محددات الاستثمار الأجنبي المباشر في الدول النامية

فلاح خلف الربيعي
faalah@gmail.com

2011 / 9 / 14

يركز مفهوم مناخ الاستثمار في العادة على كيفية تخفيض المخاطر التي تواجه الشركات الاجنبية في الاقتصادات النامية ، وهو يختلف بذلك عن مفهوم بيئة الأعمال ، الذي يركز في العادة على كيفية تخفيض تكلفة الإنتاج . وفي الغالب نجد أن هناك نوع من الارتباط بين مفهوم مناخ الاستثمار والمحددات الاقتصادية ن التي تتشكل من مجموعة العوامل التي تساهم في تحديد طبيعة البيئة الاقتصادية ودرجة استقرارها ، وتعمل تلك المحددات كعناصر جذب أو طرد للاستثمار الخاص ( المحلي والأجنبي )،فمن خلالها يمكن أن نتعرف على مستوى العجز في الموازنة العامة، ومستوى العجز في ميزان المدفوعات.ومعدلات التضخم ، وسعر الصرف الأجنبي ،ومدى استخدام أدوات التخطيط المالي والتجاري والاستثماري.
ولا يقف مفهوم مناخ الاستثمار عند المحددات الاقتصادية بل يتعداها إلى المحددات السياسية والمؤسسية والاجتماعية ، فالبلدان التي لا يتمتع بدرجة معقولة من الاستقرار السياسي ترتفع فيها درجة المخاطرة في عملية الاستثمار، وتبتعد عنها تدفقات الاستثمار الأجنبي، مهما كانت الفرص أو الامتيازات التي تقدمها . كما تؤدي العوامل المؤسسية كالقوانين و المؤسسات المنظمة للأحوال الاجتماعية ، لاسيما القيود والشروط التي تفرضها قوانين العمل دورا مهما في اجتذاب أو هروب المستثمر الأجنبي إلى دول ذات ظروف عمل أفضل.
وتهدف هذه المقالة إلى التعريف بأهم محددات الاستثمار الأجنبي والعوامل الأخرى ذات الصلة باختلاف بيئة العمل في الدول النامية المضيفة للاستثمار الأجنبي المباشر. وتقسم هذه المحددات إلى نوعين خارجية وداخلية.

اولا: المحددات الخارجية :
تشمل على المزايا الاحتكارية للشركات متعددة الجنسيات ومن أهمها :-
أ- رأس المال : تمتلك الشركات متعددة الجنسيات مصدرا كبيرا لرأس المال الرخيص مقارنة بالشركات المحلية المنافسة في الدول المضيفة أو الشركات الأجنبية الصغيرة ، يرتبط بامتلاك فروعها لمصادر داخلية كبيرة للتمويل، وبقدرتها على الدخول إلى أسواق الدول المضيفة والحصول على التمويل المناسب ، فضلا عن علاقتها الطيبة مع فروع المصارف الأجنبية العاملة في الدول المضيفة.
ب- تفادي أخطار التقلب في أسعار الصرف الأجنبي : يتم ذلك بتحويل أرباحها إلى الخارج (الدول الأم) بمعدل صرف مرتفع، في ظل سماح القوانين الحاكمة للاستثمار في الدول المضيفة بحرية انتقال الإرباح ورؤوس أموالها المستثمرة إلى الخارج ، وبتنويع استثماراتها بين الدول المختلفة .
ت-الإدارة : تمتلك الشركات متعددة الجنسيات مهارات إدارية عالية تساعدها على زيادة كفاءتها الإنتاجية مقارنة بمثيلاتها من الشركات المحلية، وتتزايد هذه الميزة مع اكتساب مديري تلك الشركات للخبرة ، و تزايد الإنفاق على البحث والتطوير.
ث- التكنولوجيا : تمتلك الشركات متعددة الجنسيات تكنولوجيا متطورة مقارنة بمثيلاتها المحلية أو نظيراتها من الشركات الأجنبية الصغيرة ، ويرتبط هذا المستوى التكنولوجي بزيادة الإنفاق على البحوث والتطوير، فضلا عن تركز استثماراتها في الدول الصناعية المتقدمة ، وتحكمها في التكنولوجيا المتطورة ،مما يزيد من إمكانية تلك الشركات على اكتشاف عمليات إنتاجية ومنتجات جديدة تواكب احتياجات السوق .
ج-التسويق : تمتلك الشركات متعددة الجنسيات إمكانات تسويقية عالية ومتطورة ، بالشكل الذي يمكنها من تمييز و تنويع منتجاتها، و يسهل دخولها إلى الأسواق المختلفة بكفاءة تسويقية عالية.
ح-وفورات الحجم : تستطيع الشركات متعددة الجنسيات من خلال إنتاجها الضخم الاستفادة من مزايا وفورات الحجم وتخفيض تكاليف الإنتاج .
خ- القوة التفاوضية والسياسية : تتوافر لدى العديد من الشركات متعددة الجنسيات القدرة على إتمام المفاوضات مع حكومات الدول المضيفة بشروط مناسبة مقارنة بنظيراتها المحلية ، ويرتبط ذلك بعاملين، الأول ،هو امتلاكها للموارد النادرة وبخاصة رأس المال والتكنولوجيا، والثاني، نفوذها السياسي المستمد مما تقدمه حكومات الدولة إلام من معونات وقروض للدول المضيفة، فضلا عن دور العلاقات الدبلوماسية والسياسية التي تتم بين مسئولي دولها والمسئولين في الدولة المضيفة .

ثانيا المحددات الداخلية :
تشمل المحددات الداخلية حزمة العناصر والمزايا المكانية في الدول المضيفة،التي تشجع أو تعوق الاستثمار الأجنبي المباشر وخلافا للمحددات الخارجية، فإن هذه العوامل تكون تحت سيطرة الدول المضيفة، ومن ثم يمكن تطويعها لتمكن تلك الدول من جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية إلى داخل أراضيها . وهناك العديد من المحددات الداخلية التي تتراوح بين محددات اقتصادية وسياسية واجتماعية وقانونية .
1-المحددات القانونية والإدارية والمؤسسية:
تتعلق المحددات القانونية بدرجة استقرار التشريعات الحاكمة للاستثمار الأجنبي المباشر للدول المضيفة، ومدى التسهيلات في إجراءات الاستثمار، ومدى وجود التشريعات الهادفة إلى تقليص ملكية الدولة للمشروعات والمصارف، ومدى تعددية التشريعات المنظمة للاستثمار، التي تنعكس سلباً على درجة شفافية ووضوح تلك التشريعات أمام المستثمرين، فضلا عن مدى وجود القوانين المتعلقة بحقوق الملكية و القوانين التي تنظم المنافسة وتمنع الاحتكار .
أما المحددات الإدارية فتتعلق بمدى سهولة الإجراءات الإدارية ومدى ابتعادها عن البيروقراطية والفساد الإداري التي تزيد من تكاليف الاستثمار، كما تتأثر المحددات الإدارية بمدى توفر المعلومات عن فرص وحوافز الاستثمار، ومدى توافر الكفاءات الإدارية في وكالات ترويج الاستثمار وقدرة هذه الوكالات على تحقيق أهدافها .
أما المحددات المؤسسية فتتعلق بمدى وجود إصلاح مؤسسي، وعلى وجه الخصوص مدى منح الأولوية للنواحي القانونية و حماية حقوق الملكية والتنفيذ القانوني للعقود التجارية ، وإصلاح الائتمان وأسواق رأس المال ؛ و تعزيز سيادة القانون ؛ وتحسين كفاءة إجراءات الاستيراد والتصدير؛وخفض الروتين الذي يواجه رجال الأعمال عادة عند تعاملهم مع المؤسسات الحكومية . , 2008,16) Mick Moore and Hubert)
2- المحددات الاقتصادية – وتشمل العوامل الآتية :- (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار في مصر ،2004،5- 7)
أ- مدى استقرار الاقتصاد الكلي : تعتمد عملية جذب الاستثمارات على مدى استقرار متغيرات الاقتصاد الكلي واستقرار ووضوح السياسات المالية والنقدية وتراجع مستوى البطالة والتضخم .
ب-الحزمة المصرفية والتمويل: تتمثل بمدى توافر مصارف كافية ذات قدرة على إدارة المشروعات الدولية المتنافسة من خلال ما تقوم به من تمويل لتلك المشروعات ،فتوافر الكفاءة في تلك المصارف يحفز على جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية إلى الدول المضيفة، كما أن صعوبة الحصول على الائتمان ومزاحمة الحكومة للقطاع الخاص في الحصول على الائتمان، وعدم إتباع الأسس الاقتصادية في تقديم الائتمان ، تنعكس سلباً على قرارات الاستثمار الخاص الذي هو بحاجة إلى الحصول على الائتمان بشروط اقتصادية سواء في مراحل التأسيس أم التشغيل .
ت- حجم السوق في الدول المضيفة : يعبر عنه باستخدام عدة مؤشرات مثل الناتج المحلي الإجمالي أو عدد السكان أو نصيب الفرد من الناتج القومي الإجمالي ، فكلما كان حجم السوق كبيراً ، حفز على تدفق المزيد من الاستثمار الأجنبي المباشر إلى الدولة المضيفة .
ث- إمكانية الدخول إلى الأسواق الإقليمية والدولية: يعد هذا المحدد من أهم المزايا المكانية التي تساعد على تدفق المزيد من الاستثمارات إلى الدول المضيفة.
ج- مستوى كفاءة البنية الأساسية : التي تنعكس على مستويات أسعار خدمات النقل والتوزيع، التي تحدد بدورها مستوى تكاليف الاستثمار و معدل العائد على رأس المال المستثمر .
ح- مدى وضوح الهيكل الضريبي : يؤدي عدم وضوح الهيكل الضريبي إلى أضعاف قدرة المستثمر على تحديد الوعاء الضريبي الخاضع للضريبة ، فضلا عن ارتفاع أسعار ضريبة الشركات .
خ- الوفرة النسبية لعناصر الإنتاج ومدى كفاءة القوى العاملة: انخفاض كفاءة و/أو ندرة عناصر الإنتاج يرفع من تكلفة الاستثمار ويقلل من قابلية الدول المضيفة على جذب الاستثمار .
د- فرص التصدير : أن زيادة فرص التصدير للمشروعات الاستثمارية تساعد على تدفق المزيد من الاستثمارات إلى الدول المضيفة..
ذ- مدى توافر الموارد الطبيعية في الدولة المضيفة : تساعد وفرة الموارد الطبيعية على تدفق المزيد من الاستثمارات إلى الدول المضيفة..
هـ- القدرة التنافسية والإمكانيات التكنولوجية. تساعد زيادة القدرة التنافسية والإمكانيات التكنولوجية على تدفق المزيد من الاستثمارات إلى الدول المضيفة..
3-المعايير البيئية : التشدد في المعايير البيئية أسهم في الحد من تدفق الاستثمار المباشر إلى الدول المضيفة وعلى النقيض من ذلك قد يتدفق الاستثمار الأجنبي المباشر إلى الدول التي لا تولي أهمية كبيرة إلى تلك المعايير. والدول النامية عادة ما تكون اقل تشددا في المعايير البيئية مقارنة بالدول المتقدمة ، وهذا ما يفسر تركز قسم كبير من الصناعات الملوثة للبيئة في عدد من تلك الدول .
و يمكن ترتيب المحددات الداخلية بحسب تأثيرها على الاستثمار الأجنبي المباشر إلى خمس مجموعات، وعلى النحو الأتي:- (المؤسسة العربية لضمان الاستثمار ،1993)
المجموعة الأولى: تشمل المحددات الاقتصادية والمؤسسية ، وهي مدى الاستقرار الاقتصادي والبيروقراطية الإدارية وصعوبة التسجيل والترخيص، ومدى وضوح واستقرار قوانين الاستثمار، ومدى ثبات أسعار صرف العملة المحلية، وحجم القيود المفروضة على تحويل الأرباح ، ومدى توفر الكفاءات الإنتاجية لتشجيع الاستثمار.
المجموعة الثانية: تشمل العوامل المتصلة بالبيئة الاستثمارية، مثل مدى توفر النقد الأجنبي، وحجم صعوبات التعامل مع الأجهزة المعنية بالاستثمار، ومدى صعوبة التنقل والحصول على تأشيرات الدخول،وحجم الأيدي العاملة المدربة، ومدى وجود جهات ترعى مصالح المستثمر الأجنبي، ومدى توفر شريك محلي .
المجموعة الثالثة: تشمل على البنى الأساسية ،والاستقرار الأمني ،و مدى ازدواجية الضرائب، وارتفاع معدلات الضرائب ،ارتفاع معدلات التضخم، و توفر خرائط استثمارية.
المجموعة الرابعة: حجم الدعم المادي والمعنوي من قبل الدولة المضيفة ، وحجم السوق المحلية، والفرص الاستثمارية، ومدى احتكار القطاع العام للأنشطة الاقتصادية، ومدى توافر أنظمة مصرفية متطورة، ومدى تفشي الرشاوى والعمولات، ومدى التكامل الاقتصادي، وحجم القيود المفروضة على رأس المال.
المجموعة الخامسة: تشمل مدى توافر بنوك للمعلومات، ومدى التنسيق بين الدوائر الرسمية المعنية بالاستثمار،ومدى تنفيذ التزامات القطر المضيف للاستثمار، ومدى وجود سوق مالية متطورة، ومدى ثبات السياسة الاستثمارية، و معدلات الفائدة على التسهيلات الائتمانية، ومدى كفاية الحوافز للاستثمارات الوافدة.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن