في الناصرية ..نهاية لعلاقة حب مندائية

حسين طعمة
hussiss@yahoo.com

2011 / 7 / 10

في الناصرية ..نهاية علاقة حب مندائية
*************** **************
في الناصرية ,ثمة عاشقان , سطرا أسطورة حب ,منذ قدم التأريخ .ولم تنته حكايتهما بعد .امتزجت روحاهما النقيتان سويا .فتطهرتا وصارتا ألقا يشع أنوارا .فيضئ وجه المدينة الغافية على بؤسها . المندائي والفرات جدلية العصور وسحر الزمن ,وترنيمة خالدة تلوح في غبش المدينة تدور مع نواعير البساتين وهفهفة طيور تنط بين الشجيرات . كنا شواهدا على نقاء المندائي وطهره . بهرتنا , مذ كنا صغارا , طقوسا لعرس مندائي .عرفنا بعدئذ,سر العلاقة بين المندائي والماء .بين الحياة النهر والمندائية الطهر والنقاء .سريرة تنمو مثل برعم ,لتضحى بعدئذ شموعا تنير وجه المدينة الجنوبي .لحظة للتجلي والسمو .يحبس فيها النهر أنفاسه من عضم القداسة . المندائية سر الوجود الأبدي .وتأريخ السومري المفعم بالعراقة ,سومري لن يرى سوى النور والمحبة ,نثرها على ارض طيبة خصبة .فأنبتت سلاما ومودة ,وحبا خالصا ,لا بغض فيه ,ولا حقدا ولا كراهية .ذلك إن المندائي هناك ,مع من كان له دينه الآخر ذلك الحين ,يعلم ان لا قيمة توازي قيمة الإنسان ,فهو سيدها ودليلها في ليل وجودها المظلم .واليوم ,ونحن نعيش في ضلام الحضارة الجديدة .حضارة الإنسان الذي فقد الهوية (هوية تأنسنه) ,وخصاله الآدمية . ومسخ غولا هائلا ,تعجز كل نظريات العلم وعلم النفس وعلم الاجتماع من معرفة كنهه ودراسة شذوذه وغرائبه .كل الأديان مجتمعة , وحتى من كان لا دين له ,لم تنادي في قهر الإنسان والنيل من وجوده وكرامته.او العبث بمقدراته وأحلامه .
اليوم ,كنت مارا في طريقي على محلة الصابئة ,كما نسميها هنا في الناصرية . فعادت بي الذاكرة الى أيام سبعينية مضت ,لكنها ,ورغما عنا تعود ,لتنثر رذاذها على سنين قفر ,لا لون لها ولا رائحة ولا طعم .أيام كانت مسرحا لجسارتنا واندفاعنا وتحدياتنا .ذلك هو حلمنا الجميل ,رغم الزمن الغادر والداعر .محلة الصابئة كانت ملاذا لنا من عيون الرقباء من رجال الأمن .لأنك هنا ,يغمرك أحساسا بالطمأنينة والأمن .لأننا ما وجدنا يوما مندائيا خائنا أو جاسوسا للأمن .أو ممن يكتبون التقارير ويقدمونها هدية للفاشست نكاية بأبناء مدينتهم .بل كانوا أول من قدم الضحايا والقرابين فداءا للوطن .شباب وشابات ,وقفوا بوجه جلاديهم بأبهى صور النضال والصمود وتحملوا شتى أنواع التعذيب في زنازين الامن والمخابرات. ونتيجة لمواقفهم هذه ,تعرض جميع أبناء الطائفة للملاحقة والاعتقال والتعسف والاضطهاد ,بحجة كانت أوبدونها .لذا تفتخر الطائفة المندائية في الناصرية الآن أن يكون لها الفخر في أنها أكثر من ضحى في سبيل الوطن وفق حساب النسب وعدد السكان .
شدما أحزنني حديث أحد أصدقائي من المندائيين .كانت نبرة من الحزن تترى في كل كلمة من كلامه .فأسهب بالحديث عن ذكرياتنا وتحملنا قسوة العمل في النشاط الطلابي ,ثم سرد لي حكاية من ذلك الزمان ,وكنت شاهدا عليها .يوم تعرض إلى الضرب والأذى من مجموعة من الطلبة البعثيين , مما يسمى بالإتحاد الوطني تلك المنظمة التي ما كانت يوما وطنية أومهنية بل كانت منظمة بوليسية مهمتها كتابة التقارير ومراقبة الساحة الطلابية وإيذاء الآخرين والاعتداء عليهم ,ممن كان ينتمي إلى منظمات طلابية أخرى كاتحاد الطلبة بشكل خاص للحد من نشاطه الكبير بين أوساط الطلبة .ثم تكلم عن المضايقات التي تعرض لها أهله والمداهمات الليلية على منزلهم . وقال بأسى أن الذين ساهموا في النضال الوطني من الطائفة مع أخوانهم من أبناء المدينة ,لم يطلبوا ثمنا لمواقفهم أ وللأضرار التي لحقت بهم ,بل حتى تعويضا لشهدائهم وحقوقهم .على اعتبار ان التضحية للوطن واجب لا ثمن له ,فالحرية والانعتاق من الظلم أ كبر هدية تقدم للإنسان .أطرق إلى الأرض حزينا ثم قال ..هل تعلم ان ثلثي عدد المندائيين قد هاجروا من المدينة بعد التغيير الذي حصل في العراق أي إن هذا التغيير قد طالنا وكأننا عملاء للنظام وجواسيسه وخدمه ,وهذا يحز في أنفسنا كثيرا .وخاصة حينما وجدنا منشورات ,علقت على أبوابنا تطالبنا بالرحيل أو الموت .لذا أختار أكثر أبناء الطائفة الرحيل خوفا على أبناءهم وتلافيا لمخاطرة غير معروفة النتائج .علما إن حتى من بقي الآن هنا , فهو ينتظر فرصة كالتي حصل عليها إخوانهم من الطائفة .أن أكثر ما يثير الاستغراب والدهشة ,هذا الصمت المطبق من جانب المسئولين في الدولة العراقية الجديدة .ولا ادري كيف يفكر هؤلاء وهم تحت وصاية القسم الذي اخذوا به على عاتقهم وهو تحقيق الامن لكل العراقيين دون استثناء ,والعمل على انجاز المهام الوطنية ,وتحقيق الديمقراطية ونشر الحريات لجميع أبناء الشعب العراقي .والسؤال الذي يفرض نفسه ألان ويبيح للآخرين أن يتساءلوا أيضا ,هل إن الديمقراطية أو الحرية يختلف معناها هنا في العراق عما هو متعارف عليه في العالم اجمع .كيف ومتى تلتفت المؤسسات الحكومية التي يقع على عاتقها مثل أمر كهذا (وما أكثرها وما أكثر مسمياتها ,ووصل الأمر إلى أنشاء وزارات ومؤسسات تعني بحقوق الإنسان وغيرها )وهي تعلم حجم المأساة التي يتعرض لها أخوة لنا في الوطن .وتلك هي دعوة لكل المسؤلين في الدولة ,ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات الإنسانية الأخرى للوقوف وقفة وطنية جادة من اجل وضع الحلول المبدئية والحقيقية لأبناء العراق الأصلاء ,والتوجه الفوري أليهم ومعرفة الأسباب التي جعلتهم يتركون بلدهم الذي عاشوا به لآلاف السنين ووضعوا له بناءا شامخا من خلال حضارات لازالت إلى الآن موضع دراسة وبحث .
حسين طعمه _الناصرية



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن