الاقتصاد السياسى لتجديد إنتاج التخلف (5)

محمد عادل زكى
m_adel_z@yahoo.com

2012 / 3 / 3

الفصل الثالث
جمهورية فنزويلا البوليفارية
__________________________________________________________
المبحث الاول: الاقليم الفنزويلى (1)
أرض الصراع (التاريخ، والجغرافيا، والاقتصاد)
(خريطة رقم 1)
خريطة لفنزويلا توضح حدودها السياسية وموقعها الجغرافى فى قارة أمريكا اللاتينية
http://resourcesforhistoryteachers.wikispaces.com/SAM.2
التاريخ الذى ننشغل به
إن تعرضنا للتاريخ، وكما سبق وأوضحنا، لا يصدر بناءً على ذلك الخلط الشائع بين ما هو تاريخ، وبين ما هو تاريخى فى حقل الاقتصاد السياسى، وإننا لا نسعى لإدخال قطيعة من أى نوع، تاريخية كانت أم حضارية، كُل ما هنالك أننا ننشغل بفهم وتحليل الظاهرة الاجتماعية التى تشكلت على أرض الواقع بردها إلى الكُل الذى تنتمى إليه مباشرة إبتداءً من تبلورها فى سياق نمط الانتاج الرأسمالى وهو نمط تجاوز الخمسمائة سنة بقليل. ومن ثم فلن ننشغل، كباحثين فى الاقتصاد السياسى، بتلك الجهود النظرية التى أنفقها الباحثون كى يفسروا السكون فى الارض الفنزويلية منذ التاريخ البعيد جداً والذى إمتد بالبعض من الباحثين إلى ألف سنة قبل الميلاد. إن ما يهمنا هو دور التراكم الاولى لرأس المال فى أوروبا، والذى إستلزم التوسع فى بحار العالم ومحيطاته وقاراته من أجل الثروة. حتى حلت سفن "كولومبس" شواطىء السلفادور فى 1492. ففى القرن الخامس عشر، توجهت الرحلات البحرية فى حركة كشوف إستعمارية كانت تعنى مع كُل خطوة المزيد من الثروة والسلطة، على حين كانت تعنى الموت والخراب والابادة الجماعية على الجانب الاخر. فما أن وصلت سفن "كولومبس" شواطىء خليج باريا، إلا وبدأت حركة واسعة من الكشف على نطاق واسع جداً، وكانت فنزويلا، التى تعنى فينسيا الصغرى باللغة الأسبانية، ضمن الاقاليم التى غزاها "كولومبس" من خلال البعثات التى أرسلها تباعاً بقيادة "ألونسو دى جيدا" فى العام 1449، حتى تم تأسيس "دى سانتا آنا دى كورو" فى العام 1527 لكى تُصبح المركز الرئيسى للتوسع فى داخل فنزويلا نفسها، ونقطة إنطلاق للمزيد من فرض الكاثوليكية، كما يتردد فى بعض المراجع التاريخية، واللغة الاسبانية، والقنص البشرى والابادة الجماعية للسكان الاصليين، وبصفة خاصة فى البيرو، الذين حاولوا قدر الطاقة الحفاظ على ثقافاتهم ودياناتهم ووجودهم الاجتماعى ذاته أمام تكنولوجيا حربية مدمرة لم تكن معهودة فى ذلك الوقت من التاريخ. ولقد كانت فنزويلا، وكذا البرازيل، البلدين الوحيدين اللذين لم يتملكهما الاسبان منذ البداية؛ فقد منح "كارلوس" الخامس فنزويلا إلى مؤسسة "آل فيلزر" التجارية الالمانية، بينما نشط البرتغاليون على الأرض البرازيلية بعد سنوات طويلة نسبياً من إكتشافها.(2)
قام الإستعمار الاسبانى بتقسيم فنزويلا إلى مقاطعات ولكُل مقاطعة حاكم، ويرأس حكام المقاطعات حاكم عام، وعلى أساس من إحكام القبضة الاستعمارية على الاقليم الفنزويلى، تأسس إقتصاد إستعمارى يستخرج المعادن ويُنتِج المحاصيل لصالح التاج الاسبانى فقط. وكان للتجارة، تحديداً رأس المال التجارى(ن - س - Δ ن) الدور الأكبر فى التراكم، وكان الذهب والمعادن النفيسة الاخرى من أهم الدعامات التى عملت على ترسيخ دورة رأس المال التجارى فى تلك المرحلة من التاريخ الفنزويلى. وخلال القرن السادس عشر والقرن السابع عشر، لم تتوقف الحركات التحررية الرافضة للوجود الاستعمارى الاسبانى، الذى تفنن فى القمع وأساليب الاستعباد وإبادة السكان الاصليين. وظهر فى تلك الفترة ثوار عظام مثل بوليفار، وفرانسيسكو ميرندا، ورودريجيز، وكارينو، حتى تمكن الشعب الفنزويلى بقيادة هؤلاء الثوار، بعد حروب طاحنة، من التحرر من نير الاستعمار الأسبانى فى العام 1811، ولكى يتم تشكيل الجمهورية الأولى (1811-1812) والجمهورية الثانية (1813-1814) والجمهورية الثالثة (1817-1819) والجمهورية الرابعة(1819- 1830) ولكى يؤسس "هوجو تشافيز" بعد ما يقترب من المائتى عام، الجمهورية الخامسة.وإذ يخرج المستعمِر الاسبانى ظاهرياً من أراضى فنزويلا؛ فإنه يُبقى نائباً عنه، لكنه من الشعب الفنزويلى نفسه، إذ يتكون فى ركاب الاستعمار دومأً طبقة إجتماعية (والتى تولى الاستعمار تعليمها وتربيتها وأحسن رعايتها) ترتبط مصالحها بمصلحة المستعمِر، فتلك الطبقة تنشغل بالأساس بالحفاظ على الوضع الاجتماعى الاستعمارى الراهن والذى يصب فى صالحها، دونما أى إلتفات لباقى طبقات الشعب المستضعف فى الارض. إذ كرس الاستقلال فى بداية القرن التاسع عشر تحويل السلطة إلى أيدى الملاك العقاريين، والكمبرادورية، ثم إستمر التحويل وتدعيمه على أمتداد القرن مع تكثيف التبادل غير المتكافىء مع الامبراطورية البازغة بريطانيا العظمى . والذى ستترك الساحة بعد فترة تاريخية قصيرة لرأس المال الأمريكى. وعلى ذلك سيكون إنشغالنا بالتاريخ عبر المئة عام السابقة وذلك فى مرحلة أولى، ثم عبر القرون الثلاثة الماضية، فى مرحلة ثانية، كما سنرى فيما بعد.
جمهورية فنزويلا البوليفارية(3)
نسبة إلى"سيمون جوان فيسنتى دى بوليفار"، المولود فى فنزويلا فى 24/7/1783 لأحد الاسر الغنية المنتمية إلى العرق الاسبانى، تعلم على يد الثورى "كارينو". طالع مؤلفات "روسو" والالياذة والاوديسا، وسير العظماء، كما قرأ "لسيبونزا" ، و"جون لوك"، وعشق كتابات "فولتير"، "ومونتسكيو"، وأحب كثيراً رواية "دون كيشوت"، التى أعاد قرائتها فى الأسابيع الاخيرة من حياته. يمكن القول بأن مجرى حياته قد تغير تماماً بوفاة زوجته فى عام 1803 اثر حمى خبيثة أصابتها ولم يكن قد مضى على زواجهما عشرة أشهر. سافر"بوليفار" إلى أسبانيا وفرنسا، وشاهد تتويج "نابليون بونابرت"، كما سافر إلى إيطاليا وإنجلترا والقسطنطينية فى الفترة من 1799 حتى 1807، ولكى يعود إلى كاراكاس، حتى تشغل جهوده رقعة من العالم مترامية الاطراف؛ فقد قاد معاك عديدة فى فنزويلا، وبيرو، وتشيلى، وبوليفيا، والارجنتين فى سبيل التحرير من الحكم الاستعمارى الاسبانى. حيكت له الدسائس ودبرت له المؤامرات فى معظم عواصم أوروبا وبخاصة: لندن وباريس ومدريد. ويرى البعض، كوديع الضبع، أن هناك لطخة سوداء فى جبينه لن يغسلها الزمن، وهى تسليمه لصديقه وقائده "فرانسيسكو ميرندا" إلى الاعداء، كانت أولى إنتصاراته تحرير كولومبيا عام 1819، حيث صار رئيساً لها، ثم تحرير فنزويلا والاكوادور عام 1821. مات "سيمون بوليفار" يوم 17/12/1830، قبل تحقيق حلمه بتوحيد أمريكا اللاتينية، نُقل رفاته عام 1842 فى موكب مهيب إلى كاراكاس حيث أقيم ضريح لذكراه، وأقيم له فى سنة 1846 تمثالاً فى بوجوتا الكولومبية.
الجغرافيا
تقع فنزويلا التى إستقلت رسمياً عن أسبانيا فى 5/7/1811 فى الشمال من قارة أمريكا الجنوبية، يحدها شرقاً جياناً وغرباً كولومبيا وشمالاً تطل على البحر الكاريبى والمحيط الاطلنطى بواجهة بحرية تبلغ 1750 ميلا بحريا، ومن الجنوب البرازيل، وذلك على مساحة(912،150) كيلو متر مربع، وتنقسم فنزويلا، طبيعياً، إلى أربعة أقاليم متميزة، وتُسهم الجغرافية السياسية الخاصة بكل أقليم فى ترسيخ قواعد التشكيلات السكانية، ومظاهر النشاط الاقتصادى:
أولاً: إقليم جبال فنزويلا:
وتشكل هذه الجبال قوساً كبيراً من الاراضى المرتفعة فى الشمال تعرف بإسم المرتفعات الشمالية، وتُمثل هذه المرتفعات نحو 25% من المساحة الاجمالية لفنزويلا، كما يتركز فيها نحو 70% من السكان وبخاصة فى منطقة حوض فالنسيا ووادى كاراكاس. وتُعتبر الزراعة الحرفة الاساسية لسكان هذا الاقليم؛ على الرغم من الطفرة التاريخية التى لحقت بكاراكاس وماراكاى وفالنسيا، حيث يُزرع البن منذ عام 1876، وإنما إبتداءً من طلب السوق العالمى، على سفوح مرتفعات سيرانيفادا دى مريدا، ومرتفعات سيجوفيا، ويجمع الانتاج فى سان كريستوبال فى الجنوب. كما يُزرع الكاكاو، إبتداءً من طلب السوق العالمى كذلك، وبلا أى مشاركة حقيقية فى التجارة الدولية(إنتاج، تمويل، تسويق، توزيع، تصنيع) وعلى حساب إبادة الغابات المطيرة، كما يُزرع القطن وقصب السكر والتبغ.
(خريطة رقم 2)
خريطة توضح التضاريس والأقاليم الطبيعية فى فنزويلا
http://www.explore-yachts.com/charter/venezuela_map.htm
ويُمارس جزء من سكان هذا الاقليم حرفة الرعى. يضم الاقليم "كاراكاس" التى تقع فى الوادى الذى يحمل نفس الاسم على إرتفاع 3000 قدم فى حوض صغير يبلغ طوله حوالى 15 ميلا(يحتل سكان"مدن الصفيح" المنحدرات الشديدة التى تقع فى قلب كاراكاس، على حين يُمثل سكان الطبقة البورجوازية حاجزاً بين ضواحى طبقة كبار الرأسماليين وكبار الملاك العقاريين فى الشرق، وبين المساكن الحكومية فى المدينة القديمة) وعلى بعد 60 ميلاً من كاراكاس يقع حوض نهر فالنسيا الكبير الذى يضم مدينتين مهمتين: فالنسيا، وماراكاى، كأكبر مدينتين صناعيتين بعد كاراكاس العاصمة. ويعكس هذا الاقليم بشكل واضح جُل مظاهر تعميق الانفصال التاريخى بين الريف وبين المدينة، مع تكريس هيمنة نمط الانتاج الرأسمالى على الانتاج الزراعى من خلال وسائل إنتاج متخلفة تسهم بفاعلية فى تسرب القيمة الزائدة إلى خارج الوطن أثر التناقض ما بين معدلات إنتاجها وألياته، كما ذكرنا منذ البدء.
ثانياً: إقليم الاراضى المنخفضة :
ويشتمل الاراضى الواقعة حول خليج فنزويلا وإمتداده جنوباً حول بحيرة ماراكيبو، والسهل الساحلى الشمالى ودلتا نهر الاورنيكو، التى لا تكاد تنفصل عن حوض الأورنيكو ذاته نتيجة لإقتراب تلال اللانوس وهضبة جيانا من بعضيهما بحيث لا يوجد سوى فجوة ضيقة ينطلق منها النهر كى ينهى دورته فى مياه الكاريبى. ولقد أفضى الكشف النفطى إلى إعادة صياغة شكل الحياة الاجتماعية وعلاقاتها الجدلية، فبعد أن كان الاقليم فقيراً مهملاً قبل إكتشاف النفط عام 1917، فقد صارت سواحل بحيرته بل والبحيرة ذاتها بمثابة غابة من أبراج النفط(4) تنمو بصفة مستمرة. الأمر الذى إستصحب إدخال التعديل على الهياكل الاجتماعية للقرى المبعثرة، ذات الاقتصاد المعاشى، فى الاعم، بتحويلها إلى قرى نفطية. وتتركز حقول النفط على طول الشواطىء الشمالية الشرقية للبحيرة، مع وجود بعض الحقول فى الغرب والجنوب الغربى، وعلى طول الاراضى المنخفضة الساحلية لخليج فنزويلا.
ثالثاً: إقليم سهول الاورنيكو:
والتى تعرف باسم سهول اللانوس، ويشكل هذا الاقليم ثلث مساحة فنزويلا، وتحيط بهذه السهول المرتفعات الانديزية من الشمال ومن الغرب، وهضبة جيانا من الجنوب. ويُمثل الاقليم منطقة رعى رئيسية؛ حيث تُربىَ الماشية، التى تُمثل، تاريخياً، نشاطاً رئيسياً للسكان منذ أن أدخل الاسبان الماشية إلى هذا الاقليم مع بدايات الحركة الاستعمارية. وبفعل النمو غير المتوازن، كخصيصة رئيسية للرأسمالية، منذ الاندماج فى منظومة الفائض، فإن الاقليم يتسم بالخلخلة السكانية، حيث يعيش السكان فى مجموعات مبعثرة على جوانب النهر، من حول المراكز الرئيسية لكل من المزارع الحيوانية، ومناطق التعدين النامية. يُذكر أن "رافائيل راميريز"، وزير الطاقة كان قد صرح فى 13/4/2010، بأن فنزويلا ستستثمر 120 مليار دولار فى حزام أورنيكو النفطى شرقى البلاد على مدى السنوات السبع المقبلة، وقال "راميريز" إن إستثمارات واسعة النطاق فى الشرق سوف تجعل" من الممكن إنتاج ما يقرب من ثلاثة ملايين برميل يومياً فى منطقة حوض أورينوكو وحدها" . ووفقاً لتصريحات "راميريز" كذلك فأن الحكومة قد إستثمرت حتى الان نحو 80 مليار دولار فى المنطقة الشرقية، كما وافقت فنزويلا على عرض للتنقيب لتحالفين أحدهما بقيادة شركة شيفرون الأمريكية، ومجموعة أخرى تضم ريبسول الاسبانية، وبتروناس الماليزية، وشركة أو جى سى الهندية. وبتلك المثابة تكون فنزويلا، وعلى الرغم من إجراءات التأميم الشاملة، قد منحت أكبر إستثمارات فى قطاع النفط، فى عهد "تشافيز" لتحالف يضم شركات شركات أجنبية منها (شيفرون) الامريكية لتطوير حزام أورنيكو النفطى الذى يحتوى على إحتياطات هائلة. ولقد فازت شركة (ريبسول) وشركة (بتروناس) وثلاث شركات هندية بعرض كارابوبو(1) وهى منطقة واسعة، مع إحتياطات تقدر بنحو 235 مليار برميل من النفط الثقيل. فى حين تم الاتفاق مع (شيفرون) على إستغلال كارابوبو (3) مع (إمبكس) و (ميتسوبيشى) اليابانيتين، ولم يمنح حقل كارابوبو (2) لأى من الشركات. ولقد كان نصيب الشركة الوطنية الفنزويلية من كل تلك التعاقدات ما يفوق 2,5 مليار دولار.
رابعاً: إقليم هضبة جيانا:
وتحتل تلك الهضبة جنوب شرق فنزويلا إلى الجنوب من نهر الاورنيكو، وإذ ما إستثنينا إنتاج الذهب المحدود والذى يُعدن فى منطق الكالاو، وإذ ما إستثنينا كذلك الماس والذى يُعدن من التكوينات الرسوبية لوادى نهر كارونى، فإن الاقليم قليل الاهمية، ويُعتبر من أقل مناطق فنزويلا سكاناً وأكثرها تدهوراً. ويمكن القول بأن فنزويلا تعتمد إعتماداً كبيراً جداً على عائدات النفط التى بلغت فى بعض السنوات نحو 90 % من عائدات التصدير، وحوالى 50 % من إيرادات الميزانية الاتحادية، وحوالى 30 % من الناتج المحلى الاجمالى. وكان للاضراب الذى إستمر من ديسمبر 2002 وحتى 2003 عواقب إقتصادية بعيدة المدى، إذ إنخفض الناتج المحلى الاجمالى الحقيقى بنسبة حوالى 9 % فى عام 2002 و 8 % فى عام 2003 ، ولكن تعافى الناتج الاقتصادى بشدة منذ ذلك الحين. وقد ساعد الانفاق الحكومى بدافع من إرتفاع أسعار النفط، على زيادة الناتج المحلى الاجمالى 10 % فى عام 2006 ، و 8 % فى عام 2007 ، وما يقرب من 5 % فى عام 2008 ، قبل فترة الركود العالمى الذى أدى إلى الإنكماش فى عام 2009. والجدول التالى يوضح أهم البيانات، إلا أنه من الافضل، وقبل مطالعة الجدول، السماع إلى "جاليانو" وهو يحكى لنا حكاية فنزويلا بمنتهى البراعة:
حكاية فنزويلا
يقول إدواردو جاليانو :" . . . ومن فنزويلا تأتى نصف الارباح التى تجنيها رؤوس الاموال المستثمرة فى مجال النفط فى القارة، ويُمثل متوسط دخل الفرد أعلى معدل دخل للفرد فى أمريكا اللاتينية، وتمتلك أكمل وأحدث شبكة طرق، وبالنسبة لعدد السكان، ليس هناك بلد فى العالم يشرب كُل هذه الكمية من الويسكى الاسكتلندى . . . لقد إستخرجت الحفارات خلال نصف قرن، أرباحاً بترولية هائلة بحيث تعادل ضغف موارد خطة مارشال لتعمير أوروبا، ومنذ أن تفجرت أول بئر بترولية بشلالات من البترول، تضاعف عدد السكان ثلاث مرات وتضاعفت الميزانية القومية مائة مرة، لكن جزءً كبيراً من السكان، الذين يتنازعون فضلات الاقلية المسيطرة، لا يتغذى أفضل ما كان يفعل خلال الحقبة التى كانت تعتمد فيها على الكاكاو والبن. . . لقد كبرت كاراكاس، العاصمة، سبع مرات خلال ثلاثين عاما، المدينة البطريركية ذات الأفنية الرطبة، والميدان الرئيسى والكاتدرائية الصامتة، أخذت تنبت فيها ناطحات السحاب كلما نمت أبراج البترول فى بحيرة ماراكايبو، وهى الان كابوس ذو هواء مكيف، كابوس صاخب أسرع من الصوت، أحد مراكز ثقافة البترول التى تفضل الاستهلاك على الخلق. . . إن كاراكاس تنام بصعوبة، إذ لا يمكن إطفاء نهم الكسب والشراء والاستهلاك والإنفاق. نهم تملك كل شىء، ومن منحدرات التلال يتأمل الملايين من المنسيين، من عششهم الصفيح المكدسة بالقمامة، يتأملون تبديد الاخرين، وتبرق الالاف والألاف من السيارات من آخر طراز فى شوارع العاصمة الذهبية. كانت النشوة قد إنبعثت من سنوات طويلة، فحوالى عام 1917، كان البترول يوجد جنباً إلى جنب مع اللاتيفونديات القديمة، حيث يُراقب أصحاب الضياع إنتاج قوة العمل بجلد الأجراء ودفنهم أحياء حتى الخصر. . . . . وفى أواخر عام 1922. . . . هبت العاصفة البترولية . . . . . نبتت الحفارات والروافع فى بحيرة ماراكايبو . . . . . وتدفق الفلاحون وإستقروا فوق الارض التى تغلى بين الالواح وعلب الزيت . . . ورنت لهجات أوكلاهما وتكساس لأول مرة فى السهول والغابات، وفى لحظة ظهرت ثلاث وسبعون شركة، وكان مالك الكرنفال هو الديكتاتور جوميز. . . . . وحينما أُسقط خيمينيز عام 1958 كانت فنزويلا بئر بترول كبيرة تحيطها السجون وغرف التعذيب، وتستورد كل شىء من الولايات المتحدة : السيارات والثلاجات واللبن المركز والبيض والخس، والقوانين والمراسيم . . ." (5) النفط هو الازمة إذاً، وبوجه عام قامت شركات النفط الاحتكارية، بل وقبل تفجر النفط بعدة ممارسات فى جوهرها لا تختلف بشكل أو بآخر عن ممارساتها الطبيعية، إبتداءً من تدمير البيئة ونهب الارض، ومروراً بإستغلال قوة العمل على نحو عبودى، وإنتهاءً بفرض هيمنتها على مؤسسة الحكم بما يحقق مصالحها، ودوماً ما تكون الحكومات القمعية الديكتاتورية هى أنسب الحلفاء وأكثرهم إخلاصاً.
مجموعة من الجداول التجميعية توضح معالم الإقتصاد الفنزويلى
(جدول رقم 14)
الناتج المحلى الإجمالى
تعادل القوة الشرائية
معدل النمو الحقيقى
سعر الصرف الرسمى
للفرد بالألف دولار
بالبليون دولار 3493 -3,3 (أرقام 2009) 3373 13000
المصدر: تقارير وكالة الإستخبارات الأمريكية، مقارنة ببيانات البنك الدولى ومنظمات الأمم المتحدة.
الناتج المحلى الإجمالى حسب القطاع زراعة صناعة خدمات
% (أرقام 2009) 4 36,8 59,2
المصدر: تقارير وكالة الإستخبارات الأمريكية، مقارنة ببيانات البنك الدولى ومنظمات الأمم المتحدة.
القوى العاملة (4) زراعة صناعة خدمات
% (أرقام 1997) 13 23 64
المصدر: تقارير وكالة الإستخبارات الأمريكية، مقارنة ببيانات البنك الدولى ومنظمات الأمم المتحدة.
إجمالى القوى العاملة/ بالمليون معدل البطالة % (6) سكان يعيشون تحت خط الفقر
12,8 7,9 37,9
المصدر : تقارير وكالة الإستخبارات الأمريكية، مقارنة ببيانات البنك الدولى ومنظمات الأمم المتحدة.
الإستثمار % من الناتج الإجمالى الميزانية/ بالبليون دولار معدل التضخم (أسعار الإستهلاك)
22,1 الإيراد النفقة
6637 8647
27,1

المصدر : تقارير وكالة الإستخبارات الأمريكية، مقارنة ببيانات البنك الدولى ومنظمات الأمم المتحدة.
النفط الإنتاج الاستهلاك الصادرات الواردات الإحتياطيات
بالمليون برميل 2,472
2,61 740 ألف برميل/يوم
0,70 2,180
2,01 0
142,2 مليار برميل
87 بليون برميل
المصدر : تقارير وكالة الاستخبارات الأمريكية، مقارنة ببيانات البنك الدولى ومنظمات الامم المتحدة.
و الارقام الثانية فى كل خانة فمصدرها: مايكل كرير، دم ونفط، دار الساقى. بيروت.2011 ، بما يؤكد عدم الاعتداد بالرقم إلا على سبيل الاسترشاد
الغاز الطبيعى الانتاج الاستهلاك الصادرات الواردات الاحتياطيات
بالمليون متر مكعب 3,306
2,486 0 1,800 49,830
المصدر : تقارير وكالة الاستخبارات الأمريكية، مقارنة ببيانات البنك الدولى ومنظمات الامم المتحدة.
الصادرات بالبليون دولار (2010) الواردات بالبليون دولار (2010) الديون الخارجية بالبليون دولار
64,7 31,7 55,6

(خريطة رقم 3)
خريطة أهم المدن والمراكز الحضارية فى فنزويلا
http://www.explore-yachts.com/charter/venezuela_map.htm
بدأت الطفرة النفطية فى عام 1914، ومع ذلك يمكن القول بأن نشاط الحفر والتنقيب قد بدأ قبل ذلك بسبع سنوات كاملة. ففى أوائل القرن العشرين عندما أخذت شركات النفط فى التوسع على نطاق عالمى؛ بالتزامن مع صعود الاقتصاديات الرأسمالية الكبرى: الولايات المتحدة، وبريطانيا، والمانيا، وفرنسا، فقد إقتحمت شركاتا النفط: ستاندرد أويل كومبانى، وشركة النفط الهولندية الملكية، وهما من الشركات الاحتكارية دولية النشاط، ومن خلال كونسرتيوم شرعت الشركتان فى ترسيخ تواجدهما والعمل بدأب منذ 1907، ولم يأت عام 1964 حتى صارت هناك 64 شركة تنهب النفط وعمال النفط.
تاريخ ديكتاتورية النفط
ففى أغسطس 1905، أصدر الرئيس"كاسترو سيبريانو"، قانون التعدين الجديد، وبموجبه تم منح الشركات العاملة فى قطاع النفط إمتيازات لمدة خمسين عاماً، ومع توتر العلاقات فيما بين "كاسترو سيبريانو"، وبين القوى العظمى آنذاك وعلى رأسها الولايات المتحدة الامريكية، ومع وصول "خوان فيسنتى جوميز" الى السلطة عام 1908، فقد بدأت فترة تاريخية جديدة، هى فترة الحكم الديكتاتورى، التى إمتدت حتى 1935، ومن ثم بدأت حقبة ديكتاتورية النفط.
ففى عهد الحكم الديكتاتورى الذى حكم به "جوميز"، فنزويلا قرابة الثلاثين عاماً، تمتعت الشركات النفطية الاحتكارية(وعلى رأسها شركة شل، وشركة ستاندرد أويل أوف نيو جيرسى، إكسون فيما بعد) بنفوذ كبير، فشُرِعت القوانين إبتداءً من رغبة الكونسرتيوم الاحتكارى ومصالحه، دون أى إعتبار لمصالح الشعب المسحوق الذى أذاقه "جوميز" ضرائب وإتاوات لا تطاق. وفى عهد "فيسنتى جوميز" كذلك، عَرفت فنزويلا تدفقاً غير عادى من الاستثمارات الإجنبية (والامريكية على وجه التحديد) التى كان يجب عليها البحث عن المكان القريب والمناسب من أجل تفريغ التراكم الرأسمالى.
وكانت فنزويلا فى عهد الديكتاتور "جوميز" أفضل، وأقرب مكان يستقبل رأس المال الامبريالى، وبخاصة قطاع النفط، الذى صار قطاعاً مفتوحاً بلا قيود، لرأس المال الاحتكارى. وبحلول عام 1935، وفى 17 ديسمبر على وجه التحديد كان يجب على "لوبيز كونتريراس العازار" (1935-1941) كرئيس للدولة، خلفاً "لجوميز"، أن يواجه إضرابات شاملة فى أهم القطاعات وهى قطاع النفط، بالمطالبة بعلاقات تعاقدية أكثر عدلاً وأقل إستغلالاً. إذ تولى "العازر" حكم بلاد تغلى بعد أن أذاقها "جوميز" شتى صنوف القمع وطرائق القهر. وبإنتهاء الحرب العالمية الثانية كانت فنزويلا دولة بلا نفقات أو إيرادات، مُتجِهة إلى الافلاس، وهو الحال الذى تزامن مع قصف بيرل هاربور، الذى كان أحد المعاقل التى تتغذى على النفط الفنزويلى.

(خريطة رقم 4)
خريطة توضح الولايات التى تتكون منها جمهورية فنزويلا البوليفارية
http://www.explore-yachts.com/charter/venezuela_map.htm
إنقلابات بنكهة فنزويلية
ولم تمض فترة طويلة حتى يقود مجموعة من المدنيين والعسكريين(الاتحاد العسكرى الوطنى) فى 18 أكتوبر 1945، حركة من أعنف حركات التمرد ضد الحكومة، ويفلحوا فى تشكيل حكومة ثورية يرأسها "بيتانكور رومولو"، وعلى الرغم من عدم إستمرار هذه الحكومة لفترة طويلة إلا أن فترة حكمها شهدت مجموعة مهمة من الاجراءات الاصلاحية، فمن بين تلك الانجازات التى حققتها الحكومة الثورية فى هذه الفترة المضطربة فى تاريخ فنزويلا، إصلاح عملية إستغلال النفط فى عام 1945، وإنشاء شركة تنقيب وطنية، مع إعادة النظر فى اللوائح الانتخابية عام 1946، وصدور الدستور 1947. وبموجب المرسوم رقم 112 من 31 ديسمبر 1945 فقد تم إعادة النظر كذلك فى الضرائب المفروضة وبصفة خاصة على الدخول، وخفضها إلى الحدود التى تتماشى مع الاوضاع والاحوال الاقتصادية السائدة. إلا أن العام 1948 قد شهد الانقلاب على حكم "روملو" وإستعادة الحكومة السابقة للسلطه بقيادة "جاليجوس" 1948 والذى لم تر طموحاته النور، إذ كان يأمل فى مجموعة من الخطوات التنموية من تحسين الطرق والمواصلات ووضع خطط جديدة لتعظيم عوائد النفط، إذ قامت حكومة المجلس العسكرى بالانقلاب فى 24 نوفمبر 1948، وجاء الانقلاب بالكولونيل "ماركوس بيريز جيمينر" الى السلطة والذى مارس مهامه، فى النهب والقمع وإعتقال المعارضين، فعلياً إبتداءً من 1953 وظل فيها الى أن أُقصى عام 1958، بتولى "رومولو بيتانكور"الحكم إبتداءً من 1958، فى تلك الفترة بلغت مساحة الاراضى التى يتم فيها الحفر والتنقيب نحو 7% من إجمالى الأرض الفنزويلية، وكان للولايات المتحدة الامريكية نصيب العنقاء. وفى عهد تلك الحكومة التى لم تستمر إلى أكثر من 1963، تم إنشاء الشركة الوطنية للنفط. ولقد عاشت فنزويلا ردحاً من الزمن تحت الاحكام الديكتاتورية من عهد الاستقلال حتى نهاية الخمسينيات. وإتسمت الفترة التى أنتخب فيها مرشح حزب العمل الديمقراطى"رومولو بيتانكور" بالاستقرار السياسى وبداية عهد التعددية الحزبية فى فنزويلا. . . . . لقد تدفقت الاموال النفطية إلى البلاد، فخلال الفترة الواقعة بين عام 1973وعام 1983 فقط جنت فنزويلا من صادراتها النفطية أكثر من 150 مليار دولار، وهو رقم مذهل بالنسبة إلى بلد يبلغ عدد سكانه ستة عشر مليون نسمة، لكن على الرغم من الارتفاع الكبير الذى شهدته الاسعار فى سبعينات ومستهل ثمانينات القرن العشرين، لم تصل هذه الاموال إلى عامة الشعب.
ويمكن القول أن فنزويلا لم تخرج من قبضة الحاكم الفرد، إلا لتدخل فى عهد الهيمنة الحزبية، حيث سيطر على السلطة حزب العمل الديمقراطى(AD) والحزب الاجتماعى المسيحى (COPEI) لمدة أربعة عقود. وقد أسفرت إنتخابات عام 1983 عن فوز الدكتور "خاييم لوسانتشى" حيث أعلن أن الحكومة ستقود حرباً وطنية ضد الفساد ومعارضة أى تدخل أجنبى فى أمريكا الوسطى، بيد أن فترة "لوسانتشى" لم تكن سوى فترة طويلة من تصفية البلاد من إحتياطيها النقدى بعد أن غرقت فى الديون، ولم يكن لوسانتشى أفضل من سابقيه أو لاحقيه فى علاقته بالنفط والثروة والسلطة، إذ مارس ما تمارسه السلطة فى دول العالم الثالث من قمع وقهر ووأد حريات، ولم يصل إلى الشعب سوى فتات من ثروة النفط وإن وصلت تلك الفتات بالأساس. وفى ظل تلك الاوضاع التى تسير من سىء إلى أسوأ تم تنصيب الرئيس"كارلوس أندرياس بيريز"من حزب العمل الديمقراطى رئيساً للجمهورية، للفترة (1989-1994) خلفاً للرئيس "لوسانتشى" أملاً فى الاصلاح وتخليص البلد من أزمتها الطاحنة. بيد أن الفشل كان الحليف المقرب من "بيريز" كما كان غضب الفقراء الجوعى من شأنه إنهاء ولايته قبل موعدها القانونى؛ كى يأتى المخلص الجديد، على الاقل من وجهة نظر سكان مدن الصفيح. وأن ما كتبه "نعوم تشومسكى" بشأن فنزويلا أنما يركز على أهم عناصر الصورة، قبل أن ننتقل إلى حيث "تشافيز" كرئيس للبلاد، فإن "تشومسكى" يصف واقع الاستبداد والديكتاتورية فى فنزويلا، وبصفة خاص فى فترة ولاية كل من " خوان فيسنت جوميز"، و" بيريز خمينيز" واللتين تناغما مع فرض الولايات المتحدة لهيمنتها على الشرق الاوسط وأمريكا اللاتينية، إذ يقول تشومسكى، وبإسلوبه المعهود:" تمكنت الولايات المتحدة من تحقيق السيطرة على مجال الانتاج النفطى فى الشرق الأوسط، مع بقائها مسيطرة على نصف الكرة الغربى . . . ولقد كانت فنزويلا أبرز الامثلة، بموقعها كأكبر مصدر للنفط حتى عام 1970 قبل أن تحل السعودية وإيران محلها. . . وبعد الحرب العالمية الثانية ساندت الولايات المتحدة فى فنزويلا "خوان جوميز" الديكتاتور الفاسد الذى فتح أبواب فنزويلا على مصاريعها لشركات النفط الامريكية، وأعاق نظيرتها البريطانية تحت توجيه من واشنطن. وفى النظام العالمى الجديد الذى تلا الحرب العالمية الثانية، أحكمت صناعة النفط الامريكية سيطرتها على إقتصاد فنزويلا. وكانت العلاقة فى تلك الفترة وثيقة الصلة، كما كانت الارباح التى جنتها الشركات الامريكية مرضية، وبصفة خاصة خلال فترة حكم الديكتاتور"بيريز خيمينيز" بين عامى 1949-1958، وذلك حين نافس "خيمينيز" "جوميز"فى الوحشية والنهب وحصل من الرئيس أيزنهاور على وسام الاستحقاق تقديراً لسياسته الحكيمة فى الشئون الاقتصادية والمالية بما سهل من إنتشار الاستثمار الاجنبى، وتقديراً لما قامت به إدارته من عمل دءوب لـ "رفاهية فنزويلا وتطوير مواردها الاقتصادية الهائلة" لكن ما لم يشر إليه أيزنهاور تلك الارباح الهائلة التى جنتها الشركات الامريكية، بما فيها شركات الصلب وغيرها. لقد جاءت نصف أرباح شركة ستاندرد أويل أوف نيو جيرسى من الحقول الفنزويلية. وإتبعت إدارة كيندى فى أمريكا اللاتينية سياسة قائمة على تقديم الدعم للجيش لسحق القوى العمالية والشعبية. . . ." (7)
تشافيز رئيساً للجمهورية البوليفارية
وفيما يلى نسرد بوجه عام أهم الاحداث المرتبطة برئاسة "تشافيز" للجمهورية البوليفارية إبتداءً من 1992، ففى 1992 قامت مجموعة من العسكريين يقودهم "هوجو تشافيز" بمحاولة إنقلاب فاشلة، وأُلقى القبض على "تشافيز" وأُدخل السجن، وفى عام 1994 خرج "تشافيز" من السجن، كما سنرى بعد قليل، بعد أن تولى "رافائيل كالديرا" السلطة.
1- وفى عام 1997 ترأس "تشافيز" حزب حركة الجمهورية الخامسة الذى أسسه "لويس ماكالينا" حيث تسلم وزارة الداخلية ثم تحول بعدها إلى المعارضة بسبب بعض الخلافات مع رأس الحكم فى الدولة.
2- ومن زاوية ما فلقد كان سجن "تشافيز" فرصة جيدة له كى يُقدم نفسه كثائر شعبى بوليفارى، الامر الذى أدى فى المنتهى إلى أن يحظى "تشافيز" بمساندة هائلة من التيارات اليسارية والطبقات الفقيرة. فى الوقت نفسه الذى ركز الاعلام العالمى الضوء الساطع على ذلك الرجل الثورى الخارج من بين صفوف الشعب، وربما يعيد أمجاد قادة عظام أنجبتهم القارة اللاتينية.
3- لقد أمضى "تشافيز"، بعد خروجه من السجن، عدة سنوات يجوب البلد طولاً وعرضاً، فى مهمة يمكن القول بأنه لم يكن حتى هو متأكداً من غايتها النهائية، معتمداً على أصدقائه ومناصريه، وفى تلك الاثناء خف، ظاهرياً، بريق "هوجو" الاعلامى، إذ فقدت وسائل الاعلام إهتمامها به، بيد أن "هوجو" لم يكن ساكناً أو متوقفة تحركاته الثورية بين مؤيديه. لقد كان "تشافيز" فى الواقع، يُخطط فى الخفاء لمحاولة إنقلابية أخرى فى فنزويلا؛ والتى كانت الولايات المتحدة، ومَن يدور فى فلكها، آنذاك، تَعتبرها دولة ديموقراطية نموذجية، بإعتبارها جزيرة مستقرة خلال حقبة الستينات والسبعينات والثمانينات من القرن الماضى فى وقت كانت الحروب الاهلية، والانظمة السياسية الديكتاتورية وحروب الابادة هى السمات المميزة لتلك الحقبة؛ بيد أن "تشافيز" كان له رأى مختلف تماماً، فقد كان مقتنعاً بأن تلك الديموقراطية النموذجية لم تكن فى الحقيقة سوى ديموقراطية مزيفة تُهيمن عليها طبقة حاكمة فاسدة لن تسمح لشخص ثورى مثله بالوصول إلى السلطة عبر الانتخابات، ولذا لا مناص من الانقلاب من أجل خلاص هذا الشعب ومن أجل إعادة توزيع الثروة التى تركزت فى يد النُخب الحاكمة.
4- بيد أن هوجو، غيَّر رأيه فى العام 1997، بعد فوز زميله فى قيادة الانقلاب السابق وزميل السجن"فرانشيسكو أرياس كارديناس" بمنصب المحافظ فى ولاية زوليا الغنية بالنفط، فشرع فى الاعداد لحملة تقوده إلى مقعد الرئاسة، وكانت معظم التوقعات و تقارير إستطلاع الرأى، تكشف عن ضعف موقف "تشافيز" ؛ فهو أولاً: قائد الانقلاب الفاشل، ثم أن، ثانياً، معظم الاهتمام كان منصباً على منافسته، الشقراء الفاتنة، ملكة جمال العالم السابقة، آيرينى ساييز، ولكونها رئيسة بلدية ناجحة فى العاصمة الثرية، كاراكاس، فقد تصدرت إستطلاعات الرأى. بيد أن نسب النجاح بين الحسناء والوحش، كما أطلق فى فنزويلا على الصراع الدائر بين "إيرينى" وبين "تشافيز" تغيرت كثيراً عندما كشفت تصريحات ملكة جمال العالم عن خواء فكرى عميق إستشعر معه الشعب القلق على مستقبله فى يد الملكة الشقراء، فأن تحكم ولاية ربما، أما أن تحكم البلاد فهو الامر الذى ينبغى إعادة التفكير فيه، فى الوقت نفسه كانت خطب منافسها الثورى"هوجو تشافيز" تلهب مشاعر الملايين المعدمين المهمشين من قاطنى مدن الاكواخ والصفيح، والغاضبين بسبب الفجوة غير الانسانية على الإطلاق بين الفقراء وبين الأغنياء.
5- وفى عام 1998 خاض "تشافيز" الانتخابات الرئاسية مركزاً فى جميع خطبه إلى الشعب على هدفه الاساسى وهو إعادة توزيع ثروات البلاد والتى كانت نهباً لقلة حاكمة ترتبط مصالحها بالرأسمالية العالمية على حساب ملايين الفنزويليين الفقراء والجوعى، ولم يكن إعلان "تشافيز" عن هدفه ذلك بإستخدام النبرة المعهودة لدى الشعب من قبل من حكموهم، وإنما إستخدم أسلوباً نارياً ألهب حماسة الناخبين خاصة الطبقات الفقيرة والعاملة، فحصل على نسبة 2ر56%من الأصوات، مقابل 40% "لآيرينى ساييز"، وبذلك ظهر "هوجو" على الساحة من جديد منهياً بذلك هيمنة دامت ثلاثين عاماً لحزب العمل الديمقراطى(AD) والحزب الاجتماعى المسيحى(COPEI) ولكى يقوم "تشافيز" بتأدية اليمين الدستورية رئيساً للجمهورية البوليفارية فى فبراير/شباط عام 1999.
6- بدأ "هوجو تشافيز" رئاسته بمحاولة السيطرة على شركة النفط الحكومية العملاقة، بتروليوس دى فنزويلا، التى وصفها بأنها" دولة مستقلة بداخل الدولة"،كما ذكرنا، تخدم مصالح النُخب الحاكمة والثرية. كما لعب "تشافيز" دوراً ريادياً فى إعادة إحياء منظمة الدول المصدرة للنفط(أوبك) الميتة إكلينيكياً، وذلك من خلال إستضافة أول قمة لقادة دول "الاوبك" خلال خمسة وعشرين عاماً. وبفضل مساعدته فى رفع أسعار النفط العالمية من أدنى مستوياتها، عندما تولى الرئاسة، إلى مستويات قياسية، رفع "تشافيز" الدخل القومى الفنزويلى من 14 مليار دولار فى 1998 إلى 40 مليار دولار فى 2006.
7- وفى سنة رئاسته الاولى، دعا "تشافيز" لعقد إجتماع دستورى وساعد بنفسه فى إعادة كتابة الدستور، والذى سيصوت عليه 72% بالموافقة مقابل 28% بالرفض.وفى نفس اليوم، يوم الإستفتاء، أدت موجه هائلة من الاعاصير الجارفة، والعواصف الجامحة إلى مسح مئات القرى المنتشرة فى المنحدرات الجبلية الكاريبية من على الخريطة، دافنة معها آلاف الفنزويليين(الأكثر فقراً ومرضاً وجوعاً) ولقد عُدت تلك الكارثة من أكبر الكوارث الطبيعية التى حدثت فى فنزويلا خلال مئة عام على الاقل. إلا أن "تشافيز" ظهر للشعب وللعالم كله كرئيس دولة وطنى وواحد من ملايين الجماهير التى أتت به كى يحكمها؛ فقد أمر الرئيس"تشافيز" بفتح أبواب "ميرا فلوريس" أمام بعض المنكوبين وإستضافتهم فى حديقة القصر وحجراته، فى سابقة لم تحدث على الاطلاق فى أى دولة من دول العالم الحديث على الأقل.
8- وفى عام 2000 جرت إنتخابات الجمعية الوطنية، وإختار "تشافيز" أن يطرح نفسه لإنتخاب جديد مرافق لتلك الإنتخابات، لتأكيد شعبيته، ومن ثم ترسيخ وجوده كرئيس شرعى مُُنتََخب ديموقراطياً، فأحرز 60% من الاصوات لمصلحته وتمت إعادة إنتخابه. وفى أبريل/ نيسان 2002 وقع الانقلاب الفاشل الذى رتبته طبقة رجال الاعمال وزعماء النقابات العمالية القدامى الذين فقدوا إمتيازاتهم بسقوط الاحزاب السياسية المرتبطة بالخارج، إلا أن هذا الانقلاب لم يدم أكثر من 48 ساعة، كما رأينا.
9- وفى عام 2004 نشأت أزمة إفتعلتها المعارضة وإستطاعت بسببها، ووفقاً للدستور، إجراء إستفتاءً رئاسى، بيد أن النتيجة كانت أن صوّت 59% من الناخبين لمصلحة بقاء "تشافيز" فى السلطة.
10- وبتاريخ 3/12/2006 جرت إنتخابات رئاسية فى فنزويلا، حيث فاز "تشافيز" مجدداً بمنصب رئيس الجمهورية، وعقب فوزه بالانتخابات أعلن حل حزب حركة الجمهورية الخامسة وتأسيس الحزب الاشتراكى الفنزويلى الموحد الذى سيقوم بتطبيق نظام إجتماعى قائم على المساواة والعدالة الاجتماعية فى إطار نظام إشتراكى خاص بالفنزويليين ويتناسب مع متطلباتهم فى القرن الحادى والعشرين، وأكد "تشافيز" على حرية إنضمام الاحزاب الموالية له إلى الحزب الاشتراكى الجديد.
11- وبتاريخ 8/1/2007 أدى الرئيس "تشافيز"القسم، وأعلن عن عدد من الاصلاحات الاقتصادية والسياسية ضمن حملة التطهير التى يقوم بها ولاسيما بعد تأكيده على تحطيم الدولة البورجوازية.
12- وبتاريخ 9/1/2007 قرر "تشافيز" تشكيل حكومة فنزويلية جديدة مع تغيير أسماء كافة الوزارات الفنزويلية، مضيفاً عبارة السلطة الشعبية إلى عبارة الوزارة. فمن هو الرئيس "هوجو تشافيز"؟ المبحث التالى ينشغل بالاجابة على هذا السؤال.
المبحث الثانى: مَن هو تشافيز؟(8)
الجدة روزا
وُلد " هوجو تشافيز" فى 28يوليو (تموز) 1954 فى الكوخ الطينى الذى تسكن فيه جدته "روزا إنياس تشافيز"، والتى إنفصلت عن زوجها قبل موته، ويقع كوخ "روزا" فى واحدة من مئات القرى الريفية الفقيرة المعدَمة، فى بلد يسبح فى بحيرة من النفط.
وُلِد "تشافيز"فى هذا الكوخ الذى يقع فى قرية سابانيتا التابعة لولاية باريناس، وهى قرية منسية بكل المعايير والمقاييس يعيش فيها نحو ألف إنسان، ويقطعها بضع طرقات ترابية، لم يكن أمام السكان سوى رشها بالماء فى فصل الصيف إتقاءً لعواصفها، أما فى الشتاء فكانت بحوراً من الاوحال. فالقرية التى ولد "تشافيز" وعاش فيها، إنما تعكس وبشكل صارخ جميع مظاهر التخلف الاجتماعى والاقتصادى، ونسيان النُخب فى كاراكاس لهؤلاء الفقراء المهمشين والمنبوذين فى الأطراف.
وتقع قرية سابانيتا فى إقليم اللانوس، وهى منطقة شاسعة من المستنقعات المعشوشبة التى تعيش فيها أعداد قليلة ومتناثرة من السكان، وهى بحال أو بآخر منطقة نائية وفقيرة ومتخلفة، محاذية للحدود الكولومبية، وتشغل تقريباً ثلث مساحة فنزويلا. وقد سبق وان ذكرنا أن هذا الاقليم(فضلاً راجع الخريطة) هو بالاساس منطقة تتخصص فى الرعى بصفة رئيسية؛ حيث تربى الماشية، التى تمثل، تاريخياً، نشاطاً رئيسياً للسكان منذ أن أدخل الاسبان الماشية إلى هذا الاقليم مع بدايات الحركة الاستعمارية. وبفعل النمو غير المتوازن، كخصيصة رئيسية للرأسمالية، منذ الاندماج فى منظومة الفائض، فإن الاقليم يتسم، كما ذكرنا، بالخلخلة السكانية، حيث يعيش السكان فى مجموعات مبعثرة على جوانب النهر، من حول المراكز الرئيسية لكل من المزارع الحيوانية، ومناطق التعدين النامية.
أما والدا "تشافيز"، "هوجو دى رييز تشافيز"، و"إيلينا فرياس دى تشافيز"، اللذان يعملان كمدرسين، فقد كانا يعيشان فى قرية تدعى لوس راستروجوس، وهى لا تقل حرماناً وفقراً من سابانيتا؛ بما يعنى أن وجود أطباء ومستشفيات فى حكم النادر المستحيل، مما جعل إيلينا، حينما كانت على وشك الولادة، تقطع مسافة غير هينة إلى سابانيتا، فهناك على الأقل توجد الجدة روزا، ومن الممكن العثور على قابلة تساعد إيلينا على ولادة طفلها، وبالفعل أنجبت إيلينا، "أدان"، ومن بعده "هوجو"، ولم يكن من غير المألوف، بل كان من الطبيعى، آنذاك أن يُعهد بالاولاد الأكبر سناً فى العائلات الفقيرة إلى أجدادهم للمساعدة فى تربيتهم ورعايتهم، وبما أن "روزا إنياس" هجرها زوجها منذ فترة طويلة، كما ذكرنا، فإنها كانت تملك الوقت كله والحب الامومى لمنحهما لحفيديها. على حد قول "تشافيز".
كانت الجدة، والتى ستحتضن "هوجو"، و"أدان" وتمنحهما كل الحب والرعاية قدر طاقتها، تعيش بمفردها فى كوخ بسيط للغاية، فاقداً لأبسط وسائل المعيشة، فلا كهرباء، ولا ماء، ولا مرافق، . . . وحالها كان نفس حال كل الاكواخ المنتشرة فى مثل تلك المنطقة البائسة.
تعلق الولدان بجدتهما "روزا" تعلقاً شديداً، للدرجة التى لم يستشعر "تشافيز" فى يوم ما أنه قد تربى بعيداً عن أمه أو أنه فى حاجة إليها، إذ كانت "روزا" بالنسبة له ولأخيه بمثابة أسرة بأكملها.
هوجو والحذاء المهترىء
وثمة واقعة مهمة فى تاريخ حياة الرئيس، وهو الذى يحكيها، إذ فى اليوم الاول "لهوجو" فى مدرسة "جوليان بينو" الابتدائية التى تقع فى نهاية الشارع الذى يضم منزلهم، دخل "هوجو" منتعلاً حذاءً مهترئاً، الامر الذى أثار سخرية معظم التلاميذ الاخرين الذين كانوا ينتعلون الاحذية. فعاد "هوجو" إلى الكوخ والدموع تنهمر من عينيه دافعاً "روزا" للبكاء بحرقة هى الاخرى من شدة إحساسها بالذل والاحباط. لكنها لم تستسلم، كما قال"تشافيز" بل بذلت جهدها إلى أن تمكنت بمساعدة الاصدقاء من جمع المال الكافى لشراء حذاء جديد "لهوجو". الواقعة لا تشير فقط إلى تكوين ذهن وروح "تشافيز" على نحو يفهم ويشعر بالفقراء، وما أكثرهم فى بلاده، وإنما تشير الواقعة كذلك إلى المناخ الاجتماعى والاقتصادى العام الذى كان، ولم يزل، يخيم على الاطراف المتخلفة المهجورة والمعزولة.
وبسبب ضيق ذات اليد وشح المال كانت "روزا" مضطرة إلى العمل وهى فى ذلك مضطرة للاعتماد على الصبيين "هوجو" و"أدان"من أجل الانفاق على المنزل؛ فلجأت "روزا" إلى بيع بعض أنواع الحلوى التى تصنعها بتفسها وكذلك بعض أنواع الفاكهة الاستوائية التى كانت تزرع البعض منها، وكانت حلوى العناكب المغطاه بالسكر (Aranas) منتجها المميز، حيث كانت تعدها بتقطيع فاكهة البابايا إلى شرائح رقيقة ثم تطهوها فى مقلاة وبعد ذلك تغطيها بالسكر، وفى النهاية تشكلها على شكل عناكب. وهذا ما حكاه "تشافيز" بنفسه فى أحدى حلقات برنامجه "ألو يا ريس".
وكان "هوجو" يأخذ علبة من منتجات "روزا"، المشهورة، يومياً إلى المدرسة ليبيعها لزملائه خلال فترات الاستراحة، وبعد المدرسة وفى عطل نهاية الاسبوع كان يجول القرية ويبيعها للسكان، لقد تركت تلك السنوات، دون أدنى شك، أثراً لا يُمحى فى نفس "تشافيز". على حد تعبير "تشافيز"
ومن الملفت للنظر فى سيرة"تشافيز" ولعه بالفن، وعلى وجه الدقة فن الرسم والشعر، وظل على حبه للشعر تحديداً حتى بعد أن صار رئيساً للبلاد، فحينما ماتت الجدة "روزا" وهى التى أحسنت تربيته وتعليمه وبصفة خاصة تعليمه تاريخ الثوار الاوائل فى فنزويلا والقارة اللاتينية بوجه عام ، مثل "بوليفار" و"زامورا" و"ردريجيز"، و"فرانسيسكو دى ميرندا" وغيرهم من الثوار الذين كانت سيرهم وأمجادهم محل الحكى الدائم من الجدة "روزا". نقول حينما ماتت "روزا" نعاها "تشافيز" كما ذكر "بارت جونز" بأبيات شعرية تقول:
ربما فى يوم ما
يا جدتى العزيزة
سوف أوجه خطاى
نحو قبرك
عندئذ فقط
فى نهاية حياتى
يا أمى روزا
سأصل إلى القبر
وسأرويه بالدماء والدموع
وسأجد الراحة
فى حبك الامومى
وسأخبرك عن خيبات أملى
بين الاحياء
وبعدها
سوف تفتحين ذراعيك
وتعانقينى
مثلما كنت تفعلين عندما كنت طفلاً
وستعيدين السكينة إلىّ
بأغنيتك العذبة
وستأخذينى
لأماكن أخرى
كى أطلق صرخة لا تتوقف.
لولا البسبول ما كان تشافيز
ومثل الكثيرين من أطفال القرية البائسة، كان"هوجو"مولعاً بكرة القاعدة(البيسبول) ولم يكن أما "تشافيز" وأقرانه سوى إستخدام الاخشاب كعصى لضرب الكرة والتى عادة ما كانوا يصنعونها بأيديهم، فلم يكن وحتى الأن "أديدس" أو "بوما" أو "نيكى. . . . " وكرة القاعدة أو البيسبول هى الرياضة التى قدمت إلى فنزويلا، فى العشرينات من القرن الماضى، مع عمال النفط الامريكيين، الذين تدفقوا مع أول تدفق لأول أبار النفط الكبيرة. ومع هذا الولع بتلك الرياضة الذى إنتاب "تشافيز" فقد كانت المشكلة تكمن فى أنه من الصعب إن لم يكن من المستحيل إعلانه عن موهبته فى تلك الرياضة وهو فى قاع المجتمع المهمش والمنبوذ، إذ كان بحاجة إلى التواجد فى مكان الضوء. كاراكاس. كى يُعلن عن نفسه، ولذلك ومع إقتراب نهاية دراسته الثانوية فكر فى الانضمام إلى أخيه"آدان" فى جامعة الانديز فى ميريدا؛ ربما يستطيع من خلالها العبور إلى كاراكاس، لكنه وكما يقول "تشافيز" أسقط الفكرة من رأسه حينما علم أن ميريدا ليس لديها فريقاً للبيسبول يمكنه الانضمام إليه. ووجد أن بإمكانه بلوغ هدفه بالذهاب إلى حيث الضوء. العاصمة. كاراكاس. ولن يكن أمامه سوى الالتحاق بالاكاديمية العسكرية، وكل ذلك من أجل البيسبول!!
وعلى الرغم من أن"تشافيز" لم يكن من المهتمين بالجيش الاهتمام الذى يجعله يستكمل دراسته بالإنضمام إلى الاكاديمية العسكرية، كما ذهب إلى ذلك "بارت جونز" وهو واحد من أهم محللى سيرة الرئيس، إلا أن الاكاديمية فى كاراكاس. وكاراكاس لديها فريق من أهم الفرق فى تلك الرياضة، وهذا الفريق يتولى تدريبه وإدارته مجموعة من أعظم اللاعبين خلال تاريخ اللعبة فى فنزويلا، فلا بأس، كما حدّث "تشافيز" نفسه، من الانضمام إلى الاكاديمية لعام أو لعامين، كى يستطيع تحقيق حلمه بأن يكون لاعباً للبيسبول، تلك اللعبة التى عشقها وأحبها إلى حد الهوس!!
الاكاديمية العسكرية وخطة بيللو
تزامن دخول "هوجو" إلى الاكاديمية العسكرية مع تحولات جذرية كان هدفها تطوير الاكاديمية على نحو يؤدى إلى تخريج ضباط أكثر ثقافة وإنسانية، فقد تصادف دخول"هوجو تشافيز"إلى الاكاديمية العسكرية فى 1971، وهو فى سن السابعة عشرة، مع إعادة هيكلة جذرية للمدرسة على يد مجموعة من الضباط الوطنيين، الذين أرادوا إعادة النظر فى كل ما يدرس للطلبة، وتوسعة حدود المعرفة الانسانية، والعلوم الاجتماعية التى لم تكن فى يوم من الايام محل دراسة فى أى فرقة من فرق الدراسة بالأكاديمية، إذ إقتصرت المناهج على العلوم العسكرية ليس إلا، الأمر الذى يجعلنا نقول أن تلك التغيرات كانت بمثابة ثورة تعليمية فى المؤسسة المسئولة عن تخريج ضباط القوات المسلحة فى فنزويلا، وهم ،كما رأينا، من أصحاب الأدوار الرئيسية فى الانقلابات والاطاحة بالحكام.
أُطلق على برنامج إعادة هيكلة الاكاديمية العسكرية إسم خطة"أندرياس بيللو" تفاؤلاً بإسم أحد الشعراء الفنزويليين والذى عاش فى القرن التاسع عشر. وهكذا، ولأول مرة فى تاريخ الاكاديمية العسكرية الفنزويلية، سوف يقوم الطلاب بدراسة فروع العلوم الانسانية المختلفة من عِلم الاجتماع إلى عِلم السياسة إلى عِلم الاقتصاد، إلى عِلم التاريخ العام والفنزويلى، إلى عِلم القانون .... إلخ ، وأصبح من الضرورى أيضاً أن يقوم الطلبة كذلك بدراسة متعمقة لبيان الحزب الشيوعى، ومعظم المؤلفات الماركسية، بالتأكيد ليس رغبة فى تعليم الطلاب مبادىء الشيوعية. وإنما لمكافحتها بعد أن باتت خطراً يُهدد عروش العديد من الانظمة الحاكمة فى أمريكا اللاتينية والتى أصبحت تُعانى من المد الشيوعى فى تلك الفترة من ستينات وسبعينات القرن الماضى. بل يمكن القول بأن الهدف الرئيسى المبتغى من وراء إعادة هيكلة الاكاديمية العسكرية هو التصدى للحركات الشيوعية ليس بالقمع وهو السائد فحسب وإنما المجابهة بالفكر وإعادة صياغة وعى الجيش على نحو باغض ورافض للشيوعية وكل ما يتماس معها، إلا أن الامر قد جاء مع"تشافيز" على نحو مختلف تمام الاختلاف مع هدف إعادة الهيكلة؛ فبداخل "تشافيز" ثورى صنعته، وربما من غير أن تدرى أو تقصد، الجدة "روزا" فلقد ربت "تشافيز" على حكايات الابطال المحررين والذين دافعوا عن الوطن ضد الغزاة والبغاة ومن أرادوا نهب ثروات البلاد، وكانت الشيوعية كما تلقاها صغيراً هى الأخرى على يد مجموعة من الماركسيين فى "سابانيتا" أقرب ما تكون إلى تنظير لما سمعه من الجدة "روزا"
بدء "تشافيز" ينجذب إلى الاكاديمية وأخذ يعد نفسه للحياة العسكرية بعد التخرج حينما يصير ضابطاً فى الجيش، وبالفعل تخرج من الاكاديمية فى 1975، وكان ترتيبه السابع على دفعته المكونة من 375 طالباً، وأخذ حبه للحياة العسكرية يزداد يوماً بعد يوم، إلا إن أنه لم ينس حبه الاول للبيسبول، بيد أن الاحداث كانت أصعب من أن تترك له حرية الاستمتاع بمعشوقته، فبدأ الحس الثورى يرشده فى تصرفاته بداخل المؤسسة العسكرية، وفى الوقت الذى كان فيه يشرع فى إثبات وجوده بداخل المؤسسة العسكرية كانت الطبقة الغنية المرتبطة بجنرالات النفط والمتمتعين بحماية مؤسسة الحكم تمارس، كالعادة، أعمال النهب الرسمى المنظم لموارد البلاد من النفط، وفى نفس الوقت الذى أعلن فيه الشعب حركة تمرد هائلة كان "تشافيز" يقوم،والذى كان من المفترض أن يتصدى لتلك الحركة بصفته المهنية، بتأسيس حركة عسكرية سرية أطلق عليها جيش تحرير الشعب الفنزويلى (ELPV)
ومن هنا أخذ "تشافيز" يدعم حركته الجديدة ليس بداخل المؤسسة العسكرية فقط وإنما على صعيد المجتمع المدنى، وقام بتكوين علاقات قوية وواسعة مع مجموعة من الاحزاب الشيوعية والراديكالية، وإننى أعتقد أن تكوين "تشافيز" لتلك الحركة. حركة جيش تحرير الشعب الفنزويلى، راجعة إلى أن "تشافيز" قد أصبح فى ضيق شديد من هذا التناقض الذى يعيشه، فنشأته البائسة وما غرسته فيه الجدة "روزا" وإحساسه بالفقر وإنه ينتمى، بحكم تلك النشأة، إلى هؤلاء الملايين من المنسيين، وفى نفس الوقت فهو ينتمى، بحكم مهنته، إلى تلك المؤسسة العسكرية المنوط بها القضاء على تلك الحركات التمردية، الامر الذى يعنى ببساطة قتل الشعب الذى هو أحد أفراده التعساء. فلذا كان من الطبيعى،برأيى، أن يبدأ "تشافيز" هو نفسه بالتمرد على الوضع القائم، فأخذ فى تكوين الخلايا الانقلابية السرية بدءً بجيش تحرير المجتمع الفنزويلى، ومروراً بالحركة الثورية البوليفارية، وإنتهاءً بحركة الجمهورية الخامسة، حينما باتت الامور تشير إلى إمكانية المنافسة غير العسكرية على السلطة.
تلك، وبإختصار، سيرة "هوجو تشافيز" الحاكم لفنزويلا البوليفارية الغنية بالنفط. فماذا عن النفط؟ كما هو واضح من إستعراضنا السابق هو محور جميع الازمات والانقلابات والاضرابات، فهو مصدر ثروة منهوبة، وسبب الانخراط المهلك لملايين البشر فى منظمة الرأسمالية العالمية التى تتغلغل فى فنزويلا من خلال شركاتها وأفكارها وتقنيتها ورجالها وخبرائها وألاتها ومعداتها كى تُشكل المجتمع على نحو يؤجج الصراعات الطبقية ما بين البرجوازية فى قصور كاراكاس وبين سكان الصفيح فى الهوامش والاطراف والضواحى. والنفط لا يتوقف عند حدود كونه ثروة منهوبة من قبل النُخب فحسب، وإنما يتجاوز ذلك كى يُمارس دوراً مفصلياً فى إعادة إنتاج التخلف، فكما ذكرنا ونكرر أن فنزويلا حالها حال جُل البلدان الريعية لا تسهم فى أى مرحلة من مراحل الانتاج والتسويق والتوزيع، وكل ما فى الامر هو الحصول على عائدات البيع ليس أكثر من ذلك، ولن يُمثل الامر أزمة واضحة إلا إذ ما كان الريع فى تناقضه مع الربح محل نزاع ما بين المؤسسة الحاكمة وبين الشركة المسيطرة، وهو الحال فى الفنزويلى، بعكس ما هو كائن فى الخليج النفطى إذ لا يُمكن الفصل ما بين أصحاب الريع وبين أصحاب الربح، ولذا كان من الطبيعى وفقاً لقواعد الجدل تفجر الصراع حول تلك السلعة فى فنزويلا، وخموله فى الخليج، الامر الذى يقودنا كى نذهب للتعرف على تلك السلعة ومناقشة الصراع الدائر بشأنها على الصعيد العالمى، وهذا ما سوف نراه فى المبحث التالى والذى فيه ننشغل بسلعة الصراع وما حولها.
المبحث الثالث : سلعة الصراع وما حولها
النفط(9) أو البترول(كلمة مشتقة من الاصل اللاتينى "بيترا" والذى يعنى صخر و"أوليوم" والتى تعنى زيت) ويُطلق عليه أيضا الزيت الخام، كما أن له إسم دارج هو: "الذهب الاسود" وهو عبارة عن سائل كثيف، قابل للاشتعال، بنى غامق أو بنى مخضر، يوجد فى الطبقة العليا من القشرة الارضية. وهو مصدر هام جداً من مصادر الطاقة الأولية، وهو المادة الخام للعديد من المنتجات الكيماوية، بما فيها الاسمدة، والمبيدات، واللدائن وكثير مِن الادوات البلاستيكية والرقائق والانابيب والاقمشة والنايلون والحرير الاصطناعى والجلود. والمسلم به بوجه عام، لدى علماء النفط، أن جميع أنواع النفط من أصل عضوى، على إنها يمكن نظرياً أن تتكون من تفاعلات لبعض المعادن، وقد بُنى هذا الافتراض على نتائج مختبرية قد بينت أن المواد العضوية من نباتية وحيوانية تستطيع بمعالجة ملائمة أن تعطى المادة الاولية للنفط، كما إن التحليل الطيفى يكشف فى أكثر أنواع النفط عن وجود برفرينات، وهى مواد مشتقة من اليخضور (الكلوروفيل) فهى مواد إذاً على هذا النحو من أصل عضوى صرف. ففى الطبيعة، خلال تاريخ الارض الطويل، حصلت إنطلاقاً من علق البحر وهو كتلة من الجسيمات البحرية المجهرية، حيوانية ونباتية، التفاعلات التى أفضت إلى تكون النفط. وقد ترسب ذلك العلق فى أعماق المياه وتحول تحت تأثير بكتريات، إلى وحول عفنة سميت " فحم أشى" بعد تفاعلات معقدة من التصبين أو التكثييف، تحولت بعد ذلك إلى مادة معقدة وغير متجانسة أطلق عليها" نفط أولى" والتى تحولت بدورها عن طريق الهدرجة إلى "نفط". غير أن تكون النفط يتطلب كميات وفيرة من الرواسب العضوية وعدم وجود الاكسجين. وتتوافر هذه الظروف فى الاحواض التى تكون مغلقة ولا تتصل بعرض البحر، إلا عن طريق منافذ ضيقة وقليلة العمق(الخليج العربى، ماراكايبو، على سبيل المثال)وهذه هى حال البحار الداخلية والبحيرات الشاطئية الاخذة بالتجفف. فيجتمع فيها ما يقذف به البحر من جراء صعوبة عودته إلى أدراجه، وتصبح الطبقات العُليا المحل المفضل لعلق البحر فيتكاثر فيها بسرعة فائقة. أما فى الاعماق فيبلغ التجمع درجة تجعل الحياة مستحيلة فتتراكم جثث الجسيمات وتتحول، فى مأمن من أكسجين الهواء إلى"وحول عفنة" ثم إلى "نفط أولى" ثم إلى نفط.
تاريخ النفط(10)
تم حفر أول بئر للنفط فى الصين فى القرن الرابع الميلادى أو قبل ذلك. وكان يتم إحراق النفط لتبخير الماء المالح لإنتاج الملح. وفى القرن الثامن الميلادى، كان يتم رصف الطرق الجديدة فى بغداد بإستخدام القار، الذي كان يتم إحضاره من ترشحات النفط فى هذه المنطقة. وفى القرن الحادى عشر الميلادى، بدأت حقول النفط فى باكو/أذربيجان بإنتاج النفط بطريقة إقتصادية لأول مرة. وكان يتم حفر هذه الحقول للحصول على النفط.
التاريخ الحديث للنفط
ويبدأ التاريخ الحديث للنفط فى عام 1853، بإكتشاف عملية تقطير النفط. فقد تم تقطير النفط والحصول منه على الكيروسين بمعرفة العالم البولندى "إجناسى لوكاسفيز". وكان أول بئر نفط صخرى يتم إنشائه فى بوربكا، بالقرب من كروسنو فى جنوب بولندا، وفى العام التالى تم بناء أول معمل تكرير (فى الحقيقة تقطير) فى "يولازوفايز" وكان أيضا عن طريق "لوكاسفيز". وإنتشرت هذه الاكتشافات سريعاً فى العالم، وقام "ميرزوف" ببناء أول معمل تقطير فى روسيا فى حقل النفط الطبيعى فى باكو فى عام 1861.(11)
وبدأت صناعة النفط الامريكية بإكتشاف "إيدوين دريك" للزيت فى عام 1859، بالقرب من تيتوسفيل بولاية بنسلفانيا. وكان نمو هذه الصناعة بطيء نوعاً ما فى القرن الثامن عشر الميلادى. وكانت محكومة بالمتطلبات المحدودة للكيروسين ومصابيح الزيت. وأصبحت مسألة إهتمام قومية فى بداية القرن العشرين بعد إختراع محركات الاحتراق الداخلية مما أدى إلى زيادة طلب الصناعة بصفة عامة على النفط. وقد أستنفذ الاستهلاك المستمر الاكتشافات الاولى فى أمريكا فى بنسلفانيا وأونتاريو مما أدى إلى "أزمة نفط "فى تكساس وأوكلاهوما وكاليفورنيا. وبالاضافة إلى ذلك، فإنه بحلول عام 1910 تم إكتشاف حقول نفط كبيرة فى كندا، وجزر الهند الشرقية، وإيران وفينزويلا، والمكسيك، وتم تطويرهم لإستغلالها صناعياً. (12)
وبالرغم من ذلك وحتى عام 1955 كان الفحم أشهر أنواع الوقود فى العالم، وبدأ النفط يأخذ مكانته بعد ذلك. وبعد أزمة الطاقة فى السبعينات (وهى فى الواقع أزمة نظام(13) وليس كما يروج من كونها أزمة أصابت الطاقة على الصعيد العالمى) ركزت الحكومات على وسائل تغطية إمدادات الطاقة. فلجأت بلاد مثل ألمانيا وفرنسا إلى إنتاج الطاقة الكهربية بواسطة المفاعلات النووية حتى أن 70 % من إنتاج الكهرباء فى فرنسا أصبح من المفاعلات النووية. كما أدت (أزمة الطاقة!!) إلى دق جرس الانذار للدول الرأسمالية الكبرى بكون النفط مادة محدودة ويمكن أن تنفذ، على الاقل كمصدر طاقة إقتصادى. وفى الوقت الحالى فإن أكثر التوقعات الشائعة مفزعة من ناحية محدودية الاحتياطى المخزون من النفط فى العالم. ويظل مستقبل النفط كوقود محل جدل. وأفادت الاخبار فى الولايات المتحدة (كان ذلك فى عام 2004) أنه يوجد ما يُعادل إستخدام 40 سنة من النفط فى باطن الارض. ويوجد جدل أخر حول مدى قدرة التقنيات الحديثة على إنتاج الهيدروكربونات الرخيصة وأن الارض تحتوى على مقدر ضخم من النفط غير التقليدى مخزون على هيئة نفط رملى، وحقول بيتومين، وزيت طفلى وهذا سيسمح بإستمرار إستخدام النفط لفترة كبيرة من الزمن.
وحاليا فإنه تقريباً 90% من إحتياجات السيارات للوقود يتم الوفاء بها عن طريق النفط. ويشكل النفط تقريباً 40% من الإستهلاك الكلى للطاقة فى الولايات المتحدة، ولكنه يشكل تقريباً 2% فقط فى توليد الكهرباء. وقيمة النفط السوقية تكمن فى إمكانية نقله، وكمية الطاقة الكبيرة الموجودة فيه، والتى تكون مصدر لمعظم المركبات، وكمادة أساسية فى العديد من الصناعات الكيمياوية، مما يجعله من أهم السلع فى العالم. وكان الوصول للنفط، كما هو معروف تماماً، سبباً فى كثير من حروب إبادة البشر. وتقريباً 80% من مخزون العالم للنفط يتواجد فى الشرق الاوسط، وتقريبا 62.5 % منه فى الخمس دول: المملكة العربية السعودية، الامارات العربية المتحدة، العراق، الكويت، إيران. بينما تمتلك أمريكا 3% فقط.
مستقبل النفط : قمة "هوبرت"(14)
نظرية قمة "هوبرت" وهى محل خلاف فيما يخص الانتاج والاستهلاك طويل المدى للنفط وأنواع الوقود الحفرية الأخرى، فهى تفترض أن مخزون النفط غير مُتَجدد، وتتوقع ان إنتاج النفط المستقبلى فى العالم يَجب حتماً أن يَصل إلى قمة ثم ينحدر بعدها نظراً لإستمرار إستنفاذ مخزون النفط. وهناك كثير من الجدل حول ما إذا كان الانتاج، أو بيانات الاسكتشاف السابقة يُمكن أن تُستخدم فى توقع القمة المستقبلية. ويمكن إعتبار الموضوع على درجة من الاهمة بالنظر للعالم كَكُل.
جدول الدول الخمس الاول فى الانتاج والاستهلاك والتصدير
(جدول رقم 15)
الدولة الانتاج الدولة الاستهلاك الدولة التصدير
الولايات المتحدة 19,500,000 السعودية 10,780,000 السعودية 8,728,000
الاتحاد الاوروبى غير متاح روسيا 9,810,000 روسيا 4,930,000
الصين 14,440,000 الولايات المتحدة 8,514,000 إيران 2,719,000
اليابان 7,999,000 إيران 4,174,000 الامارات العربية 2,700,000
الهند 4,785,000 الصين 3,795,000 كندا 2,421,000
http://www.reefnet.gov
فقد لاحظ كينج هوبرت(1903- 1989) أن الاكتشافات فى الولايات المتحدة وصلت لقمة فى الثلاثينيات من القرن العشرين، وعلى هذا فقد توقع وصول الانتاج إلى قمته فى السبعينيات من القرن العشرين. وإتضح أن توقعاته صحيحة، وبعد وصول الولايات المتحدة لقمة الانتاج فى عام 1971 بدأت فى فقدان السعة الانتاجية. ومنذ هذا الوقت وصلت مناطق عديدة لقممها الانتاجية.
فقد أكدت الصين، مثلاً، أن (2) من أكبر مناطق الانتاج لديها بدأت فى الانحدار، كما أعلنت الشركة القومية لإنتاج النفط بالمكسيك أن حقل كانتاريل يُتوقع أن يصل لقمة إنتاجه عام 2006، ثم يكون معدل إنحداره 14% سنوياً. وهذا ما حدث فعلاً.
ولأسباب عديدة (يمكن أن يكون منها عدم الشفافية فى الابلاغ عن المخزون الحقيقى فى العالم) من الصعب توقع قمة النفط فى أى منطقة بالعالم. بناءً على بيانات الانتاج المتاحة، ويوجد توقع جديد بمعرفة مصرف "جولدمان ساكس" الامريكى بحلول قمة النفط عام 2007، وبعدها بوقت ما للغاز الطبيعى، وهوالتوقع الذى لم تثبت الايام خطأه حتى الان (2011) بشكل قاطع. وأحد المؤشرات هو النقص الكبير فى مشاريع الزيت الجديدة منذ عام 2005 .
جدول للاحتياطيات والانتاج وقدرة التصدير
(جدول رقم 16)

المنتج إحتياطى (بالبليون برميل إحتياطى (% من الاجمالى العالمى) إنتاج (مليون برميل /يوم) إنتاج (% من الاجمالى العالمى) الاستهلاك (مليون برميل/يوم) المتاح للتصدير(مليون برميل/يوم)
المكسيك 12,2 1 3,48 4,4 2,02 1,46
فنزويلا 87 7 2,61 3,4 0,70 2,01
كولومبيا 4,3 0,3 0,56 0,7 0,23 0,33
روسيا 79,4 6,4 9,98 12,6 2,70 7,28
أذريبجان 7 0,6 0,87 1,1 0,09 0,78
كازخستان 39,8 3,2 1,49 1,8 0,22 1,27
نيجيريا 36,2 2,9 2,36 2,9 0,30 2,06
أنجولا 9 0,7 1,72 2,2 0,06 1,66
منتجون آخرون من غير دول الخليج 274,9 22,2 23,07 27,07 6,22 16,85
منتجون آخرون من دول الخليج 749,9 60,6 24,43 30 6,20 18,23
الجدول بتصرف يسير منقول عن: مايكل كلير، دم ونفط، دار الساقى. بيروت 2011
تصنيف النفط
يصنف خام النفط طبقاً لمكان المنشأ (مثلاً وسط غرب تكساس، أو برنت) وغالباً عن طريق وزنه النوعى وفقاً لمعايير معهد النفط الامريكى API (American Petroleum Institute) أو عن طريق كثافته (خفيف، متوسط، ثقيل) كما أن من يقومون بعمليات التكرير يطلقوا عليه "حلو أو مسكر" عند وجود كميات قليلة من الكبريت فيه، أو "مر" مما يعنى وجود كميات كبيرة من الكبريت، ويتطلب مزيداً من التقطير للحصول على المواصفات القياسية للانتاج.
الوحدات العالمية
مزيج برنت، وكما سنرى أدناه، ويحتوى على 15 نوعاً من الزيت من حقول برنت ونظام نينيان بحوض شيتلاند الشرقى. وبصفة عامة فإن إنتاج النفط من أوروبا، وأفريقيا، والشرق الاوسط يتجاوز الحدود الغربية التي تسعى لتحديد أسعار النفط، مما يؤدى إلى تصنيفها طبقاً لعلامة إسترشادية. خام برنت. ووسط وغرب تكساس"دبليو تى أى" لزيت شمال أمريكا. وتستخدم دبى كعلامة إسترشادية لمنطقة أسيا، ولزيت الشرق الاوسط. وتابيس الماليزى، يستخدم كمرجع للنفط الخفيف فى منطقة الشرق الاقصى. وميناس الاندونيسى، يستخدم كمرجع للنفط الثقيل فى منطقة الشرق الاقصى.
وتتكون سلة الاوبك من: النفط الخفيف/ المملكة العربية السعودية، بونى نفط خفيف/ نيجيريا، خام نفط فاتح/ دبي، إسمس المكسيك (لا يتبع أوبك) ميناس/ إندونيسيا، مزيج شهران/ الجزائر، تيا جوانا لايت/ فينزويلا.
وتحاول "الاوبك" إبقاء سعر سلة الاوبك بين الحدود العليا والدنيا، بزيادة أو تقليل الانتاج. وهذا يجعل من تحليلات السوق عاملاً فى غاية الأهمية. وتشمل سلة الاوبك مزيج من نفط الخام الثقيل والخفيف، وهي أثقل من برنت، دبليو تى أى.
خام برنت
ويُستخدَم خام برنت كمعيار لتسعير ثلثى إنتاج النفط العالمى، خاصة فى الاسواق الاوروبية والافريقية، ويتكون برنت من مزيج نفطى من 15 حقلاً مختلفاً فى منطقتى برنت وتينيان فى بحر الشمال، اللتين تنتجان نحو 500 ألف برميل يومياً، ويُعتبر من النفوط الخفيفة الحلوة بسبب وزنه النوعى البالغ 38 درجة وإنخفاض نسبة الكبريت التى تصل الى 0.37 فى المائة. وبناء على الفروق بينه وبين الخامات الاخرى، فانه بشكل عام يُباع بسعر أعلى من سلة نفوط أوبك بنحو دولار للبرميل، وبسعر أقل من خام غرب تكساس بنحو دولار أيضاً، وعلى الرغم من أن الدول الاوروبية تستهلك أغلب إنتاج خام برنت، لكنه يُصدر أحياناً إلى الولايات المتحدة وبعض الدول الافريقية، وتوجد أكبر أسواق النفط فى العالم فى لندن ونيويورك وسنغافورة، لكن النفط الخام والمنتجات المكررة، مثل الجازولين وزيت التدفئة، تُباع وتُشترى فى جميع أنحاء العالم.
وللنفط الخام أنواع وخواص مختلفة تتوقف على وزنه النوعى ومحتواه من الكبريت وهما عاملان يختلفان بإختلاف موقع إستخراجه. وفى حال عدم ذكر بيانات أخرى، فإن سعر النفط الذى يظهر فى وسائل الاعلام فى المملكة المتحدة وغيرها من الدول الغربية قد يُشير على الارجح إلى سعر البرميل من خام برنت المستخرَج من بحر الشمال والذى يُباع فى بورصة النفط الدولية فى لندن. ويتم ذلك عادة فى صورة عقود آجلة تسلم فى الشهر التالى. وفى مثل هذا النوع من المعاملات يَتفق المشترى على تسلم الشحنة ويوافق البائع على توفير كمية محددة من النفط بسعر متفق عليه مسبقاً فى موقع معين. ولا يتم تداول العقود الاجلة إلا من خلال معاملات مالية منظمة تُسدد يومياً بناءً على قيمتها الحالية فى السوق. والحد الادنى للشراء هو ألف برميل. ولأنه توجد أصناف ودرجات مختلفة من النفط الخام فقد وجد البائعون والمشترون أنه من الاسهل الاشارة إلى عدد محدود من خامات النفط وجعلها معياراً. أما الاصناف الاخرى فيتحدد سعرها بعد ذلك إما بخصم أو زيادة بحسب جودتها.
ويُقبَل خام برنت بوجه عام على أنه المعيار العالمى برغم أن كمية المباع منه تقل بكثير عن بعض خامات المملكة العربية السعودية على سبيل المثال. ووفقاً لبورصة النفط الدولية فإن خام برنت يُستخدم لتسعير التعاملات فى ثلثى إمدادات النفط الخام فى العالم. وفى منطقة الخليج العربى، يُستخدم خام دبى كمعيار لتسعير مبيعات خامات المنطقة الاخرى المباعة لدول آسيا.
الصراع العالمى على الزيت
تعود العلاقة بين الزيت وبين القوة العسكرية إلى السنوات الاولى من القرن العشرين؛ حينما حولت القوى المتحاربة، ألمانيا، وبريطانيا العظمى أسطولهما البحرى من التسيير بالفحم إلى التسيير بالنفط. ولما كانت بريطانيا تفتقر إلى الزيت، فقد وجدت نفسها معتمدة على إحتياطيات النفط فى الشرق الأوسط، ولهذا أصبحت حماية هذه الاحتياطيات حاسمة مع إندلاع الحرب العالمية الاولى. فظهور الدبابة والغواصة والطائرة المقاتلة التى تعمل بمحرك ديزل، عمل على تعميق أهمية الزيت، وعند نهاية الحرب كان الوصول إلى النفط عاملاً رئيسياً فى التخطيط الاستراتيجى للقوى المتنافسة.
وأستمر الوضع على ما هو عليه بعد الحرب. وحاولت بريطانيا، التى كانت حينئذ مسيطرة فعلياً على حقول الزيت فى إيران، أن تمد نفوذها إلى الحقول فى العراق والكويت. وكانت فرنسا أيضاً تبحث عن موطىء قدم فى هذه المنطقة. وركزت اليابان على منطقة الانديز الشرقى الهولندى، والتى كانت منطقة منتجة آنذاك للنفط. وبدأت الولايات المتحدة بحثها عن النفط على إمتداد الحافة الجنوبية للخليج، كانت كل هذه القوى، إضافة إلى ألمانيا والاتحاد السوفيتى، تعرف أن الوصول إلى الزيت سيكون حاسماً فى الحرب القادمة، ولهذا كرس الجميع، عندما إندلعت الحرب العالمية الثانية، قوات أساسية للحصول عليه. ولقد قدمت اليابان نموذجاً واضحاً للإقدام على الحرب من أجل النفط؛ فلم تكن اليابان مؤمنة من تلك الجهة، وكان شبح فقد أو نقصه النفط دائما ما كان يتراقص أمام أعين القادة فى طوكيو، ولذلك كان القرار هو الاستيلاء على الحقول المنتجة فى منطقة الانديز الشرقى الهولندى. أقدمت اليابان على ذلك العدوان على حقول النفط وهى تعلم يقيناًً أن أمراً كهذا لا شك يثير غضب الولايات المتحدة، فكان القرار الثانى هو توجيه ضربة عسكرية إستباقية إلى الأسطول الامريكى فى بيرل هاربر فى هاواى. ومن ثم صارت الولايات المتحدة أحد الاعضاء الرئيسيين فى دائرة القتال العالمى.ولم يكن التقدم، المؤقت، الذى أحرزه الزحف الالمانى فى الأراضى السوفيتية فى عام 1941، إلا من أجل النفط، بالسيطرة على الابار فى القوقاز.
أدركت الولايات المتحدة ما بعد الحرب أن الدور الذى يلعبه الزيت هو دور فيصلى ويتعلق بالامن القومى، ومن هنا عملت دوماً على ترسيخ وجودها فى الخليج العربى ضماناً لانسياب النفط. ولم يقتصر هذا التواجد فقط على الخليج العربى وإنما إمتد إلى العديد من الاجزاء على مستوى العالم؛ وتظهر إعتبارات أمن الزيت ً بالنسبة للولايات المتحدة فى برنامج المساعدة العسكرية لاذربيجان وكازخستان، فوفقاً لوزارة الخارجية الامريكية فإن جزءً مهماً من مبلغ الخمسين مليون دولار المخصص لأذربيجان فى السنة المالية 2004 سينفق من أجل تعزيز "أمن الحدود البحرية" للبلد؛ وفى كازخستان تستخدم المساعدة الامريكية لتجديد القاعدة الجوية القديمة من العهد السوفيتى فى "أتيروا" على الساحل الشمالى لبحر قزوين، قرب حقل زيت "تنجيز" الغنى بالزيت(15) ومن أجل الزيت كان الزحف السوفيتى على أفغانستان وصولاً إلى المناطق الابعد الغنية بالنفط، ومن أجل الزيت تم قذف العراق، ومن قبله أفغانستان، وإن كان السبب الاكثر أهمية، بتصورى، هو ضبط أسواق المخدرات التى كادت تشهد الانفلات على صعيد الانتاج والتوزيع العالميين. ومن المعروف مدى إرتباط بارونات المخدرات وأباطرة الدواء بتلك السوق. ومن أجل الزيت يتم الآن قذف ليبيا، وكما سبق وذكرنا فإن الأمر لا يقتصر على العدوان العسكرى من أجل تثبيت الاقدام وضمان الامداد المستمر، وإنما يصل إلى المشاركة الفعالة فى الانقلابات العسكرية وتأجيج الحروب الاهلية والصراعات الاثنية خلقاً لبؤر التوتر على الصعيد العالمى وهو الامر الذى يضمن عدم تولى حكومة وطنية السلطة فى بلاد الزيت. ومن أجل الزيت، كذلك، تدور حروب مريرة فى نيجريا البلد الرئيسى المنتج للنفط فى أفريقيا بعد أن نهب الجنرالات الثروة، ولم تكن دول حوض بحر قزوين أحسن حالاً فلقد شهدت تلك المنطقة صراعاً دموياً سقط معه عشرات الضحايا وبصفة خاصة فى أوزبكستان فى مارس 2004، ومن أجل الزيت، أيضاً، حدثت المجازر فى الشيشان؛ والتى عادة ما يتم تقديم الصراع الدامى فيها على أساس من كونه صدام بين قوى معادية، إثنية ودينية، أو صراع على السلطة بين الحكومة المركزية فى موسكو وبين سكان يسعون إلى الاستقلال، بيد أن ثمة بُعد جيوبولتيكى مهم: فقد كانت جروزنى، فى ظل الحكم السوفيتى، مركزاً رئيسياً لتكرير الزيت، كما كانت نقطة ترانزيت حرجة لانابيب النفط التى تحمل طاقة بحر قزوين إلى روسيا، وأوكرانيا، وأوروبا الشرقية
جدول أكبر شركات النفط على الصعيد العالمى
(جدول رقم 17)
الشركة بلد المقر عدد المظفين الايرادات سنة التأسيس أو الاندماج
شيفرون الولايات المتحدة 26000 204,92 1879
إكسون موبيل ( إندماج استاندرد أويل أوف نيوجيرسى، وأستاندرد أويل أوف نيو يورك، واستاندر أويل) الولايات المتحدة 83600 383,221 1990
شل الملكية الهولندية لاهاى/ هولندا 101000 368,056 1907
توتال كوربفوا/ فرنسا 92855 159,270 1924
كونكو فيليبس (إندماج كونكو وفيليبس) الولايات المتحدة 29700 198,655 2002
http://en.wikipedia.org/wiki/List_of_petroleum_companiesr

بيانات محاسبية منتقاة من الميزانية العمومية لشركة "شل" لعام 2009
(جدول رقم 18)
المنطقة نفقات الانتاج نفقات البحث والتطوير الارباح قبل الضريبة الارباح بعد الضريبة التدفق النقدى المصروفات الادارية
أوروبا 3,299 415 5,745 2,989 4,724 1,555
أسيا والمحيط الهادى 1,705 غير متاح 3,068 454 3,723 71
الأمريكتان 5,414 219 1 1,144 كان 5,641/2007 و(5,00/2005) 7,067 541
http://www.shell.com
زيت كاراكاس والسوق العالمى
والان وبعد أن وقفنا على الخطوط العريضة لتجارة تلك السلعة، والصراع الدائر حولها، فإنه يتعين أن نلقى النظرة المتعمقة نسبياً على أوضاع الصراع حول الزيت فى فنزويلا، وإنما مستفيدين من التاريخ الذى سبق وأن إستعرضناه سلفاً، إلا أننا سوف نتناول الامر بشكل مختصر، وأكثر تركيزاً. فلقد تم إكتشاف النفط فى فنزويلا، كما سبق القول، عام 1917، حيث تم كشف بعض الحقول من حول بحيرة ماراكايبو تغطى مساحة قدرها 30 ألف ميلاً مربعاً، وتم إستغلاله الفعلى عام 1922، تحت سيطرة الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا، وحتى التأميم عام 1976، فى عهد كارلوس بيريز، وتهيمن حالياً على الاستغلال عدة شركات إمبريالية أهمها: شركتان أمريكيتان إلى جوار"الشركة الوطنية"،"إكسون موبيل"(أصولها 149 مليار دولار موزعة فى أكثر مِن 820 شركة تعمل فى نحو 100 دولة) أما الثانية فهى شركة "شيفرون" (أصولها 78 مليار دولار) وأضف إلى إكسون موبيل وشيفرون، شركة ربسول الاسبانية. وهناك ثلاث مناطق رئيسية لاستغلال النفط وهى: منطقة حوض بحيرة ماراكايبو فى الغرب وشرق فنزويلا بين المرتفعات الشمالية والاورنيكو الادنى والسهول الوسطى الغربية من حوض نهر بارنياس أبور.
ومن جانب أخر، وإضافة إلى كون فنزويلا تُمثل إمتداداً طبيعياً لسوق النفط العالمية، وإنما إبتداءً من قانون القيمة، فإن إرتباطها بالولايات المتحدة الامريكية فى مجال "تجارة النفط" البينية قد أخذ فى التراجع منذ عام 2002 وحتى 2009، فوفقاً لأرقام 2002 كانت تَستورد فنزويلا نحو 60%، من الولايات المتحدة الامريكية، وتُصدر لها نحو 35,8%، على حين أن أرقام 2009، تشير إلى ان الواردات تقلصت إلى23.66 %، مع بقاء قيمة الصادرات عند نفس الرقم تقريباً. يتعين هنا الوعى بالوزن النسبى لأهمية الولايات المتحدة الامريكية وبعض الاجزاء المتقدمة الاخرى(إيطاليا، أسبانيا، ألمانيا) من الاقتصاد الرأسمالى العالمى فى واردات فنزويلا وصادراتها، ويرتبط هذا الوعى بوعى ملازم لمدى الاندماج فى السوق العالمية، والسوق العالمية للنفط بصفة خاصة، ولقد عبر"باتريك لارسن"عن حجم هذا الاندماج بقوله :" على العكس مما يروجه بعض الاصلاحيين فى فنزويلا، سوف يكون للازمة الاقتصادية العالمية تأثير على فنزويلا. وفى الواقع لقد بدأ هذا التأثير يظهر فعلاً. فخلال نصف سنة فقط، إنتقلت أسعار برميل البترول من 147 دولاراً إلى أقل من 40 دولاراً. وقد وجه هذا ضربة هائلة لاقتصاد البلد. كما أن أسعار المواد الخام الاخرى، من قبيل الالمنيوم والفولاذ، التي تُنتجها فنزويلا بكميات ضخمة، عرفت بدورها انهياراً مأساوياً. سوف يؤدى هذا بالتأكيد إلى تلغيم أسس المكاسب التى حققتها الثورة. ولقد أعلنت شركة النفط العمومية PDVSA التى تمول العديد من المشاريع الاجتماعية، عن تقليص ميزانية هذه السنة بـ 40 %. كما قفزت معدلات التضخم إلى مستويات عالية، حيث سجلت الآن حوالى 30 %، وقد إرتفعت أسعار المواد الغذائية فى كاراكاس بـ 50 % خلال عام واحد. هذا يخلق مشاكل عويصة لآلاف الاسر العمالية التى لا تحصل على ما يكفيها. وإذا لم يتم حل تلك المشاكل، فإنها سوف تجعل الدعم الذى تتمتع به الثورة فى خطر كبير. المشكل الرئيسى هو أن الاقتصاد الفنزويلى لا يزال إقتصاداً رأسمالياً، ومن ثم يتوجب عليه أن يمتثل لقوانين السوق. للقضاء على هذا الوضع يجب تطبيق مخطط إشتراكى من أجل إعادة تعبئة إمكانيات البلد الانتاجية وضمان السير السلس للاقتصاد. لكن من أجل القيام بهذا يجب القضاء على السيطرة الاقتصادية للاوليجارشية، التى لا تزال تسيطر على مفاتيح الاقتصاد الرئيسية بين أيديها"(16)
هوامش الفصل الثالث
(1) إعتمدت فى هذا الشأن على: الدكتور زين الدين عبد المقصود، نصف الكرة الغربى الامريكى، دراسة فى الجغرافيا الإقليمية، منشأة المعارف. الاسكندرية 1984. وكذلك: دينكسون وآخرون: جغرافيا العالم الثالث، ترجمة: الدكتور عيسى على، والدكتور فايز العيسوى، دار المعرفة الجامعية. الاسكندرية 1994. كما رجعت بصفة أساسية للمقارنة والمطابقة إلى:
L.Dudley Stamp. A Regional Geography.partI.Longmans.London1959
J.Preston.Latin America, Odyssy press.NewYork 1959
وإستعنت فى سبيل عرض التاريخ الفنزويلى على الموقع الالكترونى أدناه، وهو ينشغل أساساً بما يتعلق بتاريخ فنزويلا الوسيط والمعاصر:
http://www.presidencia.gob.ve/venezuela_historia.html
كما إعتمدت فى تأليف وعرض ومقارنة الارقام الواردة بالمتن على:
CIA- The world fact book (2002) (2003) (2004) (2005) (2006) (2007) (2008) (2009) Human Development Report (1998) (1999) (2001) (2003) (2004) Report of The World Social Situation (1993) (2008) Venezuela National human Development (2002) (2003)World Development Report (1995) (1999) (2001) (2006) (2009)World Investment Report(2002)World Economic Outlook (2002) (2007) (2009)
(2) أنظر للمزيد من التفاصيل: لاوريت سيجورنه، الثقافات الامريكية اللاتينية القديمة، ترجمة: صالح علمانى، المشروع القومى للترجمة بالتعاون مع وزارة الثقافة، دمشق، 2005. (ص319 وما بعدها)
(3) لتكوين الخطوط العريضة بشأن حياة بوليفار، وإنما بوعى، ولو أولى، حول المرحلة التى عاشها وعلاقات التناقض بداخلها، أنظر: وديع الضبع، بوليفار، مكتبة النهضة المصرية،1957، كذلك أنظر العمل الرائع لجابرييل جارسيا ماركيز، سيمون بوليفار، أو الجنرال فى المتاهة، ترجمة: محمد عبد المنعم جلال، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة1996.
(4) زين الدين، نصف الكرة الغربى الامريكى، سالف الذكر (ص348)
(5) لا يسعنى سوى أن أحيل، باطمئنان وحماس، للوعى بمجرى الأحداث غير العقلانية، فى أمريكا اللاتينية، إلى كتاب: إدواردو جاليانو، الشرايين المفتوحة لأمريكا اللاتينية- تاريخ مضاد، الذى وضعه فى مونتفيدو عام 1970، وألحقه باضافات تحت عنوان: " بعد سبع سنوات" أشار فيها إلى مسألة تأميم النفط الفنزويلى، أضافها فى برشلونة عام 1978، ولقد رجعت إلى الترجمة العربية التى قام بها : أحمد حسان، وبشير السباعى، والصادر عن: دار النيل . الاسكندرية.1994. ولقد ذكر الموقع الالكترونى لجريدة "اليوم السابع المصرية" بتاريخ 26/8/2010 ان فى قمة الامريكتين، التى إنعقدت مؤخراً فى ترينداد وتوباجو صافح الرئيس الفنزويلى هوجو تشافيز نظيره الامريكى باراك أوباما بحرارة وأهداه كتاباً. فوجئ أوباما بالهدية، إرتبك قليلاً ثم إبتسم وتناول الكتاب من يد شافيز وصافحه مرة ثانية بحرارة. لم يمنح تشافيز أوباما قلادة أثرية ذهبية من ثروات بلاده العديدة، ولم يقدم له قناعاً هندياً تاريخياً يعود لأجداده، وإنما أهداه إنجيل المعذبين والمقهورين فى قارة أمريكا الجنوبية كلها، «الشرايين المفتوحة لأمريكا اللاتينية» لمؤلفه الأورجوانى إدواردو جاليانو، الذى يحكى تاريخ النهب والاستغلال الذى تعرضت له قارة أمريكا اللاتينية بكاملها منذ وطئت رايات كورتيس وكولومبس أراضيها محملين بالبنادق والاحصنة والاوبئة والرغبة الدفينة فى الحصول على الذهب والفضة والبهارات. ولد إدواردو جاليانو فى مونتفيديو عاصمة أورجواى وعمل صحفياً ورساماً كاريكاتورياً فى العديد من الصحف، قبل أن يهرب من الحكم العسكرى فى بلاده إلى الأرجنتين عام 1973 بعد نشره «الشرايين المفتوحة» فى أسبانيا عام 1971، ثم انتقل إلى أسبانيا عام 1977، وظل فيها حتى عاد إلى بلاده عام 1985 وعلى الرغم من أن كتاب «الشرايين المفتوحة» ظل ممنوعاً من دخول أورجواى، 7 سنوات كاملة، فإنه أصبح الكتاب الاكثر شعبية هناك، وطبع منه حتى الان ما يزيد على 60 طبعة وترجم إلى معظم لغات العالم على حد تعبير المترجمين أحمد حسان وبشير السباعى، اللذين إعتبرا الكتاب سيرة ذاتية لامريكا الجنوبية، الاخت الشقيقة للعالم العربى، والذى تعرض مثلها لعمليات النهب المنظمة منذ قرون ولم يزل، كما تعرض مثلها لإرساء صناعة التخلف حتى يبقى بقرة حلوباً، تدر الموارد الطبيعية للدول الكبرى المنتفعة.
(6) يَعتمد التعريف القياسى للبطالة (ILO83) على ثلاثة معايير يتعين توافرها فى نفس الوقت، وهى: بلاعمل، ومتاح فى الوقت الراهن، وباحث عن العمل. فالعاطلون إذاً يتألفون من جميع الأشخاص فوق العمر المحدد لقياس السكان النشيطين إقتصاديا (فى فنزويلا من 10 سنوات) والذين كانوا خلال الفترة: 1- من الأشخاص الذين بلا عمل، بمعنى انهم لم يكونوا فى عمالة مأجورة أو عمالة للحساب الخاص، تبعا للتعريف الدولى للعمالة. 2- من المتاحين فى الوقت الراهن للعمل، بأجر أو للحساب الخاص، 3- من الذين قاموا بإتخاذ خطوات محددة من مدة قريبة محددة كذلك للبحث عن عمل؛ فلكى يعتبر الشخص فى حالة بطالة، وفقا للمعايير الدولية، فإنه يلزم أن يكون فى حالة بحث عن عمل.
ILO.Surveys of Economically Active. Geneva 1990
ILO, the World of Work, the magazine of the ILO, 1996 (No, 16

(7) نعوم تشومسكى، النظام العالمى القديم والجديد، الهيئة المصرية العامة للكتاب. القاهرة2010 (ص282-283)

(8) بالإضافة إلى وسائل الاعلام المشار إليها فى هوامش الفصل السابق(الهامش رقم 1) والحلقات المسجلة من برنامج تشافيز(ألو يا ريس) على اليوتيوب. أنظر: بارت جونز، هوجو، مرجع سابق (ص346-398) وأنظر كذلك بصفة أساسية:
www.infoplease.com/biography/var/hugochavez.html
www.notablebiographies.com/news/Ca-Ge/Ch-vez-Hugo.html
www.lcsc.edu/elmartin/historybehindthenews/mccoy/bio.html
(9) أنظر على سبيل المثال: أيتين دالمون، النفط، تعريب: خليل الجر، المطبعة البوليسية. جونيه 1979
(10) http://ar.wikipedia.org/wiki
http://www.petrolian.4mtm.net (11)
http://www.petrolian.4mtm.net (12)
(13) أنظر: أستاذنا الدكتور محمد دويدار، الاقتصاد الرأسمالى الدولى فى أزمته، منشأة المعارف. الإسكندرية 1981. ويرفض أستاذنا الطرح المسوق على الصعيد الدولى بأن الازمة التى يعانيها النظام الرأسمالى العالمى المعاصر تعتبر أزمة فى الطاقة، وهو الطرح الذى رفضه أستاذنا، مفترضاً المنهج الصائب بقوله:" لتفهم مسألة الطاقة يتعين أن نتفادى المنهج المضلل الذى يتصور المسألة فى صورة علاقة بين البلدان المنتجة والبلدان المستهلكة. إذ الواقع أن المسألة تثير العديد من الاطراف. من القوى الاجتماعية فى كل أجزاء العالم الرأسمالى، منها مَن يستفيد من الموقف ومنها مَن يخرج منه بخفى حنين بل ويتحمل فى النهاية ما يترتب عليه من أعباء، ولا يمكن أن نفهم مسألة الطاقة فهماً سليماً إلا إذا نظرنا إلى أطرافها التالية: القوى الاجتماعية فى البلدان المنتجة للبترول، ورأس المال البترولى وعلى رأسه رأس المال الامريكى، والقوى الاجتماعية المختلفة فى البلدان المستهلكة للطاقة" (ص 25)
(14)أنظر http://ar.wikipedia.org/wiki
(15) للمزيد من التفاصيل: مايكل كلير، دم ونفط، أمريكا وإستراتيجيات الطاقة: إلى أين؟ ترجمة: أحمد رمو، دار الساقى. بيروت2011 (ص285)
http://arabic.handsoffvenezuela.org. Sunday, 22 February 2009(16)



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن