العداء للقمة عيش الفقراء وأصحاب الدخل المحدود / البطاقة التموينية مثالاً

مصطفى محمد غريب
mmgharib98@yahoo.com

2011 / 2 / 1

إن فضيحة الفساد المالي والإداري الذي أكدته هيئة النزاهة والعديد من المنظمات ذات الاختصاص والباحثين لم تقتصر على محافظة أو دائرة أو وزارة بل امتدت حتى إلى المؤسسات الأمنية حسبما أشار لها البعض من المسؤولين الأجانب المكلفين بتدريب القوات العراقية والمذكرة المقدمة إلى رئيس الوزراء ووزير الداخلية والعديد من المسؤولين حول الفساد الإداري في الفرقة الثانية حرس الحدود، والفساد داء يضرب في عمق مفاصل الدولة والاقتصاد الوطني ويتجاوز على حقوق المواطنين وحتى يسلب لقمة عيشهم وقد يطول الفساد مرافق حياتية واجتماعية وثقافية وبالتالي فهو كمرض السرطان يدب في كل الاتجاهات لا توقفه إلا باستئصال منابعه الأصلية والمسؤولين عنه، ففي كل مرفق من مرافق الدولة تجده أما جنينياً أو أصبح غولاً وحسب كل الظروف فبدء من البيروقراطية والمحسوبية والمنسوبية والحزبية والرشوة الصغيرة وصعوداً إلى السرقات والاختلاسات تحت غطاء القانون والصفقات والتعهدات والشركات الوهمية والتجاوز على المال العام وتفريغه من جوانبه الإنمائية ولا يبقى الفساد في موقع واحد فهو ينتقل بواسطة الفاسدين وعلاقاتهم وتكوينهم المافيوي الذي يحاول أن يشرك اكبر عدداً لتوسيع دائرته والتمويه على حدوده التي يضفي عليها طابعاً وطنياً شكلاً لإخفاء جوهره المبني على نخر المال العام وسرقة مال الشعب، ومن هذا المنطلق يظهر الفاسدون كراهية لأي دعوة للإصلاح وملاحقة طرق الفساد لغلقها وتقديم الفاسدين للقانون وبالتالي يتجلى هذا العداء في السعي لملاحقة الدعوات لتحسين وضع الطبقة العاملة والكادحين وذوي الدخل المحدود باعتباره عداء طبقي يتبلور في أشكال من الصراع الداخلي والخارجي وقد يظهر البعض منه في سن القوانين أو تحريف مفهومها واتخاذ قرارات لتبويشها أو الالتفاف عليها وهو صراع طبقي أساسه بين المالكين للثروة والجاه والسلطة مهما ادعوا بالحرص على مصالح الشعب وبين الطبقات والشرائح الاجتماعية المُسْتَغَلةْ التي تقف بالضد من الفساد وتعتبره جزء لا يتجزأ من سارقي قوت الشعب كما أنها تقف بالضد من أي مساس بحقوق الطبقة العاملة والفلاحين والكادحين وذوي الدخل المحدود ومن هذا المفهوم نلاحظ مدى رفضها للبعض من الإجراءات التي تشكل ضغطاً متزايداً على المرافق المعيشية والسكنية والصحية ولهذا نشاهد ما أصاب هذه الفئات من بؤس وفقر وبطالة وعدم إيجاد فرص عمل جديدة وفي الوقت نفسه تلاحَق البطاقة التموينية ملاحقات مستمرة ووفق منهجية تدل على التوجه لإلغائها وبرز هذا النهج منذ 2005 تقريباً حيث بدأ بتقليص مفرداتها وتعطيل توزيع البعض منها ثم تقليصها شيئاً فشيئاً وطرحت مقترحات ولا سيما من قبل البعض من المسؤولين التابعين للكتل السياسية المهيمنة وفي مقدمتها صرف مبالغ على المستفيدين وحينها جوبه هذا الرأي بالرفض وجوبه بجملة من ردود الفعل وفي مقدمتها كيف يمكن منح مبلغاً من المال ثابتاً ونحن نرى جنونية ارتفاع الأسعار واستغلال الظروف والأزمات في سبيل ذلك! فكيف إذا ما ألغيت تماماً ؟ ثم من هو المستفيد من هذا التوجه المعادي للقمة الفقراء والمحتاجين وذوي الدخل المحدود الذين يعتمدون عليها لإعالة عائلاتهم؟ ولمن الطاعة برفع الدعم الحكومي للمواد المعيشية للعائلات العراقية الفقيرة وصاحبة الدخل المحدود ؟ وأمام الضغط الشعبي وكشف المستور والمستفيدين الذين يتحينون الفرص للنهب وبمختلف الطرق والأحابيل تراجعت ولو وقتياً إلغاء البطاقة التموينية على الرغم من رداءة موادها وتأخير توزيعها لكنها بقيت بشكل ما مصدراً مهماً لدعم العائلات المحتاجة وبسبب رداءة موادها وتقليص مفرداتها أعيدت " قوانة" الإلغاء باعتبارها فقدت تأثيرها ،ثم سياسة وزارة التجارة المقصودة والهادفة إلى تحقيق غرض الإلغاء بسبب جلب المواد ذات النوعية غير الجيدة، والى جانب الرفض وردة الفعل تطرح " فكرة التعويض بمبالغ يمنح اختيار المواطنين الفرصة لشراء ما هو جيد ومتنوع " وكأن الأسعار ستبقى صامدة أمام الكسب غير المشروع والتسابق على الربح من خلال ارتفاع أسعار المواد بشكل غير طبيعي والتلاعب بفقدانها تارة ثم إعادة طرحها وهكذا استمرار التلاعب والتآمر للإلغاء والتقصير الواضح من وزارة التجارة بتأخير التوزيع وبشكل كامل يتساءل المواطنون عن الأسباب الموجبة التي جعلت وزارة التجارة لا تهتم بتوفير مواد البطاقة التموينية وعن الأسباب الكامنة لرداءة المواد بينما نسمع أن الحكومة تصرف أموالاً طائلة لتوفيرها وقد رصدت لها في موازنة 2010 حوالي (2,9) مليار دولار ولا يعرف مصير هذه الأموال وكيف صرفتْ وتصرف ومن المسؤول عنها ؟ وقد تكون الإجابة واضحة بأن الفساد والمستفيدين الأساسيين في عملية الإلغاء وعدم التوفير تلك الفئات الطفيلية المتربصة بلقمة عيش الفقراء وأصحاب الدخل المحدود ليتسنى لهم مضاعفة إرباحهم بطرق غير قانونية بحجة القانون ما دام هدف الربح مبطن ومموه، وتبقى الحكومة مسؤولة أمام المواطنين العراقيين المستفيدين من البطاقة التموينية التي تعتبر بالنسبة لهم صمام الأمان أمام جشع ارتفاع الأسعار وشحة المواد المفتعلة من قبل من يقف وراء فقر وإملاق أكثرية الشعب العراقي كما تبقى مسؤولة عن عدم معالجة المشاكل الاقتصادية والمعيشية وتفاقم البطالة واتساع ظاهرة الفقر وقضايا الصحة والتعليم والسكن وغيرها فضلاً عن الوضع الأمني وكلما تفاقمت وتراكمت هذه المشاكل وبدون حلول واقعية فإن مخاطر الانفجار الذي لا يمكن معرفة نتائجه سوف تكون كارثية في وضع العراق الحالي ومن يستخف بها سوف يضحك عليه الوقت مثلما جرى للكثير من الحكام والمسؤولين الذين كانوا يُغيبون الحقيقة لا بل يشوهونها أمام شعوبهم.
إن العداء الكامن في جوهر الطبقات المسْتَغِلة للقمة عيش الطبقات والفئات المسْغَلَةْ سيبقى مادام الاستغلال والربح غير المشروع هدفها ولن تتنازل عنه بسهولة هذا ما علمنا التاريخ وتجارب الشعوب البعيدة والقريبة والآنية والشعب العراقي له من التجارب والتاريخ النضالي العديد من المآثر سوف يجعله يدرك مهما كانت الأمور صعبة حقيقة هذا الاستغلال والجشع والاضطهاد وسرقته بحجج مختلفة



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن