مت قاعدا..!!

توفيق الحاج
tawfiq51@hotmail.com

2011 / 7 / 21

اعذروني... لن أحدثكم هذه المرة في السياسة المحلية.. ،ولا في ثورات ( الجزيرة ) العربية ،ولا في طبيخ البصارة على البطاطا المقلية ..!! فقط تحملوني أو لا تتحملوني في موضوع خاص يمس شريحة من البشر وأنا منهم .. شريحة أشبه ب (خيل الانجليز) يطلق عليها الواقع ا لمتخلف الرصاص في الرأس و بلا رحمة!!
وهذه ربما تكون فرصة لمراجعة جماعية، وإعادة نظر في سلوك اجتماعي عام ،وقد يكون من الملائم إبداء الرأي للخروج من العصف المشبع بما يفيد وينفع، فالناس أجمعين في طريقهم إلى الستين إلا من تولى وصار في خبر كان ،والمتغطي بالزمن عريان..!!

أعددت نفسي مرتين في سابقة نادرة لهذه اللحظة المصيرية التي تفصل بين زمنين مختلفين ،وحياتين متباينتين لشخص واحد..
نعم جهزت ما يكفي من زاد نفسي بسؤال من سبقوني، وتمثل مشاعرهم ، وكنت اعرف أن حياة ما بعد التقاعد لابد، وان تشوبها مرارة التغير المفاجئ في المشاهدات ،والعلاقات ،والممارسات وقد عايشت قصصا كثيرة بنهايات مؤلمة لبعض من تقاعدوا
مدرس متقاعد انتهى به المطاف بائعا للنعنع..!! وآخر طلق زوجته طلاقا بائنا بعد أن بذرت مدخرات السنين في سنتين..وحولته إلى فقير هندي مريض بالوحدة والقهر... لم يرحمه إلا الموت ..!!ومتقاعدة أصيبت بالجنون وماتت كمدا عندما اكتشفت أن مدخراتها التي وضعتها في حساب أخيها تبخرت بعد وفاته في جيوب الورثة ..!!
عرفت بالمقابل وللإنصاف قصصا أخرى ناجحة لبعض آخر
مدرس متقاعد أصبح رجل أعمال يراوح السفر بين غزة والخليج ، ومتقاعد ثان أصبح مالك عقارات ، وثالث أصبح تاجرا في كل شيء، ورابع منحه الله الكنز الذي لا يفنى ،واكتفى من الحياة بقليلها ،والمراوحة بين البيت و المسجد ..!!
أما أنا فقد ودعت أحبائي مرتين، وتذوقت طعم التقاعد مرتين ... ،وعلى الرغم من استعدادي المسبق ،وتجلدي ،وتسلحي بالنكات والضحكات والابتسامات ،إلا أن داخلي ومن قبل التقاعد كان يطفح شيئا فشيئا بمرارة مضاعفة ، وكآبة مطبقة وكأني انتظر حكما بالإعدام..!! حتى أني وأنا أودع أحبتي وأبنائي في حفل التكريم..!! قلت صراحة أن هذا مع كل العرفان ما هو إلا حفل تأبين !! تذكر فيه المناقب والمحاسن ومن ثم نقلب الصفحة.
أما بعد التأبين...آسف.. اقصد التقاعد فقد تشابهت الأيام جدا بعد مرور الأسبوع الأول وأصبحت أعيش فراغا قاتلا لم من قبل التقاعد يستطع اللاب توب أو الكتاب والكتابة أو التلفزيون أن يخففوا منه.. أصلحت ما يمكن إصلاحه في البيت كنت ولازلت أحس ببعض الراحة والهدوء النفسي في صلواتي وتلاواتي.. إلا أني أعاني من فارق التغير رغم سؤال المحبين، وهم كثر عن أحوالي ،وصحتي
لاشك أن الجوال اخذ يستغرق في النوم طويلا بعد ان كان يزعجني في القيلولة فأعاقبه بان يظل صامتا.
ولاشك أن الأولاد والأصدقاء والمعارف بدءوا يناقشون بمهارة طارئة ،وصوت أعلى المشاريع ،وخطط المستقبل..!!
ولاشك أني متردد حتى العجز أمام مغامرة قد تجعلني صفرا، وظهري والحائط
ولاشك أن هذه اللحظات تبين لي الذهب من الصفيح..!!
كثيرون هم الذين حافظوا على بنوتهم لي ،وأبوتي لهم ،ولم ينسوني ،وأنا لم ولن أنساهم ما حييت
كثيرون هم أيضا الذين كانوا يتقربون ، ويتمسحون ، وبعد التقاعد تبخروا.. فلا أسف عليهم بعد الضغط على أمر (حذف)..!!
إنها سنة الحياة التي يجب أن تستمر بي أو بدوني.. فما أنا في النهاية إلا قطرة من نهر يسير من منبعه إلى مصبه.
لن يفاجئني شيء.. كل شيء ممكن في هذه الحياة.. الوفاء والعقوق .. التواصل والنسيان ...الحب والمصلحة.. نشيج القلب ودموع التماسيح.. فانا لم اعد املك أمام كرنفال الزيف والحقيقة، إلا الابتسامة، والحزن، وكومة ضخمة من الصور والذكريات..!!
لن اندم على أي لحظة مرت بحلوها ، أو مرها في حياتي لأنها ببساطة حياتي..!!
فقط ما يشغلني الآن أني أفكر منذ فترة ولا أزال في (طريق آمن) ..!! يوفر لي ولمؤسسة الشئون الاجتماعية التي أرعاها لقمة عيش تحفظ لنا ما تبقى من كرامة. فليس لي سوى الله ثم ما ادخرت.. وصور السابقين القاتمة لا تفارق عيناي..!!
ولو خيروني من جديد بين الراتب التقاعدي أ و الادخار لاخترت الأول لأنه يريحك نفسيا ويطمئنك نوعا ما على مصير من بعدك و لان كثيرا من متقاعدي الراية الزرقاء، وقعوا ضحايا لمحترفي النصب وأصبحوا ع الحديدة يبحثون عن كوبونات ..!!
لفتت نظري النظرة المتشائمة لأحد المتقاعدين مفسرا كلمة ( متقاعدا) بأنها مت قاعدا ،وأنا رغم شعوري بمرارة التقاعد إلا أني لن أموت بإذن الله قاعدا ،وإنما كما الأشجار واقفا فالإنسان بإرادته يستطيع أن يتجاوز التغيرات ، ويكون على قدر التحديات . فالتقاعد ليس بالضرورة ان يكون نهاية بل من الممكن أن يكون بداية.
اعرف أناسا بدءوا حياتهم الحقيقية بعد أن خلعوا عباءة الوظيفة.
المهم أني سأحاول فان نجحت فبها ونعمت، وان لم انجح فيكفني شرف المحاولة..!!
اللهم إني عبدك .أفوض أمري إليك، وأتوكل عليك، فأنت حسبي، ونعم الوكيل.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن