الفلسطينون يغيرون شروط اللعبه

سنية الحسيني
sania_hus@yahoo.com

2011 / 9 / 27

الفلسطينيون يغيرون شروط اللعبة

د. سنية الحسيني

إن ذهاب الفلسطينيين إلى الأمم المتحدة لمطالبة المجتمع الدولي بالاعتراف بالدولة الفلسطينية وطلب عضوية فلسطين في المنظمة الدولية يأذن بداية عهد جديد للفلسطينيين. فالمفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية طوال العقدين الماضيين لم تحقق الهدف الأول والرئيس منها والمتمثل بانهاء الاحتلال وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة، ولم تعد الولايات المتحدة تمثل وسيطاً نزيهاً مقبولاً لدى الفلسطينيين والعرب وربما المجتمع الدولي بعد أن فشلت في إخفاء انحيازها الأعمى لإسرائيل. لقد قرر الفلسطينيون أن يتوجهوا إلى الأمم المتحدة لانتزاع الاعتراف بدولتهم من المنظمة الدولية بعد مماطلة إسرائيلية طويلة وممارسة إسرائيلية مستفزة على الأرض رمت إلى طمس الحق الفلسطيني في ظل صمت وربما تواطؤ أمريكي. وكما قررت الشعوب العربية أن تبدأ عهداً جديداً يحمل الحرية والديمقراطية والعدالة، قرر الفلسطينيون كذلك أن يبدأوا عهدهم الجديد بمعركة دبلوماسية سلمية لانتزاع حقوقهم المشروعة والتي أقر بها القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية.

وليس مفهوماً موقف تلك الأطراف التي تعارض ذهاب الفلسطينيين إلي الأمم المتحدة، لانتزاع الاعتراف بفلسطين من المجتمع الدولي وطلب العضوية لها في المنظمة الدولية، لأن موقف هذه الاطراف يتسم بالتناقض، ويتساوق مع موقف كل من إسرائيل والادارة الامريكية. ولعل محاولات إسرائيل والولايات المتحدة جر الفلسطينيين للعودة للمفاوضات والتي وصلت لحد التهديدات، يتطلب من جميع الأطراف اعادة النظر والتمحيص في أهمية هذه الخطوة الدبلوماسية الفلسطينية خصوصاً بعد اليأس والاحباط الذي أصاب الفلسطينيين بعد عملية تفاوضية عقيمة فقدت خلالها المفاوضات مصداقيتها.

لقد فقدت أغلبية من الفلسطينيين الثقة في جدوى المفاوضات مع إسرائيل واعتبروها مجرد تضليل لإستمرار سياسة إسرائيل بفرض الأمر الواقع على الأرض ومصادرة الأمل باقامة دولة فلسطينية مستقلة، وذلك ما تؤكده بالفعل سياسة إسرائيل التي تصر على التفاوض في ظل استمرار الاستيطان. كما شكك العديد من الفلسطينيين بجدوى مرجعيات أوسلو وطالبوا باعادة النظر فيها، وطالب آخرون باللجوء إلى خيارات أخرى غير خيار المفاوضات، بعد أن أثبت هذا الخيار فشله الذريع.
يأتي القرار الفلسطيني بالذهاب إلى الأمم المتحدة استناداً إلى الحق الفلسطيني الذي ضمنته قرارات العدالة الدولية، وفشلت المفاوضات في انتزاعه. وإن كان أحد دوافع الذهاب إلى الأمم المتحدة هو اعادة التأكيد على المرجعيات القانونية للقضية الفلسطينية والتي تحظى بدعم معظم دول العالم، فإن النتيجة الأهم هي أن اجراء أية مفاوضات فلسطينية إسرائيلية مستقبلية ستكون مستندة لمرجعيات قانونية جديدة مرتبطة بالاعتراف بفلسطين كدولة. وهذا ما يفسر معارضة إسرائيل الشديدة لذهاب الفلسطينيين للأمم المتحدة.

أن خيار الذهاب إلى الأمم المتحدة لا ينفي الخيارات الأخرى التي تبقى مفتوحة أمام الفلسطينيين، فالرئيس الراحل ياسر عرفات طالب العالم في خطابه التاريخي في الجمعية العامة قائلاً:"لا تسقطوا غصن الزيتون من يدي" ولكنه أبقى خيارات الشعب الفلسطيني مفتوحة. من ناحية أخرى إن الذهاب إلى الأمم المتحدة لانتزاع اعتراف العالم بالدولة الفلسطينية لا يمس بمكانة منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني. ولا تفقد منظمة التحرير الفلسطينية مبرر وجودها إلا عندما يحصل الفلسطينيين على حقوقهم الكاملة وعلى رأسها الاستقلال وحق العودة.

إن قرار الذهاب إلي الأمم المتحدة يكتسب أهمية فائقة لأنه يعكس تطوراً في التفكير والممارسة السياسية الفلسطينية، ويمكن وصفه بأنه تحول هام لدي صانع القرار الفلسطيني، لأنه بهذا القرار يتمرد علي القوالب السياسية التي ضبطت السلوك السياسي الفلسطيني حتي الآن. فقرار الـذهاب إلي الأمم المتحدة ينطوي علي قناعة بضرورة البحث عن مسار بديل في السعي لانهاء الاحتلال وتحقيق الأهداف الوطنية الفلسطينية والاستعداد لتحمل تبعات مثل هذا القرار بما ينطوي عليه من مخاطر. ويبدو أن صانع القرار الفلسطيني بات يدرك أن استمرار الوضع القائم الذي يهدد الوجود المادي للشعب الفلسطيني على أرضه، هو الخطر الأكبر الذي تصغر إلى جانبه أية مخاطر أخري كالذهاب الي الأمم المتحدة. إن القرار بالذهاب الي الأمم المتحدة ينطوي علي أهمية استراتيجية أخري تتمثل في الحفاظ علي استقلالية القرار الفلسطيني وتوسيع هوامشه. كما أن هذا القرار يضع القضية الفلسطينية ومطالب الشعب الفلسطيني بالانعتاق من الاحتلال ونيل الاستقلال الفلسطيني علي رأس الاجندة السياسية الدولية. 

إن الآثار القانونية والدبلوماسية التي تترتّب على الاعتراف بالدولة عديدة ومتنوّعة ولا يمكن التقليل من أهميتها. كما أن طلب العضوية في المنظمة الدولية على قدم المساواة مع الدول الأخرى سيمكن الدولة الفلسطينية من التقدم بشكاوى إلى المحاكم الدولية ذات الاختصاص ضد أي تهديد أو عمل من شأنه أن يمس بحقوقه. كما سيكون بمقدور الدولة طلب الحماية من المجتمع الدولي إذا ما برزت الحاجة إلى ذلك.

لقد أحدث قرار الذهاب إلى الأمم المتحدة حالة من التعبئة الشاملة في أوساط الفلسطينيين في كل مكان، كما أحدث حراكاً واسعاً غير مسبوق في الساحة الدولية. وأيا كانت نتيجة التحرك الفلسطيني، فإنه لا ينطوي علي أضرار تضاهي الجوانب الايجابية التي سيحققها هذا التحرك. ويأتي هذا القرار في لحظة تاريخية مواتية حيث ربيع الثورات العربية التي تطالب بحقها في الحرية والحياة الكريمة،  وفي لحظة تلقى فيها مطالب الشعب الفلسطيني بالحرية والاستقلال آذاناً صاغية. إن قرار الذهاب إلي الأمم المتحدة هو قرار فلسطيني تاريخي يقتضي من الفلسطينيين توحيد الصفوف لانهاء معاناة طويلة تحملوها وتضحيات جسام تكبدوها لعقود من الزمان. 

إن اصرار الولايات المتحدة على مجاراة إسرائيل في سياساتها المتعنة الرافضة للسلام كلف الولايات المتحدة مكانتها وسمعتها في المنطقة. وفي حين أن سياسة إسرائيل تجاه الفلسطينيين لم تعد مقبولة وكلفتها تعاطف العديد من شعوب العالم وحكوماته ومحاصرتها وعزلها دولياً، إلا أن التطورات المتلاحقة في المنطقة العربية تنبؤ بمزيد من التوترات في المنطقة لغير صالح إسرائيل والسياسة الأمريكية. لقد شكل ذهاب الفلسطينيين إلى الأمم المتحدة إختباراً لمصداقية الولايات المتحدة وسياستها في منطقة الشرق الأوسط في ظل ثورات الربيع العربي التي تطالب بالحرية، إلا أن مواقف الادارة الأمريكية فشل في هذا الاختبار بعد أن جعلت الولايات المتحدة نفسها خصماً رئيسياً للفلسطينيين بدلاً من أن تكون وسيطاً نزيهاً بينهم وبين الإسرائيليين، كما تجلى ذلك في خطاب الرئيس أوباما الأخير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. والسؤال المطروح الآن هو إن كانت هناك فائدة من التعويل على الإدارة الأمريكية مرة أخرى ومطالبتها باعادة النظر في موفقها.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن