صورة المرأة بين المسرح النسائي ومسرح نصرة المرأة .

أحمد صقر
drahmedsaker@hotmail.com

2011 / 3 / 5

مازالت دراسة قضايا المرأة فى المسرح وكيفية عرضها ومدى الإتفاق أو الإختلاف حول مناداة البعض بضرورة تخطى الصورة القديمة للمرأة فى المسرح وإستبدال هذه الصورة بصور أخرى تطرح معالجة سوية لقضايا المرأة، بعيدا عن المعالجات الذكورية السابقة؛ لايزال هذا الموضوع موضوع أخذ ورد، أو شد وجذب بين المسرحيين فى جميع أنحاء العالم، غربا وشرقا- مع بعض التحفظ-، ولازالت الضجة حول مسمى "مسرح نصرة المرأة"، أو فى بعض الأحيان ضد مسمى "المسرح النسائى"- أهدافه وغاياته- مثارا للكثير من التساؤلات التى لا تكاد تهدأ حتى تثيره بعض النساء، خاصة فى الآونة الأخيرة فى المنطقة العربية، حيث إحتلت موضوعات المرأة وموقعها على خريطة المجتمعات العربية حيزا كبيرا من النقاش.
إمتازت الفترة الواقعة ما بين الربع الأخير من القرن التاسع عشر والربع الأول من القرن العشرين باشتداد النقاش حول موضوع المرأة فى المسرح، كيف تطور، ولعل الدافع فى ذلك يعود إلى الدعوة التى تبناها "إبسن" من خلال مسرحياته وتبعه "شو" وصولا إلى الربع الأخير من القرن العشرين، وبالتحديد منذ سبعينيات القرن المنصرم، حيث تعالت صيحات المدافعين عن المرأة وعن حقها فى المساواة بالرجل فى جميع الحقوق، بل تخطى الأمر إلى مناداة أصحاب هذه الدعوة بالثورة على العادات والتقاليد والأعراف الإجتماعية عامة التى ظلمت المرأة منذ أزمان بعيدة.

إعتمدنا فى هذا البحث على دراسة الكثير من الأعمال المسرحية التى صورت المرأة وقضاياها، وصولا إلى الربع الأخير من القرن العشرين، مستفيدين من ركائز أساسية أفدنا منها فى الإنطلاق لتحديد بداية إنتشار مصطلح "مسرح نصرة المرأة" الذى غير كثيرا فى المسلمات الأكاديمية التى أقرت صورة المرأة وقضاياها منذ المسرح الإغريقى، وقد حددنا لهذه الدراسة عدة أهداف، قسمناها لقسمين:
القسم الأول: نقدم فيه دراسة موجزة لمصطلح "المسرح النسائى"، "مسرح المرأة"، وأسباب تراجع هذا المصطلح.
القسم الثانى: نقدم فيه دراسة تحليلية لمصطلح "مسرح نصرة المرأة"، نشأته وإختلافه عن المصطلح الأول، وموضوعات هذا المسرح، مركزين على التقنيات الفنية لـ"مسرح نصرة المرأة"، خاصة المرأة كممثلة، طارحين المعوقات التى تواجه الكتابة النسائية للمسرح، منتهين إلى مصطلح "النقد النسائى" وعلى التطبيق على بعض النماذج لمسرحيات تمثل "مسرح نصرة المرأة".

مكانة المرأة فى المجتمع الإنسانى
بدايات التاريخ الإنسانى

منذ أن وطأت المرأة والرجل أرض الحياة والمرأة تتمتع بمكانة إجتماعية راقية تميزت بالإستقلال، فهى رمز الحب والعطاء يسعى الكل لإرضائها، تحاط بهالة من السحر والغموض يسعى الأبطال فى الأساطير الأولى ويتمحورون حولها سعيا لإرضائها، فها هما "قابيل" و"هابيل" يتصارعان من أجل امرأة.
ولعل ذلك يؤكد أن المرأة منذ فجر التاريخ لم تظهر كتابع للرجل، ولا ينظر إليها نظرة المخلوق المتدنى، وهو ما تجسده الحضارة الإغريقية التى لم ترق فيها المرأة أكثر من كونها خادمة أو زوجة تنجب الأولاد ولا تتمتع بجميع حقوقها المدنية كمواطنة، فهى تابعة للرجل، ظل له.
وهو ما تؤكده د."نهاد صليحة" التى أكدت نظرة "أرسطو" للنساء، حين وصفهن بأنهن "فئة تابعة متدنية" ووضعهن فى قسم واحد مع العبيد (تلك الطبقة الحقيرة التافهة) .
على أن هذه الصورة السابقة التى يمكن استقرائها من نتاج كتاب المسرح الإغريقى- مسرحية "أوديب" وكيف صور شخصية الأم "جوكاستا" وهى تسلب أداميتها وتتزوج من ينتصر على حل لغز "أبو الهول" ويكون المنتصر هو ابنها، دون أن تتمتع بحريتهات فى الإختيار. و"ميديا" التى تصور امراة خائنة، فهى تخون أبيها من أجل حبيبها "جاسون" وتدله على مكان "الفروة الذهبية" التى طلبها منه عمه ليعيد إليه ملك أبيه وملكه من بعده، ويعود "جاسون" ومعه زوجته "ميديا" التى سرعان ما يغدر بها، فتتحول عنه وتقرر، بعد أن أنجبت منه ولدين أن تتخلص من حبيبته الجديدة، وتنجح فى ذلك، إلا أنها تخشى على مصير ولديها، لذلك "قررت ألا تتركهما لمن يسئ معاملتهما أو يمعن فى إذلالهما وقالت:
لقد أعطيتهما الحياة وسوف أذيقهما كأس الردى. إياى والتردد.. فلأقدم على ذبحهما، ولكن أفكر فى حبى لهما، بل سأنسى أنى أمهما، سأنسى ذلك برهة، ثم أستسلم للأحزان أبدا) .

إن هذه المسرحية تصور المرأة التى تحقد على زوجها والتى تضحى بأولادها، فهى نموذج للمرأة الإغريقية التى دفعها الحقد لتفكر فى أكبر الجرائم فظاعة وأشدها هولا على نفسها هى قبل نفس غيرها، إضطرابها حين شروعها فى تنفيذ جرمها الشنيع، محاوراتها مع نفسها قبل إقدامها على قتل ولديها تتجاذبها عاطفتا الأمومة وحب الإنتقام، وهكذا صور كتاب المسرح الإغريقى نساء الإغريق فى أسلوب يختلف كلية عن صور النساء فى الحضارة الفرعونية، فقد اعتبرت المرأة كائنا إجتماعيا يحترم ويكرم ولا ينظر إليها كخادمة أو منتج للنسل.
وهكذا يرى المتتبع لقصة تطور الحضارة منذ الفراعنة والإغريق والرومان وصولا إلى القرن الثامن عشر ما ساد جميع بلدان أوروبا من تلك النظرة الأحادية إلى المرأة التى تمثلت فى كونها عاجزة عجزا نفسيا وبيولوجيا وإقتصاديا، وذلم بسبب التقاليد والعادات التى وضعها الإنسان فى هذه الحضارات والتى حددت للمرأة مكانة، تتبع فيها خطى الرجل، تلاحق خطاه دون أن يعنى وجودها هذا أية دلالة على الإستقلال أو القدرة على العطاء إلا من خلال تبعيتها للرجل.
وتستمر صورة المرأة فى أعقاب عصر التنيور، وإن سعت وجهات النظر الفكرية والفلسفية فى ظل هذا العصر إلى تخطى المسلمات واستحداث الجديد، بعد أن نخضعهم للتجريب، فجاءت أعمال "إبسن" فى القرن التاسع عشر لترصد تغييرا أو تحولا لصورة المرأة السابقة، تحولا سعى "إبسن" من خلاله ليؤكد على ضرورة إعادة النظر فى العادات والتقاليد والقوانين التى تحكم هذا المجتمع، ومن ثم قدم عددا من الأعمال المسرحية أعتبرت فاتحة الطريق وبداية حقيقية لتقديم صورة للمرأة، عرفت فيما بعد عند "برناردشو" بـ"المرأة الجديدة"، وترتب على ذلك أن قدم "شو" أعمالا مسرحية عديدة صور من خلالها المرأة فى أسلوب جديد، مغايرا للسائد، متخطيا جمود التقاليد والعادات، محطما عجزها المادى والإقتصادى، فاتحا للآفاق لتحررها الإجتماعى من تبعيتها للرجل، مما جعل الكثير من النقاد يطلقون عليه "كاتب النساء".
إن إسهامات "إبسن" و"شو" ومن جاء بعدهما من كتاب المسرح غيرت كثيرا فى ملامح الشخصية النسائية، ذلك أن الدراما الحديثة، التى إرتبطت فى نشأتها بـ"إبسن"، قدمت معالجات درامية صورت المرأة على غير ما كانت عليه من قبل، فبعد أن كانت شخصيات لا تعرف ماذا تريد، ضحايا لقوى البيئة، فاقدة للوعى والقدرة المادية على الفعل، تتغير الصورة فى مسرحيات "إبسن" و"شو"، ففى مسرحية "بيت مية" نتعرف على شخصية "نورا" التى تحولت وأصبحت شخصية واعية قادرة على الفعل، مما مكنها من تغيير هذا المصير الذى آلت إليه مع زوجها "هيلمر"، وهو ما دفع بعض الدارسين إلى القول إن مسرحية "بيت دمية" تحتوى على أروع تصوير للمرأة فى كل كتابات "إبسن"، ويذهب البعض إلى الإعتقاد بأنها تعبير صريح عن رأيه فى وظيفة المرأة وعن مكانها فى الحياة ، وهى نظرة جديدة حرمت المرأة منها كثيرا منذ أن كتب الإغريق مسرحياتهم- مع التحفظ على معالجات "يوربيديس"- وصولا إلى مسرح "إبسن" المعاصر، الذى يتلاقى كثيرا مع "مسرح نصرة المرأة" ذى التوجه المخالف للنظرة السائدة أيضا.
ومن خلال باقى مسرحيات "إبسن" يقدم لنا المؤلف العديد من الصور والملامح التى جعلت الشخصيات النسائية عنده تصور بطريقة مغايرة للصور السابقة.
يأتى "برنارد شو" فى مكانة ثانية بارزة بعد "إبسن"، فيكتب أعمالا مسرحية يكمل فيها مشواره، بل ويتغلب عليه بعد أن تزدحم معظم مسرحياته بالشخصيات النسائية، يكرمها ويوقرها ويجعلها تمثل دَفْعَة هذه الحياة، فهن قادرات على إعطاء المبادرة الأولى فى كل شئ، فهن القوة المحركة ولسن القوة التابعة كما كن يصورن من قبل، وهو ما دفع "شو" إلى إستخدام مصطلح "المراة الجديدة"، ويعنى بذلك أنها "ليست جديدة بالمفهوم التاريخى، ولكنها حركة تعبير عن خصائص معينة فى المرأة، سواء عاشت هذه المرأة فى الماضى أم أنها تعيش فى عصرنا الحاضر" ، ويدلل على أن "كليوباترا" شخصية نسائية عاشت فى الماضى إلا أنها نمط للمرأة الجديدة، كذلك شخصية "جوديت" فى "تلميذ الشيطان"، و"جنفر" فى "حيرة طبيب"، هن يعشن فى الحاضر إلا أنهن نمط للمرأة التقليدية.
إنتقل تأثير "إبسن" و"شو" إلى كثير من كتاب المسرح العربى عامة، والمسرح المصرى خاصة، حيث وجدنا عددا من كتاب المسرح يسعون إلى تصوير الشخصيات النسائية فى معظم أعمالهم، إلا أنه من الحق القول أن كثير من هذه المسرحيات لم تنجح فى تقديم النماذج الحقة للشخصية النسائية، أو كما أسماها "شو" ومن جاء بعده- "توفيق الحكيم"- بـ"المراة الجديدة".
إهتم "الحكيم" بتصوير المرأة فى معظم مسرحياته، إلا أنه لم يصور المرأة الجديدة إلا فى القليل من أعماله، بينما جاءت باقى الشخصيات النسائية عنده نموذجا للمرأة التقليدية التى لا تتجاوز الأدوار التقليدية المتمثلة فى كونها تابعة للزوج، تتحرك وتنطلق من عالم الرجال لتحقق لهم النجاح، لذا فهى لا تصبح نموذجا للمرأة الجديدة التى لا تتخلص من تبعيتها للرجل إلا فى مسرحيات مثل "إيزيس"، حيث تتخطى حدود المرأة التقليدية وأدوارها المنوطة بها إلى كونها امرأة قادرة وفاعلة ومؤثرة على الأحداث، فهى لا تكتفى بمشاهدة ما يحدث ولكنها تسعى وتناضل من أجل حفاظ ابنها على عرش أبيه، ومن خلال مسرحيته "السلطان الحائر" يصور المرأة القادرة على تغيير كل ما حولها، إنها "الغانية" التى تعدى "الحكيم" رسم صورتها وملامحها التقليدية ليجعلها امراة تمسك بزمام الأمور وتطبق القانون على "السلطان"، إنها "المرأة الجديدة"، المستقلة، غير التابعة للرجل، إنها تخطت حدود الضعف والعجز والإرتكان إلى الرجل.
إن إهتمام الكثير من كتاب المسرح المصرى بالمرأة تجسد فى الكثير من أعمالهم، فقد صورها "صلاح عبد الصبور" فى ثلاث من مسرحياته تشترك فيهن النساء بملامح ثابتة، أهمها "أنهن جميعا نساء مغتصبات عاجزات مغلوبات على أمرهن يعشن على أمل الخلاص والتحرر والإنجاب، وإن إختلفت كل منهن وقدرتها على مواجهة مصيرها والإنتصار على مغتصبيها" ، وعليه نستطيع أن نرصد هذه الملامح فى مسرحياته "الأميرة تنتظر" و"بعد أن يموت الملك" و"ليلى والمجنون"، فمن خلال مسرحيته الأولى تظهر شخصية "الأميرة" التى وقعت فى شباك "السمندل" الذى سيطر عليها وإغتصبها وأراد أن تؤيده وتثبته على العرش وتعود إليه بنفوذه المفقود، إلا أنها لا تتمكن وحدها من التخلص منه فيعاونها "القرندل" ويقتله، مما يظهرها نموذجا للمرأة الضعيفة التقليدية التى لا تحقق تحررها إلا بسلطان الرجل، وكذا الحال فى مسرحيته الثانية حيث تظهر شخصية "الملكة" متوافقة مع شخصية "الأميرة" فى المسرحية السابقة، فهى ضعيفة مغتصبة من قبل "الملك"، إلا أنها سرعان ما تكشف عن قوتها حين تواجه "الملك" بعدم وجود طفل فى أحشائها، فيموت وتتحرر منه، إلا أنها مع ذلك تعجز وحدها فى إظهار ملامح "المرأة الجديدة" المستقلة عن الرجل، ذلك أن الشاعر هو القادر على إعادة ملكها المسلوب، فهو الذى منحها طفلها الذى تمنته، إلا أنها مع ذلك ضعيفة، وهو ما يتكرر فى مسرحية "ليلى والمجنون".
أما عن ملامح شخصية المرأة عند "لطفى الخولى" فنستطيع أن نرصد ملامح "المرأة الجديدة" من خلال مسرحياته "القضية" و"الأرانب"، حيث تقدم كل مسرحية نموذجا لـ"المرأة الجديدة" القادرة على تغيير مصيرها وحدها، المستقلة عن الرجل، والواعية لمصيرها، فمن خلال مسرحية القضية يقدم المؤلف شخصية "نبيلة"، ومن خلال مسرحية الأرانب" يقدم شخصية الزوجة المحامية الواعية لما تود أن تقوله أو تفقعله، مما يجسد إنعتاقها من عبودية الرجل وتحقيقها لحقوقها كاملة، ولكن ليس عن طريق الرجل الذى يمنحها إياها بل عن طريق قدرتها على تحقيق ذلك.
ونتعرف أيضا على ملامح الشخصيات النسائية فى مسرح "مصطفى محمود" من خلال مسرحيته "الشيطان يسكن فى بيتنا"، حيث يجسد المؤلف ملامح شخصية "سونيا" التى تعى جيدا هدفها، الواعية لمصيرها، التى تنجح فى تقديم صورة مستقلة للمرأة تتكرر من خلال باقى الشخصيات النسائية الأخرى.

المرأة بين مصطلحى
"المسرح النسائى" و"مسرح نصرة المرأة"
The Women Theatre& The Feminist Theatre

تناولت بعض الدراسات الحديثة قضية المرأة فى المسرح من زوايا جديدة، إختلفت كليا فى مناهجها وطرق طرحها وأهدافها عن الرؤى التقليدية للمرأة فى المسرح، ذلك ان إطلاق مصطلح مسرحى يختص بالمرأة لم يعرف، كما يقول د."إبراهيم حمادة" إلا منذ أواخر القرن السابع عشر وبدايات القرن الثامن عشر، حيث إستخدم مصطلح مسرحية "المرأة البطلة"- مأساة- She Tragedy وهو نوع من "المسرح شبه المأساوى فى إنجلترا فى أواخر القرن السابع عشر وفى القرن الثانمن عشر، ويدور موضوعه حول الحب والشرف والتضحية فى صيغة مأساوية، على أن تضطلع بالدور الرئيسى شخصية نسوية سيئة الحظ ، وهكذا عرف هذا المصطلح فى مرحلة يسودها نوع من المسرح يطرح من خلاله الرجل- ولايزال- قضايا المرأة من منطلق رؤية الرجال لها، إلا أننا لا ندعى أن ظهور المصطلح السابق ترتب عليه نوع من الإبداع يختص بالمرأة.
إن تطور العملية المسرحية فى القرن العشرين تبعها ظهور مسمى جديد هو "المسرح النسوى"، "حيث شهد العقد الماضى- نقصد نهاية السبعينات وبداية الثماتنينات- فى أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية، ظهور عشرات الجماعات التى تصف نفسها بعبارة "المسرح النسائى" كما بدأت المؤسسات المسرحية نفسها فى إعادة تشكيل أسلوب توزيع العمل وتقسيماته التقليدية، كما إزداد الإهتمام بأعمال المؤلِفات والمخرِجات عما كان من قبل" .
وهكذا أصبحنا أمام تساؤل مهم وجوهرى، فحواه": ما هو المصطلح الذى تناول من قبل موضوعات مسرحية تساهم المرأة فيها بنصيب كبير؟ وما هو الفارق بين المصطلحين؟
إن جميع الأعمال المسرحية السابقة، منذ الإغريق وصولا إلى سبعينات القرن العشرين، تندرج جميعها تحت مصطلح Womens theatre "المسرح النسائى" غير أن جميع هذه الأعمال المسرحية، التى تناولت فى حيز منها قضايا المرأة، لم تحقق ما يراه أصحاب المصطلح الجديد من متطلبات وتوجهات، ولعل من بين الأسباب الرئيسية لرفضهم المصطلح القديم أنه يقدم قضايا المرأة من منطلق رؤية الرجل لها دون أن يتفهم الرجل حقيقة هذه القاضايا، هذا إلى جانب أن الإختلافات البيولوجية بين الرجل والمرأة تجعل نوعية الكتابة النسائية تختلف عن الكتابة الرجالية.
وعليه نستطيع القول- من منطلق من ينادى بهذه النظرة- إنه من الممكن للمرأة أن تصيغ "كتابتها بشكل مختلف تماما عن أشكال كتابة الرجل، سواء تعلق الأمر بالكتابة المخطوطة أم بأشكال الكتابات التى تتوقف المرأة عن ممارستها فى علاقتها بجسدها، فالمرأة باعتبارها كائنا مختلفا فى تكوينه وجسده عن الرجل، وباعتبار وجودها فى مجتمع ذكورى، تعمل على الدوام على إظهار جسدها بشكل مغاير" ذلك أن أصحاب الإتجاه الجديد- مسرح نصرة المرأة- يرون أن الرجال يعبرون عن قضايا المرأة من وجهة نظرهم، ويجسدون هذه القضايا على خشبة المسرح، دون أن يضعوا فى الحسبان خصوصية المرأة وقضاياها، وهو ما دفع الكثيرات من الكاتبات والمخرجات إلى إنتهاج نهج جديد، خاصة بعد أن تطورت العادات والتقاليد بفضل النضالات النسوية، حيت لم يعد ينظر إلى هذه الخصوصية فى أسلوب الكتابة، على أنها تعبير عن دونية ومحدودية، بل جرى التعامل معها كحق من حقوق المرأة فى التمايز .
وهكذا تتضح لنا جوانب يسعى رواد مسرح نصرة المرأة إلى تجسيدها نظرا لعجز المسرح السائد، أو حتى ما يسمى "المسرح النسائى"، عن معالجة وتقديم قضاياهن كما يرون، هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية فإن جميع المعالجات التى قدمت على المسرح، منذ بداياته وصولا إلى القرن السابع عشر، "تؤكد حقيقة أنه ليس هناك عددا من النصوص التى كتبت لتقدم على الخشبة بواسطة المرأة حتى القرن السابع عشر، وهو ما يؤكد الغياب الواضح للمرأة من خلال المسرح التقليدى الكلاسيكى" .
وعليه نرى أن رواد ومؤيدى "مسرح نصرة المرأة" Feminist Theatre أخذوا يدرسون فى عدة دول، فى إنجلترا وأمركيا وأوروبا عامة، الأعمال المسرحية والأدبية التى صورت المرأة، وأدركوا عجز هذه الأعمال عن تقديم صورة أمينة للمرأة وقضاياها.

إن إنتشار مصطلح "مسرح نصرة المرأة" Feminist Theatre يعود إلى سبعينات القرن الماضى وبالتحديد فى عام 1970، حيث "ظهر هذا المصطلح إلى الوجود تاريخيا فى سياق الثقافة البريطانية ليصف أنشظة الدعاية والتحريض التى قامت بها الجماعات النسائية وبعض جماعات الشواذ احتجاجا على مسابقة ملكة الجمال العالم عام 1970، وفى الاجتماعات والمظاهرات المؤيدة لإباحة الإجهاض فى نفس الفترة" .
إن تأخر المرأة فى مجال الممارسة المسرحية، وصولا إلى سبعينات القرن الماضى، إنما يعود إلى "التقاليد المسرحية التى وضعتها الثقافة الأبوية، فى العصور الكلاسيكية، منذ القرن الخامس قبل الميلادى، وهى التقاليد التى:
1- نفت المرأة تماما خارج العملية المسرحية، بل وأيضا خارج دائرة المشاهدين (كما يؤكد البعض بالنسبة للمسرح اليونانى القديم).
2- طرحت صورا خيالية للمرأة، لا تعبر عن واقعها المعاش فى تلك العصور، بل وتختزل وجودها الإنسانى والجنسى كامرأة، فتحولها إلى رمز، سواء كان رمزا إيجابيا أو رمزا سلبيا.
3- أسندت أدوارها إلى ممثلين ذكور (فى المسرح الإغريقى والإليزابيثى والمسرح الدينى ومسرح العصور الوسطى)، يتنكرون فى أثوابها ويتحدثون بصوتها .

كل هذا حفز الكثير من النساء، خاصة الكاتبات الى تبنى وجهة نظر جديدة مغايرة، رأوا أن يطرحها من خلال الأعمال المسرحية التى تتمتع بملامح خاصة، تطرح قضايا المرأة من منطلق رؤية وقناعة كاتبات "مسرح نصرة المرأة".



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن