حكام بعقود

توفيق أبو شومر

2011 / 2 / 15

عرضتْ أوبرا ونفري ، وهي من أشهر الإعلاميات في العالم حلقة خاصة عن ضحايا الحرب الأمريكيين في العراق وأفغانستان وغيرها، ممن نسيهم الأمريكيون، واستضافت في البرنامج سيدة أمريكا الأولى متشل أوباما التي تدير حاليا مؤسسة لمساعدة أسر هؤلاء الضحايا.
وأشارت زوجة الرئيس أوباما إلى أن زوجة نائب الرئيس هي أيضا تدير مؤسسة أخرى لرعاية أسر ضحايا الحرب في العراق وأفغانستان!
لم أورد الخبر السابق للمقارنة بين اهتمام الآخرين بضحايا الحروب ، وبين اهتمامنا نحن بهم، لأنني أعلم بأن القارئين العرب يعرفون الفرق!
ولكنني أوردتُ الخبر السابق في إطار موضوعٍ آخر ، وهو المقارنة بين رؤسائنا ومسؤولينا وزوجاتهم وأفراد عائلاتهم ، وبين بعض رؤساء العالم، وزوجاتهم وأسرهم!
فرئيس الوزراء الماليزي، الذي ترَّقى من بائع موز إلى رئيس وزراء ماليزيا ، وتمكن بإخلاصه من نقل ماليزيا إلى مصاف الدول المتقدمة بعد أن تولى سدة الحكم عام 1981، فأرسل البعثات ونقل ماليزيا من دولة فقيرة إلى دولة لها فائض تجاري يتجاوز 8% بعد عشر سنوات من حكمه، وهذا البطل القومي الماليزي، لم يهرب ويختفي ويختلس ميزانيات بلاده ليقتات هو وأولاده وعائلته على لحوم فقراء دولته، بل استقال بمحض إرادته عام 2003 وأسس شركة خاصة للاستشارات وتنمية القيادات، وهو ما يزال يقدم خبراته الاستشارية والاقتصادية في الجامعات ومراكز الدراسات والأبحاث، حتى أنه أخيرا نظَّم حملة لدعم صمود الشعب الفلسطيني!
ومن يتابع مسيرة الرئيس الأمريكي كارتر، يعرف بأنه أيضا لم يهرب مع عائلته من أمريكا، بل أسس بعد انتهاء خدماته مشروع أتلانتا لمحاربة الفقر، وأرسى للأجيال القادمة مشروع ريغن في صورة مكتبة كبيرة، ومتحف لأحفاده!
أما عن الزعيم الروسي الذي كان يتقاسم السيادة مع أمريكا، وهو نيكيتا خروتشوف، فقد رضي بعد إقصائه عام 1964 أن يعيش في بيت حكومي صغير في قرية ناتشا النائية، بدون أرصدة بنكية!
أما عن بل كلنتون، فهو أيضا يدير مؤسسات للرعاية ومحاربة الفقر ، وانتدبته الأمم المتحدة في العام الماضي كمبعوث لها لإسكان ورعاية ضحايا زلزال هايتي!
أما عن رئيس وزراء بريطانيا توني بلير، فلم يختلس هو الآخر أموال شعبه ويهرب إلى دولة أخرى لا تقيم علاقات مع دولته السابقة، لينعم هو وعائلته بما نهبه من أموال شعبه، بل ارتضى أن يعمل في منصب أقل شأنا مما كان له، واكتفى بأن يكون مجرد مبعوثٍ للرباعية الدولية للسلام في الشرق الأوسط، خدمة لوطنه!
نعم إن تلك ليست سوى نماذج للتفريق بين رؤسائنا ورؤسائهم، حكامنا وحكامهم! حكامنا الذين يموتون من تخمة ما يأكلونه من أموال بلادهم، وهم لا يتركون بلادهم إلا بعد أن يجففوا ضروعها ، ويتركوها هيكلا عظميا!
ما السرُّ في هذا الاختلاف، فهل يعود إلى جينتنا العربية؟
أم أن مخزوناتنا القبلية والتاريخية، هي المسؤول الأول عن هذه الفروق؟
أم أن السبب يعود إلى البيئة القانونية والتشريعية في العالم العربي؟
أم أن صيغة الحاكم والرئيس والوالي العربي، تختلف عن صيغة الرئيس والحاكم في الدول الأخرى؟
الأسئلة السابقة ليست سوى مفاتيح للوصول إلى الحقائق،
إن صيغة الحكومة عند العرب تختلف عن صيغة الحكومة عند الدول الأخرى، فمعظم الرؤساء العرب يعتبرون تفويضهم بالحكم تفويضا صادرا عن رب العالمين ، وأن رب العالمين هو وحده القادر على تقرير مصيرهم.
أما الرؤساء في الدول الأخرى ، فهم متعاقدون مع شعوبهم بعقود محددة وشروط مكتوبة ومتَّفَقٍ عليها!
وبما أن أكثر رؤساء بني يعرب، يعتبرون أنفسهم من نسل الآلهة، لذا فإنهم يُضفون القداسة على عائلاتهم والمحيطين بهم، فيصبح أبناؤهم وأحفادهم ومقربوهم ومن هم على شاكلتهم بمثابة الرسل المقدسين، والأولياء الصالحين الذين لا يجوز الاعتراض عليهم أو الاقتراب منهم، وينطبق عليهم النص الشرعي حول مفهوم الأئمة عند بعض فقهاء المسلمين:
" فالأئمة هم أولو الأمر وأهل طاعته ، أمر الله بطاعتهم والانقياد لهم، فأمرهم أمره، وطاعتهم طاعته، ووليهم وليه، وعدوهم عدوه، لا يجوز الرد عليهم ، والراد عليهم، كالراد على الرسول ، والراد على الرسول، كالراد على الله، وما دام أمرهم كذلك فإن الإمامة لا تكون إلا بالنص من الله تعالى"!!
وجاء في الحديث الصحيح :
" تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلأَمِيرِ وَانْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ وَأُخِذَ مَالُكَ فَاسمعْ وَأَطِعْ"
إذن هي ليست جينة من الجينات ، وإنما هي تراثٌ وتاريخ وعقيدة !!
فهل تمكن الثائرون المصريون من إعادة النظر في مفهوم الوالي والحاكم الثاوي في نفوس العرب منذ قرون؟!



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن