التهديد بقطع الأيادي ليس الأسلوب الحضاري للمخاطبة

قاسم محمد علي
kasim-delovan@live.dk

2011 / 2 / 22

في مقابلة تلفزيونية من قبل القناة الفضائية لكوردستان تي في، صباح يوم الجمعة المصادف ل 18 شباط مع الأستاذ فاضل ميراني سكرتير المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكوردستاني حول الأحداث المؤلمة الأخيرة التي شهدتها المظاهرة الجماهيرية في مدينة السليمانية يوم الخميس المصادف ل 17 شباط قال الأستاذ فاضل ميراني مايلي
“عدم التعامل بإحترام مع مقرات حزبنا يكون ثمنه غالياً، كذلك قلناه سابقاً ونؤكدها اليوم أيضاً سوف نقطع الأيادي التي تتطاول على مقراتنا”

هذا التصريح خطير وإن إستخدام لغة التهديد والتخويف ليس الأسلوب الديمقراطي والحضاري والمدني للمخاطبة ويقطع الطريق أمام الحوار ولايدعو للأسف الشديد الى تهدئة الأمور والتعاطي بالحكمة والعقلانية مع الحدث، وبالتالي يتطلب وقفة عنده وفي منتهى الدقة.

الهدف من هذا المقال ليس لتشخيص الجهة التي كانت السبب وراء تلك الأحداث المؤلمة التي وقعت أثناء المظاهرة الجماهيرية في مدينة السليمانية لدعم الثورة الشعبية في مصر وتونس بالإضافة الى مطالبة الجماهير بتقديم الخدمات وتحسين أوضاعها المعيشية والتي أدت وللأسف الشديد الى وقوع ضحايا، إنما موضوع البحث هنا هو كيفية تعاطي الأحزاب المدنية ومسؤوليها وفي طريقة تعاملها مع الأحداث والمشاكل السياسية والإجتماعية التي قد يواجهها الحزب من خلال عمله السياسي بين الجماهير داخل المدينة.

إننا نؤمن إيماناً مطلقاً باستخدام الأساليب السلمية والمدنية والديمقراطية باعتبارها الشكل الحضاري الأمثل للإحتجاج والتعبير عن الغضب وسخط الجماهير ضد الأحزاب الرئيسية الحاكمة، كما ندين جميع الأعمال التخريبية التي تقوم بها بعض العناصر الغير مسؤولة ونقف بشدة ضد حمل السلاح أو إمتلاك السلاح من قبل أي مواطن أو أية جهة سياسية مدنية أو أي حزب سياسي مدني يؤمن بالنضال السياسي السلمي.

لايحق لسكرتير المكتب السياسي لحزب مدني بأي شكل من الأشكال، ومن الناحية القانونية، أن يهدد الجماهير ولا حتى العناصر الخارجة عن القانون بقطع الأيادي. هذه هي من مهمات الأجهزة الأمنية، وليس بقطع الأيادي وإنما بتقديم العناصر الخارجة عن القانون الى القضاء. ومن ناحية أخرى يمثل هذا الخطاب لهجة قائد عسكري في ظل نظام حكم إستبدادي قمعي الذي يعمل وبإستمرار على تخويف وترعيب الجماهير ويستخدم لغة التهديد إسلوباً لعمله السياسي بين الجماهير ولا يتماشى أصلاً مع القيم والمفاهيم الديمقراطية لحزب مدني يؤمن بالعملية السياسية السلمية ويحترم إرادة الجماهير وكرامة الإنسان ويخضع لمطالب الشعب. يبدو وللأسف الشديد أن بعض القادة والمسؤولين داخل الأحزاب الرئيسية الحاكمة تعود على مخاطبة الجماهير فقط بلغة التهديد والإهانة لكرامتهم، وعلى ما يبدو أنهم بعيدين عن مجريات الأحداث في منطقة الشرق الأوسط والتي أصبحت ثورة الشباب والشعوب هي التي تقطع رؤوس الأنظمة الطاغية والفاسدة.

يتوجب على الأحزاب السياسية المدنية وبالتحديد يتوجب هنا على الحزب الديمقراطي الكوردستاني بل من واجب الحزب بإعتباره أحد القوى الرئيسية الحاكمة الإلتزام بضبط النفس والعمل على تهدئة الأوضاع السياسية في الإقليم والتحلي بلغة العصر الحضارية ولغة الحوار وتجنب لغة التهديد والتصعيد والإبتعاد عن التشنج والإنفعالات في طريقة تعامله مع الأحداث التي ليست فيها لا مصلحة الحزب ولا مصلحة الإقليم وعدم إطلاق التصريحات بقطع الأيادي وبإسم الحزب. قد يصعب أحياناً السيطرة على غضب وسخط الجماهير خلال المظاهرات السلمية، لأنه بالتأكيد لاتخلو أية مظاهرة سلمية من مشاركة بعض العناصر التي تحاول القيام بالأعمال التخريبية وبصفة شخصية، لكن هذا لايعطي الشرعية أبداً الى سكرتير المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكوردستاني بإعتباره حزب سياسي مدني أن يهدد بقطع الأيادي. إن الإنظمة الإسبدادية في كل من مصر وتونس اللتين واجهتا أعنف الإنتفاضات الشعبية والثورة الجماهيرية التي طالبت بإسقاط النظام والتي أدت في النهاية الى إتهيار النظام لم يهددوا الجماهير حتى اللحظة الأخيرة بقطع الأيادي، رغم إحراق المتظاهيرين للمقرات الرئيسية للأحزاب الحاكمة في تلك البلدان. على ما يبدو أن أساليب الأحزاب السياسية عندنا في الإقليم أكثر إستبدادية وقمعية من الأنظمة العربية الفاسدة والدكتاتورية التي في طريقها الى الإنهيار أمام صرخات وغضب الجماهير.

هناك عدد من الأسئلة الرئيسية حول تلك الأحداث المؤلمة والتي تشغل عقول الملايين من الجماهير الكوردستانية المناضلة والملتزمة بأصول وقواعد التجمعات والإحتجاجات المدنية والسلمية، الأ وهي
- من الذي أباح للأحزاب السياسية المدنية بحيازة الأسلحة في داخل مقراتهم الحزبية وفي ظل الأمن والأستقرار في محافظات إقليم كوردستان؟ ألم يتوجب بأن يكون السلاح فقط في أيدي الأجهزة الأمنية والعسكرية وليس في حوزة الأحزاب السياسية التي تقتصر مهامها على العمل السياسي المدني بين الجماهير؟
- من الذي خول الحزب الديمقراطي الكوردستاني، بإعتباره حزب سياسي مدني بإطلاق النار على بعض المتظاهرين حتى وإن كان في حالة الدفاع عن النفس؟ أين سيادة القانون إذن؟ وهل من حق أي حزب سياسي مدني في الإقليم أن يمارس سلطة القانون ودور الأجهزة الأمنية؟ أليست الأجهزة الأمنية التابعة للدولة هي الجهة الوحيدة المسؤولة عن ضبط الأمن، وحتى هذه الأجهزة ليست من صلاحياتها، في الدول التي تحكمها سيادة القانون، بإطلاق النار بشكل عشوائي على أولائك المتظاهرين الخارجين عن القانون!
- من الذي أعطى الحق والشرعية الى حزب سياسي مدني بأن يأخذ دور الأجهزة الأمنية ودور الپوليس ويهدد بقطع أيادي المواطنيين، حتى وإن كانوا من الذين خارجين عن القانون؟ هذا بالإضافة الى إن الأستاذ الكريم ليس له منصب أو مسؤولية حكومية، وبالتالي يتوجب على القادة ومسؤولي الأحزاب الإلتزام بالقانون وعدم التدخل في أمور الدولة والشؤون الحكومية.
- من الذي خول الحزب الديمقراطي الكوردستاني، بإعتباره حزب سياسي مدني، بأن يكون هو الحاكم والقاضي والداني والمجني عليه ومنفذ الحكم في آن واحد؟ أين دور القضاء وأين سيادة القانون وأين موقع حكومة الإقليم؟

هل يصح من وجهة نظر القانون بقيام كل مواطن عادي بشهر السلاح وقتل شخص ما حاول الإعتداء عليه في الشارع؟ أليس هذا هو الفوضى بعينها وإخلال بالنظام ومخالف للقانون حتى وإن كان هذا الشخص في موقع الدفاع عن النفس؟ أم أن هذا العمل الإجرامي مباح ومن حق كل مواطن أن يمارس سلطة القانون في موقعه! ومن يتوجب عليه الإلتزام بالقانون إذن؟ ولماذا القانون أصلاً إذا أصبح قانون الغابة هو ساري المفعول؟ إذا كان يتوجب على هذا الشخص العادي أن يتصرف وفق القانون ويلتزم بالقانون، فهذا يعني بأنه يتوجب على الأحزاب السياسية المدنية والقوى الرئيسية الحاكمة ومسؤوليها الإلتزام بالقانون مرتين ليكونوا المثل الأعلى والقدوة للمواطنين، ولأن هذه القوى هي التي وضعت القوانين والمحاكم من أجل تنظيم المجتمع على أسس قانونية عادلة.

دور حكومة الإقليم مفقود في هذه الأحداث، والسبب الرئيسي يعود الى أن الأجهزة الأمنية والعسكرية ليست تابعة الى حكومة الإقليم. لو كان الأمر هكذا لتمكنت الأجهزة الأمنية الحكومية في السليمانية من إحتواء الأزمة وحماية المؤسسات الحكومية والحزبية وبسط الأمن في المدينة وإلقاء القبض على تلك العناصر التي تدعى بأنهم حاولوا إقتحام مقر الحزب. بينما ما موجود في الإقليم هو أن الأحزاب الرئيسية الحاكمة هي السلطة، وهي التي تملك الأجهزة الأمنية والعسكرية، هذا هو هاجسنا ومخاوفنا والذي نذكر في كثير من مقالاتنا الى خطورة إمتلاك الأحزاب السياسية للمؤسسات الأمنية والعسكرية وانها بمثابة قنبلة موقوتة التي تفجر الأوضاع الأمنية في الإقليم متى ما تصادمت المصالح الحزبية لهذه القوى، حينها يضعون القانون وسيادة القانون جانباً وضاربين عرض الحائط المصالح العليا للإقليم والمصالح الوطنية والقومية العليا للشعوب الكوردستانية خدمةً لمصالحهم الحزبية.

نتمنى بأن يكون هذا الخطاب تصريح شخصي للأستاذ فاضل ميراني وليس تجسيد لسياسية الحزب الديمقراطي الكوردستاني، كما نتمنى أن يتبرا الحزب رسمياً من هذه اللهجة ومن هذا التصريح، لأنه لايتمكن وبالضرورة أي حزب مدني يخاطب الجماهير، حتى وإن كان التقصير والخطاً من جانب بعض المتظاهرين، بلغة التهديد والعواقب الوخيمة وقطع الأيادي، أن يؤمن بالصراع السياسي السلمي والنضال السياسي السلمي لتحقيق أهدافه وبرامجه السياسية ويؤمن بالتداول السلمي للسلطة.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن