النظام السعودي و خطة الجيوب المنفتحة

خليل الفائزي
alfaezi@yahoo.com

2010 / 10 / 31

النظام السعودي و خطة الجيوب المنفتحة
* بقلم خليل الفائزي

كما كان متوقعاً فقد قدم النظام السعودي الحاكم في بلاد نجد و الحجاز اقتراحاً وصفه الإعلام المهرج بالمذهل و الكريم من خلال دعوته لقادة الأحزاب و القوى السياسية العراقية للاجتماع في الرياض بعد انتهاء فترة الحج
و كما كان متوقعاً ايضاً من معظم قادة و زعماء القوى السياسية التي شاركت و فازت في الانتخابات البرلمانية الأخيرة في العراق فان هؤلاء و منهم السيد صالح المطلك رئيس الجبهة العراقية للحوار الوطني و عبر وسائل الإعلام التابعة للنظام السعودي أعلنوا فورا عن غبطهم و سعادتهم لتلقي هذه الدعوة الكريمة و اللفتة السامية و أكدوا انهم سيذهبون الى الرياض بقلوب منفتحة (اي بجيوب منفتحة) و العودة من الرياض بعقول منتفخة او في الواقع ( بجيوب منتفخة)

الإعلام التافه الذي يملكه النظام السعودي الحاكم في بلاد نجد و الحجاز و منذ الإعلان عن هذه الدعوة بدأ بالتطبيل الواسع و المدوي لها داعياً السياسيين و الناطقين بأسماء معظم القوى والأحزاب السياسية العراقية لانجاح المخطط السعودي لجعل الرياض مركزاً أساسيا لاصدار القرارات الإستراتيجية التي تخص الدولة العراقية والتحكم عن بعد بمصير الشعب العراقي لتحويله الى لبنان ثان بعدما ظن النظام السعودي في السابق انه نجح بشراء ضمائر و قرارات معظم المسئولين العرب في الأعوام الماضية

خطة الذهاب الى الرياض بقلوب منفتحة و العودة منها بجيوب منتفخة التي دعا إليها النظام السعودي طبقها المملوك فهد و تابعها باقتباس خلفه المملوك عبد الله في لبنان اولاً اي بعد الحرب الأهلية في هذا البلد من خلال شراء ذمم معظم قادة القوى السياسية و فرض عليهم ما عرف لاحقاً باتفاق الطائف الذي ينص بالأساس دفع الأموال الطائلة لقوى سياسية في لبنان و شراء ايضاً الموقف السوري في بعض الفترات و فرض إرادة النظام السعودي على قرارات الجامعة العربية، وهو الاتفاق (السياسي و المالي) الذي حاولت أنظمة عربية نفطية أخرى مثل قطر و الإمارات تقليده و نسخه لصالحها فنجم عن مساعي هذه الأنظمة اتفاقيات مشابه للطائف أطلق عليها "اتفاق الدوحة" و اتفاق "ابو ظبي" و اتفاق "القاهرة" و غيرها من المسميات التي تتشابه في المحتوى و المضمون و لا تخرج عن خطة مماليك السعودية لشراء ضمائر و ذمم زعماء و قادة القوى السياسية و تحولهم الى بيادق و عناصر تخدم خطط النظام السعودي و كافة الأنظمة الرافعة لبيارق الاستسلام أمام إسرائيل و الانبطاح عراة تحت رغبة و سلطة العسكري الأمريكي المحتل للمنطقة

و عودة لموضوع تطبيق خطة "الجيوب المنتفخة" في العراق فان النظام السعودي كان قد نفذها علانية لمرتين و عشرات المرات في الخفاء في عهد المملوك السابق فهد و الحالي عبد الله و بالتحديد في الأعوام القليلة التي سبقت سقوط نظام صدام حسين لا لمواجهة او تحدي هذا النظام بل لاحتواء نشاط و قدرة المعارضة العراقية آنذاك حيث تمت دعوة الكثير من قادة هذه المعارضة خاصة الذين كانوا يناضلون في النوادي الليلية في لندن و باريس و يكافحون في خمارات بيروت و دمشق و عواصم الدول الاشتراكية

و الطريف في هذا السياق ان المتحدث باسم ما كانت تعرف بالمعارضة العراقية هو مسئول كبير حالياً في الدولة العراقية و خلال لقائه و أعضاء وفد المعارضة من الذين لبوا دعوة "القلوب المنفتحة" مع المملوك فهد و من بعده عبد الله تصور ان كثرة الكلام الفارغ عن "نضال" هذه المعارضة و شرح "كفاح" عناصرها في كافة الجبهات و الميادين، و صياغة و تلفيق الأكاذيب البالونية عن الخطط والانتصارات القريبة والمزعومة في الساحة العراقية سوف يزيد من حماس و فاعلية قادة النظام السعودي في عملية الضخ في "الجيوب المنتفخة" الا ان جميع الحاضرين في كلا الاجتماعين مع فهد و عبد الله شاهدوا و لاحظوا علانية ان المملوكين السعوديين قد غطا في النوم العميق منذ اللحظة الأولى لبدء حديث المتحدث باسم المعارضة العراقية و لم يسمعا منه و لا كلمة من الخطاب النفاقي و الممل و عندما انتهى ممثل المعارضة من كلامه، فاق فهد و كذلك فعلها المملوك عبد الله و قال بصوت خافت يصدر من متثائب مخمور للوزير سعود الفيصل الذي حضر كلا الاجتماعين: ها . . اتفقوا على المال (المبلغ)! يلا يا ولد أعطيهم مما أعطانا الله !

و بعد ايام فقط من ذاك الاجتماع تحول جميع ممن كانوا يصفون أنفسهم بقادة المعارضة العراقية المناضلة من الذين ظلوا لعقود من الزمن شبه شحاذين في سوريا و دول عربية وغربية و لا يجدون حتى حق سندويش "لفة فلافل بخمس ليرات" الى أغنياء و أثرياء و يكافحون بأموالهم و مما أعطاهم النظام السعودي في النوادي الليلية و الخمارات و دور الفسق و الفجور حتى فرج الخالق اخيرا عنهم بسقوط النظام السابق و دخول العراق راكبين على ظهر الدبابات الأمريكية رافعين العلم المخطط بالأبيض و الأزرق و ذي النجمات الخمسين بدلاً من العلم العراقي بذريعة لان نجمات هذا العلم ألغيت او صارت اقل عدداً و اصغر حجماً من العلم العراقي!

السؤال الذي يلح و يطرح نفسه في هذا المنحى، هو يا ترى ما نفع و جدوى خطة الذهاب الى الرياض بقلوب منفتحة، و ما هي نسبة النجاح المتوقع من نتيجة اتفاق "الجيوب المنتفخة" خاصة و ان مثل هذه الخطة لم تحقق الكثير من المراد منها على الساحة اللبنانية و دول اخرى مثل اليمن، بالإضافة الى انها طبقت على ارض الواقع مع العديد من الأحزاب القوى السياسية قبل الانتخابات البرلمانية الأخيرة في العراق و حتى ان النظام الحاكم في نجد و الحجاز اشرف في الأعوام السابقة على العديد من الاجتماعات التي سميت باجتماعات دول الجوار لبحث الوضع السياسي والأمني في العراق لو تتمكن هذه الاجتماعات حتى الان من إقناع معظم قادة القوى السياسية التراجع عن مواقفهم او المساهمة الجدية في حلحلة الأزمة و فك عقدة الأزمة الأمنية وشفرة اختيار "رئيس الوزراء" حيث لم يتمكن الشعب العراقي من فك هذه العقد من خلال مشاركته الواسعة في الانتخابات و عجزت أمريكا المحتلة و دول الجوار من فك شفرة فرض "رئيس الوزراء" على البرلمان من مرور اكثر من 7 اشهر على نتائج الانتخابات التشريعية، فهل يستطيع حقاً النظام السعودي حل هذه الأزمة لمجرد دعوة أصحاب القلوب المنفتحة و الجيوب المنتفخة الى الرياض و لعب هذا النظام دور الرجل الكريم الذي يبسط يده و يبذخ الأموال على الشحاذين من زعماء القوى السياسية الذين تحولوا بالفعل الى نموذج آخر من زعماء الساحة اللبنانية من الذين يفتعلون الأزمات و يبقون عليها لاستعطاف و استمالة هذا الطرف او ذاك لمدهم بالمال و إغداقهم بالعطايا و المزايا؟

قطعاً ان النظام الحاكم في نجد و الحجاز لم و لن يتمكن من المشاركة في الأزمة السياسية في العراق و لا في اي دولة اخرى لانه اولاً: لا يملك سوى سياسة شراء الذمم و الضمائر بالأموال الطائلة و هذه السياسية قطعاً لا تشمل و لن تؤثر على القلة من الشرفاء السياسيين و الوطنيين العراقيين من الذين يرفضون تدخل اي دول او قوى إقليمية و غير إقليمية بالشأن العراقي و بالرغم من ان هؤلاء هم بعدد أصابع اليدين الا انهم قطعاً يمثلون بحق صوت غالبية الشعب العراقي الذي سينتفض قريباً و يضع حداً لجميع المهازل السياسية التي تشهدها الساحة العراقية من تدخلات إقليمية و احتلال غاشم يجثم على جسد العراق منذ سبع سنوات عجاف و حتى الان، و ثانياً: ان النظام الحاكم في نجد و الحجاز و الحاقد على الشعب العراقي هو بالأساس رأس الفتنة و هو المسئول الأول و الأخير عن تدريب و إرسال ودعم الإرهابيين القتلة و المجرمين المنظمين الى العراق وهو وراء اختلاق و افتعال و صناعة ما يسمى بتنظيم القاعدة الإرهابي الذي أدت أفعاله الإجرامية الى احتلال أفغانستان و من بعده العراق و اندلاع الأحداث الدامية في دول أفريقية و استمرار الأزمات في لبنان و اليمن والصومال. و لو لا الدعم المالي و الإعلامي و السياسي الواسع للقاعدة من قبل آل سعود الداعمين الأساسيين للإرهاب المنظم لما استطاعت التنظيمات الإرهابية البقاء لعدة ايام في اي دولة من دول المنطقة و العالم. و ثالثاً: و تطبيقاً للمبدأ المعروف "فاقد الشيء لا يعطي" فان النظام السعودي فاقد لكل شئ، فهو فاقد للمسئولية و فاقد للوجاهة و فاقد للإنسانية و فاقد للمبادرات السياسية و قادته أجلاف أميون و حمقى لا يميزون بين الديك او الدجاجة و يعبدون ربهم الأعلى في واشنطن و يسجدون امام قبلتهم في تل أبيب ، فكيف لمثل هذا النظام ان يدعي انه يسعى لحل الأزمة السياسية في العراق تحت مظلة الجامعة العربية، لاسيما و ان هذا النظام أساس بلاء و أزمات المنطقة و الجامعة العربية كذلك هي كما يقال كالأطرش في الزفة و لم تنجح منذ تأسيسها و حتى الان في حل اي معضلة سياسية او مشكلة حدودية بين دولتين عربيتين

قطعاً ان نوايا هذا النظام خبيثة و يسعى بالتأكيد لتأجيج الخلافات السياسية و النزاعات الطائفية و توسيع الأزمات الأمنية في العراق و بلدان أخرى، و على هذا الأساس نطالب نحن دعاه إرساء المجتمعات المدنية لضرورة مقاطعة دعوة النظام الحاكم في نجد و الحجاز للذهاب الى الرياض و عدم ممارسة دور الشحاذة و الاستجداء ممن هم وراء دعم الإرهابيين و تنفيذ جميع التفجيرات وعمليات القتل المنظمة في العراق مع احترامنا بالطبع للقوى السياسية التي من حقها ممارسة دورها في خطة "القلوب المنفتحة لملأ الجيوب المنتفخة" الا ان على قادة هذه القوى ان يدركوا من ان المشاركة في اجتماع الرياض سوف تفتح باب التنافس الإقليمي على مصراعيه بشكل أوسع و يجعل الكثير من دول المنطقة بان تطبق أشبه بالخطة السعودية ذاتها و تدعو أحزاب سياسية عراقية أخرى الى عواصمها بقلوب منفتحة ايضاً، و هذا يعني تمزيق المزيد من الوفاق الوطني و تعقيد أزمة اختيار رئيس الوزراء و جعل العراق عرضة لدوامة التنافس الإقليمي لنهب ثرواته و خيراته و إدخاله في إعصار الحرب الطائفية بدلاً من ان يكون العراق مفخرة للمقاومة و الصمود و ساحة لمقارعة الاحتلال والغزاة و مقبرة للقتلة و الإرهابيين

* كاتب و إعلامي ـ السويد
alfaezi@yahoo.com
www.jaziera.net



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن