مفهوم التجديد و مفهوم الابتكار

بودريس درهمان
OURIBLI@HOTMAIL.COM

2011 / 2 / 15

لما ظهر مفهوم "الابتكار"innovation l’ خلال أواسط ثمانينات القرن الماضي بداخل الدول الأوروبية كمنافس صريح لمفهوم "المشروع" Le projet الذي يعتبره الاشتراكيون الأوروبيون احد أهم تصوراتهم المحورية الذي عنه تفرعت باقي التصورات الأخرى كالتصور المتعلق بمشروع المؤسسة، و التصور المتعلق بمشروع الفئة الاجتماعية، و التصور المتعلق بمشروع الفرد المواطن، بالإضافة إلى التصور المتعلق بالمشروع المجتمعي؛ لما ظهر مفهوم "الابتكار" بداخل الدول المنتمية إلى الاتحاد الأوروبي ظهرت معه تقريبا في نفس الفترة بداخل الحقل السياسي المغربي فصيل سياسي ديني يتحايل على دلالة هذا المفهوم. صيف سنة 1996 حصل اندماج سياسي بين فصيل "حركة الإصلاح و التجديد" و فصيل "رابطة المستقبل الإسلامي" و تمخض عن هذا الاندماج فصيل جديد اسمه حركة "التوحيد و الإصلاح". ظهور هذا الفصيل الفكري السياسي في نفس الفترة التي عرفت فيها دول الاتحاد الأوروبي رواجا كبيرا لمفهوم "الابتكار" يؤكد حدة الصراع الجيوسياسي و الجيواستراتيجي القائم بين رؤيتين: رؤية مستمدة من المشرق العربي بكل جاذبية القوة المالية التي تقف وراءها عائدات البترول الموزعة حسب نسبة تبني هذه الرؤية، و رؤية الدول الأوروبية بكل المصداقية العلمية و الحضارية التي تسعى قبل كل شيء إلى إنصاف مجهود الإنسان المبتكر و تعميم بعد ذلك أدوات الابتكار.
المفهوم المستورد من الدول المشرقية الذي هو التجديد، هو تجديد في فهم العقيدة و المفهوم المستمد من الدول الأوروبية الذي هو الابتكار هو مفهوم يسعى إلى الاعتراف القانوني لمكتسبات و انجازات الأشخاص.
مفهوم الابتكار و الفلسفة التي قام عليها حقق بداخل الدول الأوروبية مكاسب تشريعية مهمة و واضحة لصالح الموظفين العموميين و العمال و المستخدمين نذكر منها على سبيل المثال القانون الفرنسي المصادق عليه من طرف البرلمان و الحكومة الفرنسيتين و المتعلق بقانون "المصادقة على المكتسبات" La loi de la validation des acquis بمقتضى هذا القانون استطاع الموظفون و العمال و المستخدمون الترقي في مناصب عملهم بواسطة منجزاتهم بمعنى بواسطة الأعمال و البحوث و الابتكارات التي أنجزوها. بفضل هذا القانون أصبح بإمكان موظف عمومي حاصل على شهادة البكالوريا الحصول على مناصب مهمة من المسؤولية بفضل منجزاته و مبتكراته و سعيه الحثيث إلى تحسين ظروف عمله؛ أما مفهوم التجديد الديني فحسب علمي لم يترتب عنه أي نص قانون أو نص تشريعي لديه أثر مباشر على حياة الموظفين و العمال و المستخدمين و الطلبة.
مفهوم الابتكار في الفلسفة الأوروبية لفترة ثمانينات و تسعينات القرن الماضي لا يخلو هو الآخر من نفحة دينية إلا أن هذه النفحة الدينية غلبت خدمة الإنسان على خدمة أي شيء آخر.
مفهوم "المشروع" حسب منطق أنصار "الابتكار" هو مفهوم ربوي (مشتق من الربا)لأن الفرد أو الشخص الذي يتم تقويمه حسب تبنيه لمشروع، هذا الشخص يقتات على حساب قوة عمله المستقبلية التي لا زال لم ينتجها بعد و هذا الاقتيات هو أشبه بالحالة الربوية التي تنهى عنها جميع الأديان. الشخص الربوي لا يقف عند حد الاقتيات من مردودية عمله الفعلية بل يتعداها إلى أكل مدخرات مستقبله الافتراضي. هذه الحالة السلوكية الفردية التي ليست فقط حالة سلوكية فردية محضة بل هي حالة مجتمعية مرتبطة بسياسة الدولة في هذا المجال؛ لأن الدولة الغير متوازنة على مستوى الاختيار الديمقراطي تقوم بخلق فئات اجتماعية اقتصادية تقتات على القروض المالية البنكية بدون أي موجب حق. في الأخير، هذه الفئة الاجتماعية تنتهي بالإستقواء على الدولة و الاستحواذ عليها كما حصل في الحالة التونسية و الحالة المصرية و ربما هي حاصلة كذلك حتى في الحالة المغربية في شخص العائلات الفاسية و غيرها.
مفهوم المشروع هو تغييب للحاضر من أجل الاعتقاد في المستقبل في حين مفهوم الابتكار هو إنجاز حقيقي يقع أمام الأعين و يمكن قياسه وفق المعايير التي تخص كل مجال على حدة. هذا المفهوم الجديد-الابتكار- الذي رقاه الأوروبيون إلى مستوى مبدأ ثابت مثله مثل مجموعة مبادئ أخرى محددة لكيفية صياغة نصوص القوانين، هذا المفهوم المبدأ،هو الذي يضمن تطور مجالات الإنتاج السياسية الاقتصادية و الاجتماعية أما مفهوم "التجديد" وفق "حركة التوحيد و الإصلاح" فهو تجديد لكيفية قراءة النص الإلهي المقدس و هذا المجال يخص فئة الفقهاء فقط و لا يخص العمال و الموظفين و الطلبة و العاطلين.
بداخل الدولة الإسرائيلية التي تستحوذ على الأراضي الفلسطينية و التي لا تريد الاعتراف بشيء اسمه الدولة الفلسطينية يوجد من ضمن مواطنيها المتمتعين بكامل المواطنة حوالي عشرون ألف من رجال الدين اليهود بوضع اعتباري و مادي متميز يصل إلى أجر شهري بحوالي ألفي أورو(حوالي 24000 درهم). هذه الفئة تقوم بعملها الدعوي يوميا و تقوم كذلك بعملية التجديد العقائدي بدون أن تجر معها المجتمع و الدولة و تجعلهما يركبان سياقات معاكسة لسياقات الدول الحديثة.
فلسفة الابتكار الأوروبية قامت على قاعدة احترام مبتكرات الأفراد فأنصفتهم و بداخل كل التشريعات الأوروبية حاليا هنالك مبدأ جوهري قار على أساسه تصاغ القوانين و التشريعات هذا المبدأ هو مبدأ الابتكارinnovation. هنالك مبدأ جوهري آخر مستمد من التشريع الانجليزي يدعى القرابة التشريعية Subsidiarité هذا المبدأ قانونيا يحرم جبهة البوليساريو من أي إمكانية في الاستقلال.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن