لماذا نعبد العنوان ولا ندرك الجوهر؟

كامل كاظم العضاض
kaladhadh@yahoo.com

2011 / 11 / 26

تكاد هذه الظاهرة أن تسود في كل سلوكيات البشر، فالعنوان هو الإنتساب لشئ ما؛ حرفة، درجة علمية، عشيرة، دين ، مذهب، حزب، جمعية، نقابة، او حتى مدينة أو عصابة، ناهيك عن قومية أو أثنية، وهكذا، فغالبا ما نجد الحماس للإنتساب او أحيانا التفاخر بالإنتساب أو العضوية بواحدة أو أكثر من هذه المفردات طاغيا، بل ومثيرا للصراع وحتى الحروب، وخصوصا في حالات التمايز القومي والديني وأحيانا الحزبي، حيث يجري تغليب نظرة فئوية، تتصور نفسها أنها تملك الحقيقة التي تجعلها الأحق والأصوب، وتصنف غيرها بالدونية، وكل هذا بدون إعتبار للمقومات العلمية والعملية والأخلاقية الواقعية، ولسان حالهم يقول، "نحن، او دونكم عَدَمُ"! لا يمكن الخوض في موضوع شاسع كهذا بمقال قصير، بل الموضوع متعدد الإختصاصات، وقد تجد له تفاسير في أكثر من علم من العلوم العقلية والعلمية والإجتماعية، بما في ذلك علم النفس والصراع الإجتماعي والإقتصادي الذي يغلّف صراع المصالح ويموّهها. لسنا هنا في صدد سبر كل هذه الأغوار، بل سنكتفي بمعالجة جزئية صغيره هنا. وهي لماذا، حينما ننتسب لحزب ما، نرتهن له، لعنوانه ولكيانه ولوجوده، ونكاد نحوّله الى مقدس؟ وهنا لابد من المعالجة العقلية، إبتداءا بطرح الأسئلة المناسبة؟
لو سأل سائل، لماذا ينتمي المرء الى حزب ما أساسا؟ لنستبعد من الجواب، الشخص الذي ينتسب للحزب لإسباب وصولية ونفعية، وليس بسبب الرغبة في تحقيق نفع عام ومصلحة وطنية، ولنركز على أولئك الأشخاص الذين ينتسبون بصدق لتحقيق غايات سامية في نفوسهم، كأن ينشدون المساهمة في التأثير لتحقيق تطوير ورقي في البلاد، او لتحقيق عدالة إجتماعية وتنمية وحكومة عصرية ديمقراطية، قادرة على تحقيق النمو والرخاء والإستقرار والإرتفاع بالقيمة الأنسانية للبشر. مثل هؤلاء الناس هم من يشكلون الدافع العقلي بالإنتساب الى أحزاب. هنا سيبدو واضحا بأن تشكيل الحزب ليس هو الغاية، إنما الغاية هي الأهداف النبيلة التي تكمن وراء تشكيله، أي أن الحزب أو الإنتماء له ليس هو غاية بل وسيلة الى غاية، وعلى ذلك فإن التركيز ينبغي، عقلانيا، أن ينصب على الغاية وليس الوسيلة! وعلى ذلك، من المنطقي، بالمفهوم العقلي، أن ينصب التركيز على الغايات وليس الوسائل، فإذا فشلت الوسائل، هل يمكن إستبدالها للمضي لتحقيق الغايات بطريقة أكثر نجاحا، وبما يتوافق وسمو أخلاقيات تلك الغايات المنشودة؟ نعم، من الناحية العقلية والعملية يمكن ذلك. وهذا يعني بأنه لايجوز تقديس الوسائل، أنما تقديس الغايات بإعتبارها فضائل مطلقة، وهي تُؤخذ على إطلاقها، ما دامت بحدود المفاهيم، عماذا نريد، وليس كيف نريد؟ ذلك لأن "الكيف" يدخلنا بالوسائل، أم ال "ماذا"، فهي تشير الى الفضائل أي الغايات والأهداف. ولكن الوسائل، أو الكيف، يجب أن تكون متسقة أو منسجمة أو متطابقة نوعيا مع الغايات أو الأهداف، اي ال"ماذا" نريد. وهذا يعني بأن الغايات السامية يجب أن تتحقق بوسائل سامية، وهكذا قيل، " الغاية لا تبرر الوسيلة"، حينما لايكون هناك تطابق من حيث النوع، السمو في هذه الحالة، بين الغاية والوسيلة، وعلى ذلك لابد من إستبدال الوسيلة لتكون من ذات نوع الغاية. وهنا تنتفي الهالة القدسية التي أهالها البعض على الحزب أو المنظمة. ومن هنا لا يوجد مسوغ عقلي لعبادة الحزب، بإعتباره وسيلة وليس غاية. وهذا ما عبر عنه عنوان المقال، ونحن لانعبد العنوان، بل نفتش عن الجوهر، الجوهر يكمن في المحتوى وليس في العنوان، إذ يمكن تغيير عنوان هذا المقال الى عنوان آخر، مع الحفاظ على نفس المحتوى، اي نفس الجوهر، فلماذا نعبد العنواين ولا نفتش عن الجواهر. وهناك للأسف حالات شائعة لعبادة الشكل وليس المحتوى. وهناك حزب في بلادنا يرفع ويناضل منذ عقود طويلة من السنين من أجل أهداف نبيلة، ولكن عنوانه إرتبط بذاكرة الناس بغايات أو ممارسات خاطئة، قد تكون قد سببتها أحزاب أخرى بنفس العنوان في أماكن أخرى، ولكنه مع ذلك لايريد تغيير عنوانه! فهل صار يعبد عنوانه ومسماه؟ لا، في هذه الحالة، وفقا للمدخل العقلاني، أن نترك الشكل ونتمسك بالجوهر، فهو الأساس، أما العنوان أو الشكل فهو الثانوي.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن