مقتطفات من كتاب 25 يناير : التاريخ - الثورة - التأويل

مجدى عبد الهادى
m.magdy54@gmail.com

2011 / 5 / 15


"المثال الثورى لا يعنى تحقيق تكامل الواقع فى صورته، بل تقدماً مستمراً فى إتجاهه، بحيث يستطيع، إن كان ناجحاً أن يحقق أو يمثل منعطفاً تاريخياً جذرياً فى المجتمع الذى يتجه إليه ويمارس ذاته فيه" - التجربة الثورية بين الواقع والمثال – د/ نديم البيطار

•تقديم :
..................................
هذا التعارض والتناقض فى الطبيعة البشرية، هو الذى خلق إلى جانب الضعف والخنوع، القوة والتمرد، وإلى جانب ذل العبودية، عزة الحرية وكبرياء الكرامة، ما جعل البشر بحراً ذى مد وجزر، ينجر حيناً من الدهر إلى جزر عميق ينطوى فيه على نفسه تاركاً للشاطئ العلو والإستكبار، ومرتداً عليه حيناً آخر خافضاً إياه تحت أمواجه، ملغيا لوجوده وإستعلائه، ساحقاً له ببطء لكن بثبات، عبر عملية طويلة وشاقة من التعرية والتفتيت المستمر.
وهكذا هى معركة الحرية، التى تمتطى فيه الجماهير صهوة الثورات، معركة طويلة لا تنتهى مرة واحدة وللأبد، بل هى معركة تعرية وتفتيت دائمة، هدفها بعيد، ويديها فى مرمى القدم، فالعين بصيرة واليد قصيرة، كما يقولون!!
والعين تنظر نحو المثل الثورى البعيد الذى يمثل مطامح البشرية الأبدية، والتى عكستها الأديان، التى تم إستيعابها نفسها ضمن منظومات الإستعباد، لتصبح آمال البشرية كائنات ميتافيزيقية، تفارق الواقع ولا تحايثه، فتصبح فى حكم الوهم.
أما اليد فتعمل فيما هو فى محيط القدرة، وفى مرمى القدم، فلا تخرج عن إطار الواقع المرسوم، فتغيره بحساب وبقدر، ضمن حدود وقيود فرضها هو، ووضعها التاريخ كقواعد ومراجع ذات إعتبار.
هذه الفجوة ما بين الواقع والمثال، هى تيمة ثابتة تاريخياً، حتى لدى الثورات الناجحة، وليس هذا نابعاً من فشل الثورات بقدر ما هو ناتج عن سمو المثال الثورى فوق الإمكانات، كما أن سيكولوجيا الثورة نفسها، إنما تعمل على رفع سقف الطموح البشرى، فى ظل ما تمثله الثورات من لحظات إنتشاء تاريخى، تعيشها الشعوب خارج الزمن، زمن الرتابة والعبودية والخنوع.
أما الثورات الفاشلة فهى أسوأ حالاً، حتى وإن كان الفشل والنجاح مجرد رتب على سلم متدرج، فإن المردود المادى والنفسى لهما شديد الآختلاف.
ورغم ما تتركه الثورات الفاشلة من يأس وقنوط لدى الشعوب، وشعورهم بالعبث واللاجدوى، فإنها تترك تراكماً تاريخيا مادياً ومعنوياُ، هذا التراكم لا يذهب هدراً، بل هو ضمن محركات التاريخ ووقوده الذى يشارك فى صناعته.
..................................

•الثورة على المُحتل الفرنسى والمُغتصب التركى : الأزهر يقود ثورة التحرر الوطنى :
.................................
هذا الشكل الفج لفارق القوة الذى إنتهى بهزيمة مخزية ومفجعة لمماليك الولاة، الذين تسلطوا على حكم البلاد بدعم الخليفة العثمانى، مبعدين المصريين عن الجيش، ليبقى الشعل المصرى مستعبداً وذليلآ تحت حكم يستبد بمقدراته، وينهب خيراته، مستظلآ بمظلة الخلافة الإسلامية؛ فلا يملك المصريون له دفعاً.
فحكم تركى يتسربل بعباءة الإسلام ، ويتسلط على العباد بجيش يتكون من الأجانب ممن لا ولاء لهم للبلاد، كان بذاته عصياُ على السقوط بإيدى الشعب وحده، وهو ما يفسر إندماج موجة المقاومة للغزو الفرنسى بموجة الثورة على الحكم التركى المملوكى .
فحكم له مثل هذه الصيغة الأقرب للفاشية، تنطبق عليه حكمة جرامشى القائلة بأنه "ليس هناك حتى الآن نظاماً فاشياً أطاحت به قوى داخلية" .
فكان الغزو الفرنسى بذاته آداة تحطيم الآلة العسكرية للنظام التركى المملوكى، التى أجهضت الثورات المصرية المتتابعة، كذا كان عامل تحفيز للمقاومة الشعبية التى إمتدت لتصبح ثورة كاملة تطرد الأجنبى وتسقط النظام الساقط للشرعية، ولتأتى بمحمد على حاكماً إرتضاه الشعب، معلناً إنه هو صاحب السيادة ومالك الحق فى إختيار حاكمه، ممثلاً ذلك بإلباس السيد عمر مكرم لباس الولاية لمحمد على؛ لتصبح موافقة الخليفة العثمانى شيئاً نافلاً، وملحقاً بإرادة الشعب.
هذه الثورة التى شاركت بها كافة فئات الشعب قادها رجال الأزهر،الذين خرج شبابهم – شباب الجراية الفقراء – وقليل من كبارهم يدعون للثورة، ويحشدون الجماهير الشعبية ضد المستعمر، مخالفين سياسة الملاينة التى إتبعها كبار رجال الأزهر فى التعامل مع المحتل الفرنسى، إعتقاداً منهم بإمكانية تخفيف الآثار الضارة للإحتلال، كذا إحتفاظاً بإمتيازاتهم.
هؤلاء المشايخ الكبار متناقضى المواقف المترددين، لم تكن مواقفهم شراً مطلقاً، فكثيراً ما تعاموا عن البيانات المعادية للفرنسيين، كما رفضوا إفشاء أسماء زعماء الثورة المصرية، وكثيراً ما تلكأوا فى دعم نابليون، وإن لم تكن مواقفهم فى مجملها على مستوى الحدث، أو على مستوى مسئولياتهم كزعماء دينيين.
هذه المواقف دفعوا ثمنها شعبياُ، فقد طالتهم الإنتقادات الشديدة من جماهير الشعب والتى وصلت للتهجم عليهم، وإيذائهم بدنياً، كرد على محاولاتهم المتكررة لإنهاء الثورتين، وكان منهم الشيوخ "البكرى والشرقاوى والسرسى".
وكان لهذا الهجوم الشعبى على كبار المشايخ مردوده من ناحيتين، أولاهما، تغير مواقف بعضهم ولو ظاهرياً تجنباً للسخط الشعبى، ثانيتهما، إقتناع القادة الفرنسيين وعلى رأسهم" كليبر"، بفشل سياية نابليون فى الإستعانة بمشايخ الأزهر للسيطرة على الشعب، فإستبين فقدان الإرستقراطية الأزهرية لدورها القيادى ومكانتها الدينية بالتحالف مع الغزاة.
فهذه الإرستقراطية الأزهرية أثبتت، أنه حقاً أن المواقف الطبقية عابرة للمؤسسات، فلم يخرج مشايخ الأزهر الكبار عن المواقف الطبقية الإرستقراطية المهادنة للمحتل الفرنسى، بينما قاد أواسط وصغار رجال الأزهر الثورة، بعد أن أطلقوها من داخل الأزهر، فقد كانت الثورة الأولى بعد فرض ضريبة عالية على العقارات، وفى رواية، كانت الشرارة الأولى للثورة التى إندلعت فى 21 أكتوبر 1798م، قد أطلقها شيخ صغير من مشايخ الأزهر، خرج من الجامع، ونادى فى المدينة بإجتماع من يؤمن بالله واليوم الآخر على الجامع الأزهر؛ لمغازاة الكفار.
......................................

•الثورة العرابية : الجيش الوطنى والإقطاع الخائن :
فبعد محمد على أتى خلفاؤه ليسيروا على الخطوط المرسومة غربياً، كاسحين في طريقهم كافة منجزات أبيهم، فقط حفاظاً على ملكهم الموروث، فكان ما كان من عباس وسعيد وإسماعيل من سياسات إسراف واقتراض سفيه من دول أوربا؛ ليسقطوا بمصر في فخ تبعية الديون – وهو ذات الفخ الذى سقطت فيه دول العالم الثالث بمجملها مرة أخرى بعد الاستقلال، وكأنما لا جديد تحت الشمس، ولا تاريخ تجب دراسته، ولا شيئاً منه يستحق التعلم!! – التى أثقلت كاهل الدولة بطبقاتها الكادحة والفقيرة من حرفيين وعمال وفلاحين، والتى قامت – لذلك – بدعم الجيش والانضمام إليه – والذى كان يعانى المصريين به من تمييز للأجانب من شراكسة وأتراك مقابل سلطات معدومة ورواتب ضئيلة لهم، وذلك بحكم الانتماءات العرقية لأسرة محمد على – في الثورة العرابية التى انطلقت شرارتها بقيام وزير الجهادية الشركسى عثمان رفقى بعزل القائمقام أحمد عبد الغفار وتعيين قائد شركسى مكانه، وتنزيله للأميرلاى عبد العال حلمى قائد آلاى طرة إلى درجة معاون بديوان الجهادية، وتعيين تركة مكانه، الأمر الذى استقر الضباط والجنود المصريين على ضرورة التصدى له، وسجله تعليق عرابى الشهير :
"هذه لقمة صلبة لا يقوى عثمان رفقى على هضمها"
.................................

•ثورة يوليو : الجيش يعيد المحاولة ويطيح بالإقطاع العميل :
......................................
وهكذا أثبتت ثورة يوليو بعد الثورة العرابية أن أى محاولة لتغيير فوقى بدون قاعدة شعبية، هى محاولة فاشلة عاجلاًَ أو آجلاً، وإذا كانت الثورة العرابية، التى فشلت عاجلاً، قد جلبت على مصر الاحتلال البريطانى – ولا أقصد بالطبع المعنى الوضيع الذى يتبناه البعض ضد عرابى الزعيم الوطنى العظيم الذى نرفض أى تشكيك في وطنيته ونزاهته – لأخطاء استراتيجية عدة، يعنينا منها بالأساس عدم مشاركة الشعب، بتسليحه – في حدود الممكن – لخوض حرب تحرر شعبى طويلة، بدلاً من الاستسلام الغبى والمخجل، نقول إذا كانت هذه نتيجة الثورة العرابية التى فشلت عاجلاً، فإن ثورة يوليو – على كل ما حققت من إنجازات ومن نجاح وقتى - التى فشلت آجلاً – أو بالأحرى أُغتيلت -؛ قد جلبت على مصر التبعية الاقتصادية فالسياسية، مع تسلط العسكريتاريا على كافة أشكال الحياة في مصر؛ كنتيجة لعدم مشاركة الشعب السلطة والممارسة السياسية، بإقامة نظام ديموقراطى يكفل حق المشاركة الفاعلة سياسياً، وذلك عبر نشر وتوسيع حريات القول والتنظيم، وتحييد المؤسسات العسكرية والأمنية، وتحجيمها في دورها الأساس كمؤسسات حامية وضامنة لأمن الوطن والمواطن، لا الأنظمة والسلطات.
وهكذا لم تجلب لنا قيادة المؤسسة العسكرية للتغيير في مصر – رغم ثقتنا بسلامة النية وصفاء الطوية لدى أغلب مفرداتها وإقرارنا بإنجازاتها – إلا الضياع، هذه المؤسسة التى حاولت البرجوازية الصغيرة من خلالها النهضة مرتين، واستأثرت بالسلطة عساها تنجح، إلا أنها قد انتهت بالفشل في المرتين؛ نظراً لطبيعتها المتذبذبة طبقياً، والتى تنتهى في صف البرجوازية بالتعفن في السلطة، ومجارحة الفساد الشامل لمراكمة الثروات.
ولا نظنه مما يخفى على اللبيب، ما نجده من تشابه بين الثورين، العرابية ويوليو، من إندلاع الثورات التى يقودها الجيش بمجرد تكون جيل واحد من المصريين داخل الجيوش غير المُمصرة، التى تبنتها أسرة محمد على، عملاً بحكمته التى قالها لإبنه الأصغر محمد سعيد :
"يجب أن يكون معلوماً يا بنى، أن ترقية العربى إلى رتبة يوزباشى سوف تكون خطراً على أسرتنا، ولو بعد مئة عام".
وهو ما تحقق فعلياً مرتين في بحر جيل واحد كل مرة، وليس مئة عام، كما قال محمد على، فقد كان أحمد عرابى في أول دفعة من دفعات المصريين بالجيش المصرى، عندما أمر محمد سعيد – خلافاً لنصيحة أبيه – بدخول أولاد مشايخ البلاد وأقاربهم العسكرية، كما كان عبد الناصر – بكارت توصية - في أول دفعة قبلت من المصريين في الكلية الحربية بعد معاهدة 1936م، واتجاه النية لزيادة عدد ضباط الجيش المصرى بغض النظر عن طبقاتهم الاجتماعية أو ثرواتهم، وهو الذى كان قد رُفض قبلها بعام واحد، في كشف الهيئة لأنه حفيد فلاح وابن موظف بسيط لا يملك شيئاً ولا يملك واسطة، علاوةً على اشتراكه في مظاهرات 1935م.
هذا التشابه بين الثورتين –رغم مآخذنا على مسالك العسكريين الذين تسببوا بفشلهما – يعكس لنا مدى وطنية برجوازيتنا الصغيرة، التى لا تواتيها فرصة لتحرير وطنها وتتركها، وإن كانت تفشل كل مرة عاجلاً أو آجلاً؛ لطبيعتها المتذبذبة، وتحولها بمجرد التمكن من السلطة.
ولا غرابة في تحول كثير ممن نشأوا في ظل هذه الطبقة إلى برجوازيين أكثر قحة وضعة من إقطاعيي الزمن الغابر.
والبرجوازية الصغيرة كشريحة طبقية هى أساساً ضمن الاحتياطى الطبقى البرجوازى في الظروف الرأسمالية الاعتيادية، ولا يمثل خروجها على المنظومة الرأسمالية سوى استثناءاً، نجده في الدول المحيطية بالنظام الرأسمالى – رأسمالية الهامش الشهيرة بالعالم الثالث – حيث ترزح تحت الاستغلال الإمبريالى جنباً إلى جنب مع البروليتاريا والفلاحين؛ ما يشحنها بشحنات الثورية، التى ما تلبث أن تنطفئ بمجرد تذوق سكاكر السلطة لفترة معقولة، فيتحول أبناء المستورين لقياصرة، أشد فتكاً من القياصرة بالولادة!!
.........................................

•ثورة 1919 : موجة 1917 الثورية والبرجوازية الجبانة :
هذه البرجوازية الكبيرة التى ترجع أصولها لطبقة من كبار الملاك الزراعيين، الذين لا نخاطر أو نجازف – علمياً - بوصفهم بالإقطاعيين - حتى وإن اعتدنا بتسميتهم كذلك - ممن اعتادوا الاعتياش من فوائض محاصيلهم الزراعية المُتمثلة غالباً بالقطن، أو من الإيجارات المحصلة عن أراضٍ نادراً ما يرونها.
هؤلاء الملاك الزراعيين كانوا مرتبطين بحكم النشأة والصيرورة والمصالح بتقسيم العمل المفروض دولياً على مصر، ما ربط مصالحهم القريبة ببريطانيا كمستهلك أول للقطن المصرى.
وإذا كان التطور الإوربى قد أنجز برجوازيته بعيداً عن الإقطاعية التقليدية، وفي مواجهتها، بما عارض مصالح الطبقتين ببعضهما، فقاد تلك البرجوازية للثورة في النهاية، والقضاء الجذرى على النظام الإقطاعى، لبناء مجتمعها الجديد الذى يتناسب ومصالحها، ويستوعب مطامحها، فإن الوضع في مصر كان وضعاً شاذاً وشديد الغرابة، إذ نشأت البرجوازية المصرية من رحم طبقة الملاك الزراعيين – الذين يلعبون لدينا دور الإقطاعيين في أوربا – بما جعل الثورة البرجوازية التى تقوم بتحرير العلاقات الإنتاجية وترسى دعائم المجتمع الجديد بطابعه البرجوازى المتوائم وضرورات التحديث الإنتاجى والاقتصادى والاجتماعى والسياسى والثقافى، ضرباً من المحال، إذ لم يكن الرأسمالى تابعاً أو نابعاً من المالك الزراعى وحسب، بل إن كثيراً من الفوائض الصناعية والتجارية كانت تعود لتصب في منابع المالك الزراعى، بما يقويه وينميه، بدلاً من أن يسحب من أرضيته ليضعفه، كما يفترض في أى تطور طبيعى لبرجوازية ناهضة!!
..................................

•إنتفاضة 25 يناير : الشعب يعود إلى الصورة :
...................................
جاء السادات – وبدعم من آل سعود والملكيات العربية الرجعية – لُيلحق مصر بالفلك الأمريكى، وينهى المسيرة الاشتراكية، والتصنيعية عموماً، مُنظماً لانفتاح استهلاكي أغرق البلاد والعباد في مستنقعات التبعية والريعية والاحتكارية والاستهلاكية، مُستتبعة بتوابعها الطبيعية من فقر وفساد واستبداد وجهل وأصولية ومرض وظلم اجتماعى ...إلخ ، بعد أن كانت مصر على طريق ارتقاء مراقى الدول الصناعية وصفوف العالم الثانى على الأقل.
هذا الانفتاح الذى أنهى كافة إنجازات الثورة، وأعاد مصر لحالة التبعية مرة أخرى، بفتح الأسواق، والتضييق على القطاع العام لتدميره، ثم خصخصته فيما بعد؛ لتتضائل معدلات النمو القطاعات الصناعية والزراعية، لحساب القطاعات التجارية والخدمية، التى يهواها قطاعنا الخاص.
وهو ما تظهره إحصاءات تبين لنا مدى الاختلال الذى أصاب هيكل الاقتصاد المصرى، الذى تقلص فيه نصيب قطاعات الزراعة والصناعة في الناتج المحلى الإجمالى لحساب القطاعات الخدمية، كالسياحة والنقل والتخزين والاتصالات العقارات، بحيث بلغ نصيب الأخيرة منه لعام 2005/2006 حوالى (56 %).
وهو ما جعل الاقتصاد المصرى اقتصاداً ريعياً، بحكم طبيعة القطاع الخدمى غير الإنتاجى، فلا غرو أن زادت نسبة الموارد الريعية في الموازنة المصرية، فالسياحة والبترول وقناة السويس وتحويلات العاملين بالخارج، هى المصادر الأساسية للدخل القومى، ومعها المعونات الأجنبية وفى مقدمتها الأمريكية ؛ بما جعل مصر خاضعة لتبذبذبات السوق الدولية وسياسات الدول الأجنبية – وتهديداتها ومشاكلها - المؤثرة على هاته المصادر، فاستكمل ارتهان الاقتصاد المصرى – فوق تبعيته الطبيعية الناتجة عن نشاط طبقة الكومبرادور المرتبطة بالاقتصاد الغربى – بالاقتصادات الدولية، وعزز من ناحية أخرى من سطوة السلطة المستبدة التى لم تعد بحاجة ماسة للضرائب لتمويل أجهزتها الأمنية التى تمارس من خلالها استبدادها بالوطن والمواطن!!
فلا غرابة إذن أن يغيب المواطن عن ذهن النظام الحاكم الذى لم يعد معنياً سوى برضاء سيده الأمريكى، داعمه الحقيقى فى مواجهة شعبه الذى أصبح عبئاً عليه.
هذا النظام بحكم بنيته ذاتها، وجد قاعدته الاجتماعية في تلك الشرائح الاجتماعية المُعتاشة على ذات نمط وجوده، والمرتبطة بذات سيده، كذا القادرة على تمويله داخلياً في مواجهة باقى المجتمع، فكان ذلك التزاوج الباطل والفج، ما بين السلطة والثروة، الذى تجاوز الحدود الطبيعية لشكل الدولة الطبقى؛ ليتحول النظام الحاكم فى مصر، وفي ظل تحطم كافة البنى الاجتماعية، ودمار كافة القوى الوطنية، من أوليجاركية عسكرية إلى كليبتوقراسية مكتملة المعالم، حيث تحكم عصابة تعمل على النهب المُنظم لموارد الدولة.
......................................

من دراسة : ثورة مصر الدائمة من 1795 إلى 2011م - مجدي عبد الهادي

------------------------------------------------

كتاب " 25 يناير : التاريخ ـ الثورة ـ التأويل "

دار عرب للنشر والتوزيع

يقع الكتاب في 206 صفحة من القطع المتوسط ويضم 3 دراسات :

ـ ثورة مصر الدائمة من 1795 إلى 2011 / مجدي عبد الهادي

ـ هل سقطت جمهورية يوليو ؟ / حسام شادي

ـ الثورة والخيال المابعد حداثي / ممدوح رزق



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن