توصيات -الفراق القومى-

أحمد أبودوح
aabodouh@yahoo.com

2011 / 6 / 12

منذ أيام قليلة، أنتهت فعليات مؤتمر "الوفاق القومى" الذى تم انعقاده لتقريب وجهات النظر بين القوى المختلفة على الساحة السياسية المصرية، وقد خلص هذا المؤتمر الى عدة توصيات قام برفعها الى مجلس الوزراء، والمجلس الأعلى للقوات المسلحة .
وقد اقتضت بعض بنود هذه التوصيات ابعاد المنتمين الى "الحزب الوطنى المنحل"، والأعضاء المعينين فى المجالس النيابية، المنتمين الى المعارضة، عن ممارسة الحياة السياسية لمدة لا تقل عن 5 سنوات، مما أثار حفيظة رموز الحزب المنحل، وبعض رموز المعارضة، الذين اعترضوا على وصف أحزابهم "بالورقية" .
ولكن فى حقيقة الأمر، يجب الاعتراف بأن لجنة النظام الانتخابى، التى أصدرت هذه التوصيات قد أصابت بدرجة كبيرة، لأنها طرقت على الحديد قبل أن يبرد، فى نفس التوقيت الذى بدأ فيه الاحباط يتسلل الى نفوسنا كنتيجة طبيعية لظهور قيادات الحزب المنحل، وبداية احتلالهم المنابر السياسية مجددا .
قام رموز الحزب الوطنى بالاعتراض (كما كان متوقعا) على هذه التوصيات، ووصفوها بمحاكم التفتيش التى لا تمت للديمقراطية بصلة، كما طالبوا بالرجوع الى الشعب ليقرر استمرار هؤلاء فى ممارسة السياسة من عدمه .
هنا يتضح أن هؤلاء الوطنيين (نسبة الى الحزب المنحل) يسعون لتطبيق نفس الطريقة التى انتقدوها منذ أشهر قليلة، عندما اتبعها الاخوان المسلمون فى مراهنتهم على فهم الشعب "المسكين" لما يحدث الأن على الساحة السياسية، وهم بهذه الطريقة يعزفون على أوتار العاطفة التى يتميز بها الشعب المصرى، املين فى الحصول على تأييد شعبى، مما يعنى اكتسابهم الشرعية، التى تعتبر نتيجة أولية لما سوف يحصدونه بعد ذلك من مكاسب عند نزولهم من جديد الى معترك الحياة السياسية .
ولكن اعتراض بعض أفراد من الحزب الوطنى لا يدعوا للتعجب، بقدر ما يدعو اليه الاعتراض (الغير مفهوم، حقيقة) من قبل بعض الأحزاب والقوى السياسية على هذا القرار .
جاء اعتراض بعض هذه القوى السياسية بمثابة "حق يراد به باطل"، فقد كشفت صيغة هذا الاعتراض عن الأسباب الحقيقية من وراءه، والنوايا الخبيثة التى دعتهم الى تسجيل هذا الاعتراض، وهو فى حقيقة الأمر، الخوف الشديد من خلو الساحة أمام مرشحى جماعة الاخوان المسلمين دون منافسة فى الانتخابات التشريعية المقبلة، ونجاحهم فى حصد أكبر عدد من المقاعد .
هم فى نفس الوقت يعترضون على وصف اللجنة لكياناتهم "بالأحزاب الورقية"، وهم لا يدركون (حقيقة) أن اعتراضهم على استبعاد بعض رموز الحزب المنحل، ما هو الا اثبات لهذا الوصف، فهم لا يمتلكون الشارع، لأنهم عمليا لم يتمتعوا بيوم واحد من الاستقلالية عن النظام السابق ماليا، وهيكليا، وتنظيميا، وحتى أمنيا.. باستثناء حزبى الوفد والتجمع الذين يمتلكان مواردهما الخاصة .
لذا يجب أن نتفهم أن توصيات هذه اللجنة من الممكن أن تساهم فى تغيير خريطة الحياة السياسية المصرية، تبعا لطريقة التطبيق، فلا نستطيع (مثلا) أن نستبعد كل الأعضاء والمنتمين لهذا الحزب، لأننا نعلم جيدا أن منهم من أقدم على ذلك لمصلحة شخصية، أو للتمتع بسلطة محدودة.. فقط، دون الاضرار بالمصلحة العامة، وبدون ارتكاب جرائم سياسية يحاسب عليها القانون .
ولكن فى الوقت نفسه يجب أن تشمل هذه التوصيات القيادات التى ساهمت فى افساد الحياة السياسية بالفعل فى مصر، والتى لعبت دورا بارزا فى التزوير الفج الذى شهدته الانتخابات التشريعية الأخيرة، منهم : أعضاء لجنة السياسات، والهيئات العليا، والمكاتب السياسية ورؤساء الحزب فى المحافظات، وأعضاء البرلمان، والمجالس المحلية...
قد يرى البعض أن من ضمن هؤلاء، أشخاص لم يشاركوا فى التجريف المنتظم الذى شهدته الحياة السياسية فى ظل حكم الرئيس المخلوع..وهذا قد يبدو منطقيا، ولكن كان انضمامهم وقبولهم لاعتلاء هذه المناصب القيادية فى الحزب المنحل، هو أكبر دليل على موافقتهم لما يحدث على مسمع ومرئى منهم، بل يجب أيضا توجيه تهمة "السكوت على الفساد والتزوير" لهم، لاعتبار أن هؤلاء لعبوا دورا مهما بسكوتهم عما يحدث، وبالتالى استبعادهم أيضا .
لقد قام بعض أعضاء الحزب الوطنى أيضا بتوجيه تهمة تبنى "النظرية الاقصائية" للجان الوفاق القومى فى عملية الفرز السياسى التى قامت بها هذه اللجان، ولكنهم واقعيا لا يدركون أن من اتبع النظرية الاقصائية هو النظام الذى كانوا ينتمون اليه عندما استبعد بعض الجماعات والائتلافات من ممارسة العمل السياسى وضيق على البعض الأخر، كما انهم تناسوا أيضا أننا، فى حقيقة الأمر، لا نعيد اختراع العجلة، وأن ما قامت هذه اللجان باصداره هو انعكاس "للنظرية الثورة" وليست الاقصائية، لأنه من الطبيعى بعد انتهاء جميع الثورات أن تقوم القوى الثورية باجتثاث شجرة الفساد من جذورها، يتبعها حرث التربة السياسية جيدا حتى نضمن نمو الديمقراطية بطريقة صحية بعد رمى بذورها .
من اشهر هذه الثورات التى اتبعت نفس النظرية هى "الثورة الألمانية"..حيث قام الثوار بعد هدم حائط برلين مباشرة باستبعاد قرابة 3 ملايين شخص من ممارسة الحياة السياسية، أو أى عمل عام، أو أى وظيفة حكومية لمدة 5 سنوات، وسمحت لهم بممارسة الأعمال اليدوية فقط .
ولكن لا يجب فى مصر (اذا تبنى المجلس العسكرى هذه التوصيات) أن يصل عدد المستبعدين الى هذه الحد، حتى لا نفقد القيم والمكتسبات التى جاءت بها ثورة يناير العظيمة . فى نفس الوقت الذى ندعوا فيه المجلس العسكرى الى النظر الى هذه التوصيات بعين الاعتبار، حتى يصبح هذا المؤتمر، لجميع القوى السياسية الوطنية التى تعمل بشكل جاد على النهوض بهذا الوطن العظيم، وعبوره هذه الفترة العصيبة "مؤتمرا لبدأ الوفاق"..وحتى يكون، لمن لا يريدون خيرا لمصر، وانما يريدون العودة للاستمرار فى تحقيق مكاسبهم الشخصية فقط.. "مؤتمرا للفراق" .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن