هل سيلغي بشار البعث من الدستور، حفاظاً على السلطة؟

محمود عباس
mamokuda@msn.com

2011 / 4 / 21

هل سيلغي بشار البعث من الدستور، حفاظاً على السلطة؟
ترادف اسم حزب البعث مع الكراهية والعنصرية وإلغاء الآخر لدى المعادون له، ومع العلمانية الثورية والصمود والتصدي، وحزب عقائدي يناضل من أجل القضايا العربية عامة لدى أعضائه ومنتسبيه.
أنبثق البعث من عمق التناقضات الفكرية التي جال المشرق العربي في فترة صراعه مع الإستعمار، تناول مؤسسوه ومفكروه في ثنايا مفاهيمهم أشرس وأشذ الآراء عن القومية والدين، واستعمل أعنف الطرق في الصراع مع الموجود من العادات والتقاليد. لم يكن لهم تاريخ يذكر في الصراع مع الإستعمار، كما لم يلتفتوا إلى ماهية الإنسان وطموحاته الفردية وقيمه الأزلية. عند تسلطهم على مقاليد الدولة، ألغوا الحرية بكل سوياتها وفي كل المجالات من قواميس المجتمع وقيدت بقيود مصلحة الحزب فقط. بوصولية سافرة، الكل كان في خدمة الحزب. حاول مفكريه إضفاء هالة التقديس على مبادئه، من خرج عليها عومل معاملة المرتد، والمرتد جرمه واضح، ومن عاندها أو نقدها، هوجم كل مذاهبه ومبادئه وألغي من الساحة.
بناءً على تلك البنية الفكرية السادية، والمبادئ التي أعتبرت عقائدية، ساد وطغى الأسد الأب لفترة وتشعب في توزيع تأليهه الشخصي بسوية متزنة، فكان الحزب هو القائد، والقائد تابع له، كان منبع ألهامه وافكاره وخططه في تسيير الدولة والمجتمع، والنخبة فيها تابعون، ومن هذه المدرسة تخرج الأسد الأبن، سادية الأب، و ثقافة حزب مليئ بالفاشية والعنصرية.
من رحم هذه المبادئ والثقافة الشاذة برزت شريحة، لم تكن ترى سوى نفسها في الساحة الوطنية، ولم تكن تدرك الوطنية والقومية ومفاهيم الأمة سوى عن طريق تحليلاتها واجتهاداتها في هذه المصطلحات والتي ضيقت عليها بإطار العنصرية وإلغاء الآخر في الوطن، ومنهم أنبثق شرذمة تؤله فرداً وتقدس مقاماً، والأسد نمًى هذه الشريحة بدكتاتورية حاذقة، فلم يرى في الشعب سوى جموع تقدم الولاء والطاعة والقبول لجميع طروحاته أو ما يبثه شرذمته.
الأسد وعائلته بتسلقهم لمدارج الطغي عن إدراك، وبرؤية خبيثة غير سوية للمجتمع، شملوا معهم أحياناً عديدة الشرائح التي تمثل قاعدة الحزب الذين آلههم، وأولئك الذين لم يجدوا في الحزب سوى مجموعات تقدم السخرة الفكرية والدعائية والطاعة الإلهية لهم، سهلت للأسد عملية التفرد بالسلطة وتسخير الحزب لطغيانه، ومن ثم تهميشه رويداً رويداً.
بعد عقود من تسخير الحزب لهذه المهمات، ابتعدت السلطة والقائد المقدس، عن حلقات النقاش في الحزب، أو الإعتماد الكلي عليه، ليثبت محلها مبادئه الفردية وآرائه ونزعات مستشاريه والشريحة الطاغية حوله والذين أصبحوا مجموعته الأقرب للطاعة والإستماع وتلقي الآوامر، ومن ثم توزيع عمليات النهب والفساد المنظم في الوطن.
حَافظَ، القائد الأسد الأب على بقاء الحزب في الواجهة، لتمرير الغايات وجلب المطالب من الشعب، وعن طريقهم تمسك بالشرعية في السلطة بالإسلوب الدستوري واعتمد على منطق الأغلبية المخادعة، لكنه في الواقع كان قد تخلى بشكل عملي عن الإعانة بالحزب، أو الإهتمام بالشرعية عن طريقه، وبدأت بوادر " إهمال " الحزب كملهمه أو الإعتماد عليه كعقيدة في الحكم والسيطرة، ظهرت بعد أن سيطر على معظم المرافق الأمنية وقوى الجيش والإعلام في سوريا، خاصة عندما أستطاع أن يقضي على القوى المعارضة في الداخل وأخرها كانت قوة الإخوان المسلمين، وأتم بشار المسيرة وجاء على المحاربين القدماء من قادة البعث ومستشاري والده.
بقي البعث كتلة كبيرة متماسكة جماهيرياً، وبسويات متنوعة من أقصى المارقين إلى المتزلفين إلى بعض المؤمنين بمبادئه، لكنه في الحقيقة كتلة أفرغت من محتواه الأصلي والمضمون، مقارنة بالسلطة الآمرة والناهية، والمدعومة بفروع الأمن المتنوعة والعديدة، حزب كبير غير فاعل كغيره من الأحزاب الموجودة على الساحة السورية، أو من المجموعة الموجودة في السلطة بشكل أسمي.
لا أخلق تبريراً للبعث على أفعاله الماضية، والمجترة حاضراً، ولا لنخبتها مخرجاً لما خلفوه من ثقافة المَحقْ في هذا الوطن، بل أود تبيان السوية الفاسدة من المفاهيم التي نبتت عليها هذه السلطة وغذتها على مدى عقود لتدمير بنية المجتمع الإنساني والحضاري في شرقنا بشكل عام وفي سوريا والعراق بشكل خاص، والتي بدأت تنمو في طياته عوامل إنقراضه، وهذا ما نراه لدى بعض الأحزاب الأخرى الموجودة على الساحة السورية التي أستخدمت أساليبها في تبني المفاهيم، والمعاملة مع الشعب، والتقرب من مشاكل المجتمع.
لا تزال السلطة السورية تتمسك بالمادة الثامنة في الدستور، كمرجع اساسي في اروقة الحكم، والمعارضة بدورها تضع إزالة هذه المادة من إحدى المقترحات المهمة التي يطالبون بها السلطة لإلغائه، إلى جانب تعديل الدستور، قبل إنتقالهم السلس إلى شعار إسقاط السلطة نفسها، علماً بأن السلطة لا تعول على البعث كثيراً في عمليات المجابهة مع المعارضة الحالية، لكنها تجدها نقطة مهمة للتحاور عليها مع المعارضة، وسوف تجعلها مادة أو بنداً رئيسياً لمحاورة أو تنازل قادم للشارع السوري، المادة عملياً ليست لها وجود بالنسبة للبعث، وجودها فقط لإلغاء الآخرين الذين لا يسمح لهم بالظهور إلى جانب السلطة في أروقة الحكم. ولم تكن إسناد الخطوات الأولية من الإصلاحات التي لهثت على أثرها السيدة المستشارة " بثينه شعبان " سوى محاولة يائسة أطلقتها السلطة لإشعار أعضاء الحزب، على أن السلطة تعول عليهم في مجابهة الشارع السوري، ويتطلب منهم التحرك.
تود السلطة السورية الحصول على ضمانة محسوسة من الشارع قبل إلغاء المادة، وليس من المستبعد أن يكون إلغاء المادة بداية لإلغاء أركان مهمة من أركان حزب البعث نفسه، وقد اصبح من الواضح بأن بشار والحاشية من حوله لا يعولون على الحزب في الدفاع عن السلطة، معظم الذين أصبحوا بوق السلطة والمطبلين للإصلاحات التي يوعدها بشار، تأتي من أعضاء مجلس الشعب أو خارجه الذين لا ينتسبون إلى البعث، أو الذين يدعون الإستقلالية، وهم يساندون السلطة وبشارها، أكثر من البعثيين. يلاحظ غياب واضح لقادة البعث من على ساحات الإعلام، كما وأن التشكيل الوزاري أعتمد على الإنتماء إلى الولاء للسلطة، لا دور للحزب فيه، رغم أن الجميع على الأغلب من البعث عملياً، كما وأن الإجرام الجاري في شوارع مدن سوريا تبين بوضوح المجموعات التي يعتمد عليها بشار في الحفاظ على الكرسي، وهم من حاشية خاصة قريبة من العائلة والسلطة.
لا نستبعد خروج مجموعات غير قليلة من أعضاء حزب البعث إلى الشارع والوقوف مع الشباب الثائر، خاصة المجموعات التي استعملت الصفة الحزبية لغايات ذاتية، أو مصالح شخصية...وأن تظهر اصوات من داخل الحزب الحاكم اسمياً وتتبرأ من الأعمال التي حدثت في سوريا خلال العقود الماضية ( كما أدعى قبل سنوات السيد عبد الحليم خدام وأعلن بأنه يمثل البعث الحقيقي ) ويبدأون برفع شعارات مزيفة، وآخرين يقطعون علاقاتهم مع المسؤولين الفاسدين، تسابقاً مع الزمن، مستفيدين من تجربتي تونس ومصر وقادة الأحزاب الحاكمة و السلطة هناك، الذين يحاكمون الآن، كما ولايستبعد تشكيل جديد له تحت أسم آخر.
ألغاء البعث قد يتزامن مع ألغاء السلطة، لكن بداياتها سوف تكون بيد السلطة نفسها، خاصة إذا كانت ستضمن بقاء " بشار " ومن السهل جداً له ولحاشيته الإستغناء عن البعث بكليته، إذا كانت ستضمن له السلطة، بعكس بدايات حزب " التجمع الدستوري الديمقراطي " التونسي، أو حزب " الوطني " في مصر، لكن المصير سوف يكون نفسه، حل حزب البعث السوري الذي سيلحق بزوال السلطة في سوريا، النتيجة واحدة، النهاية قادمة لا محالة وواضحة بوادرها، كما هي واضحة بدايات سقوط سلطة الأسد، فهما كانا قطبين متكاملين لفترة طويلة، استفادا من بعضهما البعض، وليس من السهل الفصل بينهما من قبل الجماهير الثائرة، حتى ولو تخليا عن بعضهما في القادم من الأيام.
mamokurda@gmail.com



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن