قلب بين ضفّتين

وليد أحمد الفرشيشي
ferchichi.walidahmed@gmail.com

2012 / 1 / 5

سلامي إليك...ياحبيبة...
كيف حال البلاد...
التي غادرتها وحيدا..
حاملا سنما من الذلّ و الجوع و الدموع..
كيف حال الأطفال..يا حبيبة..
هل تتلاقى عيونهم حذو المواقد..
التي يختنق دخان حكاياتها مع كلّ سعلة غريب متلصص..
هل تتشابك أصابعهم الرفيعة كأجنحة الملائكة المشحوذة...
و أحلامهم النيّئة تتزاحم كالفراشات على الورود...
ماذا عن الشوارع التي تتفايض بالغضب و الدموع...
و الجبال..التي التوت أعناقها من التضرّعات الطويلة..
و الصحاري التي لا تقرض الشعر...
و ترخي حجابها خجلا من حداء القوافل...
كيف حال..الشتاء...الذي ينقش أسماء العابرين...
على الجدائل الملبّدة بالزيت و العرق و القش..
و على بطون العذارى...
التي تخيفها آثار الأصابع المهرولة..في الليل..
نحو النسيم المزهر كالعوسج...
و قد فتّت محاضر التحقيق رسائل الأحبّة المصادرة..
مع المرايا...و إرتجاف الشفاه تحت ضوء القمر...
كيف حال النعاس في الحانات...
و الذباب في المقاهي..
و اللغو في المساجد..
و رذاذ الراحلين في القوارب...
والقمر الذي يجمع أغلفة الرصاص..
و يوزّع النواح على الثكالى...
و ذلك الطمي...رفيق طفولتي...
هل كبر..و اصبح أرصفة تضاجع روّادا..
بعدد القضبان..و السياط...و القوارير المفلوجة...
و تلك السجون..المظلمة كأفواه القبور..
هل مازالت تلعق...سراويل الرجال المبللّة..
بقطرات الطلّ..
هل مازالت تخفي بالملاءات خربشات الفتية الحائرين..
و أسرّتها الإسمنتية تسلق الأحلام الخضراء كاللّوز...
خبّريني..
عن فوانيس الإضاءة التي تترك أماكنها خلسة...
-في العاشرة- للمخبرين...
عن عطايا الإلاه المؤقّت...
هل مازال صدقه ينهمر على العقول الهشّة..
كالبراز الذي يطفر من الرعب...
مع كلّ عصا تغرز في جحر مقاوم...
حدّثيني..
عن الضوضاء في الأسواق..
و مشاريع المحبّين في الحافلات المختنقة..
عن "عبد الله" الذي يحصي أمّه..و زوجته..و شقيقاته..
خمس مرّات في اليوم..
قبل أن يبلى الشرف كحوافر الجياد..
خبّريني..
عن العصافير المجذّفة على شرائع الموت...
و الأسنان المخنّثة التي تعاف الخبز..
و الأسود التي تقامر بمخالبها..
و ترهن أنيابها تحت السياط...
عن القتلة..و المجرمين...
و هم يطالبون بحصّتهم من المدافن..
عن الجنود المتكئين على المدافع...
و داناتهم موجّهة إلى الأعراس...
و بنادقهم إلى قمصان ليلة الدخلة...
التي تنزف من غرّتها شهوة متلكّئة...
و معذّبة حتى الموت...
هل زرت قبر أخي..يا حبيبة؟
لا تتركيه يتفل على العشب اليابس و العوسجات الزرقاء..
فلقد قضى على ارض أخرى..
وهو يحلم بالنساء... و مشابك الشعر..و الجعة المثلّجة و قصاصات اللعب..
هل تزوّجت أختي من البحّار الأزرق العينين..
كانت تلبس أجمل في الكون من انوثة...
حليقة الإبط..
معطّرة الجدائل..
و تنتظره طويلا في الميناء...
و هي تلثم رسائله التي أكلها العث...
بلّغي سلامي إلى امّي...
قولي لها أني أحنّ إلى ثديها الذابل..
و قطرات الحليب المبعثرة على لساني..
قولي لها..
أن الغيمة التي حملتني..بعيدا عن قريتنا الصغيرة..
كانت ذليلة..مشوّهة..
و غادرة..
دحرجتني من مدينة إلى مدينة...
و من زقاق إلى زقاق..
و رمتني كالقمامة..للبصاق المتدّفق كالوجع...
للضحكات المسترسلة كالخديعة..
و انت يا حبيبة...
لم أعانقك جيّدا...يوم إفتراقنا..
لم أترك لك سوى أهدابي الطويلة تحت وسادتك..
و قبلة مقهورة...مختطفة على عجل..
كنت تمسكين ياقة معطفي...
و نهداك سيخان من الجمر في صدري..
السيول المنهمرة من عينيك...
أودعتها كلماتي الأخيرة المضرّجة في الدم...
"لا تحزني...سأعود يوما..
فدائما ما كانت حيرتي..
تطفو بي كالتابوت...مع لفافتي..و قصائدي..و منديلك الأبيض..
بحثا عن وطن يشبهني..
وطن لا يرسم على شكل الدمعة...
و ثورته لا اقف ذليلا على بابها..."



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن