الجمهورية المصرية الثانية..ماهيتها وكيف نريدها

مجدى عبد الهادى
m.magdy54@gmail.com

2011 / 2 / 15

يثور الجدل الآن - وبعد نجاح الثورة في إزاحة مبارك عن سدة الحكم والتصور المشكوك فيه بالقضاء على النظام - حول ماهية الجمهورية المصرية الثانية، التى يرغب أغلب الثوار في جعلها قطعاً شاملاً مع جمهورية القمع الأولى.

يرغب البعض في استعادة روح الستينات الناصرية باعتباره قلب وجوهر الثورة الأولى المغدورة، بتوجهاتها الوطنية التحررية التى أرساها زعيمها الراحل جمال عبد الناصر، صانع الأمل المهزوم.
كما يرغب البعض الآخر في العودة لما يراه تراث الأمة، وجوهرها وماهيتها، المتخارجة والتاريخ، فلا هى منه ولا هو منها، بل هى كتلة صلبة، يركع لها التاريخ ولا تركع له، فلا تخضع للمحايثة التاريخية والمكانية، بل هى هوية خالقة قاهرة، ذات أثر ميتافيزيقى متجاوز لأطر الزمان والمكان والوعى الإنسانى المحدود، بحدود الاحتقار الذاتي لدى أصحابه!!
فريق ثالث يعزل القضايا والمكونات الفاعلة في البنية الاجتماعية والسياسية عن بعضها البعض، فيرى المسألة شطايا فردية، تشظى رؤيته للعالم، الممزق بأفراد لا تنتظمهم وحدة الجغرافيا والتاريخ والثقافة، مع احتفاظه - رغم ذلك - بالحق في تجاهل مصالحهم المتصارعة، فما هى بنظره سوى أعراضاً تحلها إيديولوجية كاذبة عن تساوى حقوقى لا تدعمه أركانه المادية المفترضة!!

الحقيقة هو أن أياً من الفرق الثلاث المجترة للماضي في سرابيل الحاضر المهلهلة، وإن كانت لم تشغل بالها طويلاً بآليات الوصول لأهدافها الجزئية المحققة لرؤيتها، فإنها أيضاً، لم تستوعب ما دفقت به مجارى التاريخ، وما ازدردته أنهار الزمن الجارية أبداً، فلم تع ما يوجبه من فهم زمانها والعمل بمقتضياته!!

عموماً، ليس هذا بموضوعنا هنا، فموضوعنا هو إنقاذ الجمهورية الثانية من عجز المؤدلجين وقصر نظرهم، كذا جهالة المعممين عن رؤية الواقع، المغتصبة عقولهم، بكبار الألفاظ المبهمات فضفاضة الدلالات.
فقضيتنا اليوم هى تنظيم السباق، ووضع أطره ونظمه التى تكفل حق السيد الأول، صاحب المولد، وراعى الحفل، وهو الشعب، في وضع الأمور تحت سيادته، والإمساك بزمامها بين يديه، فلا يسقط تحت تسلط فريق أو اتجاه، بل يبقى هو القائد الحقيقى لمسيرته، جاراً خلفه مدعى العلم والوعى، الطامعين بقيادة لا يستحقونها.

وتبدأ المسألة بشكل الجمهورية الجديدة، هذا الشكل الذي سيتحدد على أساسه كل ما هو لاحق من سياسات ونتائج مرتقبة و مأمولة.

فالبعض لا يفكر في شكل جديد، بل يتبنى ذات الشكل الذى اعتدناه من نظام رئاسى، يملك فيه الرئيس صلاحيات هائلة، ويكون هو المتحكم في كافة المسائل، راكباً حكومة تتبعه ككلب ذليل، يمكنه توجيهها أنى شاء وكيف شاء، فهو أب بطريرك، إن لم تنحن له الرؤوس، إنحنت - بحكم ثقافتنا - النفوس، بما يعنى أن المشكلة مشكلة سيكولوجية تضرب بجذورها عميقاً في أرض الثقافة الزراعية المتخلفة - التى تتحول بموجبها علاقات سلطة يفترض فيها موضوعيتها إلى علاقات أسرية لا علاقة لها بحقيقة العلاقة وجوهرها بما يمثل إهانة للشعب الغائب في ضلالاتها - التى لم نتحرر من ربقتها بعد.

لا نقول بأن هذا من منتجات النظام الرئاسى في ذاته - فأميركا تتبع النظام الرئاسى، ولا تعانى هاته المشكلة - ولكنها طبيعة ثقافتنا المتخلفة، التى عمل النظام البائد - لو شئنا الدقة هو لم يبد تماماً - على تعزيزيها لضمان بقاءه، ولا أدل على ذلك من الكلام الفارغ الذي روجت له أجهزة الأمن وإعلامييها، وعمر سليمان، بأن خلع الرئيس مبارك يهين مصر والمصريين، وأن مبارك هو أب للمصريين، ورجل مسن لا تجوز إهانته..إلخ من الكلام الفارع، الذي يمكننا قبوله في نصبة على الترعة من شيخ مسن يتحدث عن إساءة مراهق لأبيه، وليس من كبار رجالات الدولة بحق الشعب الذى طالب بحقه في خلع رئيس فاسد وفاشل!!

لهذا نطالب بتطبيق نظام برلمانى، تكون مصر فيه جمهورية برلمانية، يحكم فيها رئيس الوزراء، القادم من حزب الأغلبية البرلمانية، المنتخب بشكل مباشر من الشعب، ضمن عديد من المترشحين، فلا هو أب مبجل ولا زعيم منزه، بل هو فرد واحد ضمن حكومة تضم بشراً عاديين يتلاحمون بالناس العاديين في الاجتماعات الحزبية والمؤتمرات الانتخابية، يخطئون ويصيبون، يختلفون ويتفقون، فلا تزيد أوزانهم عن اوزان الآخرين لأى اعتبارت غير موضوعية، بل هى عقولهم ومساهماتهم هى ما تصنعهم وتصنع شعبيتهم القابلة للضياع بغياب أرضيتها.

ما نضيفه ونرغبه - إنطلاقاً من ظروفنا ذاتها - هو إضافة مهمة شديدة الخطورة لمنصب رئيس الجمهورية - الذي يفترض بحكم طبيعة النظام البرلماني شرفيته - تجعله منصب أمن قومى، وهى مهمة حفظ النظام الجمهورى المدنى، من أى محاولات لحرفه عن مساره، أو التآمر عليه بتحويله، إما لدولة عسكرية، أو لدولة دينية.
فلظروفنا التى جعلت للجماعات الدينية المناوئة للنظام المدنى قوة كبيرة في الشارع؛ يصبح واجباً الاحتياط لمواجهة إمكانية تآمر أي منها على النظام المدنى الجمهورى إذا ما وصلت إلى الحكم، وسيكون رئيس الجمهورية في نظامنا البرلمانى هو صمام الأمان الذى يحمى الدولة المدنية.

وهكذا يأخذ الأصوليون فرصتهم في الحكم إذا ما أتت بهم أصوات الناخبين، بما لا يتعارض مع الأصول الديموقراطية المرعية في الالتزام بإرادة الشعب، مع الحفاظ في ذات الوقت على الدولة المدنية، فيكون لهم الحق في تنفيذ كافة سياساتهم، فقط في حدود الالتزام بالدولة المدنية، وبما لا يغير من هيكلها العام، وقواعدها العامة الحاكمة التى تكفل المواطنة للجميع بلا تمييز.

وتبقى فقط في النهاية، ضرورة التباحث حول الأسس والقواعد الحاكمة لترشح رئيس الجمهورية بما يضمن وصول أشخاص ملتزمين بمدنية الدولة المصرية، والعمل على الحفاظ على حيادية الجيش وعدم عقائديته، بما يكفل في النهاية وعلى المدى الطويل، بقاء مصر أماً لكل المصريين.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن