استنهاض الجماهير شرط أساسي لنشوء حركة يسارية حقيقية

رفيق عبد الكريم الخطابي

2012 / 1 / 10

1ــ هل كانت مشاركة القوى اليسارية والنقابات العمالية والاتحادات الجماهيرية مؤثرة في هذهِ الثورات؟ و إلى أي مدى؟
تمهيد لا بد منه :
أعتقد منهجيا أن الإجابة عن السؤال أعلاه تستدعي أولا تحديد ماهية اليسار الذي نود الحديث عنه أو مقاربة مساهماته في الانتفاضات التي تعرفها المنطقة العربية في ارتباط مع أزمة النظام الرأسمالي عالميا التي أعتقد أنها تشكل إحدى أبرز تجليات إفلاسه التاريخي وتعري عن عجز البديل الاشتراكي عن الإجابة السياسية والبرنامجية عن أزمة مستدامة لنظام فقد كل مبرر لاستمراره وحيث لا مخرج من تناقضه المزمن بسبب عجز بديله لم يبق له غير تدمير طرفي التناقض الرئيسي فيه أي تدمير قوة العمل وايضا سد كل طريق أمام تطور الإنتاج الرأسمالي , غير إشاعة الحرب المستمرة طيلة عقد من الزمن ...ولتحديد ماهية هذا اليسار الذي نود مقاربته وجب تحديد القوى الاجتماعية التي يستند عليها من أجل إنجاز التغيير المنشود والذي لن يخرج في نهاية التحليل عن الإجابة عن تلك الأزمة الدائمة والمتجددة للنظام الرأسمالي .
فاليسار باعتقادنا في تعريفه العام دون الإشارة إلى تارخية هذا المصطلح -أي اصطفاف الداعين إلى التغيير في الجانب الأيسر داخل البرلمان الفرنسي إبان الثورة, فيما جلست القوى الرجعية المحافظة في الجانب الأيمن منه ..- قلت يمكننا إعطاء تعريف عام لليسار بانه الفئات الاجتماعية التي من مصلحتها تغيير النظام القائم في مقابل اليمين الذي يسعى إما إلى المحافظة على النظام القائم أو العودة به القهقرى.
فاليسار هو كل من له مصلحة في تغيير النظام القائم وهو في حالتنا المغربية جماهير العمال والفلاحون الفقراء والمعطلون وبعض المتقفين إظافة إلى الشرائح الدنيا من البرجوازية الصغرى أو البتي برجوازية
هذه الفئات تنتظم وتؤطر عادة في إطارات جماهيرية تعمل على توعيتها والدفاع عن مصالحها إن كانت احزابا او نقابات او جمعيات ثقافية اوحقوقية ..وغير ذلك من المنظمات والتي تشكل بمجموعها الحركات اليسارية. فالحركات اليسارية هي الفئات الواعية وعيا إدراكيا وليس حسيا لمصالح فئاتها وتناضل من اجل تحقيق اهداف ومصالح تلك الفئات وهنا لا بد من الإشارة إلى أن هذه الحركات خاضعة لقوانين الصراع الطبقي فقد تتحول حركة ما يسارية في ظرف ما إلى حركة يمينية والعكس نظرا لعدم تجانس اليسار نفسه باستثناء التعبير السياسي للطبقة العاملة فقط التي تحافظ على ثوريتها ومن ثمة انتمائها اليساري إلى النهاية لأن الطبقة العاملة هي الطبقة الوحيدة التي تسعى إلى القضاء على نفسها كطبقة عن طريق القضاء على استغلال الانسان للإنسان وبالتالي تعبيراتها السياسية لا تمارس نضالها السياسي من اجل البقاء في السلطة بل من أجل القضاء على كل سلطة طبقية.

من هنا يسهل الجواب على السؤال المطروح أعلاه لنقول أن اليسار كان يشكل العصب بالنسبة لتلك الانتفاضات البطولية والتي من الممكن أن ينفتح أمامها الأفق الثوري واسعا إن استغلت حركات اليسار هذا المد الجماهيري وساهمت في الفرز الجاري موضوعيا بين أعداء التقدم الذين يحاولون تجيير نضالات الشعوب ويشتغلون وكلاء لدى الإمبريالية لسد الطريق أمام كل تغيير حقيقي لعلاقات الإنتاج التي أصبحت عائقا في سبيل تطور قوى مجتمعاتنا المنتجة, وهذا ما لن تستطيع القيام به دون إسناد جماهيري وعمل تنظيمي يؤهلها لإنجاز المهام الملقاة على عاتقها,

2ــ هل كان للاستبداد والقمع في الدول العربية الموجه بشكل خاص ضدالقوى الديمقراطية واليسارية دوره السلبي المؤثر في إضعاف حركةالقوى الديمقراطية واليسارية؟
اعتقد أن عامل القمع وحده عاجز على إضعاف أي حركة يسارية حقيقية إن كانت مسنودة من طرف جماهيرها أو يسارييها ...فالقمع الذي يعتبر ملازما لطبيعة الأنظمة اللاديمقراطية في بلداننا-المغرب نمودجا- ساد طيلة السبعينات وقبل ذلك وكان للحركات اليسارية الحقيقية حضور وازن في مختلف واجهات الصراع , أعتقد أن العائق ذاتي بالأساس يمكن إبراز بعض سماته في الضعف النظري وغياب الحد الأدنى من الثقافة التنظيمية إظافة إلى سيادة الحلقية الضيقة عوض التفكير الجدي والخلاق في كيفية الوصول إلى الجماهير الكادحة والطبقة العاملة وتأطير وتوعيتها- باعتبارها صاحبة المصلحة والمنجزة لأي تغيير - والإرتباط بها وأعتقد أن القوى الظلامية المتأسلمة تقدمت في هذا المجال بأطوار كبيرة يكفي النظر إلى الجمعيات والمبادرات الخيرية التي أطلقتها هذه القوى في مصر والنتيجة التي حصلت عليها...وإن كان هذا المثال بعيدا شيئا ما عن الموضوع .
نقطة توضيحية أخيرة لما أشرت إليه أعلاه بالضعف الفكري والذي نعني به انتشار الانتهازية والتحريفية في معظم الحركة اليسارية والشيوعية خصوصا بتاثير الخروشوفية واتباعها حيث يسود فهم خاطىء للممارسة السياسية والتي تعتبر الحزب هو القوة التي تستطيع ان تحقق الاهداف وليس الجماهير التي يقودها هذا الحزب إظافة إلى الضبابية التي ما زالت سائدة ولا يتم التصدي لها بالشكل المطلوب وأكتفي بإعطاء مثل بسيط لحزبين مغربين أعتبر أن خطرهما على اليسار أكثر من خطر اليمين نفسه , في غمرة ركضهما الانتخابي دعت قيادات الاتحاد الاشتراكي إلى ندوة أو يوم دراسي حول "أي دور لليسار " بمشاركة التقدم والاشتراكية وجبهة القوى مع أن هؤلاء جميعا طلقا كل انتماء لحركة اليسار منذ كانوا يستفيدون انتهازيا من عطاءات الخروتشوفيين إن دعما سياسيا أو ماديا أو بعتات دراسية وهي كلها نقاط قل ما تناقش من طرف الحركة اليسارية الحقيقية

3 - هل أعطت هذه الانتفاضات والثورات دروساً جديدةوثمينة للقوى اليسارية والديمقراطية لتجديد نفسها وتعزيز نشاطها وابتكارسبل أنجع لنضالها على مختلف الأصعدة؟
أكيد وهو ما تناولت جزءا منه في الجواب السابق ولعل أبلغ تلك الدروس هي أن استنهاض الجماهير شرط أساسي لنشوء أي حركة يسارية حقيقية وان الجماهير والعمالية منها بالخصوص هي من تقوم ومن من مصلحتها التغيير, وليست دكاكين السياسة بشتى مسمياتها
فلا معنى لأي إطار سياسي يساري بدون جماهير تسنده ولعل الصورة الكاريكاتورية في كل من العراق وتونس والمغرب كذلك غنية بالدلالة حيث هناك تنظيمات قد لا تتجاوز عدديا أصابع اليد أما مجال اشتغالها فيبقى محصورا على النيت

4ــ كيف يمكن للأحزاب اليسارية المشاركة بشكل فاعل في العملية السياسية التي تلي سقوط الأنظمة الاستبدادية؟ وما هو شكل هذهِ المشاركة؟
نظريا إن وجدت أحزاب يسارية حقيقية قد تستفيد نسبيا من الوضع الذي ساد بعد سقوط رؤوس الأنظمة الرجعية ,,وإن كنت عمليا لا أستطيع الجزم بوجودها مسنودة بقوى جماهيرية مهمة وإلا لما كانت الأمور ستسير وفق أجندة محددة سلفا ومعلومة السقف , لا تخدم إلا القوى المراهن عليها إمبرياليا وأقصد القوى الظلامية المتأسلمة ومن يدور في فلكها , فأعتقد أن العملية السياسية الجارية لا ينتظر منها الشيء الكثير اللهم المزيد من فضح الأقنعة التي تتغطى بها تلك القوى الظلامية فالرهان الحقيقي بالنسبة لقوى اليسار هو استغلال كل الإمكانات التي تتيحها هذه الفترة لمزيد من الارتباط بالجماهير وزيادة الفرز بين القوى السياسية المتصارعة حتى تتضح الصورة والبرامج والمشاريع السياسية لتلك الجماهير , إنها مرحلة العمل الجماهيري الدؤوب لكل حاملي قضية التغيير

5ــ القوى اليسارية في معظم الدول العربية تعاني بشكل عام من التشتت. هل تعتقدون أن تشكيل جبهة يسارية ديمقراطية واسعة تضم كل القوى اليسارية والديمقراطية العلمانية ببرنامج مشترك في كل بلد عربي، مع الإبقاء على تعددية المنابر، يمكن أن يعزز من قوتها التنظيمية والسياسيةوحركتها وتأثيرها الجماهيري؟
أعتقد بالرغم من الوقع الطنان للجبهة أو الوحدة أو العمل المشترك على مستوى الخطاب , إلا أن واقع التشردم بل الانغلاق الذاتي يجعل هذا الشعار مستبعدا إن لم أقل مستحيلا على الأقل في المدى المنظور , فلا أساس واقعي يسند مثل هذا الطرح الجبهوي فلأعطي أمثلة حسية من المغرب هناك أحزاب تدعي زورا الانتماء اليساري مشاركة في لعبة النظام الديكتاتوري منذ أنطلاق مسلسله الانتخابي أواسط السبعينات عجزت حتى عن خوض الانتخابات كجبهة موحدة بل كانت التحالفات مع الأحزاب التي تقول عنها هذه الأحزاب ذاتها يمينية أو إدارية,,,نفس الشيء نجده في المقلب الآخر من أحزاب تدعي كذلك الانتماء لليسار ومشاركة في الانتفاضة أو الحراك الشعبي عجزت على عقد جبهة موحدة بينها أي الاتفاق على شعار موحد ينظم ممارستها في ذاك الحراك بل اختار البعض التحالف مع جماعة ظلامية متأسلمة فيما عجز عن التحالف مع من هم أقرب إليه شعاراتيا على الأقل , فحتى الاتفاق على كيفية خوض مقاطعة الدستور فشلوا فيها ,,نفس الأمر بالنسبة لمختلف التنظيمات أو التيارات التي تنتسب إلى الشيوعية بهذا الشكل أو ذاك نرى بعضهم يؤمن بكارل ماركس وحده واخرون يؤمنون بكارل ماركس وانجلز واخر يؤمن بكارل ماركس وانجلز ولينين واخر يؤمن بكارل ماركس وانجلز ولينين وستالين واخرى جماعة ماوية تؤمن اضافة الى الاربعة بماو ويضاف الى ذلك التنظيمات التي تؤمن بتروتسكي بل بعضها يؤمن حتى بماركسية جديدة او بماركسية تتفق مع الخصوصية إلى حد التحالف والقبول بعبد السلام ياسين وغير ذلك من الادعاءات التي تسود في هذا العدد الكبير من التيارات والمنظمات التي تدعي الشيوعية.
إن هذه الصورة التي قد تبدو سريالية أول الأمر لا نجدها في المغرب فقط بل نجد نماذج لها في تونس كما العراق وبنفس الشكل تقريبا , ولعل غياب مبدأ موحد هو ما يعمق هذا التشتت فلئن كانت الماركسية كما أعلنها إنجلز- أو الاشتراكية العلمية كما سماها ماركس أو الماركسية اللينينية كما سماها ستالين وهي أسماء لذات العلم أو لنفس النهج - هي المبدأ الموحد للطبقة العاملة. وعلى اساسه امكن تحقيق وحدة عالمية في الامميات الشيوعية الثلاث , فإن التخلي عن ذاك المنهج وبأي حجة كانت كالعودة الى لينين كما صرح خروتشوف او الشيوعية الاوروبية او التطور السلمي او الطريق اللاراسمالي نحو الاشتراكية او تحقيق اشتراكية ذات وجه انساني أو الانفتاح والحداثة أو اكتشاف اسهامات ماو تارة وغرامشي وألتوسير تارة أخرى هو السبب الحقيقي لتشرذم الحركة الشيوعية العالمية وكان رائد هذا التشردم في الحركة الشيوعية العالمية خروشوف والخروشوفيين وهو ما انعكس محليا , ولكي لا أطيل كثيرا في هذه النقطة أقول أن كل محاولة لتحقيق اية وحدة أو جبهة يسارية او ديمقراطية او علمانية ... لا تقوم على اساس الماركسية اللينينية هي دعوات لا اساس طبقي لها وبالتالي لا يمكن تحقيقها بما يخدم الجماهير صاحبة المصلحة في التغيير والقادرة وحدها على إنجازه بل قد تأتي بعكس ما أسست له والامثلة كثيرة في هذا المجال



ا6ــ هل تستطيع الأحزاباليسارية قبول قيادات شابة ونسائية تقود حملاتها الانتخابية وتتصدر واجهة هذهِ الأحزاب بما يتيح تحركا أوسع بين الجماهير وأفاقا أوسع لاتخاذ المواقف المطلوبة بسرعة كافية؟
لا بديل لها عن ذلك خصوصا مع ما نشاهده من تضحيات ومبدئية نضالية أبدتها هذه الفئات ,,وإن كنت أعتقد أن الإشكال لم ولن يكون عمريا بمعنى الشباب في مقابل الشيوخ ولكن زمن الزعيم الأبدي والكاريزمية الزائفة قد ولى ,,في ظل التطور التكنولوجي الهائل وسهولة الوصول إلى المعلومة وتداولها فمن الصعب تصور أي شكل من أشكال الوصاية من طر ف العارف أو العارفين ببواطن الأمور مادامت المعرفة متاحة للجميع

7ــ قوى اليسار معروفة بكونها مدافعة عن حقوق المرأةومساواتها ودورها الفعال، كيف يمكن تنشيط وتعزيز ذلك داخل أحزابها وعلى صعيد المجتمع؟
في زمن تيسر الوصول إلى المعلومة وسهولة الاتصال والتواصل أعتقد أن قضية المرأة أو بالتحديد تحرر المرأة تشكل رافعة من روافع الفعل النضالي في مجتمعاتنا خصوصا من طرف القوى اليسارية الحقيقية ومجالا خصبا لجدب نصف المجتمع أو الوجه المحتجب من القمر كما سماه أحد الشعراء إلى ساحة النضال من أجل مجتمع ينعدم فيه استغلال الانسان للانسان , وإن كانت المرأة قد حققت في العقد الأخير مجموعة من المكتسبات عن طريق نضال مرير ضد العقلية الذكورية السائدة المكرسة من طرف أنطمة رجعية أو ضد جماعات التخلف والانغلاق المتأسلمة فإنه يجب النضال من أجل تكريس وزيادة تلك المكتسبات والنضال والتصدي لأي محاولة للتراجع عما أنجز منها,,,وهذه مهمة كل التقدميين والتقدميات نساء ورجالا فتحرر المرأة رهين بتحرر المجتمع ككل ولا يمكن أن تتحرر مجتمعاتنا دون مساهمة المرأة

8ــ هل تتمكن الأحزاب اليسارية والقوى العلمانية في المجتمعات العربية من الحدّ من تأثير الإسلام السياسي السلبي على الحرّيات العامة وحقوق الإنسان وقضايا المرأةوالتحرر؟
الصراع ضد الاسلام السياسي هو صراع في وجه منه ضد أنظمة استرزقت وتاجرت بالاسلام تاريخيا وما زالت ومنها من يعتبر شرعيته مستمدة منه ,,وهو صراع ضد قوى إقطاعية أو برجوازية متخلفة تنازع تلك الأنظمة شرعيتها بنفس الغطاء الايديولوجي ,,, خطورة الظاهرة المتأسلمة حاليا هو تلقفها من طرف الامبريالية كإحدى إمكانيات الصد ضد أي إمكانية لتغيير حقيقي وفي هذا إفلاس للامبريالية وإحدى مظاهر تفسخها النهائي ,,من جهة ومن جهة أخرى ضرورة الاهتمام بالصراع الايديولوجي والفضح المستمر ضد هذه القوى الظلامية من طرف كل الحركات اليسارية الحقيقية وفضح كل من يتعاطى مع هذه القوى

9ــ ثورات العالم أثبتت دور وأهمية تقنية المعلومات والانترنتوبشكل خاص الفيسبوك والتويتر... الخ، ألا يتطلب ذلك نوعاً جديدا وآليات جديدةلقيادة الأحزاب اليسارية وفق التطور العملي والمعرفي الكبير؟
نظريا نعم , وإن كنت شخصيا غير متمكن من خبايا هذه التقنيات ولكن على مايبدو لي أن من بين الإشكالات التي كانت عائقا أمام الثوريين يكمن في جزء منه لصعوبة بل وتعذر التواصل بينهم , أمام الآن فهذا المشكل تم تجاوزه ..يمكن أن أضرب مثلا بسيطا كنا نتنقل في بداية التسعينات لمئات الكيلومترات من أجل الحصول على بيان لمعتقل سياسي اما الآن فيكفي كبسة زر
10ــ بمناسبة الذكرى العاشرة لتأسيس الحوار المتمدن،كيف تقيمون مكانته الإعلامية والسياسية وتوجهه اليساري المتفتح ومتعددالمنابر؟


لا أملك سوى الإشادة بهذا المنبر الذي نعتبره ملكا لنا جميعا وواجهة مهمة لتبادل وجهات النظر وصقل القناعات , ووسيلة مهمة للتثقيف ,,كما لا يسعني إلا أن أحيي كل المشرفين عليه والتمني للرفيقة مكارم بالصحة والتعافي من المرض



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن