الوهم .. مرض اجتماعي يجب التخلص منه

سامي كاب
samiqab@yahoo.com

2012 / 3 / 3

الوهم
الوهم صفة من صفات العقلية البدائية تلك العقلية اللتي تفتقد لقدرات التمييز والفهم المنطقي والادراك الواقعي والربط والمقارنة باسلوب جدلي والاستنتاج والقياس والاسقاط الحيثي وقدرات التفكير التفاعلي والتبادلي والتوافقي والتلاؤمي والتشكيلي والنموذجي والتخطيطي والتطبيقي ومحاكاة الواقع المادي بحيثياته وتكوينه الفعلي والتفاعل معه حسب حقيقة تكوينه
الوهم هو امتداد فسيولوجي من اصل حيواني وهو امتداد لحالة سيكولوجية لحيوان ناطق يمثل مرحلة الانتقال ما بين الحيوان اللذي يقف على قدمين الى الانسان الاجتماعي المتحضر
الوهم يعني ببساطة هو تصور الشيء قبل معرفته بالحواس وبالادراك وبالفهم وبالتمييز
وهذه طبيعة تكوين الدماغ عند الانسان فكل شيء مجهول يرسم له الدماغ صورة معينة لتسهل مسار البحث عن معرفته والوصول الى صورته الحقيقية وحيث ان الدماغ لا يفهم الاشياء بتفصيلاتها الجزيئية او تكويناتها الذرية انما يفهمها باخذ صورة عنها شمولية فكلما كان هذا الشيء قريبا للادراك والاحساس والممارسة عن كثب والالفة والاحاطة والسيطرة والتحكم كلما كانت الصورة عنه مطابقة لواقع حاله وكلما تمت معرفته بادراكه وفهمه وتمييزه اكثر فاكثر كلما اقتربت الصورة وتطابقت باتجاه التفصيلات الداخلية التكوينية لذاك الشيء وهكذا الى ان يصل الدماغ لمستوى تقنية المعرفة
هذا المساق البسيط اللذي ادرجته في كيفية حصول المعرفة يمثل تماما السيرة الذاتية لحياة الانسان على الارض في رحلته الحضارية منذ بداية انفصاله عن الحيوان وتحوله الى كائن مميز راقي بفعل تطور جهازه العصبي وجسده بتركيبه العضوي والحيوي والى يومنا هذا
بدأ الانسان في مرحلة تشكل المجتمع بالبحث عن مقومات حياته وبقائه واسباب وجوده واهدافه وغاياته وبدأ يتعلم ويبحث عن معرفة الاشياء من حوله من عناصر مادية طبيعية تشاركه حياته في بيئته كي يتفاعل معها ويجيرها لخدمة بقائه وامنه ورفاهه وسعادته ولرفع مستوى معيشته وبناء هيكل حضارته فكانت مرحلة الوهم في دماغه البدائي تلك المرحلة اللتي تفرضها طبيعة تكوين الجهاز العصبي لديه
أخذ يتخيل ويتصور ويحلم وبذات الوقت يمارس الحياة ويجرب ويكتشف ويدرك ويفهم ويستوعب ثم يتطور عضويا وحيويا وكيماويا وفيزيائيا في جسده بما به جهازه العصبي فيتطور فكره بامتلاكه قدرات ذهنية وعصبية ونفسية ووجدانية وحسية وادراكية اكثر فاكثر وهكذا بطريقة التفاعل مع البيئة والطبيعية حيث التاثير الايجابي المتبادل ما بين الانسان والطبيعة ينتج انسان متطور بمعرفة وعلم وتقنية حول ما يحيط به من اشياء وتكون المعرفة وتقنية الحياة قد قطعت مسافة كبيرة في ذهن الانسان بعيدا عن مرحلة الوهم البدائية اذ لا خبرة حياة ولا ممارسة ولا مهارة مكتسبة ولا علم ولا معرفة ولا قدرات ذهنية تمكنه من فهم الاشياء وادراكها حسب حقيقة تكوينها
------------
عندما يكون الوهم حالة مرضية

نجد بان كثيرا من الناس على شكل افراد ومجتمعات ما زالو يعيشون حالة الوهم في حياتهم رغم التطور والعلم والتقنية وتطور الانسان ذاته عن ابناء جنسه من باقي الحيوانات
وهنا يتم تشخيص الحالة على انها حلة مرضية اي ان هؤلاء الناس وقف مستوى التطور عندهم عند مرحلة الوهم ولم تكتمل مراحل التطور في ادمغتهم بسبب ذاتي ارادي او بسبب بيئي طبيعي
ومها كان السبب اللا ان الانسان المصاب بهذا المرض ( الوهم ) فانه يتحمل المسؤولية الكاملة اتجاه نفسه لانه هو الوحيد من يعرف دواءه ويقدر على معالجة ذاته من هذا المرض القاتل ... مرض يمنع الانسان من معرفة الحقيقة ويبقيه في اطار الصورة البعيدة عن الحقيقة للاشياء مما يتسبب للانسان بالفشل والتعاسة ومواجهة تحديات الحياة بانهزامية وضعف وتراجع وانهيار وخسارة ... وتظهر جراء ذلك المشاكل الاجتماعية من الجهل والتخلف والانحطاط بما تحويه هذه المنظومة من جرائم وعنف واغتصاب وتعديات وانتهاك لحقوق الانسان وقمع الحريات والغاء العدالة والامن والسلام من الحياة
وهذا للاسف ما نعانيه في مجتمعنا العربي عموما فالمجتمع باغلبه مصاب بمرض الوهم
ومن اهم اعراض هذا المرض هي حالة التدين لان الدين قائم على الوهم فهو المعرفة البدائية اللتي لجأ اليها الانسان منذ اقدم العصور تلك اللتي كانت تنسجم مع مستوى تطوره وادراكه وفهمه وتجربة حياته وعلمه ومعرفته المحدودة ضمن الزمن والظرف
الدين قائم على الاسطورة والخيال والحلم والتمني والتصور الافتراضي البعيد كل البعد عن الحقيقة والواقع المادي والمنطق الرياضي والجدلي للاشياء ومعالجة كينونتها الذاتية التكوينية بشكل مجرد
الحالة المرضية تسببت من جراء تقديس الدين وابقاءه في حالة ثابتة ازلية مقدسة لا نقاش فيها ولا تعديل ولا تطوير ولا تغيير وهذا ما يلزم العقل على الثبوت في حالة بدائية غير مواكبة للتطور والاقتراب من واقع الحياة والانسجام مع حركة التطور المادي الطبيعي اللتي تشمل كل عناصر الكون بما فيها الانسان كونه عنصر مثل باقي العناصر اي ان حالة الوهم تخرج الانسان كعنصر اساسي في معادلة الحياة من حيزه التفاعلي الرئيسي من المعادلة كي يبقى في حالة تحجر وثبات ينتظر الاندثار والتلاشي والزوال بفعل الطبيعة ومسار حركة الحياة ومعادلة الكون المادي
حالة المرض بالوهم ليست حالة عقيمة غير قابلة للعلاج وكما ذكرت فان كل انسان بمقدوره معالجة نفسه والتخلص من هذا المرض باتباع اساليب وطرق بسيطة الا وهي التسلح بالارادة اولا ثم اطلاق كافة قدراته الذهنية نحو التفكير والاكتشاف والتعلم والبحث عن المعرفة بلا حدود ثم تعلم كيفية التجريد بشكل جريء والخروج عن الثوابت والمقدسات والمحرمات والممنوعات والعادات والتقاليد والتوصيات ثم سبر اغوار الحياة بجراة وفردية وشخصانية واكتشاف الحقائق عن كثب والوقوف عليها والبحث الدائم عن الصورة الملامسة للشيء وليس الاكتفاء باخذ الصورة له عن بعد
ممارسة الحياة والاندماج بها بكل تفاصيلها وتعلم ثقافة الانتاج والمبادرة والعمل بكل انواعه والتفكير البحثي الاستكشافي والابداعي ومحاولة التميز في كل خطوة وعمل
وتعلم التخطيط والبرمجة والعمل على ذلك في كل امور الحياة اليومية مهما كانت بسيطة وعدم الاستسلام للفشل وعدم التفكير بالتراجع والانهزام والاحساس بالدونية والضعف وعدم القدرة او البؤس والاهم من هذا يجب الاحساس بالمسؤولية الكاملة الذاتية في كافة امور الحياة الخاصة والعامة وعدم تحميل المسؤولية للاخرين او انتظار المعونة من الاخرين كشرط من شروط النجاح والاستمرار بحياة افضل
وبمعنى اشمل العمل على تفعيل القدرات الذاتية وتحريكها لتعمل باقصى طاقتها ومن ثم العمل على تطويرها وتنميتها لرفع مستوى قدراتها ليزيد انتاجها وكفاءتها بزيادة جودة نتاجها ومن ثم العمل على خلق قدرات جديدة تتلاءم مع تطور الحياة وتطور البيئة والطبيعة والزمن والظرف الحضاري الانساني الشامل
وكل هذا يكون في سياق تدريب الجسد والعقل حركيا وفكريا واكتساب المهارات الحياتية المختلفة من فعل وممارسة وفكر وعلم ومعرفة وتقنية انتاجية تفاعلية ايجابية تساهم في بناء الانسان وبناء حضارته
وفي نهاية المطاف بعد كل هذا الاجراء سوف تنعدم الارضية اللتي ينمو عليها الوهم وسوف يختفي من ذهن الانسان المعاصر كما يختفي المرض من الجسم السليم



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن