكيا الشرق الأوسط وشمال إفريقيا،لكونه جيوسياسيا منطقة تمركز مصادر الطاقة،ومجالا إيديولوجيا لخلق التماس الحضاري والديني السالب،عندما يتم تهديد أمن إسرائيل، وطريقة مثلى لإثبات التفوق الأمريكي السياسي عالميا،ومعاكسة المناهضين للأحادية القطبية،وعلى رأسهم روسيا والصين.
اعتقد شخصيا أنه من بين المحددات التي تفرض نفسها بقوة، عامل طبيعة شخصيات قادة العالم السياسيين، وتأثيرهم على مستوى التحليل البسيط على سياسات دولهم الداخلية والخارجية، وعلى مستوى التحليل الأعم،ما تسحبه تلك السياسات،على طبيعة النظام الدولي من آثار.
ومن أسباب اعتقادي بخطورة هذا المحدد الجوهري،كون العالم العربي والإسلامي تأثر ويتأثر دوما بشكل دراماتيكي،بما يصدر عن بعض القادة السياسيين،من تصرفات،وما يرسمونه من سياسات، سواء على المستوى الداخلي،أو الخارجي، من حيث كونه السبب الرئيسي في كل الأزمات التي عرفتها وتعرفها المنطقة.

انطلاقا من الحكم المطلق للقادة العرب لشعوبهم، الذي أحال المنطقة إلى دليل للتخلف،ووحدات سمعة سياسية سيئة،من حيث معايير البيئة الديمقراطية،وشيوع الشفافية والحريات بمختلف أنواعها، وهي أوضاع تم استغلالها بشكل جيد إعلاميا وسياسيا من طرف القادة الغربيين، والبداية كانت مع جورج بوش الابن،وإحالتها إلى أسانيد واهية كاذبة لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية، واتخاذها ذريعة لشن حروب تحت يافطات نشر الديمقراطية،ونزع أسلحة الدمار الشامل،ومهاجمة القادة السياسيين،بحجة أنهم ديكتاتوريين، ويهددون الحضارة الغربية، ويشلون مسار الديمقراطية عالميا، وفق معايير أمريكية وغربية عموما.

وبناءا عليه تم غزو أفغانستان سنة 2001 ،وتم دكها بمختلف أنواع أسلحة الدمار الشامل المحرمة دوليا، بعد الحادث ألاستخباراتي المفبرك والمعروف بأحداث 11 من سبتمبر 2001 ، استنادا إلى عامل الشخصية ، وكان السبب المعلن شخصية بن لادن وأفكاره وقناعاته وتابعيه، وما روجت له الولايات المتحدة الأمريكية ، من كونه مبعث تهديد إرهابي عالمي ، بينما السبب الحقيقي هو إحكام السيطرة على جنوب اسيا ومواردها الطبيعية.
وفي إطار حملة عسكرية منظمة ومحكمة، تم في سنة 2006 ، تسليم مهمة الاحتلال عسكريا لحلف الشمال الأطلسي المعروف اختصارا بالناتو، الذراع العسكري للأحادية القطبية، بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية، والتأسيس لمرحلة جديدة من النظام الدولي، حيث تباح السيادة الوطنية للدول بسبب مبررات واهية تتجاوز القانون والأعراف الدولية ، من قبيل الحرب على الإرهاب،وإنهاء الحكم الديكتاتوري، التدخل الإنساني و نشر ثقافة حقوق الإنسان وقيم الديمقراطية.

في سنة 2003 يتم احتلال العراق وتمزيقه، وإحالته إلى فوضى باستخدام نفس الأسانيد الخطيرة والمزاجية،حيث لقي مليون عراقي حتفه، وتحول العراق إلى مجتمع معاق اجتماعيا ، حيث الأرامل، واليتامى وغير المتمدرسين، ويعود ذلك البلد الذي احتفل في عهد الرئيس الديكتاتوري – وفق المعايير الغربية- بأخر أمي لا يقرا ،القهقرى، ويراد له أن يجلس في ذيل قائمة الدول الديمقراطية والتي تعرف الشفافية السياسية، ويفقد وحدته الوطنية، وترتفع فيه نسبة الأمية والجهل.


ومنذ أكثر من سنة ،في عهد الرئيس الأمريكي باراك اوباما، تستخدم القوى الغربية أسانيد ووسائل جديدة لتحيل ما تبقى من العالم العربي والإسلامي إلى فوضى خلاقة، وهي قوة مرنة تخضع لسلطة الدولة،وتقدم على أساس أنها قوى مستقلة وهي : وسائل الإعلام والتواصل الالكترونية والاجتماعية مثل فيس بوك وتويتر وشبكة الانترنت عموما،ذريعة لإعادة احتلال الدول، بحجة حماية حرية التعبير وحقوق الإنسان. ليتم التغيير السياسي بالقوة في بلدان مثل ليبيا حيث قتل ما يزيد عن 130000 مدني، ودمر البلد بالكامل، وألان يجري مسلسل تقسيمه إلى أكثر من إقليم ، ليتم إضعافه نهائيا، ويحاول الغرب ألان تنفيذ نفس الخطة بسوريا لولا اصطدامه مرتين وبشكل جاد بالفيتو الصيني والروسي. لكن هل هي محاولة جادة للتأثير على واقع الأحادية القطبية،نحو نظام عالمي تعددي جديد،أم مجرد محاولات خجولة تتحكم فيها حسابات المصالح الضيقة.

اليوم مع إعادة انتخاب فلاديمير بوتين للمرة الثالثة رئيسا لروسيا، يتجدد أمل الشعب الروسي ، وكل العالم في سياسات عقلانية قادرة على مواجهة فوضى الأحادية القطبية السالبة التي يعرفها النظام العالمي الجديد،نحو واقع تساهم فيه كل الدول في رسم وتنفيذ السياسات الدولية،نظرا لما عرف عن الرجل من مواقف ،وأدلي به من تصريحات وأفكار.

فلاديمير بوتين أكد في العديد من خطبة ومقالاته إبان حملته الانتخابية ، أن أهداف السياسة الخارجية الروسية سوف تتسم بخطط إستراتيجية من شانها استعادة مكانة روسيا ودورها الفريد في رسم الخطوط الجيواستراتيجية العالمية على أساس حفظ الأمن العالمي والتمسّك بالاحترام المطلق للسيادة الوطنية للدول ووضع حد للتدخلات الخارجية ومحاولات فرض التغيير بالقوة.
ويستبعد في تقديري الشخصي بأن مضمون كل تلك التصريحات التي أدلى بها بوتين، كما يذهب بعض المشككين ، مجرد فقاعات انتخابية حماسية ،لأنه في دولة عظمى كروسيا لا يمكن لأي رئيس أن يعلن عن سياسات خارجية لا تعكس اهتمامات وطموحات الشعب الروسي أولا ، ثم طموحات الأصدقاء والحلفاء وحتى التابعين دوليا للقطب الروسي ، وخاصة بعض الدول والشعوب العربية والإسلامية، وعلى رأسها سوريا، التي يطرح إعادة انتخاب بوتين بالنسبة لها تحديا كبيرا ، من حيث تصحيح الأخطاء،وإعادة تقديم البدائل والضمانات لمصالح القطب الروسي القادم، خاصة في شق تحالفه مع الشريك الدولي الصين، بهدف تشكيل نظام دولي أكثر عدلا واتصافا بالروح التعددية والتشاركية، وهو تحد يتعاظم بالنسبة للدول الغربية ، التي تنتهك سيادة الدول ، وتسيطر على مقدرات الشعوب، لأسباب تروج لها ، بأنها تتعلق بنشر الديمقراطية، هذه الأخيرة التي من الأولى أن تسود على مستوى النظام الدولي ، بهدف تحقيق الأمن والرخاء الاقتصادي الدوليين.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن