رواية(أصل وفصل) في ندوة اليوم السابع

جميل السلحوت
jamilsalhut@yahoo.com

2011 / 1 / 1

رواية(أصل وفصل) في ندوة اليوم السابع

القدس:30-12-2010 من جميل السلحوت:ناقشت ندوة اليوم السابع في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس رواية (أصل وفصل) للأديبة سحر خليفة.
بدأ النقاش جميل السلحوت فقال:
تفتتح الأديبة سحر خليفة روايتها"أصل وفصل بمقولة باسكال" لا تقولوا لم أقل شيئا جديدا، أسلوب ترتيب العناصر هو الجديد" فما هو الجديد الذي أتت به أديبتنا في روايتها هذه؟
فأديبتنا التي ركزت في رواياتها السابقة على الواقع الاجتماعي، واقع معاناة شعبنا تحت الاحتلال، ومعاناة ونضالات المرأة في مجتمعها الذكوري، تعود بنا في روايتها هذه الى أسباب الهزيمة، فالهزيمة والاحتلال ليسا قدرا ربانيا، بل هي نتائج لمقدمات أدّت الى ما نحن عليه، وفي عودتها الى الأصل كأني بها تسخر من الذين يتغنون بأمجاد الماضي، ونسوا الحاضر والمستقبل، تغنوا بأمجاد وبطولات كان لها دور في التاريخ، لكنها اندثرت في التاريخ نفسه بما أعقبها من هزائم وويلات، فالأصل كما جاء في الرواية يعود الى قحطان، المشتق اسمه من القحط والجدب والجوع والحرمان، لكن الجد قحطان"صار من العليّة والأعيان، كان يعتصر الفلاحين، ويذيق البدو من مرّ الأهوال، فأسماه الناس الشيخ قاحط"ص23 وهذه إشارة كبيرة الى دور الاقطاعيين في سلب الناس أرزاقهم، وتجويعهم واذلالهم، وتطاول الاقطاعيون في البنيان، وباعوا أنفسهم للشيطان في سبيل الحصول على المال، وكانوا العصا التي استعملها الغزاة في قمع الشعب، وسهلوا الطريق للمهاجرين اليهود بطرق شتى منها بيع الأرض والعقارات.
فكانت لنا "ممالك" تنافست فيما بينها وتنافس من يزعمون انتسابهم الى الأصول العريقة على خدمة الأعداء، فكان ما كان من هزائم لم يَنْدَ لها جبين العربان.
أما الفصل فقد كان الخلل الاجتماعي على الساحة الفلسطينية واضحا جدا في الرواية، فسحر خليفة لم تكتب لنا تأريخا لمرحلة ما قبل النكبة، لكنها استفادت من التأريخ الشفوي، والتاريخ الأدبي، والتأريخ الذي كتب لاحقا عن تلك المرحلة، مرحلة زمن الرواية الذي امتد من فترة نهاية الحرب الكونية الأولى الى نهايات عقد الثلاثينات من القرن العشرين.
فالجد الأكبر الذي يتحمل المسؤولية عن رهط من العائلة كان لصا يلبس ثياب الورع والتقوى، فخان الأمانة، وسرق أموال الأرملة وأطفالها...وألقيت مسؤولية اعالة الأيتام على عاتق والدتهم زكية التي عملت خياطة، وعلى عاتق الابن الأكبر"وحيد" الذي ترك المدرسة للمساعدة في إعالة اخوته، وعندما عاد الخال أخو زكية من السعودية بعد وفاة زوجته السعودية التي ساعدته في عمل ثروة كبيرة، عاد للسكن في حيفا حيث اشتغل في التجارة، واشترى اسطولا تجاريا بشراكة مع يهودي، استعمل لتهريب المهاجرين اليهود، وتهريب الأسلحة لهم، وزوج ابنه رشاد من وداد ابنة شقيقته، كما زوج ابنته رشا من وحيد ابن شقيقته ايضا، كان زواجا غير متكافئ، فرشاد نشأ نشأة غير سوية، نشأ على الملذات ومعاقرة الخمور، وتعاطي المخدرات ومصاحبة المومسات في الحانات، وشقيقته رشا فتاة ساذجة لثغاء لا تملك من المقومات سوى ما يشتريه لها والدها من الجواهر، وليسكن الجميع في حيفا مع الخال الثري، لكنهم لم يلبثوا أن عادوا الى نابلس مدينة التقاليد المحافظة، لذا فقد فشلت الزيجتان-زواج رشاد من وداد التي تركته بعدما رأت انجذابه لليهودية آستر، واهماله لها في "صولاته" في الحانات، فعادت وحيدة"حاملا الى بيت أمها، وزواج وحيد من رشا بعدما رأى فساد تجارة خاله، ورأى تهريب المهاجرين اليهود، وتهريب الأسلحة لهم على سفن خاله وصهرة-، فانضم الى المقاومة بقيادة الشيخ القسام...في حين أن شقيقه أمين واصل تعليمه وعمل في الصحافة، ونتيجة لتعليمه فقد كان لا يأخذ الأمور على علاتها، بل كان يناقش ويحتد، ويستطيع تمييز الصواب والخطأ، لذا فانه عارض زواج شقيقته وداد من رشاد ابن خاله، وزواج شقيقه وحيد من رشا ابنة خاله ايضا.
ومما جاء في الرواية أن ثورة القسام اعتمدت على الجهد الفردي للشيخ القسام وللشباب الذي استطاع تجنيدهم، وعبأهم بالعقيدة ومفهوم الجهاد والشهادة، لكن ثورة القسام انتهت باستشهاده، وما رافق ذلك من زيادة القمع والقتل التي مارسها البريطانيون واليهود، مما دفع الشعب الى اعلان الاضراب الشهير عام 1936 والذي اشتركت فيه مختلف فئات الشعب، وتعطلت فيه الحياة العامة، مما زاد نسبة الفقر، غير أن التنافس بين القيادات والأحزاب التي لم تكن مصالحها مع الاضراب، سهلت على الأنظمة العربية توجيه ندائها لانهاء الاضراب اعتمادا على نوايا "الصديقة" بريطانيا، مما أدى الى اجهاض الاضراب الذي وصل درجة العصيان المدني.
أما علية القوم في القدس، فقد كان شغلهم الشاغل هو المنافسة على تحقيق نفوذ عائلي، وتذيل كثيرون منهم للحاكم البريطاني، وسعوا الى الحصول على مكاسب شخصية، فكانوا يسهرون ويرقصون ويسكرون مع الحاكم البريطاني، حتى أن رئيس البلدية ترك زوجته واتخذ بريطانية عشيقة له، في حين أن النساء هن من تظاهرن احتجاجا على الهجرات اليهودية، وكان دور بارز للبريطانية"ليزا" التي كانت تجيد اللغة العربية، وتتعاطف مع الشعب الفلسطيني، وتسعى الى النهوض بالمرأة الفلسطينية من خلال حثها على التعليم، وحثها على ممارسة العمل، وحتى تَعلُّم مهنة تعتاش منها، لذا فان وداد عندما هربت من حيفا، من زوجها رشاد المنحرف، عادت الى القدس...الى ليزا وطلبت منها أن تبقى عندها، دون أخذ ما يترتب على ذلك من أمور لا تحمد عقباها....أما الشيخ القسام فكان يجمع الشباب، ويعبئهم بروح المقاومة، ويدربهم على السلاح،
وينمي فيهم روح ثقافة الشهادة.
لقد كان الفقر والجهل هما السائدان، والاقطاع كان متحالفا مع رأس المال اليهودي والحاكم البريطاني، وكان الاقطاعيون يستغلون الفلاحين ويذلونهم، والمرأة كانت مهمشة كليا ،بل لم يكن لها أيّ اعتبار، مع أنها قد يكون لها دور لا يمكن تجاهله، مثل عمل زكية في الخياطة لإعالة أطفالها الأيتام، وتعلم وداد مهنة التمريض، لكن هذا الدور كان مسكوتا عنه، وكان الصراع داخليا، فالناس مشتتون، ومن كانوا من المفترض أن يتخذوا دور القيادة الرائدة، كانوا يبحثون عن مصالحهم الشخصية، ويتذيلون للحاكم البريطاني الذي كان يعمل على تنفيذ وعد بلفور، واقامة وطن قومي لليهود، في حين أن اليهود كانوا يعرفون ماذا يريدون، ويخططون بشكل مدروس وممنهج، ويرفضون أيّ تعايش أو حياة مشتركة بين اليهود والفلسطينيين، فالمليونير اليهودي خضوري أقام كلية"خضوري" في طولكرم للعرب، وكلية زراعية لليهود في كريات طابور، من أجل النهوض بالزراعة وتطويرها وتنميتها، بينما رفض بن غوريون ووايزمن أقامة كلية تمريض مشتركة ممولة من اليهودية الأمريكية"روزا".
وكان الشباب اليهودي يتعلم في المدارس والجامعات، ويتعلم فنون الرياضة والجودو والكراتيه والسباحة، بينما كان الجهل والأمية من نصيب الشباب العربي، وكانت البنات اليهوديات يعشن في مساواة مع الشباب اليهودي، في كافة مجالات الحياة، بما فيها السباحة في البحر، والتدرب على السلاح وغيره، بينماكانت المرأة الفلسطينية محرومة من كل شيء.
وقد لفت الانتباه"الزيبق" ذلك الشاب الجامح المتمرد، غير المنضبط ، والذي قاتل في احراش يعبد في المعركة التي استشهد فيها الشيخ القسام، وأصيب فيها وحيد بجراح، واستطاعا الانسحاب من المعركة غير المتكافئة، فهل رمزت الكاتبة بـ"الزيبق" الى "أبي جلدة" ذلك البطل الشعبي، الذي اتخذ من واد الحرامية في الطريق ما بين القدس ونابلس مسرحا لتنفيذ عملياته، واستطاع وزميله"العرميط" أن يلحقا بالانجليز خسائر فادحة؟ لكن الشعب تعامل معهما كقطاع طرق.
اللغة والأسلوب:
استعملت الكاتبة لغة انسيابية بسيطة، طعمتها باللهجة المحكية، لتخدم السرد المعروف في الفن الروائي والحكائي والقصصي في روايتها.
وقالت نزهة ابو غوش:
لقد نكشت وفتشت أَديبتنا سحر خليفة في جعبة التاريخ الفلسطيني من بداية عشرينات الى نهايات الثلاثينات من القرن العشرين. بحثت في الملفات، واليوميات، والكتب العلمية وغيرها، والصور، والأَشعار، وسمعت الحكايات المرويَّة من أَفواه من عاصروا زمن الرواية، أَو سمعوا ممن سبقوهم من الآباء، والأَجداد... نسجت الأَديبة الأَحداث، وحبكتها مع بعضها البعض وطوَّرتها من خلال شخصيات رسمتها وفق رؤيتها، وقناعتها للتاريخ الفلسطيني، فخرجت لنا برواية شيقة مثقلة بهموم وصراعات شعب أَنهكته التقلبات السياسية والاجتماعية، والثقافية، ودرجة عالية من الغليان السياسي في ظل انتداب انجليزي يعمل وفق استراتيجية السيطرة والقمع، والتمييز ضد المواطن الفلسطيني إِلى أَبعد حدود، وفي ظل كيان صهيوني كل همِّه في هذا الكون أَن يبني كل دقيقة مدماكًا؛ من أَجل دولة صهيونية كان قد بناها مسبقًا في تصوره وخياله في دول المنفى. فلاقى دعمًا ماديًا ومعنويًا من الانجليز" إِن الانجليز يحابون اليهود ويهبونهم أَرض المشاع، ويوظفونهم في أَرقى المناصب، ويشجعون السماسرة على بيع الأَراضي ويسمحون لليهود بالهجرة وتهريب السلاح" على لسان الشيخ ص238.
اختارت المؤلفة عائلة فلسطينية تنتسب إِلى عائلة قحطان مؤلفة من الأُم زكية، والابن البكر وحيد، والأَخ الأَصغر أَمين وسمير وأُختهم الوحيدة وداد، وعائلة الخال رشيد وولده رشاد وبناته الثلاث، رشا وأَخواتها؛ لتمثل تلك العائلة وتعكس حياة الشعب الفلسطيني في تلك الفترة الزمنية. أَما الأُسرة اليهودية، فتتأَلف من اسحق شالوم، عراقي المنشأ وزوجته البولندية الأَصل، وبناتهم سارة وأَخواتها.
لقد اختارت الأَديبة ثلاث مدن فلسطينية كمواقع جغرافية دارت عليها أَحداث الرواية " أَصل وفصل " وهي: نابلس، والقدس وحيفا.
كانت نابلس المدينة الأَصل لسكن العائلة المنحدرة من سلالة قحطان، المدينة المحافظة بكل معنى الكلمة، نساؤها محجبات، متدينات تربط ما بينهن علاقات اجتماعية حميمة، في الأَفراح والأَتراح، نابلس بلد الحمامات التركية المكثفة بضباب البخار، والمبنى الغريب بحُجره وزخارفه التي تمتلئ بالنساء والأَطفال، نابلس بلد العرافات وقارئات الفنجان، نابلس المدينة التي شهدت تقلبات أُسرة زكية التي انقلبت الى أسرة فقيرة بعد عز وغنى قبل وفاة الزوج، نابلس التي خرجت منها الأُسرة إِلى مدينة حيفا خلف الخال الغني، وعادت إليها بعد عدة سنوات باحثة عن الأَمن والأَمان إثر فشل زيجات البدل، وإِثر اكتشاف وحيد تورط خاله رشيد وتخاذله مع اليهود في تهريب السلاح والمهاجرين من الدول الأوروبية، كانت نابلس ملجأَ المجاهد وحيد الأَخير بعد هروبه من الانجليز في (واد الدم).
أَما مدينة القدس في رواية سحر خليفة فقد شهدت العديد من المؤامرات، والمواجهات السياسية، ومظاهرات نسويه، كما وكشفت الكثير من الزعماء الذين تآمروا وباعوا الوطن.
أَما مدينة حيفا الساحلية فقد كانت مسرحًا كبيرًا لأَحداث الرواية، حيث تعرفت فيها عائلة رشيد على عائلة اسحق شالوم، فعمل الاثنان معًا في التجارة في ميناء حيفا وتاجرا بكل شيء، مثل السلاح والمخدرات وغيرها، مدينة حيفا المدينة الفلسطينية الجميلة المنفتحة على العالم من بوابة البحر والميناء، مدينة حيفا بلد الحرية والانطلاق ودور السينما، وعبد الوهاب وأَسمهان، والبارات والراقصات، ومجون رشاد زوج وداد وابن خالها، ولقائه بالنساء اليهوديات. حيفا هي المدينة التي خطط الثوار لاحتلالها أَولا، من أَجل جر الزعماء للدفاع عن فلسطين، حيفا التي شهدت الإضراب الكبير، حيفا بلد الشهداء الملفوفة أَجسادهم بالأَعلام العربية.
سحر خليفة الروائية الفلسطينية، ماذا أَرادت أَن تقول في أَصل وفصل؟
قالت: كفى أَن نفتخر بأَمجاد أَجداد أَجدادنا وكفى انا غناءً بالشعارات، كفى أَن ننظر إلى العباءة والطربوش فخرأ لنا، كفى أَن نتغنى ب " أَصل وفصل"، لأَن كل ذلك أَوصلنا، إِلى الفشل بل إِلى الهزيمة.
قالت الأَديبة: أَيها الفلسطيني، من أَسباب فشلنا، وهزيمتنا أَنَّا كنَّا سذَّجًا مستهترين، مطمئنًين، بينما كان اليهودي مواظبًا ملحاحًا لا يهدأُ له بال"قال الجنرال قبل وفاته" إلحاح اليهودي شيء مذهل، طاقة رهيبة، قوَّة مخيفة، تأثير فظيع...حلّوا عنَّا خذوا فلسطين وحلوا عنا" ص 146.
لقد هزمنا لأننا كنا عاجزين متشرذمين، عشوائيين، في حربنا، وثوراتنا، فجاءت أَعمالنا طائشة مدمِّرة أَمام الحركة الصهيونية المخططة لأَهدافها، والمعدة لآلياتها المختلفة من السلاح، واستمالة القوى الدولية المؤازرة لها، لقد هزمنا بسبب الاختلاف الشاسع ما بيننا وبين اليهودي: الاختلاف الاجتماعي، الفكري، الاقتصادي، الثقافي، العلمي، الوطني. هزمنا بسبب موقفنا المعادي للمرأَة، حريتها، كيانها، مسؤوليتها تجاه نفسها، ووطنها،هزمنا بسبب جهلنا المستشري فينا، ومعتقداتنا البالية، واستجارتنا بقراءة الفنجان، والرقية، والحجاب، ومؤاخاة الجن مقابل اليهودي الذي يكسِب أَبناءَه التعليم، والمعرفة، والوعي والفكر والمسؤولية الشخصية والجماعية، هزمنا بسبب وجود شخصيات بعيدة عن هموم الوطن منشغلة بمصالحها الشخصية، مستغلَّة من قبل اليهودي فيساعدها على تهريب السلاح والمهاجرين، مثل شخصية رشيد في الرواية الذي استغله صديقه، اسحق شالوم الذي لا يفكر إلا ببناء الدولة الصهيونية.
الشخصيات: لقد كانت الشخصيات تنتمي إِلى شرائح مختلفة من الشعب، فمنها الغني، ومنها الفقير والثائر، والماجن، والمستهتر، والسطحي، والباحث عن وطن، والمتعلم والجاهل.ووو..ثم شخصية ليزا المرأَة الانجليزية المتعلمة الجميلة القوية المناصرة للقضية العربية المبرزة لكل طاقاتها، من أَجل تطور القضية مترئسة الاجتماعات والمؤتمرات والمظاهرات ضد الانتداب، وضد التطور اليهودي في فلسطين، إِن هذه الشخصية بدت اعتباطية وغير مقنعة، إِذ لم يكن واضحًا هدفها ترك بلادها وحياتها المرفهة في بلادها لتندس في مشاكل ليست لها بداية أَو نهاية، كما وأَدخلت المؤلفة شخصيات معروفة مثل شخصية: الحاكم العسكري، شخصية وايزمن، شخصية بن غوريون.
اللغة: لغة الرواية سهلة واضحة وصادقة وشفافة، اللغة الفصحى مطعَّمة ببعض العامية والقليل من العبرية التي اندمجت بعضها دون فصلها بالأقواس.
وأَخيرًا أَرى في رواية الأَديبة سحر خليفة " أَصل وفصل"عملا أَدبيًا، وفكريًا ابداعيًا يستحق أَن يُقرأ.

وقال موسى ابو دويح:

سمّت سحر خليفة الجزء الأوّل من روايتها (أصل وفصل)؛ والأصل أسفل كلّ شيء، وجمعه أصول، لا يكسّر على غير ذلك. يقال:أصل مؤصّل.( انظر لسان العرب مادة أصل). أمّا كلمة فصل فهي مجرّد كلمة جيء بها على وزن سابقتها كقولنا: (حَسَن بَسَن)، وقولنا: (شَذَرَ مَذَرَ). وصارت كلمتا (أصل وفصل) تستعملان عند الحديث عن المرء من حيثُ نسبُهُ، وخصوصًا المرأة التي يُسأل عنها من أجل الخِطبة أو الزواج فنقول: إنّها من (أصل وفصل) أي أصلها كريم أو هي من بنات الأصول؛ وهي صفة تمدح بها المرأة.
ركّزت الكاتبة على موضوع زواج الأقارب، فابن العمّ أحقّ بابنة عمّه، والخال أحقّ بابنة أخته لولده. ولا تستشار البنت في ذلك، ولا تستأمر ولا تستأذن، ولا يجوز لها أن ترفض. وإن تزوّجت من قريبها وعاشت معه في جحيم، لا يجوز لها أن تطلب الفراق أو الطلاق. فبنات الأصول (لا يطلقن)، بل لا تفسخ خِطبتهن كما جاء على لسان أمّ المخطوبة: (شو يقولوا النّاس. الموت يسبق). صفحة 153.
بيّنت الرّواية كيف كان البعض يسهّل هجرة اليهود إلى فلسطين، بل ويهرّب لهم السّلاح مقابل عرض زائل.
اهتمّت الكاتبة بالثّوّار الفلسطينيّين، وأماطت الّلثام عن حياتهم البسيطة وقلّة ذات اليد عندهم؛ ومع ذلك ثاروا وقاوموا وأوقعوا في الأعداء. لكنّ المتآمرين على فلسطين سلّموا فلسطين ليهود، وهم يدّعون أنّهم يدافعون عن فلسطين. اسمع ما تقوله الكاتبة عن ذلك في صفحة 226 و227: (في القدس زعماء نيام سنصحّيهم، وأصحاب نفوذ ومصالح سنواجههم، فماذا فعلوا في المؤتمرات؟ ولجان التّحقيق المنتدبة، وخداع الإنجليز، ونواياهم في إقامة وطن بديل ليهود الغرب، على أنقاض أمتنا وعروبتنا، ماذا فعلوا مقابل ذلك؟! يفاوضون؟! يفاوضون مَنْ؟! الصّليبيّين؟! ألا يعرفون أنّ قلب الصّليبيّ الحاقد لم يتغيّر. بالنّسبة لهم كما ليهود، نحن الكفرة، نحن الأغيار، دمنا حلال، غزونا حلال، أرضنا حلال وأرزاقنا، وتجريدنا من كل غالٍ ومقدَّسٍ.
هم ويهود جاؤوا إلينا بهذا المفهوم فهل نرضخ أم نشحذ قوانا ونقاوم؟ وكيف نقاوم؟ بالمظاهرات؟! بالمؤتمرات؟! بالعرائض؟! أنا لا أرى إلّا السّلاح طريقًا ينفعنا. جرّبنا كلَّ التّجارب. حاربنا معهم للخلاص من تركيا فماذا نِلْنا؟ كذبوا علينا وخدعونا وأهانونا، وقسّموا بلادنا كذبيحة، فعدنا قبائل.
رحمة الله على تركيا، على الأقلّ كنّا أمّة، وكان الإسلام منارتنا. أضأنا العالم ثمّ خَبَوْنا فانتشر الظّلم. فماذا نفعل الآن وقد ضِعنا؟! نركع؟! نَنِخُّ؟! نسكت على الظُّلم؟! نخرس وننشلُّ ولا نقول كلمة الحقّ في وجه الضّلال والمستعمِر).
يقول إبراهيم طوقان معبّرًا عن هذه الحالة بقوله في صفحة 228:
أمّا سماسرة البلاد فعصبة عار على أهل البلاد بقاؤها
يتنعّمـون مكرَّمين كأنّما لنعيمهم عـمّ البلادَ شقاؤها
هم أهل نجدتها وإنْ أنكرتهم وهم_وأنفك راغمٌ_زعماؤها

وعن الزّعماء يقول أيضًا في صفحة 239 :
أنتـم رجـال خـطابـات منمّـقة كما علمنا وأبطال احتجاجـاتِ!
وقد شبعتم ظـهورًا في مظـاهـرة مشروعـة وسكرتم بالهتافـاتِ!
أضحت فِلسطين من غيظٍ تصيح بكم: خلّوا الطّريق فلستم من رجالاتي

ولقد بيّنت الكاتبة واقع زعماء فلسطين في قولها في صفحة 241: (جاء محمود وقال لأبيه: إنّ الاجتماع كان مهزلة وإنّ الزعماء يضلّلون النّاس ويوهمونهم أنّهم سيجدون الحلّ، مع أنّ الحلّ بعيد عنهم؛ لأنّ فلان جاء بتوظيف من الحكومة، ولأنّ المعارضة اخترعها الإنجليز).
لغة الرّواية لغة سهلة واضحة لا تعقيد فيها باستثناء قليل من الكلمات التي استعملتها الكاتبة ولا يعرفها إلّا من عاش تلك الفترة مثل: الغطوة، يشمك ( وأظنّها كلمة تركيّة)، الديكولتيه، اليانس وغير هذه.
ركّزت الكاتبة على الحوار _ وإنْ كان غالبه باللغة المحكيّة النّابلسيّة_، والحوار عنصر مهمّ جدًّا في الرّواية وهو من عناصر نجاحها.
أمّا الأخطاء الّلغويّة الّتي جاءت في الرّواية فهي قليلة بالنّسبة للكتب الّتي تصدر في هذه الأيّام، وكثيرة على مثل كاتبة الرّواية.
فمن الأخطاء:
جاء في صفحة (247) ( تستبدل موقعها المريحَ بمِهنة حقيرة) والصواب تستبدل مِهنةً حقيرةً بموقعها المريح، أو تستبدل بموقعها المريح مهنةً حقيرةً؛ لأنّ الباء تدخل على المتروك. وكذلك في صفحة (287)(عفش مهترِئٌ استغنت عنه واستبدلته بجديد) والصّواب واستبدلت به جديدًا لأنّ الباء لا تدخل إلّاعلى المتروك.
وفي صفحة (215) ( إنّ لديه موضوعًا هامًّا) والصواب مهمًّا. ولقد تكررت هذه الكلمة عدّة مرات في الرّواية.
وفي صفحة (237) ( حيث صلب المسيح) والصواب حيث صلب المصلوب؛ لأنّ المسيح عليه السلام لم يصلب لقوله تعالى:(وما قتلوه وما صلبوه ولكن شُبِّهَ لهم).
وفي صفحة (235) ( وهو شاب صَمُوتٌ ومثقَّف) والصّحيح صِمِّيت أي سِكِّيت. (انظر لسان العرب مادة صمت).
وفي صفحة (241) (لأنّ فلان جاء بتوظيف من الحكومة) والصّواب: لأنّ فلانًا جاء بتوظيف من الحكومة.
وفي صفحة (253) ( وبرَّ الشّارِب) والصّحيح وطَرَّ الشارب. نقول: طرّ شارب الغلام (انظر لسان العرب مادّة طرر).
وفي صفحة (297) ( وحساب الرّبّ) والأحسن وإلى يوم الحساب.
وفي صفحة (209) (وهي شائبة ومسنّة) والأفصح وهي قد وَخَطَها الشّيْب ومُسِنَّة أو وهي عجوز شمطاء.
وفي صفحة (262) (ألا طلاق في عيلتنا) والأحسن فصل أنْ عن لا في الكتابة فتكتب أنْ لا طلاق في عيلتنا.
وغير هذه كثير.
وختامًا الرّواية حَرِيَّةٌ بالقراءة، وتزداد قيمتها إذا ما تداركت الكاتبة الأخطاء في الطبعات القادمة.
وقالت رفيقة عثمان:
تُعتبر رواية الكاتبة سحر خليفة، رواية تاريخ شفوي، ما يُسمَّى بِالإنكليزيَّة Oral History- - تحكي هذه الرواية حكاية الشعب الفلسطيني، في حقبة زمنيَّة معيَّنة، في الفترة الانتقاليَّة ما بين حكم الانتداب الإنكليزي، واليهودي، أي ما بين سنوات العشرينات، والثلاثينات، وأوائل الأربعينات من هذا العصر.
عرضت الرواية تسلسلا لأَحداث إنسانيَّة، واجتماعيَّة، واقتصاديَّة، وسياسيَّة، من خلال التركيز على وصف لحياة عائلة فلسطينيَّة عاشت في تلك الحقبة الزمنيَّة، في فلسطين ما بين حيفا، ونابلس، والقدس.
نسجت الكاتبة شخصياتها بوصف دقيق، مع تحرُّكاتها وِفقًا للأحداث، والوقائع الدراميَّة التي حدثت بشكل صادق، وبكلِّ حذافيرها، ومن خلالها عكست حياة الشعب الفلسطيني لهذه الحقبة الزمنيَّة؛ لتكون شاهد عيان على الوقائع الحقيقيَّة الحيَّة. حبكتها كاتبتنا في سرد قصصي مُشوِّق فيه بُعد إنساني، واجتماعي يخاطب العقل والروح معًا.
أهمل المؤرخون التوثيق التاريخي، ونقل تفاصيل تلك الأحداث، وفي رصدها، ولم يُعطوها اهتمامًا يُذكر.
إننا بحاجة ماسَّة لهذا النوع من الأدب، لأننا في سِباق مع الزمن، بسب تقدُّم السن للأجداد، لنقل تاريخنا، وتراثنا الغني من أفواههم للأبناء، لأنه تاريخ محفور في ذاكرة الأجداد، والجدَّات، ولم يستطع أحد غيرهم تصويره كما هم يفعلون، فهم أفضل مصدر لتصوير المعاناة المُجسَّدة، من الآمال والآلام، من الاقتلاع والضياع، الذي مرَّ بها الشعب الفلسطيني، وردًّا على محاولات طمس الحقائق التاريخيَّة، أو تشويهها.
إن رواية الكاتبة سحر خليفة، ساهمت في تعميق الذاكرة، وحفظها، وأضافت زخمًا، وإثراءً لأرشيف التاريخ الشفوي الفلسطيني،
اهتمت الكاتبة في توثيق علمي دقيق لمصادر المعلومات التي استقتها منها، وأوردتها في الرواية؛ لتضيف مصداقيَّة لروايتها، سواء كانت من مصادر علميَّة، أو أدبيَّة، أو من شعر لأحد الشعراء، أو من نثر لأحد الكُتَّاب الذين كانوا من الشاهدين الأوائل على وقوع تلك الأحداث، إنَّ استخدام توثيق المصادر مُلزم به الباحثون العلميُّون، فهكذا نهجت كاتبة الرواية، نهج الباحثين، وليس نهج الأدباء.
الدور السياسي للمرأة الفلسطينيَّة ومكانتها في الرواية:
اختارت الكاتبة شخصيَّة الأم زكيَّة كشخصيَّة أساسية، ومحوريَّة في الرواية، فهي ذات شخصية قوية، كما ذكرت في الرواية، وهي "من أصل وفصل، ولا من كل الاصول. أبوها الشيخ فُلان الذي يعود بأصله إلى جذرمن النبي" صفحة 260، "بنت الأصل والفصل وخير الاصول" صفحة 362.
إنَّ شخصيَّة الأم تُمَثِّل الوطن، التي ظلَّت قويَّة أمام الصعاب التي واجهتها طوال حياتها، وظلت صامدة في بيتها، ولم تُغادره أبدًا؛ كي تحافظ عليه من الأعداء، ولأنه إرث من الآباء والأجداد.
الشخصيَّة الثانية الإبنة وداد: التي كانت ضعيفة جدًّا في حضورها، وجسمها، اهتمت الكاتبة في تغيير شخصيَّتها، لإنسانة قويَّة، طموحة، وعصاميَّة، ربَّما أرادت الكاتبة أن ترى التغيير عند الفتيات الفلسطينيات، والتطلُّع نحو العلم، والمعرفة، والتحرُّر الفكري، والثورة نحو الذات، ونحو كل قيد يقف امامها، لتحقِّق طموحها وانخراطها في تكوين الهويَّة الوطنيَّة.
شخصيَّة ليزا: إنكلزيَّة الأصل، الساكنة في مدينة القدس، الفتاة المسيحيَّة الجميلة، المتعلِّمة، والمثقَّفة، تتقن التحدُّث باللغات الأجنبيَّة، ذات الحضور البارز، والشخصيَّة القويَّة، والجريئة، لها تأثير قوي عند إبداء آرائها السياسيَّة، والمُساهمة في الدور السياسي في فلسطين، وإقامة الجمعيَّات النسائيَّة، للمساهمة في التغيير، والمقاومة، جنبًا إلى جنب الرجال، إنَّ إقحام هذه الشخصيَّة في الرواية، يُهمِّش دور المرأة الفلسطينيَّة، والتي هي أحق بأن تُدافع عن وطنها، التغيير لا يأتي من الخارج، والأصح أن يكون من الداخل.
شخصيَّة ليزا تُثير الشكوك، والقلق. لو سلَّمنا بوجودها، ربَّما ترمز ليزا إلى الشخصيَّة الواعية، والتي لها تأثير نحو تغيير المرأة، وتحريرها، لأنها تنتمي لمدينة القدس، بلد النور والعلم، بغض النظر لانتمائها الديني.
تتَّصف معظم النساء في الرواية، بضعف الشخصيَّة، فهنَّ سلبيات، وجاهلات، مقموعات، غير جميلات، كما عبَّر عنها الرجل اليهودي، صديق عائلة رشاد.
كذلك السيدة رفيعة أم أحمد، ساهمت في دورها السياسي، وقيادة النساء الفلسطينيَّات ذوات الشأن الرفيع، ودمجهن في العمل السياسي، والمشتركة الفعَّالة في المقاومة، ومطالبة الحقوق للشعب الفلسطيني، والمشاركة في المظاهرات ضد الاحتلال.
شخصيَّة عليا الجارة: الفتاة الواعية، ولها تأثير على وداد، في تحريضها نحو الاستقلاليَّة، والسعي نحو التغيير من وضعها الاجتماعي.
ساهمت النساء الفلاحات، القادمات من القرى القريبة من نابلس، في نقل السلاح للمقاتلين، وتهريبه في السلال المملوءة بالتين والعنب، بينما صوَّرت الكاتبة، النساء اليهوديَّات، بنات إسحاق شالوم بأنهن نساء متحرِّرات، منطلِقات، جميلات، ذكيَّات، ومتعلمات، ويتقنَّ السباحة وركوب الخيل، ولعب الكارتيه.
العنوان: اصل وفصل
لقد وُفِّقت الكاتبة في اختيار العنوان للرواية، بدقَّة معناه، ومغزاه، الأصل هي الأم، التي رمزت للوطن الذي هو الأصل، وله حق الوجود منذ البداية، الشعب الفلسطيني هو أصل الأمَّة، التي تنحدر إلى جذور، وأصول عرقيَّة معروفة، ومُشرِّفة، أبًّا عن جد، جذوره عميقة في هذه الأرض، وفي هذا الوطن، ليس لاجِئًا، أو مهاجِرًا. أو دخيلا، أو محتلا....
الأصل في كل شيئ: في العراقة، والتاريخ، والأماكن، والتراث، والفولكلور الشعبي، واللغة، واللهجة، والنضال، والعلم، في العطاء، والمعرفة.
أصل الرواية المحكِيَّة، من فم الراوي نفسه، في تصوير الأحداث والوقائع بصورة حقيقيَّة، من مصدرها الاساسي، وخاصَّةً فيما يتعلق بالنضال السياسي في السِلم والحرب، والمقاومة، والملاحم، والصراعات الذاتية، مع إبراز شخصيَّات الأبطال الأصليين.
اللغة:
استخدمت الكاتبة اللغة العربيَّة الفصحى، بلغة سلسة، وسهلة، وقد استعملت اللهجة العاميَّة عندما اقتضت الحاجة لذلك، عند استعمال الامثال الشعبيَّة، كما استعملت الكاتبة اللهجة المدينيَّة، واللهجة القرويَّة، واللغة العبريّة في اللهجة العربيَّة.
والأغاني، والأهازيج، مما أضاف مصداقِيَّة للأقوال المروِيَّة.
بعدها جرى نقاش مطول شارك فيه عدد من الحضور منهم: محمود شقير، ابراهيم جوهر،د.اسراء ابو عياش، محمد عليان، راتب حمد، سمير الجندي ود.وائل ابو عرفة.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن