الامازيغية في البرامج الانتخابية للاحزاب المغربية

امغار محمد
amrharmed@hotmail.com

2011 / 11 / 25

ذ/ محمد أمغار
محام بهيئة الدارالبيضاء
دكتور في العلوم السياسية
استاذ القانون الدستوري
جامعة الحسن الثاني بالدارالبيضاء



بعد النقاش الذي عرفته الساحة السياسية إبان وضع الوثيقة الدستورية الحالية وبعد انحياز واضعي الدستور في الشق الهوياتي إلى الإقرار بأمازيغية المغرب واعتبار اللغة الامازيغية لغة رسمية أسوة باللغة العربية ,وبعد التحديد دستوريا للمفاهيم الكبرى للهوية المغربية وآليات تفعيل الطابع الرسمي للغة الامازيغية من خلال التنصيص على ضرورة إصدار قانون تنظيمي يحدد شروط تفعيل الطابع الرسمي لهده اللغة وشروط إدماجها في التعليم ومناحي الحياة العامة ذات الأولوية.
لدلك وفي إطار تفعيل المقتضيات القانونية التي أتت بها الوثيقة الدستورية تم تحديد يوم 25 من شهر نوفمبر2011 كتاريخ لانتخاب مجلس النواب وبداية الولاية التشريعية الأولى في ظل الدستور الجديد.
وهذا مادفع الأسرة الحزبية المغربية للاستعداد لخوض غمار هذا الاستحقاق من خلال وضع برامج انتخابية بهدف استمالة الناخبين وتحديد مواثيق للاشتغال في السنوات المقبلة. و ما يهمنا في هذا الإطار هو تعامل البرامج الحزبية مع المقتضيات الدستورية الجديدة والتي أقرت بامازيغية المغرب وبكون اللغة الامازيغية لغة رسمية.
ان المتتبع للبرامج الانتخابية سوف يلاحظ أن اغلب الأحزاب المغربية أصرت على مواقفها السابقة والمشار إليها في المذكرات الحزبية المعروضة على اللجنة الاستشارية لتعديل الدستور.
وفي هذا الإطار فان حزب الاستقلال بقي وفيا لخطه الحزبي القائم على المحافظة على الإنسية المغربية بمختلف روافدها الإسلامية والعربية والامازيغية والإفريقية والمتوسطية وجعلها مصدر ثراء للوطن ورافعة للتنمية المحلية والجهوية.
كما قام برنامج الحزب على إعادة عبارة الوثيقة الدستورية من خلال التعهد بوضع قانون تنظيمي لترسيم اللغة الامازيغية بما يضمن حمايتها وإدماجها في التعليم وتنمية استعمالها في مجالات الحياة العامة ذات الأولوية. وهكذا وان كان الحزب قد تطرق إلى جزئيات دقيقة في برنامجه ذهبت إلى حد الإشارة إلى عدد السدود الثلية التي سوف ينجزها في مختلف جهات المملكة فان الحزب لم يكلف نفسه الحديث عن زمن هذا القانون التنظيمي وآليات وضعه ,هذا في الوقت الذي أشار فيه إلى ضرورة الكتابة باللغة الرسمية على تلقيف المنتوجات التجارية المعروضة في الأسواق متناسيا أو فات محرر البرنامج ان الوثيقة الدستورية تتحدث عن لغتين رسميتين وليس لغة رسمية واحدة.
أما حزب العدالة والتنمية فقد ذهب في برنامجه الانتخابي إلى الوعد باعتماد سياسة لغوية وطنية قائمة على التنوع وصيانة الوحدة وضمان الانفتاح وتحقيق السيادة اللغوية، وذلك من خلال تطوير إستراتيجية تدريس اللغة الامازيغية بشراكة مع المعهد الملكي للثقافة الامازيغية واعتماد مادة إضافية تشمل الثقافة الجهوية في البرامج الجهوية تعكس تنوع المغرب في ظل الثوابت الدينية والتاريخية للوطن مع مضاعفة مردودية برامج تكوين مدرسي الامازيغية واقرار نظام التكوين المستمر وإقرار مديرية لتدريس الامازيغية داخل الوزارة الوصية وإرساء مسالك وشعب خاصة بالامازيغية بالجامعة المغربية وإصدار القانون التنظيمي الخاص باللغة الامازيغية.
وهكذا وان كان الحزب قد اقر خط تيفيناغ في كتابة اسمه بالامازيغية فانه لم يتطرق إلى الآليات المرتبطة بتفعيل الطابع الرسمي للامازيغية ووضع حد زمني لوضع القانون التنظيمي وكذلك آليات اشتغال اللغة الامازيغية كلغة رسمية.
أما برنامج التحالف من اجل الديمقراطية الذي ضم ثمانية أحزاب فقد ذهب الى حد القفز عن الحديث عن اللغتين الرسميتين واكتفى بالحديث عن ضرورة اعتماد سياسة لغوية تضمن الارتقاء باللغات الوطنية والانفتاح وتملك اللغات الأجنبية وإخراج المجلس الوطني للغات إلى حيز الوجود ووضع قانون تنظيمي يحدد كيفيات إدراج الامازيغية في كل مناحي الحياة العامة مع الأخذ بعين الاعتبار جميع المكاسب المتحققة خلال العقد المنصرم وفق جدولة زمنية معقولة مع مراعاة المجالات ذات الأولوية ,وقد أشار ذات البرنامج إلى ضرورة التعاون المشترك مع كل الفاعلين السياسيين والمدنيين والإعلاميين من اجل إنجاح إدراج الامازيغية في الفضاءات العمومية.
وان كان هذا هو الحد الأدنى لبرنامج التحالف فان بعض أحزابه أصدرت برامجها الخاصة اختلفت في معطياتها بين الحد الأدنى المشار اليه في برنامج التحالف والتوسع في مقاربة إشكاليات الامازيغية وهكذا فقد ذهب الاتحاد الدستوري في نداء صاغ فيه برنامجه والذي اشار في جملة يتيمة فيه الى انه سيعمل على تعزيز تجدير الامازيغية ثقافة ولغة وحضارة.
هذا في الوقت الذي توسعت فيه الحركة الشعبية في مقاربة هذه القضية , وهكذا فان برنامج الحزب الانتخابي نص على ضرورة التعجيل بصياغة القانون التنظيمي المتعلق باجرأة وضعية الترسيم في أفق 2013 واعتبار ذلك من الأولويات الحيوية الضامنة لاستقرار البلاد وإنجاح المشروع التنموي الوطني،وتوطيد البناء الديمقراطي المغربي على أسس المساواة والعدل والكرامة الإنسانية.
وذهب إلى ضرورة بناء القانون التنظيمي للامازيغية على مبدأ ترسيخ المكاسب المتحققة في العشر سنوات الأخيرة التي تلت خطاب أجدير التاريخي وهي على الخصوص المبادئ الأربعة التي أطرت سياسة إدراج الامازيغية في قطاع التعليم ونعني بها الإلزامية التعميم، التوحيد واعتماد حرف تيفيناغ.
كما نص برنامج الحزب على العمل على تسريع وثيرة توفير الميزانيات والوسائل المادية والبشرية والقانونية من اجل إنجاح عملية تعميم تدريس الامازيغية باعتبارها لغة رسمية للبلاد وذلك على المستوى الأفقي والعمودي و وفق برنامج محدد و واضح مع جعل المقررات والمضامين الدراسية تستجيب لقرار ترسيم الامازيغية، وذلك بإدراج كل المعطيات الثقافية الامازيغية المتعلقة بمجالات التاريخ والجغرافيا والمجالات السوسيو- ثقافية وأسماء الإعلام الامازيغ في برامج التعليم الوطنية والجهوية.
وضع برنامج لمحاربة الأمية والجهل بالامازيغية من اجل تأهيل المواطنين الناطقين بها وتاطيرهم وإدماجهم في مشاريع التنمية.
العمل على جعل الإعلام المغربي إعلاما مواطنا يعتمد مبادئ المساواة والقرب وجعل الأعلام الامازيغية رافعة للتواصل والتنمية والتا طير والتثقيف والإخبار وإلغاء النظرة الفولكلورية التي تهدف إلى تنمية الثقافة الامازيغية في لوحات سياسية جامدة و هيكلة الإذاعة الامازيغية في شكل مديرية مستقلة وتقوية أجهزة البث وتطوير البرامج الامازيغية بالقنوات التلفزية الوطنية والزيادة في الحيز الزمني المخصص للبرامج التلفزيونية الامازيغية لبلوغ نسبة 30% من البث وتشجيع القناة الامازيغية بالاعتمادات المالية المطلوبة وعدم اعتبارها بديلا لحصة الامازيغية في القنوات الأخرى ومساواة العاملين في الإعلام الامازيغي الاذاعي والتلفزي مع كل زملائهم في القسم العربي والفرنسي في الاستفادة من دورات التكوين ونيل الجوائز التشجيعية.
الكتابة بالامازيغية وبحرفها تيفيناغ على واجهات المؤسسات العمومية والشبه العمومية وفي العلامات الطرقية وتصحيح الأسماء الامازيغية للاماكن التي سبق تحريفها او تغييرها وذلك اعتمادا على معطيات تاريخ المغرب في احترام تام للقواعد الإملائية للغة الامازيغية.
والعمل على إدراج الامازيغية في مجالات القضاء والصحة والإدارة العمومية وفق أجندة معقولة وتوفير الوسائل المادية والموارد البشرية المطلوبة لذلك.
الكف عن منع تسجيل الأسماء الامازيغية للمواليد بمكاتب الحالة المدنية سواء داخل المغرب او بالقنصليات المغربية بالخارج.
العمل على احترام مبدأ إقرار الدستور المغربي للهوية الامازيغية وإلغاء كل المفاهيم الاختزالية والاقصائية من الخطاب الرسمي ونشرات الأخبار وتصريحات المسؤولين المغاربة داخل المغرب وخارجه وذلك مثل عبارة المغرب العربي التي استبدلها الدستور بعبارة المغرب الكبير. والعمل على احترام تمثيلية الفاعلين الامازيغيين في المجالس.
وهو ما يدفع إلى القول بان البرنامج الحزبي للحركة يدخل في إطار الدعاية السياسية أكثر منه برنامج واقعي قابل للتطبيق خاصة وان الحزب نفسه لم يستطع تحرير برنامجه الحزبي بالحرف الذي يطالب أن تكتب به الامازيغية وهو حرف تيفيناغ.
هذا في الوقت الذي ذهب فيه الاتحاد الاشتراكي إلى تجنب الحديث عن الثقافة واللغة الامازيغية بشكل مباشر مكتفيا بمقاربة تعدد اللغات والثقافات الوطنية والآليات اللازمة لها، بحيث أشار الحزب في برنامجه الانتخابي الى ضرورة نهج مقاربة جديدة للتحكم في استيعاب اللغات الوطنية والأجنبية في إطار مخطط وطني يتم إعداده في إطار المجلس الوطني للغات والثقافات المغربية الذي اقره الدستور الجديد والذي يتعين الإسراع بتفعيله في غضون2012 مع تنصيصه على معالجة المسالة الثقافية كسياسة عمومية تستلزم : إعداد ميثاق وطني للثقافة بمشاركة مختلف الفاعلات والفاعلين يحدد التوجهات الأساسية للسياسة الثقافية ويبرز الإنسية المغربية التي تجسد هوية الإنسان المغربي المتعددة المشارب والمتماسكة حول القيم الثقافية التي تجعل منه ذلك المواطن المعتز بإرثه الثقافي والمتفتح على تطورات العصر وثقافاته من جهة.والعمل على إيجاد الآليات والإجراءات الملائمة لخلق تناغم ضروري بين تنوع مختلف المكونات الثقافية المغربية في إطار منظومة ثقافية وطنية حديثة متنوعة ومتماسكة من جهة أخرى, دون إغفال إذكاء سياسة ثقافية نابعة من الوسط الثقافي والمجلي تعطي أولوية للبعد الجهوي والإقليمي سواء على مستوى البنيات او على مستوى الحكامة او التمويل.
هذا في الوقت الذي نجد فيه ان حزب التقدم والاشتراكية بحكم تعامله مع القضية الثقافية الامازيغية منذ بداية السبعينيات من القرن الماضي ومقاربته الحقوقية للقضية. كان اكثر الأحزاب واقعية في مقاربته لمقتضيات الوثيقة الدستورية، بحيث جاء في البرنامج الانتخابي للحزب على انه سيعمل على ضمان شروط إعطاء الامازيغية وضعها الدستوري كلغة رسمية من خلال التعجيل بإصدار القانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للغة الامازيغية وكذا صيغ إدماجها في المجالات ذات الأولوية في الحياة العامة. مع تشبت الحزب بتقوية الشراكة مع النسيج الجمعوي الامازيغي ضمانا للتطبيق السليم للمقتضيات الدستورية.
وقد حدد الحزب شروط مشروع القانون التنظيمي في العمل على الحفاظ على المكاسب المؤسساتية المتحققة للامازيغية خلال العشر سنوات الأخيرة وترسيخها في التعليم والإعلام والمجالات السوسيو-ثقافية والقيام بتحسين موقع اللغة الامازيغية في المشهد الإعلامي الوطني وتقوية إمكانيات قناة تمازيغت. وتقوية اللغة الامازيغية في المؤسسات التعليمية في أفق تعميمها.
مع العمل على التعميم التدريجي لاستعمال اللغة الامازيغية في الفضاءات والخدمات العمومية، ووضع حد للخروقات التي تطال مظاهر الهوية الامازيغية في الحياة العامة.
وهكذا وان كانت البرامج الانتخابية الحزبية في تعاملها مع القضية الثقافية واللغوية الامازيغية قد اخدت الى حد كبير المعطيات التي نصت عليها الوثيقة الدستورية الجديدة، فانه وبالرجوع الى تعامل الفاعل السياسي مع اللغة الامازيغية ابان الحملة الانتخابية نجد ان المشرع وبناءا على مقتضيات المادة117من القانون رقم 11-57 المتعلق باللوائح الانتخابية العامة و عمليات الاستفتاء واستعمال وسائل الاتصال السمعي البصري العمومية خلال الحملات الانتخابية.
وبناءا على المرسوم610-11-2 الصادر في 4 نوفمبر2011 والمتعلق باستعمال وسائل الاتصال السمعي البصري العمومية خلال الحملات الانتخابية قد رسم في المادة الثالثة من المرسوم ان الأحزاب السياسية تستعمل خلال حصص البث المخصصة لها العربية أو الامازيغية أو هما معا وذلك داخل وسائل الاتصال السمعي البصري العمومية، ويفصد بوسائل الاتصال السمعي البصري العمومية في مفهوم المرسوم و وفق ما جاء في المادة الثانية منه القنوات الإذاعية والتلفزية المتمثلة في الإذاعة الوطنية والإذاعة الامازيغية، القناة التلفزية الأولى، قناة تمازيغت، القناة الثانية وقناة ميدي1.
وبملاحظة الحصص الحزبية في مختلف وسائل الاتصال السمعي البصري المشار إليها نحد أن الأحزاب كلها قد استعملت اللغة العربية في مختلف القنوات والإذاعة الوطنية مكتفية في اغلبها باستعمال لغة امازيغية في قناة تمازيغت والإذاعة الامازيغية، وأكثر من هذا فإننا نجد ان أحزابا كثيرة لم تستطع ان تتدخل بالامازيغية في حصصها بقناة تمازيغت مكتفية باستعمال اللغة العربية في كل حصصها البثية.ومن جهة أخرى وعلى الرغم مما جاء في البرامج الحزبية فان أي حزب لم يستطع كتابة برنامجه الانتخابي بالامازيغية وحرفها تيفيناغ مكتفية في غالبيتها بكتابة اسم الحزب بذات الحرف مما يفيد فراغ الأحزاب المغربية من الأطر القادرة حقيقة على تفعيل الطابع الرسمي للامازيغية الشيء الدي أعطى للباحث فكرة عن مدى رقي النصوص القانونية ومنها الوثيقة الدستورية مقارنة مع ما هو سائد داخل دواليب الإدارة والأحزاب السياسية.
لذلك فان قيادات الأحزاب السياسية إن أرادت حقيقة تفعيل المقتضيات الدستورية المتعلقة بالطابع الرسمي للغة الامازيغية فأنها ملزمة بإعادة النظر في ممارستها السياسية والانفتاح على الطبقات الحاملة للثقافات الشعبية وإعادة الاعتبار للمدرسة العمومية عوض إدماج أبناءها بمدارس البعثات الأجنبية بهدف تولي المناصب السياسية والاقتصادية المهمة في دواليب الدولة والاكتفاء بالدعاية الفارغة بالدفاع عن اللغات الوطنية في المدرسة العمومية والأسواق الشعبية.
الدارالبيضاء في 21/11/2011



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن