تحليل الصورة الدرامية بين السيناريو وإخراجه تليفزيونيا

هاني أبو الحسن سلام
hany_aboul_hassan@yahoo.com

2011 / 3 / 6

تحليل الصورة الدرامية
مابين السيناريو وإخراجه تليفزيونيا
د. هاني أبو الحسن سلام
كان لظهور الفيديو ظهورا مكثفا دورا في الحياة الفنية دورا في تفعيل جماليات الصورة في العروض المسرحية ، وهنا نشطت الكتابة الدرامية التي تتكشف فيها سمات التأثير والتأثر بين الفنين ، الأمر الذي استرعى انتباه القائمين على وضع مناهج دراسية تعنى فيها أقسام الدراما في المعاهد والجامعات ، في مختلف جامعات العالم بما فيها بعض الجامعات والمعاهد العربية المختصة بتدريس فنون الدراما وما يتصل بها من علوم مساعدة ، فوجدنا قسما للدراما التليفزيونية في المعهد العالى للفنون المسرحية بالكويت ، وفي بلاد عربية أخرى ، فضلا عن تدريس فنون الدراما والإخراج التليفزيوني أو الإذاعي في قسم المسرح بكلية الآداب بجامعة الإسكندرية .
وعلى الرغم من أن مثل تلك الدراسات المتخصصة تحتاج إلى الكثير من الخبرات العملية والتجهيزات الفنية والمعملية كتوافر عدد من الأستوديوهات المجهزة ، حتى يستطيع الطلاب التعامل فعليا مع الأجهزة ، إلا أن قلة التجهيزات أو انعدامها لم يحل دون عملية التأسيس الذي يغلب عليه الطابع النظري مما يضطر القسم العلمي المختص إلى التعاون مع إحدى القنوات التليفزيونية لكي تستقبل طلابه للتدريب على العمل التليفزيوني في كتابة السيناريو وفي فنون الإخراج التليفزيوني للدراما التليفزيونية ، مع الاستعانة ببعض خبراء ذلك الفن للقيام بتدريس مقرر أو أكثر في هذا المجال، وبخاصة المجال العملى والتطبيقي ،
وفي هذا الإطار يتوقف البحث في هذا الفصل أمام تجربة تطبيقية لتدريس مقرر (الإخراج التليفزيوني) حيث يبدأ الدرس بالتدريب على فن كتابة السيناريو لسهرة درامية ، بدءا بوضع الفكرة ، وعند تقبل أستاذ المقرر لها بعد مناقشة الطالب حولها أمام زملائه يكلفه الأستاذ بالبدء في معالجتها معالجة درامية ، وعند انتهائه من المعالجة يعرض السيناريو على الأستاذ وتتم مناقشته أمام زملائه مع مشاركة الطلاب في المناقشة وإبداء وجهات النظر النقدية بموضوعية ، وعند إقرار السيناريو يكون على الطالب البدء في وضع تصور لخطة إخراجه لذلك السيناريو. وبعد عرضه للتصور وما يجري عليه من مناقشة، ثم إقراره يشرع الطالب أو الطالبة في التنفيذ .
وقد وقفت عند مشروع إخراج إحدى الطالبات لسيناريو كتبه د. أبو الحسن سلام لتدريب الطلاب على فن كتابة السيناريو وإخراجه.

إخراج سهرة تليفزيونية
- تدريب تطبيقي علي كتابة نص المخرج –
في إطار تدريب طلاب المسرح على الكتابة الدرامية للفيديو والتليفزيون رأيت أن أضع نموذجا لكتابة( سيناريو ) يجمع بين نص درامي لإنتاج الفيديو ، مصحوبا بنص إخراجه ( الافتراضي) ؛ تيسيرا للطلاب على ممارسة فن آخر من فروع الدراما وفنونها المتعددة ، فقد يجد أحدهم فيما بعد التخرج نفسه – وجها لوجه – أمام مجال عمل مختلف نوعا ما، كأن يرى نفسه وقد عيّن في مجال الفيديو ، أو النقد أو الإذاعة تبعا للظروف العامة المتاحة أمام الخريجين . فيجد لديه شيئا من الخبرة البسيطة التي تسهم في انخراطه في أحد مجالات فنون الفيديو. وصدق المثل القائل الذي ضربه المتنبي في إحدى قصائده : ( تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن) .
لذا وضعت هذا السيناريو شكلا من أشكال التدريب ، ليحذوا الطلاب حذوه في فن كتابة السيناريو أولا ، ثم فن إخراجه للفيديو. وذلك على هيئة سهرة في حلقة واحدة محبوكة دراميا ، على النحو الآتي:

* عنوان السهرة: ( أنا ومراتي والتليفون )
* تأليف : د. أبو الحسن سلام
* إخراج: د. هاني أبو الحسن
* إنتاج : قسم المسرح بكلية الآداب – جامعة الإسكندرية 2007
* تصوير: السيد الصابر
ـــــــــــــــــــــــ

أولا: فكرة النص الدرامي
- وهي بمثابة موجز مكثف للحدث الدرامي ومغزاه –
تدور الفكرة الدرامية للنص حول أثر الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي يعاني منها الناس في بلدنا ، بخاصة الطبقات الشعبية ، من أرباب المهن الحرفية الحرة و المهن الخدمية ،( كالحلاقين وسائقي سيارات الأجرة وعمال الجراجات والسعاة والبوابين والحراس والسمكرية والنقاشين والبنائين والسباكين والخدم)
مع التركيز بشكل خاص على أحد النماذج وهو هنا ( الحلاق سمير) لتناسب هذه المهنة مع الأثر المقصود تحقيقه في النهاية ، (حالة الصدمة والتحول
الدرامي نتيجة للمفارقة الدرامية التي تقع على رأسه بسبب طبيعته الثرثارة ، كصفة ملازمة لأصحاب تلك المهنة تحديدا) فهو دائم الشكوى والتذمر من ضيق ذات اليد وعدم مساعدة زوجته (فاطمة له ببعض الأموال ، بخاصة وهي تعمل معلمة في إحدى المدارس. وقد كان ذلك مدار حديثه مع زبونه الدكتور عباس الذي جاء بهدف الحلاقة ، يشتكي الأسطي سمير الحلاق سوء الأحوال ويعلن عن رغبته في توسيع مجال رزقه بحيث يشمل المتاجرة الجزئية في بعض منتجات التجميل إلى جانب عمله في الحلاقة ، لكنه لم يجد عونا من زوجته . وهنا يتطوع الدكتور عباس إذ يعرض عليه أن يحادث فاطمة زوجة الحلاق في أمر مساعدتها لزوجها ومدّه ببعض المال ، مبادرا بالاتصال بها تليفونيا من هاتف صالون الحلاقة . تنفرج أسارير الزوج الأسطى سمير نتيجة لما بدا من انفراج أسارير الدكتور من ردود الزوجة الإيجابية . ينسى الدكتور وضع سماعة الهاتف في موضعها الأول عند إغلاق خط الاتصال ، إذ يترك السماعة على ( السرّاحة) أمام المرآة ، في الوقت الذي ينبري فيه الأسطى سمير في الثرثرة معرضا بزوجته ، بقول يسيء إليها . وهنا يأتي اتصال هاتفي علي موبايل الدكتور ، من زوجة الأسطي سمير نفسها لتلفته إلى أنه نسي يغلق خط الاتصال. وهنا تحدث المفارقة الكوميدية ، وتحدث الصدمة الدرامية بمباغتة الزوجة لهما ، بما يحقق حالة الاكشاف التي تحدث التحول الدرامي أو التنوير – حسب النظرية الأرسطوية –

ثانيا: المعالجة الدرامية
• الشخصيات:( الأسطى سمير الحلاق – الدكتور عباس – سميرة زوجة الحلاق)
• المكان: صالون حلاقة رجالي.
• الزمان نهار داخلي.
• المنظر: صالون حلاقة رجالي: ( 2 كرسي حلاقة-2 مرآة – صور – ساعة حائط – نتيجة معلقة على حائطك الخلفية – جهاو تليفون – عدة حلاقة )
• الموسيقي خفيفة في خلفية الحوار وتبدأ مع نزول التتر.
• تدور الكاميرا مع نزول عنوان الحلقة أو الموقف الدرامي، زووم إن على العنوان مع تراجع الكاميرا ، (زووم إن) مرة ثانية مع نزول صورة كل ممثل اسمه، وتراجعها إلى الخلف لتعود في وضع زووم إن مع صورة من يليها من الممثلين ، انتهاء باسم المؤلف وأسم المخرج .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحوار حركة الكاميرا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
• تدور الكاميرا بلقطة قريبة جدا علي جهاز تليفون
على مواضع أرقام الاتصال أصابع يد أحدهم بجوار التليفون على منضدة المرآة الكبيرة للصالون توجد طفاية سجائر كريستال .
• يسقط عنوان المشهد على الصورة ( أنا ومراتي والتليفون ) .
• قطع مع تراجع الكاميرا منسحبة وتلاشي الصورة ، لتحل محلها لقطة ثانية تتسلل من يعيد ، وتفترب أكثر فأكثر ، مركزة على الأسطى سمير واقفا بيده مقص وبالأخرى مشط ، استعدادا لتسوية شعر رأس الدكتور عباس الجالس على مقعد الحلاقة أمامه مرأة كبيرة ، وخلفه مرأة كبيرة، تنزل أسماء الممثلين أسفل صورة كل منهم على حدة ، ( مجدي مرزوق – عادل نجاتي – نهال سمير ) مع حركة زووم تتكرر حركة الكاميرا من الخلف إلى الأمام تدفع الصورة من الخلفية إلى أمامية الكادر مرة بعد أخرى مع كل صورة من صور الممثلين وأسمائهم. (قطع)
• لقطة متوسطة على سمير الحلاق واقفا خلف كرسي الحلاقة ، ومن مرأة في خلفية الكادر تظهر معاطف رجالية للزبائن معلقة على مشجب حائطي ، مع نزول اسم المخرج ، يليه اسم المشرف على المشروع ( بديلا للمنتج) وهنا يبدأ الحوار:
ـــــــــــ
• سمير الحلاق: ازيّك يادكتور ؟ أخبارك إيه ؟ طولّت علينا شويه المرة دي
• الدكتور : معلهش انشغلت شويه المرة دي. شكلك كده مش زي كل مرّة
• سمير الحلاق: معلهش . أنا تعبان شوية
• الدكتور عباس: تعبان من إيه ؟!
• حركة الكاميرا: لقطة واسعة (Amours) من خلف ظهر الحلاق ، تطال زميلا له يحلق لزبون آخر على كرسي آخر
• قطع ولقطة قريبة لسمير منهمكا في تسوية شعر الدكتور ، محصورا بين مرآتين واحدة من أمامه وأخرى خلفه على الحائط الخلفي ( نتيجة – ساعة وصورة) وهو يثرثر حول أحواله المتردية ، ويشكو ضيق حاله ) سمير: تصور يادكتور طلبت من سميرة حرمنا سيادتك عارف إنها مدرسة والحال متيسر معاها يعني عشان تمد لي ايد العون بمبلغ صغير.. شوية فلوس يعنى اشتري شوية بضاعة خفيفة برفانات يعني وعطور لزوم تجميل وحلاقة وكريمات آهو أعرضها في المحل زبون من هنا وزبون من هنا الحال يمشي حبتين .. يعنى نواية تسند زير . العملية مش جايبة تمنها ، تصور حضرتك .. رفضت!! رفضت تمدلي ايد العون.
• قطع مع لقطة قريبة على الدكتور :
" الدكتور: ازاي الحكاية دي .. لا ..لا .. ملهاش حق .. أنا أكلمها"
• قطع ولقطة قريبة على يد سمير على سماعة الهاتف ويده الأخرى تطلب رقم منزله دون أن ينقطع عن الحديث:
"سمير: هو دا العشم يا دكتور .. ربنا يخليك لنا "

• يسمع جرس الهاتف على الجانب الآخر

• قطع على جهاز الهاتف في منزل سمير ، دون وجود أحد.
• قطع على سمير:
" سمير : ( بضيق) ردي .. ( لنفسه) ( جرس الهاتف يرن دون جدوى)
• تبادل اللقطات القريبة بين الهاتف وتعبيرات الضيق على وجه سمير . تنتهي بيأسه من تلقي إجابة تحمل صوت سميرة. تتركز الكاميرا على وجه سمير تصغر وتصغر وتصغر وتتراجع إلى الخلف حتى تتلاشي
• إظلام مع نزول صوت حركة مقص الحلاقة تعود الكاميرا حاملة لوجه سمير من خلفية الكادر صغيرة ، تكبر وتكبر في تقدمها إلى أمامية الكادر لتصبح على نحو ما كانت عليه قبل تلاشيها.
" سمير: تلاقيها وصلت .. النهاردة الخميس جدولها خفيف
• لقطة قريبة جدا على يد سمير وهو يعبث بلوحة أرقام الهاتف
• لقطة قريبة على سماعة الهاتف على أذن سمير . تنتقل الكاميرا مابين الهاتف في منزله يدق والسماعة على أذنه
• قطع على الدكتور في لقطة متوسطة
" الدكتور: أبقي أكلمها لما أشوفها.
• زووم إن على سمير والغيظ يكاد يقتله
" سمير: مش عارف .. النهاردة الخميس .. هي زحمة الأتوبيسات ."
• قطع على الهاتف والجرس يدق
• قطع على باب الشقة ، وحركة مباغتة لفتحه ،
• قطع على الدكتور بلقطة قريبة
" الدكتور: ما تاخدشي في بالك أنا ح اكلمهالك .. بس لما أشوفها"
• قطع على السماعة على أذن سمير ، مع اصطكاك صوت باب شقته في طبلة أذنه، مع قطع بلقطة سريعة متوسطة على سميرة وهي تغلق باب الشقة
• الكاميرا تتحرك أمامها وكأنها تقود حركتها في اتجاه الهاتف
• تركز الكاميرا زووم إن على يدها وهي تبدو متلهفة على انتزاع سماعة الهاتف
" سمير: آلوه ....
• قطع على سمير في لقطة قريبة جدا على وجهه والسماعة على أذنه
" سمير: آلوه .. أيوه يا سميرة .. خدي .. خدي الدكتور عباس عايز يكلمك "
• قطع على يد سمير الحلاق وهي تمتد بالسماعة وهو يحمل الهاتف بيده الأخرى
• قطع بلقطة قريبة على الدكتور وهو يبدي تعجبه من تسرع الحلاق .ويأخذ السماعة بشيء من الضيق
• قطع سريع على سميرة
" سميرة: خير .. مش تستني لما .......
• قطع سريع على الدكتور والسماعة على أذنه
" الدكتور: أهلا يا سميرة .

• قطع على سميرة
" سميرة : أهلا بحضرتك يا دكتور.
• تبادل للقطات بين الدكتور وسميرة التي ما تزال بملابس الخروج
" الدكتور: بقول إيه..
" سميرة: تفضل حضرتك
" الدكتور: أنت عارفه الحياة اليومين دول صعبة والغلا شادد حيله على الكل ..
أنت عارفه .. البلد مش في حالتها الطبيعية .. وسمير ...
سميرة: هو اشتكى لك مني؟
الدكتور: لا .. مش كده بالظبط ..
سميرة: لا .. منا عارفاه
الدكتور: لا .. لا .. متظلمهوش ..
• قطع على وجه سمير الحلاق ، والقلق ينهشه
• قطع على الدكتور
الدكتور: ما أنت عارفه.. الحياة عايزه تعاون
• قطع على الحلاق وهو يهز رأسه بالإيجاب
• قطع على سميرة وقد جلست على الفوتيه
سميرة: آه ... معناها شايفني مش متعاونة!!
الدكتور: لا .. لا ..
• قطع على سمير وهو يتململ في وقفته
• قطع على الدكتور
الدكتور: هو بس عايز يوسع الدخل شوية .. يعنى يشتري..
سميرة: أيوه .. أيوه .. الأسطوانة المشروخة إيّاها .. منا عارفاها.
• قطع مكبرة على أذن سمير الحلاق بحيث تملأ الشاشة ، وكأن ليس فيه إلاّ الأذن ..

• قطع على الدكتور:
الدكتور: طب عشان خاطري أنا ساعديه ولو على سبيل سلفة.
• قطع على سمير حيث يبدو غير منشرح لعبارة الدكتور الأخيرة
سمير: (لنفسه) سلفه ؟؟ إحم .. إحم !!
• قطع على سميرة
سميرة: ياما سلفته .. لكن ما بيردش
الدكتور: يعنى .. مفيش فرق .. ما هو زيتكم في دقيقكم .. ( متبسما)
• قطع على وجه سمير مع بسمته العريضة وهو يهز رأسه منشرحا.
• قطع على سميرة وهي تخرج من حقيبة يدها إلى جوارها أجندة صغيرة تقرأمنه بعد تقليب صفحاتها
سميرة: طب أنا ح أقرا لحضرتك السلف اللي أخدها ولا رجعتش
• من شهر فات وصله من يدي..
الدكتور: مالوش لازمة تقري لي حساباتكم في النوتة
• قطع على سمير متململا ، بينما يسمع صوت حركة المقص في يده
• قطع على سميرة
سميرة : أنا بس عايزة أقول لحضرتك
الدكتور: شوفي بس .. المسألة بسيطة أنا ضامنه المرة دي .. أديله قرشين
يشتري شوية بضاعة يسترزق ، جنب الحلاقة ، وربنا يفرجها.
• قطع على سمير يهز رأسه إيجابا
• قطع على
سميرة: أصل....
الدكتور: لا أصل ولا فصل .. خلاص بقى .. أنا الضامن المرة دي ماشي؟
• قطع على أذن سمير تملأ الشاشة
• قطع على سميرة تنفخ الهواء حارا
سميرة: طيب .. ماشي يا دكتور .. بس علشان خاطرك .. إيّاك يطمر
الدكتور: تسلميلي ..
• قطع على سميرة حيث تتحول الصورة إلى فم أنثوي كبير يملأ الشاشة وهو يثرثر دور كلمات مع تنقل الكاميرا بين فمها والسماعة على أذن الدكتور وتنتقل بالتبادل بين الفم وأذن الدكتور وأذن الحلاق مكبرة تملأ الشاشة مع إظلام تدريجي
• عودة الكاميرا بلقطة بعيدة تقترب وتقترب وتقترب نحو أمامية الكادر في لقطة متوسطة وسمير يعاود تفعيل صوت المقص في يده وهو يشتغل على راس الدكتور . وسرعان ما ينتقل اللقطة إلى فم سمير وهو يثرثر بكلمات غير مسموعة سرعان ما تصبح الثرثرة تمتمات صوتية غير مفهومة
• قطع على سماعة التليفون ممددة على قرص السرّاحة إلى اليسار والاتصال بين هاتف محل الحلاقة وبيت الحلاق مازال قائما ، حيث ما تزال سميرة تمسك بسماعة هاتف منزلها .
• لقطة قريبة جدا على أذنها ، تتنصت لما يقوله سمير . تتنقل اللقطات فيما بين فم سمير المكبر الذي يملأ الشاشة وأذن الدكتور وأذن الزوجة تملأ الشاشة
• لقطات متبادلة ومتقطعة بالفلاش باك تبين عدد من المواقف الحادة بين الحلاق سمير وزوجته سميرة ، مابين مشادة وصفاء واحتداد ، انتهاء بلقطة لسميرة ترفع مداسها في وجه زوجها . مع قطع
• ضجيج لأصوات الباعة مع نزول لقطات متفطعة للباعة في عدد من الأسواق المتنوعة وتزاحم السيارات والموالد والأفراح وزفة عرس شعبي وأخرى في فندق فخم ومظاهرات وتدخلات الأمن المركزي
• جرس موبايل الدكتور يدق
• الدكتور: آلوه
صوت سميرة : أيوه يادكتور عباس
الدكتور: أيوه ياسميرة .. خير
صوت سميرة : أنت نسيت تقفل التليفون
• ( صوت إغلاق سماعة الهاتف في أذن الدكتور مكبرة)
• الدكتور ينظر نحو السماعة ثم ينظر إلى الأسطي سمير الحلاق)
• تتكرر اللقطات الكولاجية السابقة مصحوبة بالضجيج
• إظلام تدريجي على اللقطات المتبادلة بين الثلاثة( أذن الزوجة ، أذن الدكتور ، لتنتهي بفم الحلاق الذي يملأ الشاشة ، وتخرج منه شريط طويل متتابع بكلمة النهاية صغيرة في فمه بينما تكبر وتكبر وهي تخرج من فمه لتملأ الشاشة في النهاية.

التحليل الدرامي والفني للعرض
لا شك في "أن الصورة البصرية وترابطها المدهش هو ما يصنع الفيلم"
وإذا توقفنا لنقارن بين الصورة في السيناريو الذي وضعه د. هاني أبو الحسن سلام ، وهو نفس السيناريو الذي شكل مشروع إخراج الطالبة ، سوف نلحظ فروقا جمالية بينها واختلافا مع الصورة في إخراجها لذلك السيناريو نفسه ، حيث تمكنت من تخليق شبكة من المعاني عن طريق تقنية التقطيع والمزج يقول نيكوللز: " عن طريق خلق شبكة من المعاني والتداعيات ، يقنعنا الفيلم أن قطعا من الواقع الخيالي ، قد أمكن جمعها معا ، وكأنها أجزاء لغز لعبة الصورة المقطعة ، حتى تم تكوين صورة كاملة منها في النهاية."
ولا شك أن تلك الفروق فيما بين الصورة في النص والصورة على الشاشة هي فروق جمالية ، فضلا عن كونها درامية وهي تضافر خيال كاتب وخيال مخرج.

• التتر وجمالية اللقطة : تظهر الجمالية منذ البداية ؛ بإسقاط عنوان السهرة على الصورة ( أنا ومراتي والتليفون ) يكثف المخرج دلالة المحتوى الدرامي للحدث بدءا من اللقطة الأولى ويمهد له بما يوحي مبكرا بأن هناك أزمة ما سوف تقع بسبب التليفون ، بما يكشف عن أن التليفون طرف في صنع الأزمة الدرامية . وهنا يتجسد أسلوب أفق التوقعات الذي تكلم عنه د هاني أبو الحسن في كتابه جماليات الإخراج بين السينما والمسرح وفي محاضراته كذلك عن الإخراج التليفزيوني ، وعن الإخراج الإذاعي. حيث رأي وهو يستعرض عمل الطالبة أن جمالية هذه اللقطة الاستهلالية متمثلة في انعكاس صورة جهاز التليفون على
صفحة المرآة ، مما يعطي إيحاء بوجود الطرف الآخر للمكالمة التي سوف تجري. كما يؤكد درامية اللقطة ( صورة جهاز التليفون وانعكاسها على المرآة).

* المغزى الأخلاقي في الحدث :
تأسس الحدث في هذه السهرة الدرامية التليفزيونية على فكرة هامشية التكافل الاقتصادي الأسري بين زوجين من الطبقة الدنيا ( المهمشين في المجتمع) ، فالزوجة - وهي مدرسة- قد ضجرت من إلحاح زوجها الحلاق على طلب المساعدة المالية من أجل عمل مشروع استرزاق بسيط في محل الحلاقة الخاص به . غير أن الزوجة وقد رأت الاحتراز من الزمن وتقلباته؛ شاءت أن تحتفظ لنفسها ببعض مما تكسبه من أموال هي من عوائد راتبها الشهري من التدريس ، ولا تسلمها للزوج الذي يلح عليها من أجل الدخول في تجارة بسيطة مرتبطة بمهنة المزين وهي البيع والمتاجرة في أدوات التزيّن والتجميل ، وهي مسألة غير مضمونة – في نظرها – كما أنه كثيرا ما حصل منها على مبالغ مقابل ردها باعتبارها سلفة ولم ترد إليها أموالها. الموضوع إذن موضوع اجتماعي أسري ، وهو من حيث أسلوب كتابته الدرامية ، لا يزيد عن كونه صورة واقعية لما يجري في مجتمع الطبقات المهمشة في مجتمعاتنا العربية بعامة ، لذا اتسمت الصور الدرامية من حيث الأسلوب ، ببعض المبالغة ، شأن كل صورة درامية اجتماعية تدور حول فكرة الاستحواذ يقول نيكوللز: " إن القصص التي تدور حول الاستحواذ هي- لحد ما- قصص عن المسئولية الأخلاقية. إنها قد تكون ملائمة جدا لادعاء أنك فعلت شيئا فظيعا لوقوعك تحت استحواذ" ما. والزوجة هنا تشعر بأنها واقعة تحت استحواذ زوجها بشكل غير مباشر ، حيث توسط الدكتور عباس له عندها × مما شكل ضغطا عليها لانتزاع موافقتها على إعطاء المال لزوجها، تحت ضمان الدكتور عباس بتعهده لها بأن يرد لها زوجها المال من عوائد بيعه لمشترياته التجميلية الاستهلاكية.

* الصورة وتعميق المغزي:
من أهم الأدوار التي يقوم بها المخرج سواء في مجال المسرح أو في مجال السينما أو الفيديو ، هو تخليق الصور وتولديها من الصور التي تضمنها النص ، الذي يتعرض له المخرج . وهي عملية لا تتحقق إلا عن طريق قدرة المخرج نفسه على تأويل النص الذي بين يديه ، لاستنباط دلالات ، غالبا لا يقصدها المؤلف نفسه. وبدون هذه العملية الاستنباطية للصور لا يتحقق الثراء في دلالات العرض مسرحيا كان أو تليفزيونيا أو سينمائيا.
تحدث د. أبو الحسن سلام عن أهمية الصور الاشتقاقية في العرض المسرحي
حيث ينمي المخرج بعض الصور الدرامية الجمالية في النص المسرحي ، فيما يعيد إنتاجها على خشبة المسرح ، ويولد منها بعض الصور الاشتقاقية ، حيث تقلد الصور في الغرض الكثير من صور أخرى سابقة ، وهنا تتضح أهمية الخيال فيما بين الصورة في النص والصورة في العرض .
ومن الواضح هنا أن المخرج قد لجأ في نهاية هذه الحلقة الدرامية( السهرة) إلى أسلوب الاشتقاق ، في موقف الاسترجاع flash backحيث عمل على توظيف فن الكولاج عبر تداخل العديد من الصور في الأسواق والشوارع المزدحمة وحيث الزحام والضوضاء وتكدس السيارات والمارة وأكوام النفايات وربط تلك الصور الواقعية في المجتمع المصري ، التي كثيرا ما تزخر بها الأفلام الواقعية في السينما المصرية؛ ربطها بتنصت الزوجة في الحدث الدرامي الأساسي مع ثرثرة الزوج – المبهمة بالنسبة للجمهور – وهي ثرثرة تنال من زوجته وتعرّض بها أمام الدكتور عباس وسيطه عندها ، حيث الإيقاع السريع للقطات المتبادلة مابين اللقطة القريبة جدا على أذن الزوجة مرة وعلى فم الزوج مرة أخري في مصاحبة للغط صوتي غير مفهوم على لسان الزوج ومقابلته بلغط في الأسواق وفي الشوارع ؛ بما يعكس عمومية الواقع الحياتي في المجتمع المصري . وتبدو الجمالية هنا في إحالة الواقعة الخاصة في الحدث الدرامي – وفق النص – إلى حالة عامة تسود المجتمع المصري كله ، كما تعكس الواقع الأزمة الاقتصادية التي يعيشها المجتمع المصري. وتلك بلاغة الصورة ، التي لا يقدر عليها إلا الفكر المعايش للواقع والمتفاعل عبر الخبرة المعرفية وسعة الخيال.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن