الثورةُ لا تُستَورَد

ييلماز جاويد
yelimaz@hotmail.com

2011 / 2 / 21

الثورة الشعبية بدأت شرارةً في تونس ثمّ توسعت لتكتمل لأسباب موضوعية وذاتية ثبُت نضوجها حتى أصبحت حركة عارمة شملت قطاعات واسعة من الشعب أدرك منها رئيس النظام أن لا سعة له في ردها فهرب . الثورة الشعبية لها ظروفها ، داخلية وإقليمية ودولية ، وللأحزاب السياسية والباحثين العلميين والمراقبين موازين يقيسون بها هذه الظروف ليعرفوا مدى نضوجها ، ومن هذا نعرف أن لا مجال لإستيراد الثورة من الخارج و لا إثارتها من الداخل ما لم يتحقق النضوج الكامل لظروف ولادتها . إن قيام الثورة ، كحركة إجتماعية ، خاضع ، بصورة أو بأخرى لقوانين كما العلوم الطبيعية ؛ فالماء لا يغلي قبل وصوله الدرجة ( 100 ) مئوية والمعادن لا تنصهر إلاّ عند بلوغها درجة حرارية معيّنة كذلك لا تقوم الثورة الشعبية قبل وصول ظروفها الدرجة الحرجة . وهنا لا بد أن نؤكد أن لجوء أية حركة عسكرية أوغيرها إلى تفجير حركة الجماهير لا تخلق إلاّ ( ثورة خديجة ) لا يمكنها الإستمرار والتطور ، ما لم تتوافق مع سياسات مدروسة لتطويرها بكسب عطف طبقات الشعب المختلفة .

ليست الثورة الشعبية في مصر إستيراداً من تونس ، و لا هي قامت إستيحاءً من الثورة الإيرانية ، كما ذهب إلى ذلك خامنئي ، بل أن فريق الشباب الذي خطط للثورة ونزل إلى ساحة التحرير في يوم ( 25 يناير ) وعددهم أقل من الثلاثين كانت لديهم القابلية الخارقة لمعرفة نضوج ظروف الثورة الشعبية في مصر والتي تأيّدت صحتها من بلوغ عدد المتظاهرين ما يزيد على المليون في يوم ( 28 يناير ) ، بالإضافة إلى صحة رفعهم الشعارات المعبرة عن حاجات أوسع قطاعات الشعب وإصرارهم على التمسك بهدفهم المركزي في إسقاط النظام وبالأسلوب السلمي . هذه الثورة الشعبية لا يمكن تقليدها في دولة أخرى و لا هي أصلاً قابلة للتصدير .

قامت مظاهرات في بعض الدول العربية ، وتمّ تصويرها من قبل بعض وسائل الإعلام بأنها ( ثورات الجماهير الغاضبة ) ، ولكن الواقع العملي يكشف أن هذه المظاهرات لا ترتقي إلى مستوى الثورة ، حتى وإن حققت بعض المكاسب الشكلية أو الرمزية ؛ ( كإقالة ملك الأردن الوزارة ، ووعد علي عبدالله صالح عدم ترشحه أو ولده للدورة القادمة في اليمن ، أو حتى تنازل المالكي عن نصف راتبه وإعلانه عدم تجديد ولايته للمرة الثالثة ) . إن هذه (المكاسب ) تعتبر بائسة بالقياس إلى أهداف الثورة الشعبية التي تقتلع جذور النظام السابق لتبني بديلاً عنه نظاماً يُحدث تغييراً ، في جميع مناحي حياة الجماهير ، إلى حياة أفضل وتنقلها إلى مرحلة تاريخية جديدة متطوّرة نسبيّاً على المرحلة السابقة .

بمقدور كل مراقب سياسي أن يعرف بسهولة عدم نضوج ظروف الثورة في عراق اليوم ، بل بالعكس فإن ظروف الثورة المضادة هي المتوفرة ولها أسبابها وديمومتها . ببساطة شديدة يمكن القول أن الدعوة لقيام مظاهرات ( مليونية ) في ساحة التحرير يوم 25 شباط ، وتسميتها بيوم الغضب العراقي إنما هي دعوة فجّة ليست لها أية أسس موضوعية يمكن أن تبشر بخير بل بالعكس فإن قيامها سيؤُلّب ناساً على ناس ، ويكرّس الإنشقاقات بين الطوائف والأقوام بالصورة التي لا يمكن إندمالها بسهولة . إن الدعوة إلى هذه المظاهرات قد صدرت عن جهات لا تُعرَفُ إرتباطاتها ولأغراض لا تمت بصلة بحاجات الشعب المدّعى بها . وكان المفروض على القوى الوطنية الشريفة من التيار الديمقراطي بضمنهم حزب الطبقة العاملة أن يعلنوا جهاراً أنهم لن يشاركوا فيها . على جميع القوى السياسية الشريفة أن تدرك أن رفع درجة النضال الجماهيري لتحقيق بعض المطالب إلى أسلوب التظاهر ليس صحيحاً في الظروف السياسية القائمة ، وأن الشعارات المطروحة للمظاهرات بتكرارها عبارة ( لا للديمقراطية ... ) يظهر أحد حالتين إما حسن النية وجهلٌ سياسي أو سوء نية يُقصد منه تعويد الجماهير على قولة ( لآ ) للديمقراطية . إن التطرّف اليساري من بعض الداعين إلى المظاهرات سيكون السبب في خلق الفرصة الذهبية لقوى الظلام المتسلّطة بإيجاد المبررات لبدء الهجوم عليها وتصفيتها . إن البيان الصادر من ما يسمى ب ( اللجنة القيادية ) للحزب الشيوعي العراقي إنما دعوة إلى العنف ، دعوة إلى نشاط منفلت في الهجوم على مراكز الشرطة ومقرات ومواقع الجيش والحصول على الأسلحة . إن هذا البيان الذي ظاهرُهُ ثوريٌّ إنما يخدم أعداء الثورة الحقيقية للشعب . أنا لا أشك أن هذا البيان مدسوس وغرضه توجيه السهام إلى صدر الحزب الشيوعي العراقي وتصفيته . وأرى أن المطلوب من قيادة الحزب الشيوعي العراقي ، ليس تكذيب هذا البيان بل التصريح أن الحزب سوف لن يشارك في مظاهرات يوم 25 شباط حتى يكون بمنآى عن الإتهام إذا قام نفرٌ من أزلام ( اللجنة القيادية ) بأي عمل تخريبي حتى في أقصى ناحية من نواحي العراق . إن قوى الظلام تتحيّن الفرصة لحصول ما يبرر مباشرتها في أعمال تصفية الحزب الشيوعي العراقي ، و لا يُستبعد أن تكون هذه اللجنة القيادية المشبوهة صنيعة تلك القوى السوداء .

نهيب بكافة المثقفين والسياسيين أن يتداركوا ما ستؤول إليه الحالة في العراق في حالة حدوث صدام دامٍ في ساحة التحرير يوم 25 شباط ، ونهيب بقيادة الحزب الشيوعي العراقي أن يصدر بياناً واضحاً تُبلّغ به كافة القوى السياسية ومواقع السلطة بعدم مشاركة الحزب في تلك المظاهرات رغم تأييدها الكامل لكافة مطالب أوسع جماهير الشعب وتمسّكها بأسلوبها الخاص في النضال لتحقيقها في إطار العملية السياسية .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن