عدنان القطب .. السكون المؤجل !!

محمد حسين الداغستاني
maldaghstany@yahoo.com

2010 / 12 / 27

كجسد ٍ مسكون ٍ بالصمت الجلل ، إخترقتني شظيتك النافذة ، حارة ً ، ندية ً ، موجعة ، مزقـّت الأنسجة ، وفتت الخلايا النابضة بالسكون ، وألقمتني هدوءاً غريباً ، وكأن الأمر لا يعنيني ، بل وكأن الحدث في غير دنياي ، لكن الصدمة المديدة إنتهت ، وبدأ الوجع البارد الرهيب ينهش أضلاعي ، وكمنتْ لي الحقيقية المـرّة التي كنت أتهرب منها ، في أقرب منحنى ، لقد غادرتـَنا بهدوء مريب يا عدنان القطب الى الأبد .
أجل .. الجراحات العميقة تشرع برحلتها رويدا رويدا ً ، إنها كسكين مغروس ، ينام برهة ً ، ثم تحركه يدٌ خفية ليتضاعف الألم ، بفظاظة القساة ! بعد أن إكتشفتُ الآن ، الآن وحسب ، بأنك ستغيب طويلاً ، رغم إني لم أكن قد رتبتُ كريات دمي لهذا الإحتمال الوافد المفاجئ بعد ، فتقلصت الى داخلي وسددت مسامات يقظتي ، وإنكفأتُ على تلك السويعات المشتركة التي جمعت بيننا ، بعيدا ًعن الموجبات الدنيوية الضاغطة التي تفرق ولا تجمع ، والتي ننوء بثقلها في كل زمان ومكان ، سويعات كنت َ تملأها بكل الرزانة والسلاسة والنداوة المعروفة عنك ، و بحشدك المفردات الأنيقة التي كنت تجيد إختيارها ، وبالحضور البهي الذي كان يفيض من حولك .
هل غادرتنا فعلاً دون عودة ؟
أتراني لا أصدق ذلك حتى الآن ؟
عندما كان أصدقاؤك ومحبيك وأهلك يوارون التراب على جسدك في تلك المقبرة القابعة على التلة التي تشرف على مدينتك الأثيرة على قلبك ، كنتُ أخالك بجنبي نتحدث عن الغائب ومآثره ، لكن جلال الموت يأتي متجهماً ، موحشاً ولا يعرف لغة المجاملة ، إنه يتحدث بلغته الصريحة الباردة ، ليقول إنه أنت يا عدنان ، تشد الرحال الى حيث إلتئام الرفقة المؤجلة مع حسين عبدالله ، الصديق بل التوأم الحاضر الغائب ، الذي كنت تصّر على وجوده معك أينما حللت .
عدنان القطب ..
كنت تلاحقني دون كلل لكي تحظى بمساحة الود التي احررها لمجلتك الزاخرة بالمحبة الهلال ، وكنت دوماً أستغل صبرك الجميل وأستنفذ كل الوقت المتاح ، بل وأسبب في إرباك إصدار العدد كثيراً ، وها إني أكتب مساحة ودي هذه المرة لك ، دون أن تلاحقني نداءاتك ، وإلتفافك الجميل ، وأسلوبك المرن ، إنني أغمس كلماتي في كل المرارة التي تركتها من خلفك وكنتُ أتمنى إنني لو لم أكتبها أصلاً .
أبا محمد ..
كيف أرثيك وأنا الذي لا أجيد أسرار هذا الفن العتيد ؟ إنني اعرف أن صياغة الجمل في المناسبات هي صنعة المحترفين ، لهذا تركت الأمر لدخيلتي ، وأدرك أن الحياة تواصل دورانها ، وستشلني وغيري إهتماماتها الصغيرة وأحزانها الراسخة وأفراحها القصيرة ، وسنكمل المسير دونك بعد أن يلتئم الجرح الغائر ، واعرف يقيناً بأننا سنجد متسعاً من الوقت يوماً ما لنلاقيك حيث أنت ، وتكون حصاة القدر قد حرّكت السكون المؤجل في قعر البحيرة الداكنة وأحالته الى عرس للأحبة !!
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) عدنان القطب ، قصصي وإعلامي وصحفي من كركوك ، له مجموعة قصصية قصيرة جداً بعنوان (آمال)



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن