أين الخلل في بوتفليقة أم العسكر ؟

الطيب آيت حمودة

2011 / 2 / 15

بدأت بوادر الحراك الإجتماعي الجدي في الجزائر ، انفجار أوَّلوه وحسبوه بأنه بمطالبَ (خُبزية ) تحجيما له ، ومن قائل بأن الجزائر ليست تونس ؟ ، كما لا يمكنها أن تكون مصر؟ ، فأوضاعها تختلف عن كليهما ،غير أن الواقع يثبت أن الحراك عام من منامة البحرين ، إلى تطوان المغرب ، فالشعوب تمنطقت بفكر الثورة ، ورغبتها مؤكدة في تغيير أنظمة تحجر فيها الفساد ، وأسن فيها الفكر ، واستبد فيها الحكام الذين حسبوا بأن الشعوب خلقت لخدمتهم وخدمة طابورهم ومن سار سيرهم إلى أبد الأبدين .
***في الجزائر .... الجيش هو الخصم .
وضعية الحكم في الجزائر المحروسة متميز ، فإن كان الجيش مهمته محددة دستوريا في الحفاظ على حدود البلاد وأمن العباد ، إلا أنه تجذ ر في الدولة وهيمن ، فكل رؤساء الجزائر من تفريخ الجيش بدأ من ( أحمد بن بلة ) وصولا (لبوتفليقة ) ، وهو ما يعني أن المؤسسة العسكرية تجاوزت صلاحياتها فغدت أخطبوطا هيمن على دواليب السياسة والإقتصاد وتصدر بؤر الفساد استغلالا لقانون الطواريء في قمع كل صوت حر يسمع له أنين عبر العمل العسكري السري تحا يافطة الحفاظ على أمن الدولة ، وذاك لا يعني كل الجيش بقدر ما يعني بعض قادته المولعين بالريوع بالمادية ( وهم في الظل) على حساب عملهم العسكري الطبيعي .
*** بوتفليقة ..... قول بلا فعل ؟
*** الرئيس بوتفليقة وعد الأمة باجتثاث الفساد وتذويب أباطرة الإستيراد وتجويع القطط السمان ... الذين يلعبون على الحبليين العسكري و الإنتفاعي ، فهم في الظاهر جنرالات عسكر ، لكنهم في الحقيقة جنرالات ( سكر وقهوة ، و حليب ،وزيت ، حديد .... ) ، فنشأت شركات وهمية أخطبوطية ظاهرها مدني وخفيها عسكر ، فالعسكر هو المهيمن على الإستيراد الإستراتيجي الواسع الإستهلاك ، والعسكر هو صاحب كلمة الفصل في لي القوانين الجمركية وتطويعها لصالحه أو حجرها كلية ، فالحاويات تخرج بلا تفتيش ولا جمركة بأمر هؤلاء جهارا نهارا ، وهو ما شجع على وأد النزاهة والوطنية ، وأصبحت الرشوة في مرافئنا ومطاراتنا ملء العين وبلا حسيب ولا رقيب ، فتحولت مصالح الجمارك إلى أوكار للفساد الإقتصادي كل يفسد قدر استطاعته .
***الرئيس وإن بدأ نزيها إلا أنه لم يقدر على اجتثاث الفساد والمفسدين ، فهو لم يحقق المبتغى ، بل ساير وساهم في مد جسور الفساد عبر ترسانة من التشريعات والتعيينات على شاكلة وزيره للداخلية ( يزيد زرهوني ) الذي يصلح لكل شيء سوى أن يكون وزيرا وفي وزارة سيادية ؟ (وشكيب خليل ) الذي اتضح أخيرا مبلغ فساده على رأس وزارة الطاقة ، واتضح للعوام من الناس بأن الرئيس قوًّال غير فعال ، يُظهر ما لا يخفي ، فهو إلى التقية أميل ، فما قيمة اتساع دائرة صلاحيات رئيس الجمهورية المنصوص عليها في الدستور إذا لم تُفعل بما ينفع عموم البلاد بعبادها ، وما قيمة رئاسة ( الرئيس ) لوزارة الدفاع وهو غير قادر على كبح طموحات المرؤسين الخا ضعين لسلطته ؟ ما قيمة ترؤسه للمجلس الأعلى للقضاء ، والقضاء غير مستقل يخضع لأهواء المتنفذين ، فهو بحقيقته رئيس يملك ولا يحكم ، أو واجهة تخفي وراءها فسادا يصعب عده وحسابه ، والجزم بضلوع الرئيس من عدمه في مجمل الفساد يحتاج إلى ترو وأناة ، وسيكتشف المستقبل المتخفي من الأمر تباعا عند الهزات التي يتعرض لها النظام عاجلا أم آجلا .
*** أنا مقتنع بأن الفساد قد استشرى في المجتمع ، وأن أوله في هرم الحكم ، ثم امتد لسائر الجسد عن طريق المحاكاة والمسايرة ، فالقطيع لا يمكن أن يكون صالحا وعلى رأسه راع فاسد ، كما أن الرعية الصالحة من واجبها التنبيه إلى مواضع الخلل والصدع بها ، والسعي إلى تغييرها بالتي هي أحسن لا الأخشن ، حتى لا يصدق فينا القول المؤثور عن جمال الدين الأفغاني ( كما تكونون يولى عليكم ) ، وأنا مقتنع أكثر بأن الوطنية أصابها الوهن بفعل السعي الدؤوب لتركيعها ، عبر أفعال قدوة قدمت أمثلة معكوسة مجهضة للوطنية ، وهو ما زاد من تمدد تعداد المجتمع لصالحها ، وأنذر بتناقص تعداد الوطنيين مقارنة باللاٌّوطنيين ( وأقصد وطني الفعل لا القول ) .

*** هل يستفيد نظام الجزائر من تجربتي تونس ومصر ؟
لا أعتقد بأن نظام الجزائر سيستفيد من تجربة تونس ومصر ، فما وقع في باحة (ساحة الوئام ) في 12فبراير 2011 ، ينبيء بأن الحل الأمني هو ديدن النظام ، فتجهيز قرابة ( الأربعين ألفا) من الشرطة الكاسحة للمكان بالزي المدني والعسكري لإطفاء جذوة المتظاهرين سلميا بتعداد لا يزيد عن 500 نفر بالقوة ، كفيل بقراءة نويا النظام وقناعاته ، ويتناسى بأن ما وقع في 1988 لا يمكن تكراره أمام الزخم الإعلامي المتعاظم ، وأن يد العالم مع الشعوب أكثر مما هي مع الأنظمة المستبدة التي تُسخر قوتها وجبروتها لقهر شعوبها! ، وهو ما يشير بداهة إلى استعداد أنظمتنا للتضحية بنصف شعبها للبقاء في السلطة ، وهو ما لا يمكن تحقيقه لو تم قراءة مجريات الأحداث في التجربتين التونسية و المصرية ، وما كان من ندم سُجّل ، كان آخرها تظاهر الشرطة المصرية في ميدان التحرير حسرة على ما اقترفته ضد شعبها وثوارها بأمر من وزير الداخلية .
***بين الإصلاح والتغيير .
أبانت التجربة الطويلة للشعوب ، أن الترقيعات الإصلاحية لم تجد نفعا ، وأن الثورة الشاملة هي السبيل الأقوم ، وحان للجيل الماضي أن يتنحى بعد أن بلغ من العمر عتيا ، وحان للأحزاب التحريرية في مغربنا الكبير أن تدخل المتاحف لتكون جزءا من ديكور الماضي لا الحاضر( الحزب الدستوري التونسي ، حزب جبهة التحرير الوطني الجزائرية ، حزب الإستقلال المغربي) ، وحان للطاقات الشبابية المعطلة أن تتبوء المكانة الضرورية لها ، فلكل زمن أبطاله ورجاله ، وكل ما نتمناه أن يتحقق التغيير سلميا ، ولن تكون المظاهرات خالية من كل مظاهر العنف ، فالضغط الإجتماعي السلمي الطويل النفس كفيل بتحقيق المبتغى بأقل الأضرار ، فليقدم شبابنا في ثورته وعيا شبيها بوعي ثورة (غاندي ) في الهند ، وثورة ( لوثر كينج ) في الولايات المتحدة ، وهو ما يدفع النظام إلى ارتكاب زلات تعجل من رحيله على جناح طائر البراق .
التغيير الثوري لا يمكن أن يكون سهلا ، وشباب اليوم هو المؤهل الأول لتحقيقه ، لأن الشيوخ سبق لهم أن ساهموا في تحرير البلاد ، وربُّوا قهرا على الخضوع والخنوع والسكوت أيام الإستقلال حتى قالوا في أنفسهم ورددوا بامتعاض قول طرفة بن العبد سرا ( وظلم ذوي القربى أشد مضاضة ، على المرء من وقع الحسام المهند ).
إن حجم الفساد بلغ مبلغا لا يصلح معه الإصلاح ، واتضح أن فريق اليوم لا يمكنه مهما أوتي من بأس أن يصلح نفسه بنفسه مادام هو غير قادر على فهم أناة المجتمع الذي يحكمه ، فحري به أن يتعظ بما وقع في تونس ومصر ، ويتنازل بسلاسة وليونة ويسر ، دون وقوع كوارث ليست في صالح الجميع ، وليتأكد أن إرادة التغيير قادمة لا محالة ، لأن رياح الثورة بدأت تهب مزمجرة غاضبة ما دامت إرادتها لا تقهر ، لأنها من إرادة الله سبحانه وتعالى حسب نبوؤات تونس ومصر ، والتي صاغها أبو القاسم الشابي بحكمة وصدق بيان بقوله ( إذا الشعب يوما اراد الحياة *** فلا بد أن يستجيب القدر ) .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن