إعجاز ديموقراطي

علي شايع
alishaye@hotmail.com

2011 / 4 / 21

مصر.. بشعبها العريق؛ متمازج الأطياف والتقاليد والأجواء، يثبت في كلّ يوم إنه وريث صنّاع حضارة راسخة، بقي شذا مجدها يشعّ على العالم، حتى ليجمع من سيبحثون في الأمر على إن أي بيت في بلدان الحضارة والتقدم، لابد أن يكون فيه ما يحمل رمزاً للحضارة المصرية، أو كتاباً يضمّ صور تلك الحضارة ويتحدّث عنها.
بمثل هذا الإشعاع والمجد الواصل، يحق لنا كشركاء في الإنسانية واللغة والجغرافيا، أن نفتخر بمصر، لأنها تستحق الفخر وهي تصنع معجزة الخبر التالي :"رفض وزير المالية المصري سمير رضوان ووزيرة التعاون الدولي فايزة أبو النجا دخول صالة كبار الزوار لدى عودتهما إلى القاهرة من خارج البلاد، وفضّلا إنهاء إجراءات وصولهما وسط الركاب. وشارك رضوان وأبو النجا في اجتماعات مجموعة الدول السبع الكبرى واجتماعات الربيع المشتركة لصندوق النقد والبنك الدوليين".
ويمضي الخبر بنقل صورة أكثر تفصيلاً: " و لدى وصول رضوان على الطائرة المصرية من لندن وقف في طابور الجوازات وسط الركاب رافضاً محاولات رجال الجوازات إنهاء إجراءات سفره، حيث قدم جوازه إلى الضابط بصالة الوصول وتسلمه منه بعد ختمه، وأصر على حمل حقائبه بنفسه لدى خروجه من الدائرة الجمركية، وعرض فتحها أمام رجال الجمارك الذين يتبعون وزارته. وقد وصلت وزيرة التعاون الدولي على الطائرة التركية القادمة من اسطنبول وخرجت وسط الركاب دون أيّة إجراءات استثنائية"..

هل ثمة أجمل من خبر يسجّل لمصر سبق ديموقراطية يستحقّها أهل هذا البلد؟.. وها هي مصر تعيد رسم صورة حكومات حقيقية تبقى في أجواء الشعوب، ولا تتعالى على واقعها، لتمنح نفسها استحقاقاً مميّزاً عن بقية شركاء الوطن الواحد. وهاهو الوزير لا يثبت فقط إنه عائد بكليّته - شخصاً ومنصباً- إلى الشعب، وهو طوع القانون، حتى وإن كان على رأس وزارة تؤتمن على تطبيق ذلك القانون، فهو أو المطبّقين له.

وللحق لا تحصها هذه الكتابة العابرة ، حسنات موقف يسرّ المطلعين بما سيورثه من أمل نفوس ركاب طائرة شاهدوا وعايشوا ذلك الفعل الحضاري، ومن سيسمعون بهذا الخبر ويرضون عنه، في نادر الرضا هذه الأيام!، ومن سينقلونه إلى بلدانهم من سائحين ووافدين للعمل، ومستثمرين ...والى ما لا يحصى من مغانم في تنافس الثقافات.
في الحسبان أيضا إن الخطوط الجوية التركية ستسجّلها ضمن أدبيات أخبارها، وكذا بقية الخطوط والمنشئات الجوية، كحدث يمكن أن يكون عابراً في أوربا، لكنه يوثّق لسبق إنساني وديموقراطي في المنطقة العربية ومحيطها، يمني البلدان الباقية تحت نير الديكتاتوريات والظلم، أن يروا مثل هذا المشهد في بلدانهم.

موقف يعيد إلى الروح قصيدة لحافظ إبراهيم يمجّد فيها مصر ليقول:

أي شيء في الغرب قد بهر الناس
جمالاً ولم يكن منه عندي

موقف سيباهي به أي موظف بوزارة يقودها مثل هذا الوزير القدوة، موظفاً آخراً من وزارة أخرى.. وهكذا ليشمل أمر تطبيق القانون والخضوع له، والمباهاة بفعل الخيرات، أصغر وظيفة في حمى تلك الوزارة ،وبإعجاز ديموقراطي .. يستحق أن يحرّف لأجله قول سابق للمتنبي عن مصر، ليصبح :" وكم ذا بمصر من المعجزات"..وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن